أخبار عاجلة
الرئيسية / آخر الأخبار / ملاحظات حول إسهام الشيخ محمد اليدالي الفقهي الدكتور يحيى ولد البراء

ملاحظات حول إسهام الشيخ محمد اليدالي الفقهي الدكتور يحيى ولد البراء

يحيى ولد البراء

 

بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا مُحَمَّد بن عبد الله النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم. الحمد لله الذي جل على الدوام ونشكره عز على الإنعام ونسأله تعالى الصلاة والسلام على النبي مُحَمَّد أفصح الأنام.

وبعد فقد عرفت الساحة الفكرية في السنوات الأخيرة أعمالا مهمة عن الشيخ محمد اليدالي عن حياته وعن إسهامه العلمي والأدبي والصوفي. وقد أبانت هذه الأعمال ما عُرف عن هذا العالم من موسوعية وعلو كعب في العلوم العربية والإسلامية بمختلف ألوانها وما امتاز به من قدرات روحية ومن تقدم في مجال الإنتاج الشعري والأدبي، مما هو مصداق لما قال صاحب الوسيط من أنه من بين أربعة لم يبلغ أحد مبلغهم في قطرهم.

غير أن المتابع للساحة العلمية يخرج بحكم مؤداه أن هذا الشيخ كان مفسرا ولغويا ومؤرخا وشيخا صوفيا ومتكلما وسيريا إلى غير ذلك من الأوصاف، ولكن لم يكن ذا مساهمة في الفقه لا بالتأليف ولا بالإفتاء. وبالفعل فمن الغرابة بمكان أن لا نجد له كتابا في الفقه مع أنه ألف تأليفات بالغة النفع والفائدة أصبحت كتبا مراجعَ في أغلب قطاعات المعرفة الإسلامية.

ولاشك أن الشيخ اليدالي كان فقيها معروفا توجه إليه النوازل ويسأل عن الأحكام، إذ من المعروف أنه لا يطلق عالم في مجتمع غرب الصحراء قديما إلا على من كان عنده تمكن من علم الفقه أولا وزادَ عليه حيازة العلوم الأخرى. وما رسالته حول مسألة الوسم المعروفة برسالة اللفعة إلا عمل فقهي بالإضافة طبعا إلى جانبه الأدبي والتاريخي البارز للعيان.

وفي الواقع فإن للشيخ اليدالي إسهام كبير في هذا الجانب من المعرفة، لم يتعرض له الدارسون لأنه لم يظهر في كتاب بمفرده بشكل صريح، ولكنه جاء على شكل فتاوى وأجوبة استطعنا خلال عملنا في الموسوعة الإفتائية: “المجموعة الكبرى” أن نقف على بعضه متناثرا في المكتبات الأهلية الخاصة، فعرضناه في مكانه من ذلك العمل، وبقي منه بعض آخر، من بينه نصوص لم تك في حالة تسمح بإيرادها لاختراماتها الكثيرة وعدم اكتمالها، ومن بينه نصوص أخرى وجدنا لها صدى في بعض فتاوى العلماء ولم نتمكن من الوقوف عليها بعينها.

وفتاويه التي أوردنا في الموسوعة هي عبارة عن مجموع من ثمانية نصوص تختلف موضوعاتها وتتباين أشكالها من حيث الكتابة والحجم, وهي ذات قيمة علمية كبيرة نظرا لما تعطيه من فضل معلومات عن شخصية الشيخ اليدالي نفسه، ونظرا لما تصوره من واقع المجتمع أيامَه وطبيعة النوازل المطروحة على الناس. وهذه الفتاوى تعد في الطبقة الأولى من الإنتاج الفقهي في هذه البلاد، وهي تمثل نوازل بمفهوم الكلمة لأنها مسائل طرحت في الواقع واحتاجت إلى نظر وإعمال فكر؛ بل منها ما كان مثار خلاف عريض بين علماء ذلك الوقت.

هذا التوصيف الذي عرضناه قد يكون مسوغا للحديث عن فقه الشيخ اليدالي. فكل عمل علمي لا يستجيب لشروط التأليف التي عدها العلماء سبعة، فيجيب عن إشكال مطروح، ويلبي حاجة علمية واقعة أو متوقعة، يعتبر من تضييع الوقت وتسويد الصحف.

ويمكن أن نصنف هذا المجموع الإفتائي إلى أربعة محاور:

  • محور الأصول
  • محور العبادات
  • محور الأحوال الشخصية
  • محور المعاملات

بالنسبة للمحور الأول المتعلق بالأصول، أسهم الشيخ اليدالي بفتوى في علوم القرآن بالغة الأهمية تتعلق بكيفية نطق الجيم هل هي معقودة أو متفشية؟ وتجيب على إشكالات تتعلق بصفات هذا الصوت.

ومن المعروف أن مسألة نطق الأصوات تعد عنصرا أساسيا من أداء القرآن المتعبد بلفظه. وقد دار حول الجيم خلاف كبير ابتداء من القرن الحادي عشر الهجري واستمر إلى القرن الرابع عشر الهجري.

