أخبار عاجلة
الرئيسية / آخر الأخبار / ملحدون بيننا..!/ أمينه عمـــــــار

ملحدون بيننا..!/ أمينه عمـــــــار

عنوان مقلق كسيح.. لو خيرت بين كتابته والضغط على الزناد لفضلت الأخير، ربما لكثافة الألم الوجداني لمدلول اللفظ الشاذ عن فطرتنا وعهدنا المشهود.. إذ قلنا: “بلى” “شهدنا”.

 

أمد سحيق نسيت فيه “الذرية” رهبة الميثاق، والإقرار بربوبية الخالق… فبعث الله رسله تترى، فكُذبوا، وآمن بهم نفر، ثم جاءهم نصر الله.. فأشهرت سيوف الحق من أغماد الباطل.. تطاول الأمد ثانية فوهنت العقائد.. إنكار وتمرد وجحود.. مهد الطريق لما يعرف بالإلحاد المعاصر حيث استقال العقل أو أقيل، فحين تنكر وجود “الله” فمعناه أنك بلا عقل..!! كيف مات العقل؟؟

 

يرى المهتمون بموضوع الإلحاد أن الوصاية الكنسية وانحرافاتها الخطيرة ووقوفها في وجه الثورة العلمية في أوربا، وسيطرة العقل المادي.. رسمت خريطة الإلحاد المعاصر وأخرجته من قمقم العزلة.. إلى دائرة الأضواء.. فزعموا أن العلم يناقض الدين، ليسود المفهوم الخاطئ أغلبَ الدوائر العلمية في أكبر عملية تزييف للحقائق يشهدها العصر الحديث..!

 

العلم الذي يدعو للإيمان.. آيات الأنفس والآفاق الشاهدة على بديع خلق الله..، ما يعرف بقانون الضبط الدقيق والإعجاز في الخلية.. أحدثت ثورة إيمانية في أوساط العلماء، بعد أن غيبوا دهرا ومورست عليهم وصاية من نوع آخر ..

 

العلم الذي دفع السير أنتوني فلو للإيمان بالله بدافع الشواهد العلمية حسب تعبيره بعد نصف قرن أمضاه ملحدا، يلهب فكر ومشاعر الملاحدة في العالم!! الأكثر غرابة أن منكبيا يقيم في باريس يحدث فيقول: إن انسلاخه من الدين جاء نتيجة دراسته للعلوم الطبيعية!!

 

لست هنا بصدد التوسع في دحض مقولة أن العلم يقود للإلحاد.. فقد رجت مكتبات العالم لتفنيد وهم تشكل سانحة غفوة عقل..!

 

قد يقول قائل: لنتجاهل الموضوع… لنمتْه بعدم الذكر، نتركه يتعفن في سراديب اللامبالاة.. ليبقى بلا وطن، بلا ملامح بلا عنوان.. فكرة رائعة لو لم يتبنّ الإلحاد المحلي قليل العدد أسلوب المواجهة والصدام اتجاه الدين والمجتمع.. فقضية ولد امخيطير وبعده ولد عبد الغزيز وبقية القطيع كشفت أن (ملحدين بيننا) يكبر في نفسي نطقها! فأذكر أنه لا ينبغي أن أحزن، فمهما سارعوا في الكفر فلن يضروا الله شيئا..

 

فأعود لمواجهة القطيع كما وصفهم البيولوجي البريطاني الملحد ريتشارد دوكنز أضيف “الشارد” للقطيع ليكتمل الوصف.. بذاءات القطيع وصلت الديار، فبتنا نشاهد من حين لآخر كتابات يعلن أصحابها إلحادا بواحا شرسا، ينخرط معتنقوه في منظمات تبشيرية كهنوتية متطرفة.. تسب وتشتم وتصادر آراء المخالف!! هؤلاء الذين اغبرت أقدامهم في سبيل نشر الإلحاد والرذيلة في المجتمع يحلمون بموريتانيا خالية من التدين! لن يحدث هذا ولكنهم قد يجذبون شبابا نهما للشهوات ميالا للتحرر من القيود لديه عقد نفسية.. فالدراسات أثبتت أن الإلحاد غالبا ما يكون سببه نفسي كما ذهب إلى ذلك عالم النفس الأمريكي الكبير بول فيتز في بحثه الشهير “سيكولوجية الإلحاد” الذي قلب الطاولة على نظريات فرويد، وقد ألف الدكتور عمر شريف أحد أهم كتبه في الموضوع “الإلحاد مشكلة نفسية”.

 

لو أن الملحد كتم إلحاده حتى يدركه الموت لما استنطقت صمته ولجربت معه نداء خفيا، عسى أن ينقذه من غربة التيه..

