أخبار عاجلة
الرئيسية / آخر الأخبار / العلامة محمد بن الحسن المرادي الحضرمي الشنقيطي (076)

العلامة محمد بن الحسن المرادي الحضرمي الشنقيطي (076)

الإمام أبو بكر بن محمد بن الحسن المرادي القيرواني يرجع نسبه إلى قبيلة مراد القحطانية اليمنية ويبدو أن آباءه ينتمون بمعنى من المعاني لمدينة حضرموت ولذا عرف بالحضرمي ولا يُعرف عنه سوى أنه نشأ بالقيروان التي كانت ربما محط رحال الأسرة بعد رحيلها من حضرموت، وتحتفظ المدينة للإمام الحضرمي بعاطفة جياشة، ويعتبر السكان أن قبر الإمام يمثل محضناً كبيراً للبركات وأن زيارته تعني التحرر من سلطان الشيطان ودرن الآثام، كما يسعى العديد من هؤلاء إلى تقديم القرابين والهدايا إلى قبر الإمام، وتتناقل الروايات الشعبية أن عدداً كبيراً من «المُنكِرين» على الشيخ قد وجدوا أنفسهم ضحية ما اقترفوه «من سوء الظن بأهل الله».

ويمثل الحضرمي المرادي أحد أهم أقطاب الأشاعرة في المغرب العربي ويوصف بأنه مثل بالنسبة للحركة المرابطية المعلّم الثاني بعد الفقيه عبد الله بن ياسين الجزولي، لكن الذي اشتهر به الحضرمي أكثر من غيره هو اهتمامه الواضح بالفقه السياسي وبإدارة الدول، وذلك عندما ألف كتابه «الإشارة في تدبير الإمارة» الذي عكس بجلاء مدى الطموح السياسي لدى الحضرمي الأمر الذي جعل أمراء الأندلس والمغرب يزْوَرّون عنه حتى قال عنه ابن بسام الشنتريني في كتابه الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة: «وقلّت دولةٌ من دول الطوائف بالأندلس إلا ابتغى إليها وسيلة، وأعمل في الهجوم عليها حالاً وحيلة» لكن محاولاته على ما يبدو باءت بالفشل فقد كانت الدول «تنزوي عن مكانه انزواء الخائف من الرصد وتغص بإحسانه غصص العين بالرمد»..على حد تعبير الشنتريني.


ولما لم يجد الحضرمي من سبيل إلى الترقي في الدول والممالك الأندلسية يمم شطر صحراء موريتانيا حيث التحق بالأمير المرابطي أبي بكر بن عمر اللمتوني الذي عينه قاضياً لمدينة «آزوكي» في الشمال الموريتاني، حث بدأ الرجل ينتمي إلى الذاكرة الشنقيطية ويدخل في صميم التاريخ والانتماء. ولا توفر المصادر التاريخية الكثير من المعلومات حول هذه الشخصية سوى أن الرجل أقام في هذه المدينة يعلم الناس العلوم الشرعية ويقضي بينهم في خصوماتهم وأنه مع ذلك مارس الدعوة والجهاد ضد القبائل الوثنية التي كانت تسكن المنطقة مثل قبائل النمادي والبافور، إضافة إلى الممالك الزنجية الوثنية التي صارت فيما بعد جزءاً من الدولة المرابطية ودولة غانا الإسلامية في ما بعد ذلك، قبل أن ينتقل الرجل إلى الرفيق الأعلى سنة 589هـ.
ومع وفاة الرجل وانتقال السلطان المرابطي إلى مراكش، بدأت مدينة «آزوكي» تفقد بريقها وجاذبيتها، الأمر الذي لم ينطبق عليها فحسب بل كان جزءاً من تراجع مكانة المدن الصحراوية، وفقدانها لقيمتها الاقتصادية والعلمية، لينشأ على أنقاضها مجتمع البادية الشنقيطي الذي مثل علامة فارقة في تاريخ العمران البشري عندما صار بالإمكان «الحديث عن علماء البادية، وقد كان العلم والثقافة جزءاً لا يتجزأ من ملامح المدينة وكانت البادية عكس ذلك» تماماً.
لكن اسم الإمام الحضرمي عاد بقوة مع القرن الحادي عشر الهجري وذلك عند ظهور شخص يعرف بمحمد بن أحمد بن شمس الدين المعروف بالمجذوب الشمسدي، الذي ادعى أن الإمام الحضرمي كان يملي عليه كتبه وفتاواه في المنام وأنه لم يكن يقطع أمراً دون مشورته، ولئن قابل فقهاء «الظاهر» هذا المسلك الغيبي بالكثير من النقد والتشنيع، إلا أن ذلك لم يقضِ على الصورة الرمزية التي علقت بأذهان الشناقطة عن الإمام الحضرمي، وورثوها إلى أجيالهم المتعاقبة.
واليوم إذ يرتفع الضريح الذي هدت إليه الرؤيا ويتزايد السياح والزوار الذين يرجون البركات أو الباحثون بين الحجارة المعمرة عن خيوط التاريخ المنسي، فإن «آزوكي» قد تراجعت من مدينة عامرة ذات قلاع وأسوار، إلى قرية صغيرة يسكنها عدد قليل من السكان قد لا يبلغ 500 ساكن ينامون على التاريخ المدفون تحت الرمال.

صدقة جارية