أخبار عاجلة
الرئيسية / آخر الأخبار / العلامة الرباني الأديب الحسن بن أبّا الجكني الموساني الشنقيطي (0125)

العلامة الرباني الأديب الحسن بن أبّا الجكني الموساني الشنقيطي (0125)

العلامة الرباني الأديب الحسن بن أبّا الجكني الموساني
الكاتب: يحيى محمد الخضر مايابى الجكني

واحد من أفذاء العلماء الأدباء الذين أشرق نورهم في الغرب الموريتاني أواسط القرن الماضي عرف بالنجابة والاستقامة والجد في الانقطاع لله.

ولد بمضارب قومه عند بئر ملتقى الطرق ذائعة الصيت التي قال عنها العالم الأديب محمد بن أبي مدين في مدح فضيلة شيخه الحسن بن أبا الجكني وقبيلته:

بير الكرام التي بملتقى الطرق = بير طواها على المعروف كل تقي

أبناء ألفغ من سارت مآثرهم = في الشرق والغرب سير الشمس في الأفق

شناشنٌ من بني جاكان قد عرفت =يهدى بها طبق منهم إلى طبق

فالنحو نحوهم يلفى ومنطقهم = فيه البيان وفقه ’’النجم’’ و’’العتقي’’

وفى الوسيلة تصحيح لعقدهم = وللحديث “بزاد المسلمين” رقي

والقمع للزيغ” لا ينفك دأبهم = بالطعن في صدره والضرب في العنق

وغير بعيد من بير أبى المهاريز التي قال فيها المجدد الشيخ باب بن الشيخ سيديا رحمه الله:

أقول للركب فوق الريع من بير = أبى المهاريز ذات المجد والخير

ياليتنا كل يوم نازلون على = حي وبير كهذا الحي والبير

في ذلك المجتمع الفاضل، وتلك البيئة الطيبة المباركة قرب مدينة أبي تلميت العامرة، علما وأدبا، أبصر الحسن النورَ سنة 1312 هـــ الموافق 1895 م، لأبيه المختار الملقب “ابَّا” الجكني بن نور الحق بن المختار بن “عَيْدُ” بن أحمد يكن بن ألفغ محم الجكني ثم الموساني، ولأمَّه بنت الرسول بنت احْمَيِّدْ، فنشأ وتربى كما يتربى “وينشأ ناشي الفتيان فينا… فحفظ القرآن في سن مبكرة على ابن عمه الشيخ القرآني أحمدو بن آجَّا ثم شد الرجال لطلب العلم متنقلا بين المحاظر الرائدة في منطقته، فحط الرحل أولا بمحظرة الشيخ عبد الله ولد حِمَّين الحسني، فتعلم بها بعض علوم اللغة والأدب: كأشعار الشعراء الستة الجاهليين، وبعض مبادئ النحو، ثم ولى وجهه لمحظرة الشيخ يحظيه بن عبد الودود العريقة، وبها بدأ دراسة ألفية ابن مالك مع احمرار ابن بونه “الطرة” وقد لقي بها من الامتاع والأنس ما أنساه قسوة الحياة المعروفة حينذاك في حياة المحاظر حتى قال:

لخوض مع الفتيان في كل مبحث = ولبس عباء دارس فى المدارس

أحب – وأيم الله – من لبس سُندُس = إليَّ وأشهى من حديث الأوانس

مكث الشيخ الحسن بمحظرة يحظيه ما شاء الله فرجع لأهله لأسباب صحية ثم استأنف رحلته لطلب العلم فتوجه لمحظرة أهل داداه العريقة فأخذ الفقه عن العلامة سيدى محمد بن داداه وخلال وجوده بهذه المحظرة علم به شيخه يحظيه الذي كان مقربا عنده فدعاه فلحق به مرة أخرى وظل هناك حتى تخرج مجازا من شيخه يحظيه رحمهما الله وقد أشار لذلك شيخه ابن عمه العلامة مم بن عبد الحميد الجكني في نظمه لخريجي محظرة يحظيه. وقد تصدر عليه جمّ = مثل أبي وابن فتى ومَمُ

وكمحمد المسمى عالي = معا وكل في العلوم عال

واتّاه نجل شيخنا المفدى = وأحمد الكمليلي نجل كدا

إلى أن يقول:

ونجل أبوه العظيم الشان** والحسنان من بني جكان

يعني بذلك الشيخين الحسن بن ابّا، والحسن بن الحسين، وبعد رحلته لطلب العلم بين مختلف تلك المحاظر استقر في قومه وأسس محظرة بقرية “لكويسى” كانت موردا عذبا يفد إليه الطلاب من كل حدب وصوب، عرف بالأسلوب التربوي الأخاذ، والصبر على الطلاب، فنفع الله به الكثير، حتى كأنه المعني بقول مَمُ في شيخه يحظيه بن عبد الودود:

يريهم المعنى أخا الطُّموس = مبرزا في صورة المحسوس

يضرب الأمثال التي تفهّم = حتى كأنه لها مُجسم

كم فتح الله على بليد = لديه فتحا ظاهر المزيد

كان حاد الذكاء، مثلا أسمى في التواضع والزهد والسخاء، وقد تخرج من مدرسته كثير من طلاب العلم منهم على سبيل المثال:

– العلامة الشيخ محمد بن أبي مدين الديماني

– الشيخ العلامة بداه بن البوصيري التندغي.

