أخبار عاجلة
الرئيسية / آراء / هذا الوضع لم يعد يطاق

هذا الوضع لم يعد يطاق

حماه الله ولد السالم —

 

هناك مشهد محزن ومؤلم يراه كل يوم من يمر بشارع كلينيك ـ مدريد: جيوش من المواطنين، من مختلف الفئات العمرية والمادية والتعليمية، تسير أفواجا سيرا على الأقدام من العيادة المجمعة متجهة في مسيرة طويلة إلى حيث تؤوي، بعد أن عجزت عن الحصول على وسيلة نقل صحية وإنسانية.
هذا المشهد القاتم والبائس يتكرر في كل مناحي الحياة العامة في هذا البلد، وبصورة مقززة أحيانا. وهو ما جعل المواطنين يطرحون سؤالا مخيفا: لماذا يتردى مستوى الحياة في موريتانيا شيئا فشيئا، كل يوم أكثر من ذي قبل؟
لماذا نعيش في ظل وضع بائس صحيا وعمرانيا وبيئيا وكأننا خارج الوتيرة العادية التي تسير وفقها البلدان القريبة والبعيدة؟
هل يكرهنا هؤلاء الحكام لهذه الدرجة؟ أم يتآمرون على بلدهم؟ أم أنهم عاجزون عن تسيير الشأن العام؟.
لقد صار المواطن في هذا البلد يخجل من نفسه ومن عاصمته ومن نظامه ومن بلده، لأنه حيثما ولى وجهه شطر الإدارة العمومية أو البنية الأساسية أو حتى المظاهر العامة، أنكر نفسه وتاريخه وبلده.
هذا الوضع الذي يعيشه الموريتانيون لم يعد وضعا قابلا للاستمرار، لقد صار وضعا لا يطاق، قد ينذر بانهيار شامل مفاجئ ستكون كلفته البشرية والمادية مريعة.

فقدان الأمل

بدأ المواطنون يفقدون الأمل، آخر ما يبقى للإنسان، وهو سراب عاشوا عليه ردحا طويلا من الزمن في ظل الأنظمة السابقة واللاحقة، لكن يبدو أن الأمور وصلت نقطة اللاعودة.
لم يعد يخفى على أحد شعور بالمرارة لدى الجميع، من غياب المعنى، حيث أصبح كل شيئا في هذه البلاد فارغا من الجدية والمسؤولية والمنطق، وكأنما سلبت منه الروح.
بات هذا الشعور بالإحباط بارزا في أحاديث المواطنين جميعا حتى من المتعلقين بأهداب “الأقلية الفاسدة” المتكونة من جميع الشرائح والأعراق والقبائل والجهات، مهما كانت نسب التركيب والاستفادة.
النظام الحاكم في هذا البلد عاجز عن حل المشاكل اليومية للمواطنين، وهو أكثر عجزا عن وقف التدهور المريع في مناحي الحياة العامة التي يعمرها التردي والسوء والانحطاط.
بينما يتفرغ النظام لمصالحه الشخصية و للصراع الوهمي مع “المخاطر” و “التحديات” الوهمية التي تواجه موريتانيا!

انهيار البنية الأساسية

نظام يعجز عن بناء محطة لتجميع مياه المجاري وتكريرها وضخها نحو البحر، في انتظار إنجاز شبكة صرف صحي يبدو أنها لن ترى النور أبدا.
وهو حال جميع المدن والقرى في داخل البلاد، والتي ستواجه ربما تسمما في المياه الجوفية عما قريب. محطات التجميع والتكرير هذه، لا تكلف أزيد من مليارين أو ثلاثة، تنفق يوميا في أمور تافهة أو ضارة.
لقد أصبحت بعض مناطق انواكشوط الشمالية مكبا للمياه القذرة يهدد بكارثة صحية وبيئية لم يسبق لها مثيل، قد تكون سببا في طاعون جارف أو وباء قاتل. أما عن المزابل والحيوانات السارحة و القاذورات، فحدّث ولا حرج.
في العاصمة لا يوجد مكان خال من المزابل والأوساخ والقاذورات، ولا يوجد موضع تم تبليطه أو تعبيد الطرق فيه، بل تم جرف الأشجار وقتل المظاهر الجميلة واحتلال الساحات العامة التي اختفت من الأحياء تحت وقع الفوضى التي يعززها انهيار مريع لهيبة الدولة وتطبيق القانون.
هذا الوضع المريع رغم واقعه الكارثي لا يُشعر هؤلاء الحكام بالخزي والعار، وهم يزورون بلدان العالم النامي، ثم يرجعون مصابين بالدهشة من سرعة النمو العمراني والبيئي في تلك البلدان الفقيرة.
تسونامي الرداءة في كافة مناحي الحياة قادم يقضم كل الأحياء، من الميناء التي خرجت عن طابع المدينة الصحراوية، وأصبحت شيئا مختلفا تماما، إلى تفرغ زينة التي صارت مكبا للنفايات والمجاري وموطنا للكلاب والأنعام والبعوض، أما الأحياء الأخرى فيتساوى فيها الليل والنهار، جموع غفيرة من المواطنين البائسين الذين يروحون ويجيئون في الشوارع، تائهون و ساهون ولا هون، ثم يصبح النوم مستحيلا لكثرة الراجلين وانفجار الضوضاء وضيق الأمكنة وغياب المرافق الصحية.
نظام يعجز عن نظافة مدينة حديثة النشأة، و يفشل في إنجاز ربع ما كانت تقوم به شركة أجنبية للنظافة، تاركا العمل لأطراف تعجز عن نظافة إدارتها فكيف بكنس بيوت الآخرين!
تحولت قضية النظافة في أحياء المدينة إلى حرب شوارع، بين السكان والزبالين، أولئك يدافعون عن أبواب بيوتهم كي لا تصبح مكبا للنفايات، وهؤلاء يلقون بالمزابل كيفما اتفق، ومن دون حسيب ولا رقيب.