وبيِّن الشيخ اليدالي أنه عندما نجم أمر الجيم المعقودة أهمه شأنها ففكر في الرد على أصحابها، ثم وجد رسالة لعالم من قبيلة تجكانت يسمى سيدي مُحَمَّد بن الطالب الحبيب بن أيدَ الأمين ميز فيها بين الغث والسمين. فاستحسنها جدا واكتفى بها من الرد.

يقول ما نصه: “هذا وقد اتفق لي مع هذا اللبيب ما اتفق للناصر اللقاني طفق يصنع حاشية على مختصر خليل، إذ وردت حاشية ابن غازي على الديار المصرية، فقال ما كنت أريد سبقني إليه هذا اللبيب فترك التأليف. قلت جزى الله عني هذا النبيه المصقع اللبيب خيرا إذ كفاني الخوض في تلك المهامه التي تحار فيها القطا ويفرق فيها الذئب إذا خطا. وبالجملة فاللهم أعلم أنه لا يجارى ولا يقام له لاطلاعه على جميع الفنون وتحويطه على قضيته باللغة والنحو وأساليب القرآن وكلام أئمتنا.

كما بيّن أن بعض الطلبة أوقفه على رسالة الشيخ التنواجيوي حول الجيم فلم يثلج لها صدره، وظهر له أنها لا حجة له فيها. ولما أراد التأكد من صحة الإجازة بهذه الجيم عند الطالب الذي أراه نقول التنواجيوي وطلبه أن يريه إياها، اعتذر له بأنها لم تحضره.

وتعتبر رسالة الشيخ اليدالي من أوائل ما كتب حول الجيم بل هو أول نص كتب عنها في منطقة القبلة، وقد بيّن فيه صحة الجيم المتفشية التي سماها بالقديمة واستدل بعدة أدلة:

  • منها أن الجيم القديمة هي المقاربة للشين والمحدثة لا تقاربها.
  • ومنها: أن الجيم القديمة يقتضي النطق بها التكرار. ومن الحروف ما هو كذلك باتفاق كالشين أخت الجيم في المخرج وكالراء.
  • ومنها ما أورد صاحب الدرر اللوامع من أنه من اللحن إشراب الجيم صوت الشين. وفيه دليل لذوي الجيم القديمة. لأن الإشراب يدل على المقاربة.
  • ومنها أنه لو صح نقلها لم يبق مجملا.
  • ومنها أن هذه الجيم المعقودة مُحدَثة. وقد ورد في حديث أبي داود والترمذي: “إياكم ومحدثات الأمور. فإن كل محدثة بدعة وإن كل بدعة ضلالة”. زاد جابر: “وكل ضلالة في النار”.
  • ومنها أنها غير فصيحة لثقلها في السمع وعسر النطق بها. وكلما هو غير فصيح فالقرآن منزه عنه، لأنه أفصح ما سمع من كلام العرب، على الطرف الأعلى من البلاغة الذي هو حد الإعجاز حيث يرتقي الكلام إلى أن يخرج عن طوق البشر. إذ هو معجزة متحدى به عجزت العرب عن معارضته. والفصاحة يدركها من لا يجيد المعاني الدقيقة لأنها تتعلق بشكل تآلف الأصوات. فتنافرها ينفي الفصاحة لابتعادها مخرجا أو صفة وتماثلها مخرجا وصفة ينفيها كذلك.
  • ومنها أن لغات العرب القليلة مجتنبة في أداء القرآن رغم فصاحة أهلها كجعجعة قضاعة وعنعنة تميم وكسكستها وكشكشة أسد أو ربيعة وغير ذلك وإذا اجتنبت هذه اللغات العربية القحة، فأولى أن تجتنب جيم السوادين التي جبلت عليها ألسنتهم. وهي أيضا في اللغة البربرية يلحن بها اللام.
  • ومنها أنه حدثه من لا يتهم عن الفقيه الصالح الأمين بن مودي مالك أخي الإمام مينحنَ أن أصل تلك اللغة أن قوما من السودان قرؤوا في بعض تلك المدن فمهروا فتلقتهم الناس بالقبول، فذاعت قراءتهم في الناس. فجعلوا ينقلونها خلفا عن سلف حتى درس أصل القراءة ونـُسي. وعمل في ذلك أبياتا.
  • ومنها أن اللغة الحسانية هي القنطرة لأهل هذا العهد إلى العربية، بل هي هي إلا أنها ملحونة منها. وفصيحهم لا يُطاوعه لسانه بنطق الجيم المنعقدة. والفصاحة سلاقة.
  • ومنها أنه حدثه أحمذو بن المُختار بابَ وهو عدل ثقة أنه سمع من في أئمة القراءة أيام قراءته المختصر “وكالنجش” بإبدال الجيم شينا وإدغامها في الشين. وهذا لا يتأتى في الجيم المحدثة لبعدها منها عند الاختبار.
  • ومنها أنه حدثه الصالح المُختار بن المُصطفى بن مُحَمَّد سعيد وكان من أصحاب سيدي أحمَد السجلماسي الحبيب الملازمين لبابه أيام مقامه عنده، أن أهل سجلماسة يقرؤون بالجيم القديمة.
  • ومنها أن الحامل لهم على نطق الجيم معقودة هو وصف الجيم بأنها مجهورة في شدة.
  • ومنها أن العدول الثلاثة: ابن أيدَّ الأمين، وسيدي المحجوب الجكانيين، وابن الأْعمش العَلوي أبوا عن المنعقدة وقرأوا بالجيم المتفشية. أما ابن أيدَّ الأمين فأخذ عن ابن عمه سيدي المحجوب. وابن الأْعمش أخذ عن عبد الرحمن بن القاضي إمام أهل المغرب ولاسيما في علم القراءة.

