أخبار عاجلة
الرئيسية / آخر الأخبار / العلامة الشيخ محمد بن عبد الودود الحاجي الشنقيطي (087)

العلامة الشيخ محمد بن عبد الودود الحاجي الشنقيطي (087)

بين آوكار وإينشيري وتيجيريت وتازيازت وأزفال وتيرس، مجال جغرافي قامت به محاظر بثت العلم في قلوب الرجال وعم إشعاعها أقطار المعمورة، قامت متنقلة على ظهور العيس وفي حواضر مثل آبير وشنقيط و وادان وأطار.
ولئن أمست تلك المحاظر قفرا مرابعها تستوقف البواكي، فإنها يوم كانت عامرة اتسعت لحكمة العالم، وكانت تعشو إلى ضوء نارها البوادي وعند رقراق علمها السلسبيل أنهت الصحراءُ صيامها، ولئن جف الشذى وتفرق الأهل، فإن روحها بقيت مُعتَقة في دِنان الدهر تتعاطى سلافها الأجيال جيلا بعد جيل.
التضاريس التي اصطبغت بالشعر، موغلة فى الجمال والقسوة، حيث الندرة الشديدة فى الأمطار، وطبقات مائية جوفية قليلة المخزون مرتفعة الملوحة، ويغطي تلك المنطقة غطاء نباتي ليفى وعشبي فقير من أشجار الطلح (السيال) أورراش الأرطاء واسبط (أژران والحلفة) والسعدان و التمات وآسكاف وآتيل وايكنين والغرقد والذنبان، وثروة حيوانية تتمثل فى الإبل والماعز، واقتصاد يعتمد على مقايضة السلع بالتمر والملح، ويقف في طريق خط نشط للقوافل وهي تحمل الذهب والملح والعبيد في رحلة الشتاء والصيف بين تمبكتو وسنلوي و واد نون، لمقايضته بالشاي والقماش والقطران، والزرابي والحبوب، والتمر، والعطور، والبهارات.
ولئن كان المجال فقيرا في موارده صعبا في تضاريسه فإنه غني بأهله:
تلْ اكويدسْ ذَ گال حَدْ :: مجدوبْ ءُلا عندُو مَ
وابعيد امن المَ غيرْ بعد :: عندُ خيمه معلومَ

من أقدم محاظر ذلك المجال الجغرافي وأرسخها في العلوم وأعلاها كعبا في فنّي المنقول والمعقول، محظرة العلامة شيخ الشيوخ فريد عصره ونسيج وحده العلامة محمد بن عبد الودود الحاجي وابنه عبد الودود.
في كرم آل عبد الودود (أهل اباه) من أهل الحاج المختار، يقول الصّناجة محمد ولد اسويد أحمد ولد محمد خويَ المجلسي “ابُّـوكُ”:
ذ النوب گالت لخطاطير :: البلْ عند أهل ابّاه ارگاگ
ماهُ عَيْبْ إلهَا بلْ انتيرْ :: ابلدْ عزتها من لخلاگ
مالكٌ و ما مالك، مالكٌ خير من ذلك، له إبل كثيرة المبارك قليلات المسارح، وإذا سمعن صوت المزهر أيقن أنهن هوالك.
يقول الأستاذ الكبير أحمدُو ولد عبد القادر:
وصف صالح بن عبد الوهاب في “الحسوة البيسانية في معرفة الأنساب الحسانية” محمد بن عبد الودود وابنه عبد الودود من أهل الحاج بأنهما “فخْر الزوايا وحسان”.
كان العلامة محمد بن عبد الودود متفوقا في علوم العربية والمنطق والفقه والأدب، لأنه جال طويلا في طلب العلم داخل القطر، وتوغل شمالا في طلبه حتى وصل الزاوية الدلائية في الأطلس المشهورة بعلوم العربية، فدرس فيها كل ما هو متاح من علوم وفنون.
ومن بين ما تميز به أنه كان يطبق منهجا في التعليم، يخصص للغة العربية والتمحض لتدريسها، نحوا وصرفا، ودلالة، وبلاغة، ومعجما، أغلب السنوات الأولى من دراسة الطالب.
وبعد إتقان علوم العربية وحفظ معاجمها كالقاموس، يبدأ للطالب في دراسة الفقه وتفسير القرآن وغير ذلك.
وكان يدرّس غيلان بشرح ابن خروف، وهو أول شرح لديوان ذي الرمة غيلان يصل للمنتبذ القصي، لابن خروف الأندلسي، وهو علي بن محمد بن علي بن محمد بن نظام الدين الحضرمي، المعروف بابن خروف الأندلسي الإشبيلي، وكان شرحه لديوان غيلان معتمدا في المنتبذ القصي خاصة في محاظر العلويين والحسنيين.
وكان العلامة محمد بن عبد الودود يدرّس، الألفية في علمي الصرف والنحو بشرح أبي زيد عبد الرحمن المكودي الفاسي المتوفى سنة 807 ﻫ، وهو إمام النحاة في زمانه، وأعلمهم باللغة، ينسب إلى قبيلة بني مكود، وهي إحدى قبائل هوارة التي استقرت ما بين فاس وتازة، كان عالما بالنحو، درس كتاب سيبويه بمدرسة العطارين، وبعد خبرته الطويلة في التدريس، شرح ألفية ابن مالك، ويعتبر شرحه من بين الكتب الخالدة، وأول شرح لألفية ابن مالك دخل المنتبذ القصي، جلبه العلامة محمد سعيد بن تگدي اليدالي، الذي قام برحلة علمية إلى تافلالت بجنوب المغرب الأقصى في القرن العاشر الهجري، وتضلع من علوم النحو و اللغة.
كما كان العلامة محمد بن عبد الودود يدرس ابن هشام في السيرة، والشعراء الستة بصورة معمقة، إضافة لأيام العرب وأنسابهم.
وكان طلابه يحفظون المدونة لسحنون ومختصر خليل بن إسحاق، والرسالة لأبي محمد بن أبي زيد القيرواني، والتبصرة لابن فرحون، وإضاءة الدجنة بشروحها، والسُّلّم للأخضري، إلى غير ذلك من الكتب.

