أخبار عاجلة
الرئيسية / آخر الأخبار / السِّياحَةُ فِي الإسْلَامِ/الشيخ يحيى محمد الخضر مايأبى

السِّياحَةُ فِي الإسْلَامِ/الشيخ يحيى محمد الخضر مايأبى

المشي فى مناكب الأرض فى أي موسم كان خريفا أو غيره للاستجمام والراحة ، تحت مظلة السياحة ، من المسائل المباحة التى يقرها الشرع ويميل إليها الطبع لما فيه من الاستمتاع بجمال الطبيعة والاعتبار بالأثار والا طلاع على عجائب المخلوقات و أحوال المجتمعات ، مع ما فيه من تجديد النشاط وكسر الرتابة والملل ، فالحياة على نسق واحد مماةٌ ، تفوِّتُ على الإنسان فرص التجديد الخلاَّق ، بينما الحركة بركةٌ ، تزيد المعارف ، وتوسِّع المداركَ
ولحكمة بالغة أمر الله سبحانه بالمشي فى مناكب الأرض ابتغاء فضله والنظرفى أحوال الماضى من خلقه للعظة والتذكر فقال جل من قائل : هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ” أي فاسلكوا أيها الناس في جوانبها وأطرافها قال ابن كثير: أي فسافروا حيث شئتم من أقطارها، وتردّدوا في أقاليمها وأرجائها للمكاسب والتجارات
وقال جل من قائل فى الاعتبار والعظة بالسفر : : {أَوَلَمْ يَسِيرُواْ فِي الأرض فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الذين مِن قَبْلِهِمْ} وليتدبر الإنسان فى ملكوت السموات والأرض ، وما فى ذلك من عجائب وغرائب
قال جل شأنه: {قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنشِئُ النَّشْأَةَ الآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (2) , وقال تعالى: {فَسِيحُواْ فِي الأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ} (3) . آيات بينات فى الدعوة إلى التغيير والتجديد فى حياة الإنسان لإصلاح الشأن ، بعيدا عن الجمود والركود ، إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ،
فلا طعم للحياة دون استنشاق نسمة هواء أوتمتع بروضة غنَاء ، تزيل الهم والعناء ، وتداوى الداء ، بعيدا عن الزحام والضوضاء الذى تئن من وطأته المدن ، وقد أثبتت دارسات غربية معاصرة فوائد السياجة على الصحة النفسية ، والحياة الاجتماعية ، والعلمية ـ فى جوانب عديدة ،
وفى كتب التاريخ أن هارون الرشيد كان يعمد دائما إلى تغيير حاله حتى فى المجلس الواحد يتحول من مكان إلى مكان فقيل له فى ذلك فقال أما سمعتم قول أبى العتاهية :
لا يصلح النفس إذكانت مدبرة … إلا التنقل من حال إلى حال
وهكذا درج الناس من قديم الزمن على السعي فى تبديل الحال تمشيا مع فطرة الله التى التى فطر عليها الكون فى التحول والتبدل لما يعود به من سعادةوكرامة وعز قال الطغرائي :
إن النُّهى علمتنى وهي صادقة …. فيما تحدِّثُ أن العزَّ فى النقـــــــل
وقال أبو تمام :

