أخبار عاجلة
الرئيسية / آخر الأخبار / حاجز “العمر الجامعي” الظالم!!/محمد الأمين سيدي مولود

حاجز “العمر الجامعي” الظالم!!/محمد الأمين سيدي مولود

أنا ابن أسرة ريفية فقيرة، دخلتُ المدرسة الإبتدائية وعمري 6 سنوات، ضاعت لي سنة ابتدائية بسبب غياب المعلم ورحيل أهلي إلى البادية انتجاعا، ثم شاركت في كونكور 91 ونجحت بمعدل 156/180، وكنت أدرس المحظره _ دراسة كسول _ موازاة مع التعليم النظامي، فختمت القرآن كتابةً _ لا حفظا جيدا _ وأنا في الخامسة ابتدائية وعمري 11+، وكنت أخصص العطل الصيفية للمحظرة مثل أغلبية أضرابي من ابناء البلد وخاصة في الريف، لم أوقف المدرسة للمحظرة ولا العكس.

حاولتُ أن أدرس في نواكشوط الإعدادية وذلك على حساب أخي حين كان استاذ إعدادية، لكن الظروف كانت صعبة، فعدت أدراجي إلى الأعماق، وسكنت في النعمة لأكمل الإعدادية أنا وابن أختي وتارة يكون معنا بعض أفراد الأسرة، كنا نجلب حليب “سفَتي” المجفف من القرية عندما نعود من راحة الأسبوع مشيا على الأقدام حوالي 20 كلم في رحلة لا تنقص عن ساعتين وقد تزيد قبل أن تتاح وسائل النقل في حدود معينة، هذا الحليب نستخدمه غالبا في الشراب وبعض الأحيان في إدام كسكس أو العيش. كان أخي الآخر معلما _ تغمده الله برحمته _ وكان يهتم بدراستنا بشكل كبير رغم ظروفه وواجباته الجمة تجاه الأسرة. كنا نؤجر “جيرَه” ب4000 اوقية قديمة شهريا، وكان يبّ (الغسال) صاحب أخي يهتم بنظافة ثيابنا البسيطة غالبا دون مقابل أو بالدين .. كان أخا لم تلده الأم … ثم بعد ذلك جاءت مراحل السكن في دار الخال رحمه الله هو وزوجه وجازاهما عني خير الجزاء ..

تقدم العمر قليلا والدراسة معه، لكن استحقاقات الحياة خاصة بعد رحيل الوالدين أرغمتني على قطع الدراسة بين يدي الباك، فسافرت إلى ساحل العاج (كوت ديفوار) ثم عدتُ وبدأتْ هزات الحياة تنعكس على انتظامي في الدراسة، فتارة أمارس الأعمال الحرة _ خطاط، حلاق، مصور، بائع حوت، وكاف في بوتيك سقط براتب وصل بعض الأحيان 5000 اوقية شهريا في عرفات مثلا _ وتارة أسكن مع هذه القرابة وأخرى مع هذا الصديق أو ذلك جزى الله الجميع خيرا، وفي المحصلة حصلت على باك سنة 2000 وعمري يقترب من 22 سنة، ثم سجلت 2001/2002 متأخرا في قسم الانجليزية بجامعة نواكشوط ونجحت في الدورة الأولى ضمن 60 من أصل 415 طالبا، ثم أخذتني موجة الحياة واستحقاقاتها التي قد لا تكون ناعمة دائما، إلى هجرة جديدة إلى الكونغو برازافيل لمدة سنتين، ثم عدتُ ورجعت للجامعة لآخذ منها DEUG في الانجليزية سنة 2006 وكنت أيامها “وكاف” في مرصت لحموم براتب 20 ألف أوقية قديمة، ثم تاتي موجة أخرى، لا تنسوا أنني ابن اسرة ريفية فقيرة وفقدت والديّ مبكرا، حيث رحلت أمي وانا أحضر شهادة الدروس الاعدادية ثم أبي وأنا أحضر الباك ثم شقيقي المعلم وأنا طالب في الجامعة، رحمهم الله جميعا ..

في النهاية ومع هذه المطبات والهجرة إلى افريقيا ثم الخليج وتقطعات مطاردة لقمة العيش حصلت على متريز في الإعلام وتخرجت من مدرسة الإدارة (كنت موظف مكتب للصرف براتب 86 ألف اوقية بين يدي تخرجي منهما أي الاعلام ثم الإدارة 2010 , 2011).

هنالك الكثير من التفاصيل القاسية والطريفة لا أريد ذكرها الآن لأن فكرة التدوينة تتعلق بمسألة التسجيل في الجامعة، فالسؤال: ماذا لو تأخرتُ في الهجرة إلى ساحل العاج سنتين او ثلاث اضطرارا، أو رسبت سنتين أو ثلاثا واحدة في الابتدائية واخرى في الاعدادية مثلا، أو أرغمني البحث عن القوت على الانقطاع سنتين إضافيتين لأصل إلى حاجز الـ25 سنة فيمنعني “سيدي ولد سالم” السابق من الجامعة بحجة سقف العمر في قرار جائر لا يراعي ظروفي؟!

يمكن أن ينطبق هذا المسار على كثير من أبنائنا اليوم، فظروف الحياة، ومطبات الشباب، والتوفيق في النجاح في مراحل ما قبل الجامعة، كلها أمور يجب وضعها في الحسبان، فلا تحرموا زهرة شبابنا من العلم.

نعم لإلغاء قرار حاجز العمر للتسجيل في الجامعة، فهو قرار ارتجالي ظالم.

العلم من المهد إلى اللحد !

صدقة جارية