أخبار عاجلة
الرئيسية / آخر الأخبار / العلامة اباه ولد عبدالله يكتب عن مؤلفات الشيخ محنض باب

العلامة اباه ولد عبدالله يكتب عن مؤلفات الشيخ محنض باب

الحمد لله، صلى الله على سيدنا محمد بن عبد الله رسول الله، وعلى آله وصحبه وسلم، وبعد: فقد اطلعت على بعض مؤلفات العالم العلامة العامل ابن العلماء العاملين، المعرض عن الدنيا وأهلها..

 

المرشد بحاله ومقاله، الغريب في زمانه،

 

وطوبى للغرباء في زمان الفتن وقلة الأعوان على الخير، سيدي الشيخ محنض بابه بن محمذ بن حامدن أمتع الله به زمانا طويلا معافى ونفع المسلمين بعلمه وهديه.

 

ومن هذه المؤلفات منظومة في علوم البلاغة مع تعليق على بعضها في غاية من الجمع للمهم من مسائل هذا الفن مع خصائص وامتيازات منها قوة السبك وإحكام الصوغ في أسلوب سهل ممتنع وسحر حلال طيب وانسجام وعذوبة وجزالة في سهولة تكاد تسيل رقة..

 

وفيها من تذليل صعاب المسائل وتحليل تعقيدها ما تكاد تغني به عن الشيوخ والشروح، ينبئك ظاهرها عن باطنها وقالبها عما في قلبها، خالية من الضرورات والتتميمات التي يحوج إليها الوزن غالبا..

 

بعيدة من الحشو والتكلف والتقعر، محسناتها كامنة فيها غير مستوردة من بعيد ولا مستطرفة من خارج ، تأتي عفوية كأنها كانت مهيأة لمكانها غير مجلوبة بتطرية ولا مدلسة بتمويه ولا تغشية..

 

مع تمام الملاءمة بينها وبين موضوع فنونها الثلاثة، إذ الفن علم البلاغة، ففيها من تطبيق قواعد الفن ما يصلح أمثلة لكثير من مسائله، وهذا وإن كان عادة الشيخ حفظه الله في أنظامه وقصائده إلا أن لرعايته في هذا العلم وقعا خاصا، وهو شيء قلما يتفق للعلماء الذين نظموا في هذا الفن ، فقد ترى أنظامهم مفيدة مملوءة فوائد وزوائد إلا أن صوغها وسبكها لا يمثل موضوعها من هذه الناحية وإن كان يمثله جمعا وتحريرا وإفادة.

 

والله يجزيهم أحسن الجزاء عليها وعلى ما بثوا من علم .

 

وقد امتازت هذه المنظومة امتيازات أخرى، منها ما يتخللها من رقائق وتذكير بالدار الآخرة وحث على الإعداد ليوم المعاد في صورة أمثلة لبعض مسائل هذا الفن، توقظ القارئ من غفوته وتنبهه من غفلته، وتذكره بوجوب تصحيح النية في طلب العلم ليصلح زادا للآخرة . منها على سبيل المثال لا الحصر قوله في الكلام على البدل من باب المسند إليه:

 

كاهجر عصاة فاطر السبع الشهيد
ولتسلك النهج القويم نهج قو
فهم غدا يسقون من ماء صديد
م للإله قــــــــد أطاعوا واتقوا

 

ومنها قوله في تعريف المسند:

 

وهو المصلي في الدياجي قائما

حين يكون من سواه نائما

 

وقوله في تعليقه على بيت المتنبئ المذكور في شواهد الطباق وهو:

 

وخفوق قلب لو رأيت لهيبه يا جنتي لرأيت فيه جهنما
ولو تخيل جهنم لمــــــــــــــا
فليس بالهزل يشوب ذكرا
فالفكر في عظم ما هنالكه
ذكر في غـــــــــــــزله جهنما
الاخرى امرؤ عرف قدر الأخرى
يشغل كــــــل مؤمن عن ذلكه

 

ومنها ما يتعلق بتغيير الترتيب المألوف عند أهل الفن في بعض الأبواب والمسائل لمناسبة قد يشير إليها، من ذلك تقديم باب الإنشاء على باب القصر لاستواء الخبر والإنشاء في القصر، ومن ذلك ذكر الحقيقة والمجاز العقليين في علم البيان، والعادة ذكرهما في علم المعاني وقد أشار إلى ذلك بقوله:

 

من غير أن أكون في الترتيب ملتــــــــــزما طريقة الخطيب

 

ومنها أمثلة توضح القاعدة كما هو شأن أمثلة الفنون وتفيد مع ذلك فوائد أخرى من علوم أخرى، تنقل القارئ من ضيق الفن الواحد إلى فضاء فنون أخرى ، بما يثري الفكر ويشحذ الذهن وينفي السأم ويجدد النشاط.

