أخبار عاجلة
الرئيسية / آخر الأخبار / تندكصاله 3| محمد الأمين بن اميو.. العالم الظريف (خاص)

تندكصاله 3| محمد الأمين بن اميو.. العالم الظريف (خاص)

كانت الجماعة المجلسية – ولا تزال – مجرة أنوار لا تعتامها السحب وقد ألقى في رحابهم العلم والأدب والصلاح والفضل عصا التسيار، واستقر به النوى كما قر عينا بالإياب مسافر.

 

ومنذ استقر بهم المقام على الشاطئ الغربي وهم منهل الوراد والعذب المستقى، جيل في الخير بعد جيل، ولقد كثرت فيهم صنعة الأدب ونفقت سوق العلوم، ومن فتيانهم المجليين في كل هذا العالم العلامة محمد الأمين بن اميو أحد أئمة جامع ابن عباس المشهورين في نواكشوط وأحد الأعلام المعروفين لدى أهل الأدب.

 

وابن اميو رحمه الله تعالى عاش ما بين مولده عام النيسان سنة 1355 هجرية ووفاته سنة 1414 هـ أقل من ستين سنة بقليل وكان فيها قمر الأدب وبديع الزمان.

 

ونحن في هذه السانحة من “زاوية تندكصاله” عارضون شذرات من أدبيه الفصيح والحساني، وهي شذرات معرفة تنبئ عن علو كعبه وسموق مرتبه في سلك الأدباء.

 

وقد غلبت الطرافة على ابن اميو في كل أدبه وفي أنظامه الفقهية مسحة دعابة لا تخفى.

 

في الغزل

الغزل روح الشعر، ومن انغلقت نفسه عن الغزل إنشاء أو إنشادا فمخشى عليه في الأدب من سوء الخاتمة، أو مصيبة في دينه قاصمة، ولا يتنزل الغزل إلا في قلب رطب صالح لأن تتنزل فيه البركات وتحل فيه الرحمات، وكيف وكل ذلك جار مجرى التفكر في عظيم خلق الله تعالى وجميل صنعه في مخلوقاته على نحو ما نسمع من قول الشاعر الديماني:

قوموا بنا إلى ابنة الباقر

ذات البها والمنظر الباهر

 

لعلنا في بعض غراته

ننظر صنع المتقن القاهر

 

ولو أخذ أهل الغزل هذا المقصد في استثمار النيات لاستبقوا من عقولهم شيئا، ولم تذهب نفوسهم حسرات على كل شادن أو شاد، وهذا المأخذ من الفقه عزيز ليس مما هو ملقى في طرقات الباحثين وترانيم النظامة والمفتين.

 

قلت – وقد سال بنا القلم -إن لمحمد الأمين في الغزل سوانح طريفة وإلماعات ظريفة ومنها قوله:

 

تروم ارعواء عن سليمى وفي الحشى  لذكر سليمي زفرة ونحيب  

وكيف سلوي عن سليمي وصرمها به ضاق صدري وهو قبل رحيب

ولم يثنني اللاحون عنها وإنها على بابها من أن تزار رقيب

واصعب ما لاقيت أن خيالها يطيب فينفي النوم ثم يغيب

فلا هو إياها فتقتضى لبانة ولا النوم لي من بعد ذاك يطيب

 

ومن غزله أيضا قوله:

قامت وفي يدها مدراسة الوبر   ترد عجلا فشاقتني على كبر

ماست رويدا إلى بيت يطانبها   فهردت بالأشافي القلب والإبر

تمرفكت لدهين الرأس واستترت    بطرفها فتبدت أحسن العبر

فلاح معصمها فقلت حين بدا     لا شك في أنها إحدى من الكبر

وسرت عنها أصيلا عند جارتها   يارب لا كان هذا آخر الخبر

 

ومتى أرخى الشيخ محمد الأمين للغزل عنانه وماس بين أغصان الهوى، عاد زاجرا النفس عن غيها، وآب إلى لوحه فتراه مرعويا مبتهلا:

لقد ضاع عمري في السفاهة والهوى وعز تلافي ما مضى من سياسته

فسوف تراني أدرس العلم جاهدا     وأطيب عمر المرء وقت دراسته

وأرجو من الله العلي أن يعيننا   ويحرسنا من فضله وحراسته

 

وكان من الغرائب العجيبة ما رواه محمد الأمين أنه ذات يوم كان في مقبرة تمغرت فسمع هاتفا يقول:

ليس شيء أضر للأموات

كجلوس الفتى مع الفتيات

 

فاتقوا الله يا شباب وصونوا

مهجات لكم عن السيئات

 

وإلى الله يا كهول فتوبوا

تبدل السيئات بالحسنات

 

دوحة الطرائف

شعر محمد الأمين دوحة الطرائف ومجمع الظرافة، ومن هزلياته الطريفة:

لقد فشنا الخط الذي كان يشكر كثير به الكردان والدب يزأر

وإن الفريوا أشبه الإبل عندها وأشبه لغنم عندها ثم لبكر

وأشبه أهل احسي لعمام منهم  بربعيه المشهور والعلك أكثر

ولادب عند احسي مالك وعنده ثمام عجيب يانع النبت أخضر

وحيوان أهل اكراع بيطار سالم وهم بخلا المرعى من الغير أحظر

على أن أهل الخط ما ليس عندهم   ولكن عنه همة الكل تقصر

 

وللشيخ محمد الأمين بن اميو أنظام كثيرة في صنوف شتى من الفقه والنحو واللغة، هو من أعيان العلم والفضل، وقد كان أحد نواب الشيخ بداه ولد البوصيري على مسجد ابن عباس وكان آية في الحفظ والذكاء والظرافة.

 

وإنما أوردت من شعره نتفا وإلماعات لا أكثر، ولو شئت لأطلت في الموضوع أي إطالة لكثر الشواهد والنوادر في أدب محمد الأمين وما ذلك إلا إنه رحمه الله لم يكن يحب طول الكرة.

 

والشيء بالشيء يذكر فاسم محمد الأمين من أكثر الأسماء الشائعة في الحضرة المجلسية، حتى قال المختار بن حامدن إنه كان فيهم أكثر من ثلاثمائة شاب حفظ المدونة قبل البلوغ.

 

وإلى حلقة أخرى من حلقات تندكصالة

 

التاه / محمدن لـ “وكالة أنباء لكوارب”

صدقة جارية