أخبار عاجلة
الرئيسية / آخر الأخبار / نبذة من حياة الشيخ محمد المـــــامي بن البخاري الشنقيطي رحمه الله 020

نبذة من حياة الشيخ محمد المـــــامي بن البخاري الشنقيطي رحمه الله 020

قبل قرنين ونصف من يومنا هذا أي مابين سنتي 1771و 1775 ولد بمنطقة تقع جنوب “تيرس” عند “آشقيق لعظام” بين “أغوينيت” و” بئر المام ” التابعة اليوم لنفوذ عمالة اقليم اوسرد باقصى جنوب المغرب ،

الشيخ محمد المامي بن البوخاري من قبيلة تسمى ” أهل بارك الله ” لاتزال موجودة الى الان يسكنون جنوب المغرب وهي القبيلة التي يعود لها فضل حفرأبار منطقة تيرس ، وهو ينتسب كما تبين ذلك سلالة اسرته الى بيت عبد الله بن جعفر بن ابي طالب رضي الله عنه .

وسميت قبيلته بهذا الاسم نسبة الى جدها بارك الله الذي وصف بالاستقامة والصلاح وقد حج الى بيت الله الحرام في ذلك العصر الذي كان الحج فيه بالغ الصعوبة وكان وليا شهيرا وعرف بالكرم والعبادة والزهد وقيام الليل .
وتجدر الاشارة الى ان ولادة الشيخ محمد المامي حرص فيها حسب كتب التاريخ على ان لا تقع خلال عقد قران والديه اية معاصي وحافظت امه على طهارة المولود الجديد وذلك لما كان ينتظر من المولود الجديد من ولاية كبيرة ، كما اخبر بذلك من قبل الولي الشهير والمقرئ الكبير سيدي احمد الحبيب المغربي السجلماسي ، وسمي الشيخ بالمامي كإسم مأخوذ عن كلمة الإمام بالعربية ، ثم استحال نطق الكلمة على السنة الاعجام الى المامي ثم اخذها العرب وتسموا بها تيمنا بالشيخ الجليل وهي عادة شائعة في العالم الاسلامي اذ يسمي الناس ابنائهم بالعلماء والصالحين والملوك والابطال .
سافر الشيخ خلال المراحل الاولى من طفولته الى بلاد السوادين – جنوب نهر السنغال – ولم يعد الى موطنه الأم الا بعد العشرين من عمره وقد اكتمل نضجه واصبح معدودا من كبار الاولياء والصالحين ذوي المكرمات ومن محققي العلماء في جميع فنون العلم والشعر ومن البلغاء المجددين والشعراء المجيدين باللهجة الحسانية ومتصوفا وذكر انه كان على الطريقة القادرية ، غير انه لم يعثر في الكتب وما تناولته الألسن عن أي شيخ له او مدرسة قرأ فيها .

ويذكر ان سبب عودة الشيخ محمد المامي الى وطنه مناشدة حد ابناء عمومته له ليصلح بعض مما نجم من خلافات بين ابناء عشيرته قائلا :

مما اخص وتعنيه مخاطبتي محمد المام ركن القوم ان حفلوا

ويحكى ان الشيخ سهر تلك الليلة وتوسل الى ربه بنبيه و أصحابه في واقعة بدر قائلا :

طال ليلي بعد طول نهاري ولغوبي فلم يقر نهاري

إلى أن يقول :

