أخبار عاجلة
الرئيسية / آخر الأخبار / كاتب عراقي يكتب عن صديقه الموريتاني(رجل في الذاكرة )

كاتب عراقي يكتب عن صديقه الموريتاني(رجل في الذاكرة )

عندما يخلو الأنسان مع نفسه ، يستذكر الماضي والمثابات التي يعتقد إنها كانت الملجأ، سواء في العسر أو اليسر ، ويستعرض ذلك الماضي وما حفرته الأيام في ذاكرته ، وخصوصاً المواقف الإنسانية والرجولية التي تبقى بصمات جمالها عصيةً على النسيان ، والصفات التي يتحلى بها صاحب تلك المواقف ، ومن أبرزها الوفاء وطيب الخلق . يقول الشاعر العباسي علي بن الجهم :
جَرَّبنا وَجَرَّبَ أَوَّلونا … فَلا شَيءٌ أَعَزُّ مِنَ الوَفاءِ
وقد قلت في أحد قصائدي :
لقد طفتُ جُلَّ الأرضِ شرقاً ومغرباً .. ولاقيتُ في الدنيا صعاباً دواهيا
ونادمتُ فيها كُلَّ أصْــيدَ مــاجدٍ ..
وفرسانَ ساحاتٍ وغِــيداً غوانيـا
وما كُنتُ يوماً ناسـياً طيبَ طيبٍ ..
ولا لصديــقٍ في حياتي مُـــرَائيـا –
في سبعينات القرن الماضي تم إيفادي الى نواكشوط العاصمة الموريتانية لتدريس الأدب العربي في المعهد العالي لتكوين الأساتذة ، وبعد وصولي اليها ، خرجتُ من مقر سكني الى سوق المدينة ، ومعي ولدي نزار وكان عمره خمس سنوات ، ومررنا بجانب محل للقرطاسية ولعب الأطفال ، فشاهد لعبةً من خلف الزجاج ، وأصرَّ على اقتنائها ، دلفت الى المحل وتكلمت مع العامل الذي يقف فيه عن هذه اللعبة وثمنها ، وكان رجل متوسط العمر يجلس خلف مكتب في نهاية المحل ويقرأ أوراقاً أمامه ، فرفع رأسه ، ثم سألني : أنت عربي؟ قلت : نعم . قال: من أي بلد؟ قلت : من العراق . فنهض مسرعاً واتجه نحونا وهو يردد : من العراق يامرحباً يامرحباً !! ثم رفع عارضة تمنع دخول المتبضع الى الداخل وأخذ بيدي الى حيث مكتبه وأمر بإعداد الشاي الأخضر ( الأتاي) وطلب من العامل أن يجلب دزينة من هذه اللعبة لنزار ، وأغرقني بالأسئلة عن بغداد ودجلة والفرات والبصرة والكوفة وعلوم اللغة وكيف كانت بغداد حاضرة العالم ، ولما علم أنني وصلت قبل يومين ومهمتي ، بادر الى القول : أنا من اليوم أخوك وبيتي بيتك والبلد بلدك ولا تمتنع عن طلب ماتحتاجه مني ، ولما طلبت منه ان يسمح لي بالذهاب الى محل للمواد الغذائية ، سألته عن ثمن اللعبة فرفض بشدة أخذ ثمنها ، وترك المحل ورافقني بسيارته الى محل لبيع المواد الغذائية ، ولما أخذت ما أحتاج ، أقسم على أن يكون هو من يدفع ثمنها ، ثم قام بإيصالنا الى مقر السكن ، وفي اليوم التاالي جاء بزوجته وبناته يباركون سلامتنا ، ودعوتنا الى بيتهم ، ومن تلك اللحظة أصبحنا كأننا أهل ، وأمسى مقر تواجدي في محله حيث يلتقي فيه عدد من رجال الأدب والشعراء والتجار ، ولما عُدت الى العراق وودعني في مطار نواكشوط حملني تحيات لبغداد وأهلها ، وطلب ان نبقى على تواصل وقد بقينا نتبادل الرسائل ، وفي بداية الثمانينات انتخب رئيساً لغرفة التجارة ، وجاء الى بغداد في وفد لرجال الأعمال وزارني في بعقوبة حاملاً شوق ومحبة أهلي في موريتانيا ، وقد تعرفت من خلاله على كبار الشعراء وقادة الفكر والدولة ، منهم على سبيل المثال: الشاعر الشريف أحمد العباس والشاعر والإعلامي الخليل بن نحوي والوزير المجتبى بن محمد فال ، والعقيد مصطفى بن محمد السالك الذي اصبح بعدها رئيساً لموريتانيا والسفير احمد ولد غناه الله وكان في حينها سفيراً لبلاده في باريس والقاضي محمد سالم ولد عدود ، وعشرات غيرهم . انه أخي وصديقي وشقيق الروح رمز النقاء والصفاء البدوي الموريتاني : العربي ولد زركان عضو برلمان في المملكة المغربية قبل استقلال موريتانيا ، عليك ياأبا مصطفى شآبيب الرحمة وسحائب الغفران ، وباقات سلام لمصطفى وفاطمة ولالا عيشة ، وأحفادك وكل موريتانيا الحبيبة بحرها ورمالها وأهلها . ويظهر أخي العربي في الصورة على يسار القارئ مع الشاعر عبد الوهاب البياتي رحمه الله والشاعر الموريتاني احمد العباس حيث دعانا في بيته عندما زرنا نواكشوط انا والبياتي عام 1979

Image may contain: 3 people, people standing

صدقة جارية