أخبار عاجلة
الرئيسية / آخر الأخبار / العلامة أحمد بزيد بن حياني الشنقيطي (099)

العلامة أحمد بزيد بن حياني الشنقيطي (099)

هو العلامة الجليل أحمد بزيد بن حياني ابن القاضي ألمين بن النون بن ألمين بن المختار بن أتشغ موسى وأمه فاطمة بنت القاضي محمد موسى بن محمذن آب بن احميد.

قدم في صباه على العلامة يحظيه بن عبد الودود فرأى على وجهه أمارات الصلاح وتوسم فيه أنه سيكون له شأن عظيم درس على أخواله القضاة الأعلام سيد أحمد ومحمد عبد الله والمختار أبناء محمد موسى كما أخذ عن العلامة التاه بن يحظيه
كان الشيخ أحمد بزيد نادرة في العلم والصلاح حسن الشمائل كريم الخلق جوادا سخيا وبوفاته تطوى صفحة من الصفحات المضيئة للرعيل الموسوي الأول.

قال العلامة المؤرخ المختار بن حامدٌ:
هب النسيم فحياني فأحياني :: إذ هب مسيا فحياني بريحان
أفضت إلى الروح منه نفحة طردت :: عني أساي وأتراحي وأحزاني
وقد وددت لو أني قد رددت له :: أخلاق “أحمد بازيد بن حياني”
إذا أرد إليه عن تحيته :: خيرا وأحسن مما كان حياني
تلك السجايا التي كالروض أضحكه :: سح الغمام بدمع فيه هتان
فضاع ورد ورند في خمائله :: وفاح بالمسك والألوي والبان
تزري وبالعسل الماذي تمزجه :: من ماء أبطح أو من ماء صفوان
وفي الحقيقة ما رد الذماء سوى :: تلك السجايا فإني أي روحاني
إني أحن إلى ذاك الأديب فلا :: تنفك نفسي إليه ذات تحنان
فإنه يوم عني سار مرتحلا :: أماتني فإذا ما جاء أحياني
هذا سلام عليه رائق وعلى :: آل النبي بني عمرو وعمران

وقال الأستاذ محمد مختار بن بلبلاه :
زارتك من بين أقران وخلان :: والنوم رنق في أجواء أجفان
فقلت من أين جاءت هذه سحرا :: من أرض “تيرس” أم من أرض “وادان”
قالت أتيت هنا أشفيك من علل :: فاسمع حديثي ونبئ كل إنسان
عرّج بأحمد بازيد بن حيان :: ترى العلوم لديه رأي عيان
وسله عن صعب علم عز نائله :: فالصعب والسهل إن تاتيه سيان
ترى القرى والقراءات اجتمعن له :: وما اجتمعن لغير الحبر في آن
قد ضم للعلم أخلاقا مهذبة :: فالعلم والخلق المحمود سيان
سهل الخليقة مرضي الطريقة في :: علم الحقيقة لا يرضى بكتمان
كسا المروءة والدين الذين هما :: معيار أهل التقى أثوابَ عرفان
جزاه رب كريم واحد أحد :: وهو الغني الولي عنا بإحسان

وعرضت القطعتان على المرابط محمد سالم بن عدود فقال :
قصيدتان من العقيان سيان :: أهداهما شاعرانا لابن حيان
حاولت حكما يبين الفضل بينهما :: بدون عاطفة مني فأعياني
إن ابن حيان لا تحصى محامده :: ولو تساجل عبسي وذبياني

****

يقول محمد يحي حيان:

رضوان الله على شيخنا و والدنا الذي لم ترَ عينايَ مثله فقد أمضى أكثر من سبعين سنة و هو يبث العلم في صدور الرجال
توفي والداه صغيرا و تربى في حضانة جدته لأمه امريم بنت اسحاق (النهاه) من آل بارك الله و كانت امرأة صالحة فاضلة أثرت كثيرا في حياته فارتحلت به و بأخواله الثلاثة أبناء محمد موسى إلى العلامة شيخ البلاد يحظيه ولد عبد الودود و بَنَت خيمتها في حيه حتى لا يتخلف أبناؤها عن الدرس يوما واحدا
فتربى شيخنا أحمد بزيد في حي يحظيه ولد عبد الودود يدرس عليه العلم ليلا و نهارا و قد أخذ عنه جميع العلوم من فقه و نحو و صرف و غير ذلك…
و قد غاب خاله محمد عبد الله بن محمد موسى عن محظرة يحظيه مدة من الزمن و لما رجع من الغيبة وجد أحمد بزيد قد درس على يحظيه العاصمية و صار خبيرا بها فقال له يحظيه “أراهوالك عاد اقويضي” و لما أراد أحمد بزيد أن يدرس عليه شعر الشعراء الستة أبى يحظيه أن يدرسه له لما فيه من الغزل و كان يحظيه إذ ذاك شيخا كبيرا فاستعان عليه بابنه عبد الله السالم بن يحظيه فقبل ذلك و درسهما أحسن تدريس
و كان شيخنا أحمد بزيد لا ينسى ذلك لعبد الله السالم و يثني عليه كثيرا و يذكر أزمانه معه في المحظرة و يقول كان في زمن المسغبة كثيرا ما يذهب بي بعيدا عن الخيام و قد أعد لي مائدة من موائد التلاميذ إذ ذاك و هي عبارة عن مرجل فيه رأس شاة و معه موس فنوقد النار و نطبخه
فكان الشيخ أحمد بزيد بن حيان لا يبارى في تدريس العاصمية و شعر الشعراء الستة و ما زالت عندنا مخطوطات العاصمية و شعر الشعراء الستة و قد طررها بالهوامش أيام دراسته في محظرة يحظيه و كان يذكر لنا المنازل التي كانت تنتجعها محظرة يحظيه في ذلك الزمان و هي “آدريسيَّةُ” بالتصغير و “الميمون” و هو عبارة كما قال شيخنا أحمد بزيد عن “ازْوَيْرَه” حولها “صدْرَيات” جذوعها مرتفعات و كان يقول أرانيها أهل يحظيه و قالوا لي إن بن بونَ كان يتخذ جذوع هذه الأشجار المرتفعة “ظهر اربگ” لعجوله و أنشدوا لي بيتين لإبن بونَ قالهما على “ازويرتْ الميمون” المذكورة و هما :

