أخبار عاجلة
الرئيسية / آخر الأخبار / كفى تزلفا ونفاقا/ ابراهيم بن يوسف بن الشيخ سيدي

كفى تزلفا ونفاقا/ ابراهيم بن يوسف بن الشيخ سيدي

بسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله

كفى تزلفا ونفاقا.

لم يزل كثير من الناس فى كل ولاية من ولايات بلدنا هذا يحتفلون بمقدم رؤسائه المتعاقبين كلما زاروهم، ويحْتَفُون بتلك الزيارات عن وعى أحيانا، وعن غير وعى أحيانا كثيرة.
ومع ما شاب كلَّ تلك الاحتفالات من مخالفات شرعية فى جميع المراحل، فإنّها منذ تسعينيات القرن الميلادىّ الفارط أخذت شكلا مبالَغا فيه جدا، حتى كادت تصل إلى حد الطاغوتيّة والتأليه.
وما سأكتبه اليوم من نصائحَ فموجَّهٌ إلى سائر الولايات، وما فيه من حقائقَ فمنطبِقٌ على سائرها كذلك، وليس موجها إلى ولاية الترارزة بخصوصها، وإن كان سفرُ الرئيس المرتقبُ إليها هو السببَ فى كتابته، والباعثَ على إثارته.
وأصل هذا الباب احتفاءُ أهل المدينة بمقدم النبىّ صلى الله عليه وسلم إليها، بأبى هو وأمى – وحق لهم ذلك – لعمر الله.
فإنْ خَلَفه فى أمته من يحكم بالشرع الذى جاء به من عند الله عز وجل، فهل يجوز أن يحتفل الناس بمقدمه؟
من العلماء من خص ذلك بالنبىّ صلى الله عليه وسلم، ومنهم من عمّم، فأجازه عند قدوم الرجل الصالح مطلقا.
والصالح فى عرف الشرع هو المؤمن الذى يعمل الصالحات، بغض النظر عن منصبه ونسبه ولونه وعرقه وبلده…
وعلى كل حال، فخلاصةُ ما سأدلى به فى هذا المَقام هو أنه ليس من الشرع ولا من الحق ولا من الحكمة ولا من المصلحة أن تُعَطَّل الأعمال، وتُهْدرَ الأموال، وتُجْهدَ الأبدان، وتُقطّع الأرحام، وتَتدافعَ الجموعُ، وتتزاحمَ الحشود، وتُدبّجَ الخُطَب، وتُصاغَ القصائدُ لأن رئيسًا ينوى تدشين مشروع، أو إعلانَ انطلاق حملة تنمويّة فى ولاية أو إقليم؛ بل لا يجوز أكثرُ ذلك لأىّ سبب آخر.
كيف تُترك الجماهيرُ تحْتشدُ فى صعيد واحد والوباءُ فى تصاعد وازدياد، والعالم ما يزال تحت هول الصدمة، وتبِعات الكارثة؟!
كيف يُقبل الاِزدحام لمَقْدَم رئيس أو وزير، وتُمنع الجمعة والجماعات أياما وأسابيعَ فى بيوت الله خوفا من وقوع البلوى، وحذرا من انتشار العدوى؟!
بأىّ منقول أو معقول تُسَوِّغون هذا الصنيع؟
كفاكم أيها القوم، كفاكم.
أما آن لكم أن تربَعوا على أنفسكم، وتربَأوا بها عن مواطن الذلة والهوان؟
لقد مرت دهورٌ وعصورٌ وأنتم على هذه الوتيرة سائرون، وفى هذه الغَواية سادرون.
ألا تتعظون؟ ألا تعتبرون؟
لقد مات رؤساءُ ووزراءُ وكبراءُ وأثرياءُ، وغُرِّب وسُجن آخرون، وكنتم لهم جميعا مطبلين ومزمرين أيامَ حكمهم وزهرة دنياهم، فلما دارت عليهم الدوائر لعَنتُموهم، وتبرأتم منهم جهارا.
وها أنتم أولاء اليومَ تؤكدون استمرارَكم على ذلك النهج الفاسد، واستمراءَكم لذلك الطريق الكاسد.
وإذْ لم تتخلَّوْا عن تلك الشِّنشِنة فلا أقلَّ من أن تدَعوا الرئيس يقابل بنفسه الضعفاء والفقراء والمحرومين.
دعوه يستمعْ إلى مشكلاتهم ومعاناتهم ومطالبهم.
دعوه يُنصتْ لأنّات المسحوقين وآهاتِ المُضطهَدين.
لا تخدعوه ـ كما فعلتم بأسلافه ـ فتجعلوا على عينيه غِشاوة، فيتصورَ الوضع على خلاف ما هو عليه، ويعودَ مُنتشِيا بتحقيق نصر مكذوب.
لقد خدعتم كل رئيس سابق بمعسول الأقوال، ومغشوش الأفعال، وادعيتم أمامه أنه أنقذ العباد والبلاد من الظلم والإجرام، وأنه انتشل بعبقريته الفذّة ذَمَاءَ البلد من فساد سلفه الذى كان عندكم أمسِ محورَ الدنيا، ومكةَ البلدان، وجمعةَ الزمان.