– العلامة السني، الشيخ الفقيه بن المختار فال، الجكني أخذ عنه النحو والصرف.

– الشيخ محمدُّ ولدباب التندغي، وقد شرح نظمه للبعوث.

– الشيخ أحمدُّ ولد محمذن فال الحسني شيخ محظرة تندغماجك وللشيخ الحسن مساجلات ودية مع بعض معاصريه كالعلامة الأديب محمدو النانه بن المعلى الحسني منها:

لدى قَسْم القريض ابنُ المعلى = تولى بالرقيب وبالمُعلا

وحل بنسج رائقه محلا = به شعر المجيدين اضمحلا

يزل حضيض شامخه المجارى = إذا مارام أن يعلوه زلا

ودون بلوغه فلوات فيح = يخـاف الكدر فيها أن يضلا

فكم بسماعه ندب تسلى فسلّ به فؤاد أخي اغتراب…

ولم يسمعه ذو الأحزان إلا = تخلى حزنه عنه وولى

ورد العلامة محمدو النانه فقال:

لأنت أحق أن ترقى محلا = منيفا دونه الراقي تدلى

لقد أعربت عن فكر مجيد = قريض الشعر بالنسج المحلى

وقد شاركت رب الشعر فيه = وقد زاحمته حتى تولا

فمن يملل كما أمللت نعرف = له حق المجيد بما أمَلا

فسيفك لا يُفل وليس ينبو = وقربك قرب ندب لن يملا

وله أشعار توجيهية رائقة منها عندما دخل عالم التجارة ورأى ما عليه الناس من انهماك في الدنيا وغفلة قال:

تشاغل أهل الصرف في أوجه الصرف = عن الفقه والتوحيد والنحو والصرف

فرب الحجا من يصرف القلب راغبا = إلى ربه عن صرفه ساعة الصرف

ومنها في الحث على طلب العلم:

ملوك الناس حكام عليهم = وأهل العلم حكام الملوك

قلوب ذويه طالعة دواما = بها شمس الصفاء بلا دلوك

فلا تسلك سبيل سواه يوما = سبيل العلم أجدر بالسلوك

وفيه أيضا:

الجهل في الصدر ليل لا صباح له = والعلم في الصدر كالمصباح في الدار

عليك بالعلم لا تترك تطلبه = فليس جاهله في الناس كالدار

وللشيخ الحسن مدائح ما تعة لبعض معاصريه من أهل العلم والأدب منها في الأديب الكريم المشهور أحمد بن ما يموت:

خليلي عوجا واسكبا العبرات = على رسم دار حول ذى السمرات

ومرا بأوكان الأحبة باللوى = وبله ديار الحي بالبكرات

قفا ساعة نستشف فى عرصاتها = فإن الشفا في تلكما العبرات

فما أنتما مني ولا أنا منكما = إذا لم تعيناني على الذكريات

ألكني إلى ذي المجد أحمد من سما = علاه تحيات بهن حياتي

فتى ماجد عال تقي مهذب = أبي سري من صميم سراة…

وله فيه كذلك:

إذا رجعت كل السهام بخيبة = فوجه إلى من لا يموت نصيبها

ولا تخش ردا لا يليق بأحمد = إذا منعت أهل السهام نصيـبها

ومنها قصائد عديدة في أبناء ما يأيى مدحا وتقريظا لمؤلفات الشيخ محمد الخصر والشيخ محمد حبيب الله، منها فى مدح الشيخ محمد الخضر:

دعاني سلطان الغرام دعانى = أجب دعوة السلطان حين دعانى

خليلي إني قابل دعوة الهوى = ولو كان يدعوني الهوى لهواني

سقاني سقام الحب كأس صبابة = فواكبدا مما السقام سقاني

تهيج لي ما لم تهج لابن مقبل = قديما دبار الحي بالسبعان

فقلت وقد أشجى الحشا طلل بها = لمن طلل أبصرته فشجانى

ألكنى إلى الحبر ابن مايابى ذى التقى = سلام مشوق دائم الهيمان

فتى جدد الدين الحنيف وصانه = وعظم منه شأن كل مهان

وهاجر عن مثوى ذوى الكفر محرما = بمكة حتى ضمه الحرمان

له راحة حتف العدو وراحة = على الخل وبل دائم الهطلان

فتى ماجد من ماجدين فئاتهم = دواما على درس العلوم حوان

فلو لم أنل طول الحياة طريقة = من الخير إلا حبهم لكفانى

أود لقاهم بالمدينة منشدا = مقال أديب قال منذ زمان

إلى الله أشكو بالمدينة حاجة = وبالشام أخرى كيف يلتقيان

وكانت له مراسلات مع الشيخ محمد حبيب الله والشيخ محمد الخضر والشيخ محمد الأمين، منها ما كتب به الشيخ محمد حبيب الله للشيخ الحسن حيث قال في بعض رسائله:

الحمد لله الذي جعل الأقلام عوضا عن المشافهة بالكلام، والصلاة والسلام على خير الأنام، وعلى آله وصحبه الكرام.