بالنسبة للمحور الثاني وهو المتعلق بالعبادات فلم نجد للشيخ اليدالي إلا فتوى واحدة في باب الزكاة. ويبدو فيها أنه يميل إلى عدم نفي حق الفقراء في المال ولو كان في ذلك قول.

فقد تحدث اليَدالي عن نازلة كثيرة الوقوع عند الناس في ذلك العهد خاصة المرتفقين من أهل البادية كالإخوة يجعلون إبلهم عند رجل يرعاها بلا نية الخلطة بل لملاطفة بينهم، أو كأغنام أهل قرية يجمعها رعاتها في المرعى، فإذا كان الليل راحت كل غنم إلى أهلها، فقال إنهم يزكونها زكاة الخلطة إن اجتمعوا بملك أو منفعة في مبيت وراع ومحل ودلو. ولا يشترط في الخلطة نيتها. لأنه يؤدي إلى التسلسل لاحتياج تلك النية إلى نية أخرى. ولم يذكر النية فيها إلا القرافي عن سند بن عنان”.

بالنسبة للمحور الثالث وهو الأحوال الشخصية فقد وقفنا على فتوى طويلة للشيخ اليدالي يجيب فيها على سؤال ورد عليه من منطقة الركيبه، ويرد فيها على عالم من أهل تلك المنطقة يسمى الحبيب بن أيدَّ الأمين الجكني والد صاحبه الذي بالغ في علمه وقال إنه كفاه مؤونة البحث والكتابة في مسألة الجيم.

وقد مثلت مسألة النشوز الذي حده الفقهاء بأنه: الخروج عن طاعة الزوج فيما تجب فيه طاعته، وهو مشتق من نشز المكان إذا ارتفع، مبحثا طويل الذيل بين فقهاء غرب الصحراء. أسالت الكثير من الحبر واختلف فيها علماء هذت البلاد مذاهب شتى.

ولقد ردَّ الشيخ أحمَدُ بن مُحَمَّد عَبد الرَّحمَن بن الخَرّاشي الجكني هذه الكثرة البارزة للعيان في نوازل النشوز عند علماء الغرب الصحراوي، بأن البلاد سائبة لا حاكم فيها يُلزم التنفيذ، وأن النساء فيها متغلبات وأولياؤهن أعوان لهن على غرضهن الفاسد. وهن مالكات للعِصم.

ومن بين مسائل النشوز التي اختلف فيها فقهاء هذا المجال الجغرافي:

  • هل النشوز موجب للطلاق أم لا ؟
  • هل للناشز ما للزوجة من حق أم لا؟
  • هل يلزم الشرط حال النشوز أم لا؟

وسنتناول هذه المسائل الثلاث مركزين على المسألة الثالثة التي هي مجال توجه كلام الشيخ اليدالي في فتواه.

بالنسبة لمسألة هل النشوز موجب للطلاق أم لا؟

تعتبر نازلة الناشز المتأبية عن الوفاق، من أكثر النوازل نقاشا وأطولها مدة وأخطرها على السلم المجتمعي في الماضي لما سببت من خصوصمات بين الأسر والجماعات أدت في بعض الأحيان إلى سفك الدماء وهتك الأعراض. فقد بدأت حسب ما وصلت إليه معلوماتنا الحالية، مع علماء القرن الحادي عشر الهجري واستمرت طيلة القرون التالية له.

ومن أوائل من تكلم في هذه المسألة الطالب مُحَمَّد بن المُختار بن الأعمَش العَلوي الذي أفتى بوجوب قيام الحاكم أو جماعة المسلمين بإلزام الزوج طلاق الناشز التي أيس من إصلاحها بكل وجه خوفا من استدامة الحرام.

فقال ما نصه: “لما سئلت عن الناشز التي تعذر الإصلاح بينها وبين زوجها بوجه من الوجوه. وأبى الزوج فراقها وقد عُلم أنهما لا يصطلحان ولا يُطمع في الائتلاف بينهما. وقام أولياء المرأة أو غيرهم ممن تهمم بأمورهم يطلب حكم الله تعالى في الزوجين وما تحكم به الشريعة إذا كان حالهما ما ذكر؟ فأجبت والله الموفق أن للحاكم حيث كان أو جماعة المسلمين حيث لم يكن، أن يفرقوا بينهما على ما اقتضاه اجتهادهم بنظر الشرع لا بالهوى وإن أبى الزوج. وخالفني في ذلك بعض الناس. فلم أبال بمخالفة مَن يخالفني، إذ رأيته خالف الظاهر أو النص”.