كان العلامة الشيخ محمد ولد عبد الودود مرجعا في مجاله الجغرافي وخارجه، وتصدر للفتوى الشرعية في حله وترحاله، وتولى هو وابنه عبد الودود القضاء في إمارة يحي بن عثمان، خاصة في عهد الأمير العادل أحمد ولد امحمد ولد أحمد العيده:
مِنْ عَافِيتْ أحْمَدْ لمْحَمَّدْ :: وِلْ أحْمدْ مَا يَگـبَظْ لِغـْـيَارْ
حَدْ الْ حَدْ ولا يَعْطِ حَدْ :: الْ حَدْ اتـْـلَ مَاهُ لَخْـبَارْ

توفي العلامة الشيخ محمد ولد عبد الودود عند (ژوگ) يقول تلميذه العلامة الشيخ محمدُ ولد احظانا الحسني في رثائه:
جُلُّ ما كان من وفاء العهود:: كان للشيخ نجل عبد الودود
إن عينا لم تبكه يوم (ژوگٍ) :: بنجيع خليقة بالجمودِ
فعيون النهار تبكي لصوم :: وعيون الدجى لأجل السجود
وعيون العلوم جرّى عويص :: وعيون العطاء للمجهود
وعيون الآثار تبكي لضبط :: ومعان مناسبات الحدود
وعيون الآراء تبكي لرأي:: مستقيم ذي مرة محمود
فلئن كان إرث أحمد فينا :: فهو أولى بإرثه المعهود
حاز معنى الحديث من كل وجه :: بأسانيده ولفظ شرود
حاز نحو النحاة من كل وجه :: بتصاريفه وضبط المكودي
وتراه أبا المودة يملي :: بشروحاته ونص كؤود
إن تزره تزر جوادا كريما :: لوذعيا مطابق المقصود
حسن الخلق والشمائل أري :: للمصافي وعلقم للجحود
لو رأينا من المنون فداء :: لفدينا بتالد المنقود
لفديناه بالنفوس جميعا :: وذوات الدماء بيض وسود
فجزاه الإله خير جزاء :: عن أهالي القرى وأهل العمود
بث فيهم علومه بقبول :: وبها قد تصدّروا للصُعود
فاسكننه دار النعيم مقيما :: في نعيم من ظلها الممدود

ويقول الأديب الكبير محمد عبد الرحمن ولد المبارك ولد اليمين الگناني في رثاء الشيخ العلامة عبد الودود ولد محمد:
مَعلومْ الظاهرْ ءُمعلومْ اسريرَ :: الكَيّسْ الرِّيِِسْ امن أيامْ لحْوالَ
وخيرتْ لكبيرَ ءُ وخيرتْ اسغيرَ :: امشَ مُوَدَّعْ للرَّبْ تعالَ

صدقة جارية