أما بعد، فسلام يناسب آداب المسلّم عليه، وما انتهى من الفضل والبلاغة إليه، الأديب الأريب، الذائق الشهم النجيب، من أرضعته الحكمة بلبانها، وأدبته الدراية في إبّانها، حتى حاز قصب السبق قبل الاقران، وتقاصر عن مدى مكارمه أبناء الزمان، الشاعر المفلق، الأستاذ المحقق الفائق، أديب الأدباء، نادرة الخطباء النجباء.

وأنشد قائلا فيه:

الحسنُ بْن ابَّا الهمامُ الألمعي = جناسه يعجز عنه الأصمعي

فاق برد العجز للصدر ومـــا = من البديع فاق فيه محكما

فكل شعر جاء منه مــــحكم = فيه لزوم كل ما لا يلزم

رصعه بأبلغ البـــــــــديع = والانسجام أيما ترصيع

أبقاه ربي للعشيرة على ما = يرتضيه من مقام كمُلا”

وقد ضمن الشيخ محمد حبيب الله رسالته هذه للشيخ الجسن هذه الأبيات مدحا لبني موسان عموما وخصوصا الحسن فقال:

بني موسان ليت لنا زمـــــانا = يرجّى فيه لو صح التداني

سلامي للجميع مدى الليالي = وللحسن الهمام فتى الزمان

وللمختار ذي الأدب المفدى = وممّ الشهم طِرف بني مسان

وللشيخ الحسن في الأدب الحساني نصوص ماتعة منها في التوجيه:

اللحْي يسو تخل = مايسو حد إحسنه

ولّ حسنه بعد ألّ = بعرف عنو ما حسنه

وله فى التضرع وقد أجاد:

يالرب أيدين المحتاجين = للرحم شورك يمتدُّ

وانت ما يمتدُّ ليدين = شورك يالرب أيـــرتدُّ

ظل العلامة الحسن مهتما بالتأليف ونشر العلم حتى وافاه الأجل المحتوم، يوم الأربعاء 21 جمادى الثانية من سنة 1408 هـ الموافق: /10/02/1988 ميلادية.

وقد خلف رحمه الله ثروة علمية زاخرة، منها:

– كتاب سلم الإطلاع على مسائل الإجماع.

– نظم البعوث والسرايا، وقد شرحه تلميذه محمدو بن باب بن البصيري التندغي.

– منظومة فتح الحق في الجمع والفرق، وقد شرحها تلميذه محمدو بن باب بن البصيري التندغي.

– منظومة نهج الأصول، شرح أسماء الله الحسنى.

– نظم أسماء الرسول صلى الله عليه وسلم مع شرحها.

– كتاب اليمين في مدح سيد المرسلين وهو كتاب يشمل مجموعة من القصائد في مدحه صلى الله عليه وسلم مرتبة بحسب الحروف الهجائية كتبها وهو في المحظرة.

وقد قرظه الأستاذ محمد فاضل بن الشيخ المعلوم البوساتي بقوله:

ببنان رقشت مدح الأمين = في كتاب يدعى كتاب اليمين

بكتاب الأمين أنت قمين = أن ستؤتى غدا كتاب اليمين

– أرجوزة عقد فيها أقسام الدين سماها: “القلادة الفريدة في نظم ما يصحح العقيدة”.

– نظم في تفسير الفاتحة.

– نظم شرح كلمة الشهادة وقد سماه: “مرصد السعادة في ما حوت كلمة الشهادة”.

– أنظام نحوية على طرة ابن بونا، وقد جمعها وحققها الأستاذ محمد عبد الصمد في رسالة جامعية، حيث جمعها من طرة الشيخ التي خطها بيده وقد بلغت 1065 بيتا، ضمن 308 نصوص.

– ديوان شعر كبير يضم مختلف الأغراض الشعرية المعروفة، ومعظم هذه الآثار لمّا تجد طريقها إلى التحقيق باستثناء، كتاب اليمين، ونظم سلم الإطلاع، فقد تم تحقيقهما، هذا بالإضافة إلى بعض الأراجيز التي شكلت بعض الفتاوى والتوجيهات الدينية.

رحمه الله وأسكنه فسيح جناته وبارك فى عقبه.آمين – الدعاء –

صدقة جارية