وإلى هذا الرأي ذهب جماعة من العلماء منهم عبد الله بن الحاج حمى الله الغلاوي الذي يقول:

ولا يجوز ترك ناشز على
فداءها بما أحب ممكنا
نشوزها والزوج حتما قبلا
إلا يطلقها عليه الأمنا

وبنفس الحكم صرح الفقيه القصري الإيديلبي فقال إن تعذر الإصلاح والأيَس من اجتماع الزوجين يوجب على المسلمين أن لا يتركوهما على تلك المعصية وفساد الدين. فالمنفردة بالإساءة لا تترك على نشوزها ويترك زوجها معلقا لها تسبح في الفساد. بل لابد من بعث حكم في ذلك يرد هذا الفساد بجمع أو فراق.

كما ذهب مُحَمَّد المُختار (فتىً) بن سيدي عَبد الله العَلوي نفس المذهب وعضد رأيه بأن بعض العلماء كمحمد بن المُختار بن الأعمش، وسيدي الحسن بن القاضي العلويين أفتوا بأن الزوجة إذا نشزت يتعين فراقها إن تعذر الوفاق.

غير أن جماعة أخرى من العلماء، وإن كانت أقل من الأولى، ذهبت عكس هذا المذهب. فقد أفتى محنض بابه بن اعبيد الديماني بما نصه: “وبعد فإنما أفتى به مُحَمَّد المُختار بن الأعمش من أن الناشز إذا تعذر الوفاق بينها وبين الزوج جُبر لها على الخلع غير ظاهر. ولم أر نقلا يوافقه”.

وقال أيضا: “ثم الحكمان يجب عليهما إصلاح ما بين الزوجين وإن تعذر لم يتعين الفراق كما توهم ابن الأعمش. فمن أنصف ظهر له أن الحكم على زوج الناشز بالطلاق منقوض وإن تعقد (الأمر) لمخالفته للقواطع والقواعد”.

وقد أكد هذا المذهب مُحَمَّذن فال بن مُتالي التندَغي فقال: “إن من أفتى أو حكم بأن الناشز لها التطليق بالضرر ومنه الشتم ظلما فقد أخطأ وغلط غلطا فاحشا”.

وبالنسبة لمسألة هل للناشز ما للزوجة أم لا؟

فقد مثلت هذه المسألة خلافا طويلا يتعلق أساسا بنفقة الناشز هل لها أم ليست لها؟ أم لها إن قدر الزوج على رجوعها؟ وقد صوره أحمد الأفرم بن مُحَمَّد بن الطالب سيدي المختار (هاهي) الجكني هذا الخلاف فقال: “أما بعد فإن سيدي عبد الله أفتى بأن الناشز لا ترث ولا صداق لها وعزا ذلك للتوضيح. وأنكر ذلك العالم الشهير الطالب عبد الله بن الحاج مُحَمَّد الرقيق العلوشي. فلما طال الخلاف بين الشيخين أرسل سيدي عبد الله إلى أحمَد بن المُختار يسأله عما في التوضيح ولا أدري هل ما في التوضيج ذكره أحمَد لسيدي عبد الله أو أراه إياه. فأمرني أحمَد بن المُختار أن استوعب له ما في التوضيح ليبعثه إلى شيخه أعاد الله علينا من بركاتهما. فراجعته أياما فلم أجد فيه تعرضا لنفي الإرث أو الصداق وإنما وجدت فيه عدم النفقة. فذكرت ذلك لأحمَد بن المُختار وقلت لعله في نسخة أخرى. فقال لا يعزوه لغير تلك النسخة المذكور استيعابها فما أدري أهو سهو أم غلط”.

وبالفعل فإن سيدي عبد الله بن الحاج إبراهيم ذهب إلى أن الناشز لا صداق لها ولا ميراث وعزاه للتوضيح والأجهوري. ولقد سار إلى ذلك تلميذه الفقيه مُحَمَّد بن حنكوش، فدعم فتوى شيخه سيدي عبد الله، وذكر هو الآخر أن الناشز لا ميراث لها ولا صداق ولا نفقة ولا كسوة، وألف في ذلك رسالة سماها “قمع اللامز في عدم ميراث الناشز” .

وذهب هذا المذهب أيضا الشيخ أحمَدُ بن مُحَمَّد عَبد الرَّحمَن بن الخَرّاشي الجكني فقال: “المرأة إذا نشزت فلا صداق لها ولا نفقة ولا كسوة”.

غير أن أغلب الفقهاء ساروا على خلاف الرأي السابق، فأفتوا بأن الناشز زوجة وأن لها ما للزوجة من حقوق. يقول مُحَمَّد بن أمينُ بن الفرّاء التندَغي: إن الشرط لا يسقط بالنشوز ونقل عن محنض بابه بن اعبيد أن الشرط يمين واليمين لا تنحل بالنشوز.

ويقول مُحَمَّد (نافِع) بن حَبيب بن الزايد التندغي: الناشز لا قائل بعدم إرثها وأنها لا فرق بينها وبين سائر الزوجات في الإرث والصداق.

ويقول مُحَمَّد سالِم بن المُختار بن المَحبوبي اليدالي إن الناشز زوجة؛ لأن عصمة الزوج الشرعية لا تنحل عن زوجته إلا بموته أو طلاقه صريحا أو تطليق حاكم بشروطه المعروفة في الفقه. وإذا كانت زوجة كان لها الإرث؛ لأن الزوجية من أسباب الإرث ما لم يمنع مانع من الموانع المعروفة عند الفقهاء المالكية. وليس للمكلف قطع الأسباب الشرعية عن مسبباتها.