وطول مقام المر فى الحي مخلق … لديباجتيه فاغترب تتـــــــــــــــجدد
وإنى رأيت الشمس زيدت محبة … إلى الناس أن ليست عليهم بسرمد
فالكون بطبعه هكذا سيَّارٌ متغيرٌ متجددٌ بين تعاقب ليله ونهاره، وفصوله من صيفه وشتائه ، وحرمان النفس من حقها فى الحركة المشروعة ، تغريد خارج سرب الفطرة وسير فى الاتجاه المعاكس لحركة الزمان والمكان
غير أن عدم ضبط السياحة بالضوابط الشرعية يخرجها عن خط الإصلاح والرشاد إلى الضلال والفساد فلا بد للسائح من التحلى بالأخلاق الشرعية فى كل حركاته وسكناته
ولا يقبل أن تكون السياحة وسيلة للهروب من سلطة الشرع والمجتمع للاختلاء بمحارم الله
إذا ما خلوت الدهر يوما فلا تقل … خلوت ولكن قل علي رقيب
ولا تحسبن الله يغفل ساعة … ولا أن ما تخفى عليه يغــــــــــــــــــــــــــــــــيب
ولأجل أن تكون السياحة وفق الصوابط الشرعية على السائح أيا كانت سياحته فى داخل بلده أوخارحه مراعاة مايلى :
1._ مراقبة ربه فى سفره، واللهج بذكره وشكره، وحسن عبادته والتحصن بأدعية السفر عند انطلاقه وفى كل محطة من محطاته وعند عودته ، عملا بهدي النبي صلى الله عليه وسلم فى السفر الثابت فى مسلم وغيره أنه كان إذا استوى على بعيره خارجا إلى سفر، كبر ثلاثا، ثم قال: «سبحان الذي سخر لنا هذا، وما كنا له مقرنين، وإنا إلى ربنا لمنقلبون، اللهم إنا نسألك في سفرنا هذا البر والتقوى، ومن العمل ما ترضى، اللهم هون علينا سفرنا هذا، واطو عنا بعده، اللهم أنت الصاحب في السفر، والخليفة في الأهل، اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر، وكآبة المنظر، وسوء المنقلب في المال والأهل»، وإذا رجع قالهن وزاد فيهن: «آيبون تائبون عابدون لربنا حامدون»
2- ينبغى للسائح الاستعانة بأهل الفضل والصلاح بالدعاء عند السفر تأسيا بما ثبت فى الصحيح عن أنس رضي الله عنه، قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، إني أريد سفرا فزودني. قال: «زودك الله التقوى» قال: زدني. قال: «وغفر ذنبك» قال: زدني، بأبي أنت وأمي. قال: «ويسر لك الخير حيثما كنت ” رواه الحاكم فى المستدرك
3- ينبغى للسائح الاعتناء بسلامة وسيلة نقله الشخصية كالسيارة ورعايتها حق رعايتها بالصيانة ، والالتزام بمعايير السلامة المرورية ، ونظام الزوائد التحسينية للسيارات كالتظليل “المخفي ” وغيره فلا يتجاوز الحد المسموح به قانونا تجنبا للتهم والريبة
4- الدعاء فى كل محطة من محطات السياحة بما أمر به صلى الله عليه وسلم حيث قال ، إذا نزل أحدكم منزلاً فليقل: “أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق”، فإنه لا يضره شيء حتى يرتحل منه } [مسلم

  • 4 يستحب له تعجيل العودة لأهله .. امتثالا لأمر النبي صلى الله عليه وسلم فى الصحيحين عن أبى هريرة رضي الله عنه أنه قال: فى شأن السفر (.. فإذا قضى أحدكم نهمته من وجهه، فليعجل إلى أهله)
  • عليه أن يمثل دور السفير لبلده ومجتمعه ، ومنطقته ، فيتحلى بالأخلاق الفاضلة ، من صدق، وأمانة ، ورفق، ورحمة، وسخاء ،ووفاء ليقدم صورة مشرقة عن مجتمعه وبلده ، تحفز على زيارته والاطلاع على مقدراته ،
  • 5 على السائح التقيد بنظام البلد الذى يأتيه واحترام عاداته وتقاليده ، والحرص على الانتفاع من فوائده وحميد عوائده،
  • فإذا راعى السائح فى سياحته هذه المعاني السامية والضوابط الشرعية عاد لموقعه كامل النشاط طيب النفس متجدد الطاقة وحينئذ يستطيع أن يقدم لنفسه ولأمته ما لم يكن قدمه من قبل

المفتي : يحيى محمد الخضر مايابى

صدقة جارية