 

فبينما أنت تبحث في مسألة بلاغية إذ أنت تخوض في مسألة فقهية مثلا لا تخرجك عن جو البلاغة الذي كنت فيه، فترى تلك المسائل يرأم بعضها بعضا ويحنو عليه حنو المرضعات على الفطيم، فتتم بينها المجاورة الحسنة مع بعد الشقة بين العلمين كقوله مثلا في تقديم المسند إن قصر عليه المسند إليه:

 

وإن سئلت عن سفيه ادعى
وطلبت منه اليمين فنكل
هل الذي يلزمه عند السلف
فلتقل القيمة يوم القبض
تلف عرض كان معه مبضعا
لأنه لثمن العرض أكل
قيمة يوم القبض أو يوم التلف
هي الذي يلزم في ذا العرض

 

وقوله ممثلا للجناس المحرف:

 

وينبغي أن لا يصــــــــلي أمام الامام شخص ذو اقتداء بالإمام

 

ومنها التمهيد لبعض المسائل بما يزيدها وضوحا كقوله في الكلام على الحقيقة والمجاز العقليين:

 

وقبل تبــييــــــــنهما يذكر ما
وذاك أن الفعــــــــل يسند إلى
يعين فهـــــمه علـــى فهمهما
مفعوله أو مـــــــا يسمى فاعلا

 

وفي الاستعارة المكنية بالحرف يقول:

 

والحرف محتاج إلـــــى مقدمه لذكره في المستعار مفهمه … إلخ

 

ومنها زيادات كثيرة منها تعريف الإسناد الخبري والإنشائي، ومنها توكيد المجاز، ومباحث لو، ومنها عطف التلقين، إلى كثير من المسائل التي لم يتعرض لها الخطيب و السيوطي.

 

وفي الجملة فهي منظومة من نوادر المنظومات في هذا الفن وغررها اللامعة ، فما هي إلا كما قال القائل:

 

هذا كتــــــــاب لو يباع بوزنه ذهبا لكــــــــان البائع المغبونا

 

أما المباحث الفقهية وسلم الضعاف المرتقين إلى درجات التائبين المتقين وشرحها الحافل فقد انتشرت وذاعت وانتفع الناس بما فيها من فقه الأبدان والقلوب، ومثلها منظومة إعانة الأعرج الكسير على معاناة متاعب المسير فهي كسابقتيها، ومنظومة المنطق، ولامية النحو، ومجموعة من القصائد الدينية النافعة على هذا النمط من الجودة والفائدة ولذا يحتاج كل منها لبحث مستقل ودراسة كاملة والله يحفظ المؤلف وينفع بعلمه آمين.

 

قاله محمد فال (اباه) بن عبد الله

الأستاذ محمد الحافظ بن السالك:

سمي محنض بابهْ والخليفه
تجلى ذاك في عمل وعلم
وحب صادق وتقى ونفس
فكم ريضت وكم رُعيَت إلى أن
من النجباء فهو مَلامِتِيٌّ
أليف العلم ظل وليس إلا
وليس له بغير العلم بحثاً
لقد قصر الحياة علَيه قلباً
وهمته لقبطان الثريا
وكائن كتْبُهُ سقت البرايا
فمن مشهور فقهٍ أصبحيٍّ
إلى لغة إلى صرف إلى ما
سُموط في البلاغة قد تناهت
قدَ ادَّاها بأسلوب نظيف
فلا شِيَةٌ تَشينُ النظم حشوا
ولا لفظٌ سيوحش سامعيه
لقد ملك العبارة فهو يَدعو
تمنى الناس لو طُبعَت فكل
يدارسُها ويجني من جناها
نَظِيم ينتقي ألفاظه بل
وعُونٍ من بنات الفن ظلت
وكم فَهِم لطلعتها تسامى
فجلاها وألقى الشيخ نُوراً
وفي علم البيان وفي المعاني
فذللها وفجرها زلالا
أجاد كما أفاد هنا وجلى
جرى وجروا بميدان المعالي
وما بلغوا حدُودَ الــمُد منه
عسى الرحمن يُنسئ مُدة في
وتلك الشمس لا عرفت كسوفاً
وذاك البحر لا يَنِ وهو طامٍ
وصل على الرسول وآله ما
له وعميد عترته الشريفه
وأحوال سنيات منيفه
عن الدنيا وزخرفها    عفيفه
غدت هضباتها دكًّا نسيفه
عليه من الكمال رمَى سُجوفه
لُبابَ العلم منخُولا أليفه
وتدريساً وتأليفاً وظيفه
وإفراداً فلم يَبرَح حليفه
على رسم الكرامة مستضيفه
روَايَا من معارفه وَكِيفه
ومن مأثور سُنته الشريفه
نَمَوهُ لبصرةٍ ونُحاة كوفه
لتالد علمه ضمَّت طريفه
تُجَسِّدهُ عبارات نظيفه
وتعقيدا ولو هَنَةً خفيفه
ولا لغةٌ إذا سُمعَت ضعيفه
بدَعْوتها وصيفاً أو وصيفه
يَزِينُ بها إذا طُبعت رُفوفه
ويقطف منه دانيةً قُطوفه
يكاد يكون مُنتقياً حُرُوفه
بمخدعها محجَّبة لَحَيفه
فألقت دونه حُجُبا كثيفه
عليها من بصيرته العَريفه
عُقَابٌ في متاهات مُخيفه
مع الأفهام فانساغت لطيفه
على الأقران مُبدِيةً شُفوفه
فما دَانى ذَميلهم وَجِيفه
ولو جدُّوا ولا بَلَغُوا نصيفه
إعارته على قَرْن منيفه
وذاك البدرُ لا يشهدْ خُسوفه
ولا تبرح سَحائبه وَكُوفه
تبقَّى نور ملته الحنيفه