أما ما يتعلق بمسألة هل النشوز يبطل الشرط؟

فهي تمثل مبحثا مستفيضا بين علماء الغرب الصحراوي، صورَ لنا الفقيه الحوضي مُحَمَّد البَشير بن الحاج الهادي الإيدَيلبي بعض مقاطعه فقال لما سئل عن شرط النكاح هل يُبطله النشوز؟ بأن الفقيه الحبيب بن أيدَّ الأمين أفتى بأن النشوز يُبطِل شرط النكاح. لكن رَدوا عليه ردا ظاهرا. ومن المخالفين له في هذه المسألة شيخنا الحاج أبو بكر بن الحاج عيسى الغلاوي، والعالم الطالب عمر بن بابا الولاتي. وذكر القاضي سنبير الأرواني عن ابن عبد الكريم المغيلي فتوى مُوافقة للجكاني لكن الشيخ لم يدعمها بنقل. وعادة العلماء عدم الأخذ بأقوال المتأخرين ما لم ينسبوها لأصل مُعتمد كالمدونة”.

كما صور بعضها الآخر الشيخ مُحَمَّد الحَسَن بن أحمَدُّ الخَديم اليَعقوبي فقال: “وهذه المسألة أي مسألة هل النشوز يبطل الشرط أم لا؟ قد اختلف فيها مُحَمَّد اليدالي وابن أيدَّ الأمين. وصنَّف فيها مُحَمَّد اليدالي ما حاصله أن النشوز لا يبطل الشرط. ورجع إلى ذلك محنض بابَه بعد موافقته لابن أيدَّ الأمين. هذا الذي أخبرني مُحَمَّد سالم بن ألما”.

وقد ذكر ابن أيد الأمين في فتواه أن دعوى الزوج شدة تعلقه بزوجته هو بساط يمينه أن ذلك يفيده ولا تطليق عليه تخصيصا للنصوص الواردة بلزوم التعليق بغير حالة النشوز عملا بالبساط المذكور وقياسا بالأحرى على حلفه أن لا يتزوج مدة حياتها، فتزوج في حياتها بعد أن طلقها مدعيا نية كونها تحته، وبأن النشوز لا يبعد عنده أنه إكراه. وطلاق المكره لا يلزم.

ولقد ذهب مذهب ابن أيد الأمين فقهاء عديدون كإبراهيم (ابَّاه) بن أمانة الله اللمتوني الذي أفتى أن الزوج لا يلزمه الشرط للإكراه. والنشوز فيه ثلاثة أقوال: قيل: إكراه للزوج مطلقا، وعليه فلا يلزم ما تسبب عنه من طلاق أو دفع مال. وهذا القول ارتضاه العلامة ابن أحمدو فال. وقيل: ليس إكراها مطلقا. وعليه فيلزم ما تسبب عنه. وقيل: بالتفصيل. أي أنه إكراه على دفع المال وليس إكراها على الطلاق. وهذا القول اختاره القصري في نوازله.

وذهب مذهب ابن أيد الأمين أيضا سيدي بن المُختار أمُّ الديماني الذي يقول: “مسألة هل يلزم شرط الناشز مسألة تنازع فيها شيخان فقيها وقتهما: الشيخ محمد اليدالي والشيخ ابن أيد الأمين. ولكل منهما تأليف جيد في رأيه في المسألة. وقد أوقفني عليهما العم محمد فال. وقد رأيت ما كتب في هذه المسألة السيد عبد الفتاح وفي ضمنه نقل عن المعيارين يؤيد بل هو عين المسألة أن شرطها يبطل.

وفي هذا سياق هذا الخلاف تتنزل فتوى الشيخ اليدالي التي يبدو أنه سئل فيها عن هذه النازلة نفسها وكأنها لم تتوقف بعد ابن أيد الأمين. وقد كتب اليدالي فيها فتوى طويلة تظهر علو كعبه في الفقه وعلم الأصول كما سيتضح من نص كلامه.

وبيّن السؤال الذي أجاب عنه بما نصه: “هو عن امرأة اشترط لها زوجها عند العقد عليها طلاقها أو طلاق الداخلة عليها إن تزوج عليها. ثم نشزت فتزوج عليها فقامت الأولى بشرطها المؤكد باليمين. فادعى الزوج أن يمينه إنما هي لأجل حب المرأة وطيب عشرتها وأن ذلك بساط مخصص ليمينه بعدم النشوز. فهل يفيده ذلك وينتفي عنه اليمين أم لا ويلزمه الطلاق بمجرد التزويج”.

وحاول الشيخ اليدالي أن يرُد حجج ابن أيد الأمين الثلاث التي أتى بها ليستدل على عدم لزوم الطلاق. وهي:

  • دعوى التخصيص عملا بالبساط،
  • كون النشوز إكراها،
  • القياس بالأحروية على مسألة “لا يتزوج حياتها.