فلكم بالجميع فرجت هما كان ملء القلوب والأبصار

وللعودة الى قبيلة اهل بارك الله التي جمع الشيخ عقدها يمكننا منها ان نتعرف على الوضع العام لقبائل الصحراء خلال نهاية القرن السابع عشر وبداية القرن الثامن عشر ، فقد اتصفت الحياة في الصحراء وشمال موريتانيا ووسطها بالمعقدة وكانت الغزوات المتكررة والنهب بين القبائل من الامور السائدة آنذاك وكان من المستحيل ان تجد قبيلة نفسها محايدة ولم يكن هناك مجال للضعف واصبح الاسترقاق مباحا والتغريم لا مفر منه وكثرت الاخطار ، وظهرت امور فقهية لم تكن معروفة في الماضي منها على سبيل المثال ” الصربة ” حيث كان شيوخ القبيلة المغار عليها يرسلون وراء القوة التي استباحتهم او يستأجرون من يعيد الاموال المنهوبة ، وهنا تطرح مسألة ملكية هذا المال الذي كان لشخص واخذ منه بالغصب و أعاده شخص آخر عرض نفسه للمخاطر والموت ، وكثرت الفتاوى وتنافر الفقهاء ، وهذا ما عجل بخروج كتاب ” البادية ” وهو كتاب فريد من نوعه ألفه الشيخ ليضع القواعد العامة لحياة البدو وطرق معاملاتهم .
وكانت المناطق التي كان فيها سائبة وكانت الظروف يحكمها طابع القوة وبداية الدخول الأوربي لإفريقيا ، وقد احتمت قبيلته في تلك الظروف بالاحترام لكونها مركز العلم والدين وحلها للخلافات بين القبائل المتناحرة ، وكان الشيخ في خضم هذه الحياة القاسية المتسمة بالصراعات على موارد المياه ومواطن العشب متفرقا للتعليم والتأليف والزهد وكان يفضل في كثير من الأحيان أن يقيم قرب البحر ، وكان كثير النحر متصدقا ويعيش في كنفه الكثير ممن ضربتهم نكائب ذلك الدهر .
وقد اتصل بأكثر علماء عصره في تلك المنطقة ورد عليهم و ساجلهم منهم محمد بن محمد سالم المجلسي والعالم محمد فال بن متال التندغي و محنض بابه بن عبيد الديماني و المختار بن محمد المجلسي .
كان للشيخ طلاب كثيرون وكان يقصده المهتمون بعلم الشريعة ومريدو علم الحقيقة ، وقد طار صيته وكثرت تلاميذه كثرة قل ان يوجد لها نظير في زمانه كما ذكر المؤرخ هارون بن سيديا ولم يكن العلم آنذاك يلقن في قصور او منازل بل كان يتم تحت الخيم وفي الهواء الطلق ، وكانت الكتب تحمل على الابل والكتابة على الالواح و الاوراق التي تشترى من بلاد السوادين او من شمال افريقية .
وقد توفي الشيخ حوالي سنة ألف ومائتين وستة وثمانون للهجرة وخلف من بعده خليفته و ابنه عبد العزيز وكان وليا صالحا وتقيا طار صيته في الآفاق ثم ذريته من بعده وخاصة محمد بن عبد العزيز الذي ازدهرت الزاوية في عهده ، و لايزال ضريح الشيخ محمد المامي قائما الى اليوم بالمنطقة التي ترعرع فيها بإقليم اوسرد .

مؤلفاته

شارك الشيخ محمد المامي بالتأليف في جميع علوم عصره بلا استثناء وتناول مواضيع اخرى غريبة على معاصريه وكان طريف في اختيار عناوين مؤلفاته وقصائده العلمية وهو شيئ لم يكن معهودا آنذاك، ومما عثرنا عليه ان الشيخ محمد المامي كان يتقن عدة لغات لاتينية بالاضافة الى الانكليزية والعبرية والسريانية ومن كتبه:

” كتاب البادية ” ويطلق عليه ” صوف الكلاب ” اشارة الى المثل الذي يقول ” أعوز الصوف من جز كلبا ” ، أي ان الالتفات الى مثل هذه التآليف لا يمكن الا مع انعدام التآليف المفيدة وهذا تواضع كبير من الشيخ رحمه الله .
وكتاب البادية هذا يقع في مجلد رائع نحو مائتي صفحة وقد تعرض الكتاب الى احكام ونوازل تقع لأهل البادية ولم يتعرض لها علماء الحضر منذ نشأت الدولة الاسلامية ، مثل احكام “مساجد البادية” و”قسمة حبس الماشية” و”كراء لسان الفصيل” و”اللبن العامي” وبعض العادات المتداولة مثل ثقب الاذن للاخراص و”ونقالة “وهي ان يذبح الشخص شاة وتقتسمها جماعة اليوم ويذبح اخر شاة غدا ويقتسمونها وهكذا دواليك ، وعادة التدخين والاحكام فيها .
ويتعرض الكتاب الشيق لامور اخرى مثل اعطاء بعض القبائل للمغرم ، والاهم من هذا كله فتحه لباب التخريج او الاجتهاد المذهبي لفقهاء البادية حين يقول ” ان فقهاء عصره ينكرون على من حاول فتح باب الاجتهاد ، ومع ذلك لا تمضي على أحدهم سبعة أيام دون أن يجتهد في نازلة ” .
وللشيخ في كتاب البادية علوم كثيرة ومتعددة وهو اشبه ما يكون بالموسوعة التي لابد لكل قاض حتى في يومنا هذا من هذا الكتاب ، لما فيه من ضروب الفنون وغيرها وما فيه من ملاحظات لعلماء وقته ومن سبقه ولو كانوا من أقطار نائية .
ولعل ما ينافس كتاب البادية نظمه الشعري ” لمختصر خليل ” في نحو 100 آلاف بيت – وهذا ما سنتطرق له بالتفصيل في صفحة خاصة نظرا لأهميته العلمية .
ونظمه لمختصر خليل تم في ليلة واحدة وعمره إذ ذاك لم يبلغ الأربعين ، ويختمه بقصيدة سميت بالسلطانية عدد فيها بعض مؤلفاته التي تميز فيها بأنه كان يعرضها على معاصريه على سبيل النقد ، وفي السلطانية هذه ثناء جميل على ملوك المغرب أبناء مولاي إسماعيل وإهداء الكتاب إليهم ولذلك سميت بالسلطانية ، أرسلت لهم على ظهور الإبل ولا يعرف إن وصلت ام لم تصل ، وفي ذلك يقول بعد ان شبه نظمه بالدرة

فنزل الملوك عن ذا الشأن للملك بن عابد الرحمن

كأنما كانت له مدخره لأنها عن غيره مؤخره

كأنما وافق شن طبقه وجاء الأعشى قاصدا محلقه

إمام أهل المغرب الموفق لواءه بسمرقند يخفق

مثلث العدل وإخماد الفتن بالكشف عن مخدرات كل فن

اشرق المغرب زمان الغيهب وقد يكون مشرق بالمغرب

الى ان يقول :

بعصره نباهي الأعصر الأول وكل دولة خلت من الدول
و ببنيه الغر الأكرمينا زواخر الشرف الاعظمينا
الوارثين الشرف الاثيلا سلسلة الياقوت اسماعيلا
أبقاهم الله لنا في الأرض رواسيا في طولها والعرض

وللشيخ أيضا في الجانب الفقهي تنظيم قواعد الإمام مالك ، كما نظم أيضا العقود والخراج الأول أما الخراج الثاني فهو نظمه لمختصر خليل ، والدولاب الأكبر في أربعة و أربعين مذهبا ولامية الأفعال في سهو الصلاة وكتاب الاجماعيات وهو مصنف نثري رتبه على أبواب الفقه
و رسالة في التيمم وكتاب “الذب والنصر بالشريعة عن العشيرة في أحكام هذه الشعيرة ” و” حاشية على باب القياس ” وديوان ” العباب الخضم” و نظم ” المقصور والممدود “ونظم ” الادموس في شرح خطبة القاموس للهلالي و” قصيد في الناسخ والمنسوخ من القرآن العظيم و أسباب النزول والمكي والمدني ، وله كتاب المذاهب وله أيضا تأليف جمع فيه ” قرآن الآحاد” ونظم ورقات إمام الحرمين وله ” إدخالات البحر في الغدير ” وله نظم في النحو وله أيضا الشيخ الاجم والشيخ الاقرن ” وكتاب “مصطلحات علم الأصول وله أيضا ” الميزابية في علم الجدل والأصول ” وله أيضا تأليف بعنوان ” الآلات البينات ” وله القصيدة الجميلة وهي تأليف كبير تسمى ” الدلفينية ” نسبة الى دلفين البحر وسميت بالدلفينية لقوله :
والعلم بحر لغوص الماهرين به تلفي اليواقيت فيه والمراجين
لكنه غير مأمون تماسحه وليس كل موج منه دلفين
الى ان يقول فيها فيما يخص ولاء المنطقة الجنوبية المعروفة بإسم تيرس :
وتيرس وقف مراكش لدن فتحت لولاهم عبدت فيها الاواثين
وجدير بالذكر أن كتابه إدخالات البحر في الغدير كان ردا على رسالة وردت إلى البلاد خلال تلك الحقبة تقضي بنبذ المذاهب الفقهية والاستغناء عنها بالكتاب والسنة وقد نبه الشيخ في رده على أن هذه كلمة حق أريد بها باطل ، بقوله “…إذ أن المذاهب الفقهية إنما هي زبدة الشريعة و لان عموم الناس لا يستطيع الوصول لعدم تأهله لذلك”.
ونظم الشيخ الجليل ، أيضا شرح ابن القاصح في الشاطبية وله نظم في نسخ المصاحف وسفينة النجاة والبيان و تآليف كثيرة في النحو واللغة والتصريف مثل :
“الزبيرة وبلاغة “،” نظم المشاهير من الافعال “،” نظم الهمل “،”الحروف وطرته “.
وله أيضا تأليف يسمى ” الزعفرانية ” وكذلك ” زهر الرياض اللازوردية في الأحكام الماوردية ” .
ولعل اشهر قصائده المديحية للنبي صلى الله عليه وسلم قصيدة جميلة من تسعة وثمانون و أربعمائة بيت بعنوان ” الجرادة الصفراء ” يقول مطلعها “
زبد البحر والغمام جفاء واليواقيت والنجوم سواء
ولا يتسع المجال هنا لسرد إنتاج العالم الجليل لكثرته وتنوعه ، غير أننا هنا لابد من الإشادة بأن هذا العالم كان سباقا لعصره وكان معارضا حاسما لكثير من الأمور التي كان يعيشها معاصروه بعد أن حضهم على الجهاد ، وأما جوانبه العلمية الباهرة فقد قوبلت بالنكران والرفض من معاصريه مثل محاولاته لإقناع الناس بكروية الأرض كقوله في القصيدة الحسانية :

