أخبار عاجلة
الرئيسية / آراء / من مطار محمد الخامس الى مطار أم التونسي…إزدواجية المعايير/ الصغرى بدبد محمد مؤمل

من مطار محمد الخامس الى مطار أم التونسي…إزدواجية المعايير/ الصغرى بدبد محمد مؤمل

بالاخلاقِ الفضيلة بالمحبة بالأمل
نسمو ننتصر على المصاعب بالعمل
بادروا دوما الى الاعتذار عن الزلل
لا ترفضوا خجلا ضحكنا قلنا اجل
بابارُ فيل ذكيٌ نبيل
و عالم ُ الاطفال عالم ٌ جميل

على هكذا كلمات ترعرعنا مفتونون ببراءة الكرتون .. لا شيء سوى الخير يغزو هذا الكون و الذي دائماً ما ينتصر على ما يباغته نادرا من الشر ! نكبُر ليَتَبينَ لنا بأن صراع الحق و الباطل هو سنة هذا الكون ..و لعل المنشأ الأصلي له هو الصراع الداخلي الذي يعشيه كل منا، هذه النفس المكونة من تركيبة ملائكية و شيطانية في آن واحد . الصراع الفطرة السليمة مع ارضاء الغرائز من أبسطها غريزة البقاء و من أعظمها غريزة الانا و درب ارضاء الذات هو نفسه الصراع الداخلي بين الخير و الشر في رحلة الارتقاء الروحي، حيث أنه و في كل مرة ينتصر الخير على حساب الشر نعبر سلماً راقيين به نحو الكمال -و الذي لن يصله ايٌ منا- علّنا حين إِذٍ نستشعر السلام الداخلي او بعضاً من تلك التي يُسمونها ” السعادة ” و التي يبحث عنها جميع من وُجِدوا دون استثناء.. إلا ان تصارع الخير و الشر هذا الذي يعني البشرية جمعاء يبدو في شريحة خاصة من البشر متناقضاً حدّ الإثارة مما يجعلهم عُرضة للتشخيص بدرجة حادة من الشيزوفرينيا !!

ساعات طوال أثناء ترانزيت في مطار محمد الخامس الدار البيضاء قضاها ذلك الرجل و قد تجمهر حوله مستمعون كُثُرْ و كان جل حديثه عن سبل النهضة بالبلاد و كيف ان المرء بعد ما يجول مشارق الارض و مغاربها هناك شعور لا يوصف لا يجده سوى في تلك البقعة “الدخناء ” من الارض و هو ينتقد في الوقت ذاته -كنوع من النقد البناء- و يلعن مدينته الستينية التي تأبى الا ان تتخلف عن ركب الحضارة .. حال وصولنا الى تراب الوطن و في المطار تحديدا و هو مطار -على غرار سابقيه- يستحق المسمى و يعطي بصيص أمل لولادة ما يمكن ان يشبه دولة نفسه ذلك الرجل بينما نحن نصتف لاستكمال إجراءات الجمارك إذ به يخترق الطابور معترضا ً على انشائه مزمجراً بقوله “نحن ما نگدو يشفرونا الناس اللي كنّا عندهم فالخارج و لين مللي نجو لبلنا يشفرونا و نرنگو” و ها هو قبل حتى ان يخرج من المطار يبصق في الارض يميناً و شمالاً و جمعٌ من الناس يتبعونه يبدو انهم مُجَيشونَ لخدمته و لَكَأنه مهراجا!

لا يخلو مجلس من الحديث عن ظاهرة الطلاق و التفكك الأُسَري و تبعاتها على الام و الأبناء الا ان من مما يلفت النظر و يدهش له السامعون حتى تفغر افواههم هو ان تستنكر لهذه الظاهرة- و بوجه يحاول جاهدا ً ان يلونه الاسى- إحداهن وهي المستفيدة الكبرى من نعمة “التفكك ” بينما تعيش اخرى -و ربما أخريات- نقمته.. غير التفكك حياتها كثيرا، تماما كما غير حياة الاسرة القديمة و لكن على النقيض تماماً .. افراح و زغاريد ملئت بيتاً هنا وشهر عسل و في المقابل قيل و قال و كآبة لا مثيل لها بطعم الصدمة خيمت على منزل آخر هناك .. تخطيط لحياة أسرية جديدة و بيت جديد تقوم بتجهيزه هذه العروس و ذهنٌ شارد و تفكير عميق في مستقبل حياة الام “العزباء ” و هموم لا عد لها تعتري تلك المطلقة أم العِيال.. مصائب قومٍ عند قوم ٍ فوائدُ … الام التي ستبدأ حياة جديدة تلعب فيها دور الام وًالاب في آن ٍ واحد و قد تسعفها الاقدار إن لم يبخل الاب في ما ينفعهم به من نفقات ..الأب الذي أعانه الله هو الاخر في ربوبية الأسرة المبنية على أنقاض حياة أسرية دامت لفترة لا بأس بها من الزمن و كان لها ككل شيء في هذه الفانية أن تفنى …و مع هذا تجدها يا سبحان الله تتأسف على غياب الأب عن أبناء تعلقت أفئدتهم به ناسية ان ذات الأب هو البطل المنقذ لها و -لمثيلاتها – من شبح العنوسة و الذي طالما تمنته و هاهو يتمتع حاليا بصلاحيته كأب للأسرة الجديدة ..