أما الحجة الأولى وهي دعوى التخصيص عملا بالبساط، فجوابها كما ذكر الشيخ أن النصوص طافحة بلزوم التعليق في مسألة: “إن تزوجتُ عليكِ فأنتِ والتي أتزوج طالق”. وظواهر تلك النصوص كلها دالة على شمول النشوز وغيره. بدليل استثناء كونها تحته في لا يتزوج حياتها. لأن الاستثناء معيار العموم. والظواهر إذا كثرت أفادت القطع ما لم يثبت ما يصرف اللفظ عن ظاهره. فمن ادعى ذلك الصارف فهو في عهدته وإلا بحث معه. لأن العلماء مؤتمنون فيما ينقلون مبحوث معهم فيما يقولون. فليُبق إطلاق تلك النصوص وعمومها على ظاهرها الشامل للنشوز وغيره احتياطا للفروج وتغليبا لجانب التحنيث لأنه يقع بأدنى سبب. فإن العموم والإطلاق حجتان من حجج الشرع ما لم يرد مخصص أو مقيد.

ثم إن دعوى التخصيص بالبساط المذكور لا يصدق عليها ضابط البساط ولا يندرج تحته. لأن البساط هو السبب الحامل على اليمين. فاقتضى ذلك أنه سبب جار قبل اليمين وحامل عليها كما يظهر ذلك من أمثلة البساط. وعلى هذا فالسبب الحامل لصاحب النازلة على اليمين إنما هو تطييب نفس المرأة ليتمكن من العقد عليها فحسب. وأما الذرية ودفع غوائل الشهوة وما ذكره معهما مما سرى إليه وهم المفتي من أنها بساطات جعلها قاعدة تدور عليها فتواه فليست مع البساط في صدر ولا ورد. بل هي ثمرات النكاح وأغراض قد تكون وقد لا تكون وعلل غائية. والعلة الغائية هي التي يتقدم تصورها على العمل في الذهن ويتأخر وجودها عنه في الخارج. كالجلوس على السرير فإن تصوره ذهنا مقدم على عمل السرير ويتأخر الجلوس عليه بالفعل عنه في الخارج.

وأما الحجة الثانية وهي دعوى أن النشوز وما ينشأ عنه من انقطاع النسل والافتتان في الدين وخشية العنت وتعلق القلب بحب الناشز وإيلام القلب بل والجسم إذ ربما قتل أو خبل الذاكرة أو الشرف، أنه إكراه أو أشد، فيرى الشيخ أنه ليس هو تعريف الإكراه عند أهل العلم. فقد عرفوه بأنه: التخويف بمؤلمات الجسم الظاهرة الناشئة من فعل الآدميين كما يدل له تمثيلهم له بالقتل والضرب والسجن والصفع وغيرها. وأما مؤلمات الباطن الكائنة من الله تعالى بسبب دواعي الشهوة وغيرها الموقعة في موجعات القلب التي عنى كثير بقوله: “ولا موجعات القلب حتى تولت”، فليست بإكراه شرعي بل هي أمور ضروريات أو حاجيات تزال شرعا. وإلا لكان كل من نالته من الله تعالى ورطة من الأمور الحاجيات أو الضروريات مكرها يسوغ له التخلص بما يؤدي إلى تبدل الأحكام وانقلاب الأوضاع الشرعية. فتختل الأحكام وتتغير الشرائع والدين بسبب دواعي الشهوة وغيرها. والدين والحمد لله محفوظ من التغيير.

وأما الحجة الثالثة وهي قياس النازلة بالأحرى على مسألة “لا يتزوج حياتها”، التي بيَّن فيها ابن أيد الأمين الأحروية بأنه في الأصل تتطرق له تهمة بأنه إنما فارق الأولى ليتزوج الثانية وفي الفرع لا يتهم بذلك. ثم استظهر على ذلك بأن الناشز لا حق لها شرعا ولا حرمة وكذا لا شرط لها لأنه من حقوقها. واستطرد من ذلك هبة أحد الزوجين للآخر شيئا على دوام العشرة ولم يف به أنه يرجع فيه. فقد رد عليه الشيخ بأنه كله دوران حول القياس. والقياس أمره مخطر ينبغي التثبت فيه لأنه مزلة الأقدام صعب المسالك متشعب الفروع. لكثرة شروطه. ولذا قل من يحسن إجراءه على قواعده.

فقياس النازلة على مسألة “لا يتزوج حياتها”، غير تام لأن القياس ما اتُفق فيه على وجود العلة وقُطع فيه بنفي الفارق. وهنا ليس كذلك لأن العلة التي توجب انحلال التعليق وهي النية موجودة في الأصل المقيس عليه مفقودة في الفرع المقيس وهو النازلة. فإذن قياسها عليه قياس مع عدم العلة ومع وجود الفارق. وذلك لا يسمى قياسا لأن القياس تعدى حكم الأصل للفرع بجامع العلة. فإن لم توجد علة الأصل في الفرع لم يتعد الحكم للفرع. فالفرع هنا كذلك إذ ليس في نص السؤال عن النازلة دعوى النية. وإنما فيها دعوى بساط متعسف كما تقدم بيانه. والنية والبساط متغايران.