أنت لا حجيت مسوحل وافرغ لبحر من قدامك

اثلت عمان انت ترحل اردوك لبلد اخيامك

أي انك إذا سافرت إلى جهة الساحل البحري في الغرب بشكل مستقيم ففي ثلاثة أعوام ستعود إلى النقطة الأولى التي سافرت منها .
وللشيخ أيضا في اختلاف التوقيت على ظهر الأرض قوله :
يفطر شنقيط ويوذن مازال الدحميس فالاقدام
فات أعشا الاغلال تمكن وفطر جيل فمكة صيام

أي أن أهل مدينة شنقيط يفطرون في رمضان والوقت مازال قبل الإفطار في منطقة اوسرد ، والوقت إذ ذاك العشاء عند “الأغلال” المقيمين شرق موريتانيا ، بينما يفطر أهل مكة في الجزيرة العربية قبل العصر عند مدينة ” تيندن ” الموريتانية .
وفي هذا الجانب كثير مما يقال مثل عدم تغير الزمن بالنسبة للأرض منذ نشأتها الى يومنا هذا و المسامتة بين المناطق الجغرافية مثل ما يقابل بلد بشكل مباشر مع بلد آخر من الجانب الآخر للأرض .
ومما له علاقة بكروية الأرض عد طول وعرض الأرض بالأميال مثل قوله :
فاردد إلى اقليدس ماكرة فاقت مربعة به في الأطراف …الخ
غير أننا سنخصص للجانب العلمي مجاله الخاص في الحلقات القادمة مثل علم التربيع والتبصر والفلك واللغات حتى لا تتشابك الأمور الفقهية والنحوية والعلمية و الأدبية فيما بينها .
وله أيضا رؤيته الخاصة التي سباقة حتى عن عصرنا هذا ، مثل التسامح بين الطوائف المذهبية و أهل الطرق الصوفية ووصفه لأمور ستكون في المستقبل مثل الحاسوب والى غير ذلك .
ويمكن تشبيه الشيخ الجليل محمد المامي انه من اكثر علماء الأمة المحمدية تأليف وقد قورن بالحافظ السيوطي في كثرة التصانيف ، وذكر في المفاد أن للشيخ مائة تأليف في القرآن و أربعمائة في الفقه واكثر من مائة في الأصول ، ومما يورده الأديب الطبيب محمد الأمين بن الددو المباركي ان خزانة ابن الشيخ محمد المامي كان فيها اثني عشر صندوقا كبير في نصف الصناديق تآليف الشيخ بخط يده و الأخرى بخطه وبغير خطه .

 

كلمات مفتاحية: الشيخ محمد المامي شناقطة علماء مالكيون موريتانيون تاريخ المغرب العربي الشعر ادباء فقه شريعة

 

 

صدقة جارية