 

 

الأستاذ محمد بن بتار:

حَبِّر قصيدك إذ أصبتَ المطلعا
وأقِرَّ عين أبي محاسنَ تجتلى
واذكر لبابَ اللُّبِّ من قوم علَوا
علمَ الهداة محنض بابَ من اقتفى
وبديعَ نظم من جواهر علمه
واقرأ حقوق الطبع في صفحاته
جُمعت به أشتاتُ علم نافع
فحَرٍ ببيت دبَّجته يراعه
وصراحةً نفت الشكوك وراحةً
ومحجةً تزَع الموفَّق عن كِلَي
عن زُخرف الدنيا زوَى هِمَماً طوت
كم من قصايا شبهة وضلالة
لم يُلف آثارا لمنتجعِي الهدى
وإذا تعاظمت القضايا أمسكت
إن ينبُ فهم عن دقائق علمه
أبقاه للمتعلمين مُمِده
وبما حباه من لدنه أدام في
صلى وسلم ما ارتقى متعلم
ووجدت للقول المجالَ الأوسعا
بمحاسنٍ جلَّت وشنِّف مِسمَعا
بالعلم والحلم المحلَّ الأرفعا
في الحق أعلامَ الهداة الأربَعا
زان النديَّ مُرصَّعاً ومُصَرَّعاً
شيما رواسخ لم يكنَّ تطبعا
عن نافع يرويه نصحاً أنفعا
أن تُقرأ الأبواب منه وتُقرعا
وضعت على داء النفوس الأصبعا
طرفي هواه تساهُلاً وتنطُّعا
بِيداً تُجيل من النِّواء الأنسُعا
عن مرتع ذبَّ السَّوَام الرُّتَّعا
أيام صادف منه مرعىً ممرِعا
منه قضاياها بمنكِبٍ اروَعا
فصريحُه فيه الشفاء لمن وعى
ولمبتغي هدْيٍ وملتمس الدعا
ذاك المقام لسره مستودعا
درجا على المختار أفضلِ من دعا

 

الأستاذ محمدي بن المصطفى:

مِنهَاجُ تحبير القصائد قاصد
حَفَدَ العلومَ محنض باب ومن نمى
فاقْن “المباحث” فهي نزهة باحثٍ
وهي “البيان” لمن غدا مسترشدا
ويرُوق “سُلَّمُهُ” لرَاقيهِ ولا
وهناك “ألفيةُ السلوك” تضُمُّ مِن
وله بدائع في مديح المصطفى
وله كذاك رقائق وحقائق
قد عزَّني استقراؤُها فتبارك الــ
فوَّضتُ حين عجزتُ عما تقتضي
أما مؤلفها الغريب فنعته
تلك المدارجُ لَسْنَ عُشَّكِ فادرُجي
قد قيل لي أتعبت نفسك فهو عن
فأجبتُ من يقلِي القيامَ تَمَثُّلاً
ثم الصلاة على الذي هو نفسه

 

إذ للقصائد قد دعتك مقاصد
واليوم حَافِدُها محنض الحافد
وهي “المساعد” حيث قلَّ مساعد
وهي “اللباب” سيَقتنِيه الراشد
يشكو مُعَاناةَ الصعُودِ الصاعد
كُلِّ المقاصد ما ابتغاه القاصد
فالشَّوقُ حاديها وهوَّ القائد
وفوائد شتَّى المجال فرائد
ـمولى وزاد ولا استَبزَّ الحاسد
فحمدت ذا “إن المفوِّضَ حامد”
أحرى بتفويضي فلستُ أكابد
إني لَعَنْ تلك المدارج حائد
غر المدائح راغب لا رائد
فلِمثلِ ذلكمُ يقوم القاعد
صِلةٌ لموصُولِ الوجود وعائد

 

 

 

 

 

 

 

 

صدقة جارية