امرأة ثلاثينية غير بعيد من أن تبلغ أشدها ببلوغها الأربعين سنة، مبتلاة بدرجة كبيرة من الغيرة التي كتبها الله علينا نحن معشر َ بنات حواء، لدرجة ان لا علاقة لها بتاتاً تربطها بإخوة شاءت الاقدار ان يكونوا لها من أبيها في نزوة من النزوات .. تسأل هذه الاخت و بحرقة و تلهف عن ما ان كانت صديقة لها -متزوجة من رجل حديث عهد بالنزوات – ستُرزَق بمولود ام لا مُبْتَهِلَةً لها في الدعاء بتعجل الذرية و مع العلم ان بنات زوج الصديقة هنّ صديقات لها هي الاخرى او على الأقل ظاهريا !

سيدة مجتمع مدني و ناشطة حقوقية بالفطرة على درجة كبيرة من الثقافة و الوعي منحازة لحقوق المرأة لدرجة تجدها غالبا ما تلعن جنس الذكور و جميع المظاهر السلوكية المتعلقة بعدم سيطرتهم على ما أوتوا من غرائز حيوانية .. و حينما توجه أصابع الاتهام الى ابنها المراهق بالتحرش الجنسي تأبى الا ان يكون شأنه من شأن موسى عليه السلام ” فبرأه الله من ما قالوا و كان عند الله وجيهاً..” الا ان الجدير بالذكر ان الأمهات جميعهن -الا من رحم ربي – ابتُلينَ و فُتِنَّ بعدسة سحرية ترى القبيحَ من ابنائهم جميلا ً أياً كان و الجاني منهم ضحية لظروفه و المفسد منهم ما هو الا متعثرٌ في خطاه نحو الإصلاح !

آخر هناك يشكو القبلية و الجهوية و العنصرية و تعسر ولادة وحدة وطنية و يظهر هذا الحب الدفين للوطن مع اول طارق يطرق الباب غرض خطبة اخته الصغرى او كريمته … يبدو الامر أشبه بوصمة عار ستلحق بالاسرة الكريمة فأن تعيش هذه ربيع عمرها مكتسبةً لقب عانس خيرٌ لها الف مرة من ان تكون ربةَ بيت لمن لا يمت بصلة لـ”شعب الله المختار ” ..

إحداهن يرقد والدها في فراش الموت تستنكر قريبة لها كيف يمكن ان يتم تزويج الابنة -و التي مع العلم قد تجاوزت عقدها الثالث و لم يسبق لها الزواج قط- في هكذا ظروف علماً بأن المتقدم لخطبتها ذا خلقٍ و دين سليل قومٍ أكرمين لا شيء يعيبه سوى “اللاانتماء” ! و ها هي هذه القريبة المستنكرة و يا سبحان الله تدعو بأن يتم تسريع مراسم زواج شقيقة الاولى و التي تصغرها سناً ما لبث والدهما على قيد الحياة و التي اسعفتها الاقدار ليتقدم لخطبتها ابن عم كريم!

هي الانانية إذا المتهمة الوحيدة في قضية ازدواجية المعايير هذه، نرفع شعارات بالقيم و المثاليات و نتمناها واقعاً معاشاً للجميع و لكن هيهاتَ هيهات إن تعارضت مع مصالحنا الشخصية !
انانية المواطن الطامح لوطن سعيد ينعم اهله بالعدالة الاجتماعية في حين يبخل بدقائق من وقته ستساهم في النظام و المصلحة العامة .. انانية الزوجة (ن) في ان تتقبل الفطرة السليمة في ان يعيش الأبناء في كنف والديهم ما دام الامر سيلحق الضرر بمملكتها الجديدة الآيلة للسقوط في حين النظر الى ما سبقها من الممالك ..انانية الام بأن لا تتقبل كيف يمكن لابنها ان يشبه “غرائزياً” باقي “الذكور”.. أنانية زيد و عمرو و خذ ما شئت من الأمثلة الكثيرة الموجودة على كل شكل و لون و لكل منها قصص مختلفة لو جُعِلَت ْ أشجار غابات الأمازون ورقا ً تُكتبُ عليه لما كفتها !

صدقة جارية