 

ما زال الإلحاد محصورا وسيظل كذلك إلا أن ذلك لا يعني إخلاء الساحة لهم بدعوى محدودية تأثيرهم.. إذ ينشطون أساسا عبر صفحات افتراضية منزوعة التأثير واقعيا، وبعض الخلايا المجهرية، وشباب تحرشت بهم الفلسفة الوضعية ونظرية “الإسقاط” عند فرويد، ووجودية سارتر، وعدمية نيتشيه.. ولما يبلغوا الحلم المعرفي بعدُ، فحدث اختلال في المفاهيم وزعزعة في المعتقدات، قادهم إلى إبحار سيزيفي عاصف لم تستطع أشرعتهم مراوغة موجه فاختفت المعالم ليحل الفراغ المريع.. فتعالت الأصوات إني أغرق أغرق أغرق.. إنه الإلحاد الذي يبشرون به ويمجدونه.. وله أعراض وإرهاصات.. يعرف بها كرقة التدين وميوعته والتمرد والقلق.. مقارنة الشرائع الإلهية بالقوانين الوضعية.. ثم يبدأ العد التنازلي للانسلاخ من الدين!! لم يعد بعضهم يجد حرجا في التعبير عن ذلك ويمارس البعض الآخر التقية.. العينة الأولى تحمل “مشروعا” يتجاوز الإلحاد الذاتي إلى الإلحاد المجتمعي! الأمر الذي يدعونا للتساؤل عن الأسباب وراء تلك الرغبة الجامحة لزعزعة إيمان الآخر؟ أليس الإلحاد عقيدة موغلة في الفردانية والعدمية واللا معنى..؟

أليس غريبا أن يقتحم الملحد مجال “الدعوة” فليست هناك جنات وعيون ورغد.. في العدم الموعود!!

 

أليست العقيدة الإلحادية مبنية على غياب الغائية فلا قصد وراء الخلق ولا وجود للبعث!!؟؟

 

أتفهم أن يقبض المؤمن على الجمر في سبيل دعوته لأن عقيدة الأخير تمتلك أجوبة للأسئلة الوجودية الكبرى التي طالما أرّقت الإنسان، كنشأة الحياة والغاية من الوجود والموت وما بعده وكونه بوابة لعالم السعادة والشقاء السرمديين.. فالمؤمن بما ذكرنا لديه أهداف وغايات أعمق وأسمى.. يدرك من خلالها أن للمحسوسات عالمها وللغيب عوالمه وأن الحياة صفحة تدون فيها أعمالنا.. لتعرض غداة الاستحقاقات الكبرى.. موقن بوفرة عطاءات ربه فيبادر إلى دعوة الناس للإيمان، كما يدعوه كتابه ورسوله ودينه.. فالمؤمن لا يمارس التغابي بل يصعد مدارج التأملات يحيره فناء اللحظة وتربكه أخرى ما زالت في طور التشكل.. حذر كما هم العقلاء…

 

بخلاف النظرة الساذجة العبثية القاصرة.. التي يحاول الملاحدة اختزال الإنسان فيها، فيحطون من قدره ويحتقرونه أيما احتقار؛ فهذا الفيزيائي البريطاني الشهير استيفن هوكينغ يصف الإنسان المكرم المرسل المستخلف.. بأنه مجرد كومة نفايات حقيرة..!! لا تعجب فهذا إفراز الفكر المادي الإلحادي في المجتمعات الغربية التي باتت على وشك التلاشي القيمي والخلقي رغم بهرجة الجانب المادي إن لم تكن قد تلاشت فعلا..!!

 

أين القيم..؟

صرخة مكبوتة لدى كل غربي يرى الإنسان من زاوية غير التي يراه بها الملاحدة، لقد سحق الإلحاد بقايا الخير والفضيلة.. ليظل الإنسان يكاتم وجع فقْد إنسانيته ومشاعره وتميزه.. بسبب الإلحاد.. وضيق أفقه العلمي والمعرفي.. وقصور مداركه وسطحية رؤيته.

 

وختاما أبشر الطيبين في هذه الأرض أن لا يهنوا ولا يحزنوا.. فهذا الدين الذي بدأ بطاهرة وصديق وغلامين.. وصل لمليار ويزيد أمم بأكملها لا ترضى بغير الله ربا ولا بغير الإسلام دينا ولا بغير محمد صلى الله عليه وسلم رسولا..، يمتلك هذا الدين قوة جذب ذاتية مبهرة ففي كل يوم نحتفي بأخوة وأخوات أضاءت قلوبهم بوميض الإيمان..

 

أيضر دينا كهذا أن يرتد عنه مدون فيسبوكي مغرور أو حقوقية تافهة أو مثقف مغمور أو نكرة يبحث عن الشهرة…!

 

حين طالعتنا وسائل الإعلام بإسلام رئيس حزب الخضر في أسبانيا وقبله النائب الهولندي الذي قاده العداء للإسلام للبحث فيه فما كان منه إلا أن أسلم وقبله مواطنه مخرج فيلم “فتنة” وجفري لانج والطبيب لورانس ابروان وحكايته المذهلة لدخوله الإسلام… ترسخت عندي قناعة بضرورة الكتابة عن هذه الشخصيات ومقارنتها بآخرين رضو بغير الإسلام دينا كالقصيم وإسماعيل أدهم وولد عبد العزيز وغيرهم ممن كانت له بصمة بارزة في التنقل بين منظومتين متباينتين: الإيمان والإلحاد.

صدقة جارية