تذكرت أزمانا لنا و منازلا :: عِذابا عَذابٌ ذكرها حين تُذكر
منازل بالميمون بعدي تغيرت :: لها منزل في القلب لا يتغير

قال شيخنا أحمد بزيد :
و من منازلنا عند أهل يحظيه أيضا “اشريعَه” و فيها يقول دولتي عبد الله السالم بن شيخنا يحظيه بن عبد الودود

من الأمر المحرم في الشريعهْ :: ذهابي عنك أيتها الشريعه
لأني إن ذهبت قتلت نفسي :: و قتل النفس تمنعه الشريعه

ثم انتقل شيخنا أحمد بزيد بعد وفاة شيخه يحظيه بن عبد الودود إلى محظرة أهل محمد بن محمد سالم حتى حط الرحال عند “واد الحولي” فدرس الشيخ خليل على عالم زمانه “اقَّا” علماً الشيخ محمد عبد القادر بن حبيب الله و كان من العلماء الذين يشبهون الملوك في كثرة المال و سعة الجاه و كان يطرح للتلاميذ “التيشطار” و “لودك” و كان يكرم أحمد بزيد إكراما شديدا فأعطاه ناقة يحلبها و كان شيخنا أحمد بزيد لا ينساه

و قد سمعت شيخنا أحمد بزيد سأله أحد عن شيوخه فذكر له ثلاثة و هم شيخنا يحظيه بن عبد الودود و شيخنا “اقَّا” و شيخنا محمد عبد الله بن سيدي بن زين الذي كان مجاورا لشيخنا يحظيه في حيه و كان شديد الإعجاب به
و لم يذكر شيخنا أحمد بزيد غير هؤلاء الثلاثة
فهؤلاء الشيوخ الثلاثة هم عمدته في العلم
و أخبار شيخنا أحمد بزيد بن حيان سنفردها بكتاب مستقل لكثرة التلاميذ الآخذين عنه من جميع الناس و لكثرة النصوص التي تدرجس في محظرته لكثرة العلماء و القضاة الذين كانوا يرفعون إليه النوازل و الأحكام و غير ذلك

قال كاتب هذه الحروف محمد يحي بن أحمد بزيد بن حيان :
قد درست على هذا الشيخ أكثر من عشرين سنة و قد ملأت الدفاتر الكبيرة من إقرائه و تدريسه و من ذلك أني كتبت ألفاظ تدريسه للعاصمية و لشعر الشعراء الستة و للكفاف و غير ذلك و قد اجتهدت على أن أكتب كل ذلك من فمه بألفاظ “التگريَّ” بالحسانية و هو أمر نادر فإن أكثر الناس صاروا لا يتقنون ألفاظ التدريس ب”الحسانية” المحفوظة في الأذهان المروية عن شيخنا يحظيه و أنظاره من ذلك الرعيل الأول الذي أدركه شيخنا أحمد بزيد فإن أكثر الناس في هذا الزمن إذا جاءه تلميذ يريد أن يقرأ عليه لا يعطيه ألفاظ التدريس بالحسانية لعجزه عن ذلك و إنما يملي عليه ألفاظا من العربية مأخوذة من الشروح ك “جواهر الإكليل” أو “الخرشي” مثلا
أما مُلَحُ التدريس و ألفاظ “التگريّةِ” و ضرب الأمثلة فقد ماتت في كثير من المحاظر و هي مصيبة قلَّ من ينتبه لها
و كان الشيخ أحمد بزيد إذا أطرب التلاميذ بحسن ألفاظ تدريسه مدحوه بالشعر و قد قلت يوما في حالة الطرب من ذلك التدريس أخاطبه

سلام على الشيخ ابن حيانِ إنه :: إمام لأهل العلم أيُّ إمامِ
سراجٌ به تنشقُّ كلُّ دُجُنَّةٍ :: و بدرٌ به ينجابُ كلُّ ظلامِ

****

عاش العلامة أحمد بزيد بن حياني عمرا طويلا عريضا زاد على المائة أمضاه في طلب العلم والتدريس والبذل والعطاء والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعاش ممتعا بجميع قواه العقلية، وهو آخر من بقي ممن لقي العلامة يحظيه بن عبد الودود.

تعازينا للدوحة الموسوية الكريمة والشعب الموريتاني وجميع المسلمين
فما كان قيس هلكه هلك واحد :: ولكنه بنيان قوم تهدما

كامل العزاء

صدقة جارية