وهناك فقهاء كثيرون ذهبوا مذهب الشيخ محمد اليدالي من معاصريه، فقد تعقب عُمَر بن بابَ المَحجوبي الولاتي فتوى الحبيب بن الفقيه أيدَ الأمين من سقوط شرط الناشز فقال: إن هذه الفتوى غير صحيحة لتظافر النصوص على ذلك. ففي ابن يونس عن ابن المواز ما نصه: “من النية ما لا يُقبل في قضاء ولا فتيا وهي كل يمين على وثيقة حق أو شرط أو لتأخير أجل بدين. فما كان يقضي فيه السلطان من طلاق أو عتق فلا يُقبل فيه نية. وما كان لا يقضى فيه كيمين صدقة أو مشي فلا يلزمه وديّن في نيته” انتهى من المواق. وقال ابن الحاجب: “اليمين بالله على نية الحالف وهي وغيرها على نية المستحلف فيما كان على وثيقة حق من شرط في نكاح أو بيع ونحوه”، انتهى. وموضع الدلالة من هذين النصين قوله: “من شرط في نكاح”. وصحح هذه الفتوى القاضي المحقق أبو بكر بن مُحَمَّد بن الحاج أحمَد المحجوبي وأبطل غيرها من الفتاوي وكذا الفقيه الحاج أبو بكر بن الحاج عيسى.

وأما فيما يتعلق بجانب المعاملات فقد وقفنا للشيخ اليدالي على خمس فتاوى:

أولاهما في باب الحجر وتتعلق بتحديد مفهوم سفه المرأة لما ينبني عليه من أحكام فقهية خاصة في ذلك التاريخ الذي تحتل فيه المرأة مكانا متميزا في المجتمع. فذكر أن علامة سفهها انعدام المسؤولية عن شؤون البيت وعدم التشاور مع الأولياء في تصرفاتها وعدم الطاعة للزوج.

والثانية تتعلق بالإيصاء وهي من القضايا النازلة في المجتمعات التي لا تهتم بالتسجيل والتاريخ. فكثيرا ما يموت الرجل ويترك أبناء صغارا دون أن يعين لهم وكيلا. وفي هذه النازلة الكثيرة الوقوع بيَّن محمد اليدالي أن مالكا وغيره من العلماء كما نقل ابن الماجشون أجازوا للعم وغيره كالأم والأخ الرشيد ما يجوز للوصي دون إيصاء وتقديم سلطان إذا أحسنوا النظر ولم يتهموا. ونقل عنأبي مُحَمَّد صالح أن هذا جيد لأهل البوادي لأنهم يهملون الإيصاء. وكذا الأخ الكبير على الصغير في الأمور وفي قسمة التركة بينهم. إذا ظهر السداد. وقد قال بذلك ابن العربي ونقله الزرويلي عن شيخه أبي الفضل راشد معللا ذلك بأن ابن الماجشون قال ذلك بالمدينة حيث القضاء فالبادية أحرى.

والثالثة تتعلق بالضمان، وقد بّين فيها أن بلاده التي هي إيكيدي ليست أرض زراعة ولم تعرف بذلك منذ زمن طويل. فسكانها يعيشون أساسا من الماشية التي يتملكون ويسعون في صلاح أحوالها.

فقد سئل عن ضمان الماشية في هذه البلاد؟ فأجاب أن الأراضي على ثلاثة أقسام: أرض الزراعة وأرض الماشية والمشتركة بينهما. فحكم كل مبسوط في محله. ثم إن كون الأرض لأحدهما، مما لا يختص به العلماء عن غيرهم من أهل النظر. فالذي يقتضيه النظر عندي في ذلك أن كون الأرض لأحدهما إما لكونه أقدم من الآخر أو لكونه أكثر نفعا على أهلها أو هو سبب عمارتها أو تفجير مائها وما يترتب على ذلك من إطلاق النعمة على أهلها بكثرته وصلاح أمواله أو إطلاق الشدة عليهم بعدم ذلك. فجميع هذه الوجوه تقتضي عندي أن هذه الأرض للماشية لا ضمان عليها فيما أفسدته ليلا ولا نهارا. أما بكونها أقدم، فلا نعلم بوجه قط في من فيها متوارث عن الأجداد كابرا عن كابر من لدن الجد الأول إلى اليوم. بل المنقول لنا عن الأسلاف جميعا أنهم أهل ماشية فيها جل معاشهم واكتسابهم إلى زمننا هذا. وأما المنفعة فإنا لم نجد بيتا من أهل هذه البلاد قامت زراعته بأموره سنة فأحرى أكثر. وأما الأكثرية فمن البين أن الزاوية التي للزراعة فيها، قليلون بالنسبة إلى سائر أهلها من بني حسان وأتباعهم كحلقة في فلاة. وأما تفجير الماء فلم يعهد قط من فجر ماء للزراعة إلى غير ذلك. فمن تأمل هذا وأنصف علم أن هذه الأرض لا ضمان على الماشية فيها. ولم أزل أسمع من الثقات وغيرهم أن هذا هو الذي عليه المحققون من علماء هذه الأرض كالمصطفى بن اختيرَ وحاج بيت الله عبد الله. وبه قضى الفقيه المختار بن موسى في مرافعات رفعت إليه غير ما مرة. هذا هو الذي أدين الله به. وكتب مفتيا به مُحَمَّد بن المختار بن سعيد أسعدنا الله وإياه في الدارين”.