إن أقوالكم المتناقضةَ ومواقفَكم المتضاربةَ محفوظةٌ بالصوت والصورة عند الناس، فلا يمكن أن تُقابَلَ بالنفى والإنكار.
لذلك أنصح الرئيس بألا يغتر بمعية أحد منكم، أو يصدّقَه فى تأييده الذى “لا يتزعزع”.
يا قومِ،
إن ما تبذلونه من أموال طائلة فى هذه المناسبات، وفى الحملات الانتخابية ليس إلا تبذيرا وإسرافا ومباهاةً ورياء وتفاخرا وتكاثرا بمتاع قليل سيحاسَب كلٌّ منكم على مصدره، وعلى الوجه الذى أنفقه فيه.
لقد كان حرِيًّا بكم أن تبذلوا هذه الأموال للوالدين والأقربين واليتامى والمساكين وابن السبيل، أو تجعلوها صدقاتٍ جاريةً كأن تبنوا بها مساجدَ أو محاضر، أو تَحفِروا بها آبارًا، أو تُنشِئوا بها مزارع للمستضعَفين.


أذكر أنى ذات مرة لقيت رجالا برَاهم السفر، وأضناهم السهر، وأنهكهم طول القيام فى أُوَار القيظ، جاءوا من كل فج عميق ليشهدوا مقدَمَ رئيس لا يعرفهم، ولن يعلم بنصَـبِهم وما لقُوه من وَعثاء السفر وكآبة المَنظر، وسوء المَقدَم، وضَياع المال، فلما سألت أحدهم ـ وكان يتعجب من إعراضى عن شهود هذه المهازل، ويغبطنى ـ مع ذلك عليه ـ قال لى: إنما حضرت رئاءَ مَن فوقى، فقلت له: ولِمَ حضر مَن فوقك؟ قال: رئاءَ مَن فوقَه!!! وهكذا.
وإنى لأخاف أن تكون هذه إجابتَه وإجابةَ غيره أيضا يوم العرض الأكبر على الله.
نعم. هكذا تتعطل أجهزة الدولة، وتُنفَقُ أموالُ المسلمين بغير حق، وتُنهك الأبدان، ويتدابر الخِلّان، وتضيع الأوقات فى غير طائل، ويُستغَل الضعفاء والمساكين الذين يُحشَرون فى الحر والقُرّ تكثيرًا لسواد، أو دعما لفلان.
وهكذا يختلط الرجال والنساء وهنّ سافراتٌ متبرجات بزينتهن، وتتعالى الأصوات، وتُضيَّعُ الصلوات، وتُتَّبَعُ الشهوات، وتُقام السهرات، وتَضرِب فيها القيناتُ بالمَزاهر والآلات!!!
يا لها من منكرات يندَى لها الجبين، وتكاد تَذهب من هولها نفسُ المؤمن حسرات.
سيادةَ الرئيس
أدعوك أن تمنع هذه الظاهرة الشائنةَ منعا باتا، وألا تسمح لنفسك بأن تكون سببا فى تضييع صلاة، أو وقت، أو جهد، أو مال، وأن تسُنّ سنة حسنة بالقضاء عليها، فقد صح فى الحديث أنّ “من سَنَّ فى الإسلام سنةً حسنة كان له أجرُها وأجر من عَمل بها إلى يوم القيامة…”، وأدعوك إلى أن تُحَكِّمَ فينا شرع الله عز وجل، وتُنفِذَ حدوده على المجرمين، فإن ذلك مفتاحُ فوزك فى الدنيا والأخرى.
(وما أريدأن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقى إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب).

صدقة جارية