رواتب هزيلة و متأخرة

الموظف العمومي في هذا البلد حين يتقاعد يتحول إلى متسول أو شخص فقير بمعنى الكلمة، وهو في طِلاب راتبه كل شهر، وكأنه يطارد خيط دخان.
هذا الوضع لم يعد يطاق، لأنه حرب تجويع حقيقية تقوم بها العصابة الحاكمة تجاه عموم المواطنين ولاسيما طبقة العمال والموظفين، لمنع الحد الأدنى من الحياة الكريمة التي تعطي مناعة ضد النفاق والنميمة وتضمن للسلطة العبث بالمجال الانتخابي العام.
هذا النظام لا يخجل وهو يرى الجار القريب دولة السنغال تقدم مرتبات عالية لموظفيها ولاسيما للأساتذة الجامعيين الذين يعيشون في بحبوحة من العيش ويمارسون عملهم الأكاديمي في ظل قواعد صارمة علميا وإداريا، بينما تحولت الجامعة “العصرية”؟ إلى وضع كارثي يشبه “السيبة” ولدرجة لم يسبق لها مثيل، حيث لا قيمة لأي رتبة علمية ولا خبرة عملية ولا كفاءة ولا جدية، بل القاعدة العامة هي الرداءة والزبونية والجهل والحقد الدفين على الكفاءة والفضيلة.
لقد تحولت الجامعة إلى وكر للتجسس والنميمة والنفاق والجهل والانحطاط الخلقي، لا يخشى المفسدون فيها لوما ولا عقابا ولا رقابة ولا حسابا ولا سؤالا عما يدرّسون أو يقدّمون أو يصحّحون، وضع كارثي يجري تحت سمع وبصر هذا النظام وكأن شيئا لا يعنيه.
السياسة الوحيدة المتبعة في التربية والتعليم هي تجهيل المواطنين، لسلبهم الحد الأدنى من الآدمية.
الهم الأول للنظام داخل الجامعة والمدرسة، ولعناصره من الجواسيس والمخبرين، هو التحكم في الهياكل التربوية والجامعية الفارغة من كل معنى علمي أو مؤسسي، والتلاعب بفتات المال العام هناك، وأيضا منع أي بصيص للإصلاح والجدية كيفما كان نوعه.

انهيار الأمن وهيبة الدولة

أصبحت بعض الأحياء أشبه بمدن أشباح في بعض الأوقات، بسبب العنف والجريمة والسرقة، وأصبحت حوادث انتهاك الأعراض حديثا يوميا بين الناس.
ولم يعد أحد يخشى شيئا، لا ردعا، ولا عقابا، ولا حتى مساءلة، بل يتبجح بالأموال الحرام التي لا يستطيع الحديث عن مصادرها ومواردها، حتى أن سياسة ضخ المال الحرام وتوابعها الاجتماعية والأخلاقية عادت بوتيرة أشد مع حكم هذا النظام وبطريقة مخجلة يندى لها الجبين.
والسياسة الوحيدة للنظام تجاه الكارثة الأمنية والأخلاقية هي تخويف المجتمع من القادم؟ أي من المجتمع نفسه! ما يدل على أن النظام في واد والشعب في وادي آخر، وأن هؤلاء الفاسدين آذنت شمسهم بالمغيب “وأن عسى أن يكون قد اقترب أجلهم”؟

لله الأمر من قبل ومن بعد

 

صدقة جارية