والرابعة تتعلق بالحبس. وقد تعرض فيها الشيخ لمسائل مهمة منها مسألة ناظر الحبس القيِّم عليه الذي غالبا لا يهتم الواقف بتعيينه في هذه البلاد. ومنها مسألة التصرف فيه بما يخالف شرط الواقف، وهذا الفرع بالغ الأهمية خاصة في أيامنا هذه التي تسعى فيها المؤسسات الوقفية المعاصرة لصرف عوائد الأحباس إلى بعض المصالح الأكثر أهمية في حياة الأمة وإن خالفت نص الواقف.

فقد ذكر في هذه الفتوى أن للواقف إذا ولّى ناظرا أن يعزله ويُولي من شاء. بخلاف القاضي إذا ولّى ناظرا فليس له ولا لمن بعده عزله إلا لجنحة. وإذا مات الواقف وعُدم كتاب الوقف قُبل قول الناظر إن كان أمينا. وإذا ادعى الناظر أنه صرف الغلة صُدِّق إن كان أمينا أيضا ما لم يكن عليهم من لا يصرف إلا بعلمهم. ولو ادعى الناظر أنه صرف على الوقف قبل قوله بلا يمين إلا أن يكون متصلا فيحلف. ولو التزم حين أخذ النظر أنه يصرف عليه من ماله لم يلزمه ذلك وله الرجوع بعد ذلك. وله عزل نفسه وإن كان من جهة الواقف بخلاف وصي الأيتام. وإذا عزل نفسه لم يكن له الرجوع بعد ذلك خلافا للشافعية. وله أن يغير لمصلحة الوقف من غير إعلام الحاكم ويصدق في ذلك. وله أن يفعل في الوقف كلما كان أقرب إلى غرض الواقف بحيث لو كان حيا رضيه ولو خلاف شرطه. ولو جعل الواقف النظر للغائب صح وينتظر قدومه. وليس للحاكم أن يولي غيره. ولو غفل الواقف عن الناظر. أي عن أن يجعل على الوقف ناظرا فللقاضي أن يجعله ويجعل له معلوما من غلته. وإذا وقف على مصالح المسجد صُرف في حصره وزيته ولا يصرف في مؤذنه وإمامه لأنهم ليسوا من مصالحه. فإن صرف لهم الناظر لا يرجع عليهم. والعبرة في الوقف بتقرير الناظر لا القاضي. لأن الناظر أخص والقاضي أعم والأخص مقدم على الأعم. ولو شرط الواقف أن يخرج الكتاب من المدرسة أو لا يعطي منه أكثر من كراسة جازت المخالفة إن كان الآخذ أهلا”.

والخامسة تتعلق بالهبة، وقد بيّن فيها الشيخ أن الشرط الضمني المعروف كالمتلفظ به، لأن المعروف عرفا كالمشروط شرطا والمضمرات كالشروط. فمن أعطى ماله أخاه رجاء مودته ونفعه ثم ظهر من الأخ عكس ما يرجو منه وقابله بالعداوة والمقاطعة، فله الرجوع في شيئه. ومن كلامهم: “من وهب شيئا لشيء فلم يجد ذلك الشيء فله الرجوع في شيئه”.

وقد أحال الشيخ اليدالي في هذه الفتاوى إلى عدة علماء لم نجد عنهم من المعلومات شيئا مذكورا، وإن كان التعرف عليهم قد يعطي صورة أكثر وضوحا عن الوضع العلمي والديني في منطقة غرب الصحراء خلال القرن الثاني عشر الهجري. وهؤلاء الرجال هم:

  • سيدي مُحَمَّد بن الطالب الحبيب بن أيدَ الأمين الجكني الذي وصفه بأنه المجلي المصيب الآخذ في كل العلوم بنصيب المصقع اللبيب،
  • الطالب الحبيب بن أيدَ الأمين الجكني الذي قال عنه” السيد الأجل الفقيه الذي يدل كلامه على طول باعه في العلم وقوة عارضته في الفقه
  • مسكَ بن باركل الذي وصفه بأنه شيخه.
  • المصطفى بن اختيرَ الذي نعته بأنه من المحققين من علماء هذه الأرض.
  • حاج بيت الله عبد الله الذي نعته أيضا بأنه من المحققين من علماء هذه الأرض.
  • الفقيه المختار بن موسى الذي ذكر أنه وقعت عليه مرافعات كثيرة في شأن الأرض.
  • الأمين بن مالك أخي الإمام مينحنَ الذي نعته بالفقيه الصالح
  • أحمذو بن المُختار بابَ الذي قال عنه إنه عدل ثقة
  • المُختار بن المُصطفى بن مُحَمَّد سعيد الذي وصفه بالصلاح

هذه بعض الملاحظات حول الجانب الفقهي من شخصية الشيخ محمد اليدالي تبرز جانبا مهما من حياته وحياة المجتمع الذي يعيش فيه وتكمل مشهد آثاره وسيرة حياته المكتوبة.

وآخر دعوانا أن الحمد لله

والسلام عليكم ورحمة الله

صدقة جارية