أخبار عاجلة
الرئيسية / آخر الأخبار / ترجمة العلامة الشيخ محمدّنولدامّون (بدن) الشنقيطي (154)

ترجمة العلامة الشيخ محمدّنولدامّون (بدن) الشنقيطي (154)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

ترجمة العلامة الشيخ محمدّنولدامّون (بدن)

هو العالم الورع الزاهد محمدن (بدن) بن المامون (امون) بن محمد بن مولود بن المختار(التكروري) بن البخاري بن المصطف بن الشريف مودي مالك, الذي يجمع المؤرخون على نسبته للشريف سيدي إلياس الولاتي التمبكتي .

نشأته العلمية :

رغم انه لم يدرك من عمر والده أكثر من خمس سنين إلا أنه أقبل على التعلم منذ نعومة اظافره بدافع شخصي وتشجيع من والدته ام الخيري منت اباه , ويتفق كل من عاصره وعرفه على أنه لم يمر ابدا بما مر به اقرانه من اللهو واللعب في حياة الصبا وريعان الشباب بل إن يدا خفية كانت تقوده نحو الاشتغال بالعلم والتعلم وهو لم يتجاوز العاشرة من عمره, بدأ كما جرت العادة بالقرآن الكريم وبعض المختصرات الفقهية والنحوية ليغادر أهله بعد ذلك طلبا لدراسة المتون الكبري في الفقه والنحو والسيرة..

كانت أولي محطاته هي محظرة أهل النح التي قضى بها عدة سنوات كان خلالها محط اهتمام شيخ المحظرة النح بن عبد اللطيف لما لمس فيه من علامات النجابة وإقبال على التحصيل دون ملل ..

بعد سنوات من التحصيل في محظرة أهل النح انتقل نحو إيكيدي وتحديدا إلى محظرة العلامة محمد سالم بن ألما والتي مكث بها طويلا ولم يغادرها حتى حصل على الإجازة في العلوم المدرسة بها, يقول عنه العلامة القاضي ابين بن ببانه في نظمه لمسادير محظرة أهل الما
وكالإمام متقن الفنونـــــــى +++ العالم الجهبذ نجل امـــونى
محمدن بشد دال كانـــــــا +++ مشيدا من العلا أركانـــــا
قد فاق في الأدب والإتقان +++ والعلم والورع للأقــــــران

لقي رحمه الله من الشيخ محمد سالم بن ألما حبا كبيرا وتقريبا غير مسبوق لما عرف عنه من نشوء في طاعة الله وما شاهد فيه من ورع وزهد و أخلاق حميدة حتى أنه كان يخلفه في الصلاة وهو ما يزال طالبا مع أن المحظرة كانت تضم من هم أسن وربما أعلم منه في ذلك الوقت, وكان شيخه لا يخفي حبه له وتفضيله له عن غيره من أقرانه عندما يسأل عن ذلك.

تدرسه :

بعد أن صدره شيخه محمد سالم بن ألما بداية الستينات رجع إلى أهله وبدأ مباشرة في التدريس وتوافدت علي محظرته وفود من شتى قبائل منطقة القبلة, ولم يكن لمحظرته مكان ثابت فكان يتنقل مع تلامذته متتبعين تساقط المطر ومنتجعين الكلأ و المرعى ولم يستقر في مكان دائم, وفي سنة 1971 انتقل مع تلامذته إلى العاصمة انواكشوط ليستقر وبصورة دائمة سنة 1976م في مقاطعة السبخة التي أسس بها زاويته ومحظرته وبنى بها مسجده.

ظل رحمه الله مشتغلا بالإمامة والتدريس في نفس المكان أكثر من 25 سنة وكان يواظب على الأذكار مع بعض تلامذته في علم السلوك النفسي وتهذيب الروح.

عرف عنه أسلوبه المتميز في التدريس حيث كان يحث طلابه على المراجعة مع بعضهم البعض أي القيام بما يسمي في المصطلح المحظري با (الدولة) وكان يقول لهم انا (دولة) من لا دولة له منكم أي أنه سيراجع هو معه.

كان يشتغل في الوقت نفسه بالفتيا حيث يستقبل يوميا العديد من الأسئلة شفهية وكتابية ويجيب عنها أيضا شفهيا أو كتابيا, وكان يعرف عنه تخصصه وسرعة بديهته في قضايا التركات والمواريث وكانت تصله في هذا المجال عديد الأسئلة حتى من المتخصصين .ولم ينقطع رحمه الله عن الإمامة والتدريس إلا مع بداية 2001 حيث بدأ رحمه الله يضعف عن تلك المهام الجسيمة وكان طبيبه وصديقه عبد الله ولد أوفي قد طلب منه قبل ذلك أن يبحث عن مكان خارج العاصمة للسكن لأن جو المدينة لم يعد يلائمه وهو ماحدى به منتصف التسعينات إلي تأسيس حاضرة صغيرة ضمن ما يعرف بمنطقة اجدير التي تقع 25 كيلو مترا جنوب العاصمة انواكشوط على طريق روصو, وقد انتقل إليها نهائيا مع أسرته وبعض طلبته وأقاربه مطلع 2002 ليستقر بها إلي أن انتقل إلي جوار ربه.

تلاميذُه :

نعلم أن الشيخ رحمه الله جلس للتدريس منذ عام 1966 أي حينما كان عمره ثلاثون عاما تقريبا وقد التف حوله خلال مدة جلوسه للتدريس التي زادت على 35 سنة طلاب كثيرون من الكبار و الصغار ومن مختلف المناطق والقبائل وقد أصبح من بين طلابه فيما بعد علماء وأساتذة وقضاة ورؤساء محاكم وغيرهم نسأل الله أن يجعل كل ذلك في ميزان حسناته.

عبادته وزهده وإعراضه عن الدنيا:

كان رحمه الله عابدا زاهدا مداوما على قيام الليل بورد قلما ينقص عن الصلاة بأربعة أحزاب واضعا نصب عينيه قوله تعالى في وصف عبادة المؤمنين: (تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفاً وطمعاً ومما رزقناهم ينفقون) كماكان شديد الزهد في الدنيا, ورغم انه كان يعد من ميسوري الحال نسبيا إلا أنه لم يعرف عنه اشتغاله بتحصيل الدنيا إلا في حدود ابسط أنواع التسبب المطلوبة شرعا وكان دائما يقول إذا كان التحرك هو آخر أسباب تحصيل الرزق الستة من حيث الترتيب فلماذا نجعله أولها. وفي سنة 1987 لما كان مع إحدى بناته في رحلة علاجية في فرنسا عرض عليه بعض المهاجرين المغاربة الذين كان يؤمهم للصلاة ويدرسهم بعد ضروريات الدين عرضوا عليه توفيرالإقامة وراتب شهري مقابل البقاء معهم ولكنه رفض العرض قائلا ماكنت لأقيم بدار الكافرين طلبا للدنيا. ومن مظاهر إعراضه عن الدنيا كذلك رفضه المتكرر لعروض من صديقيه العالمين محمد سالم بن المحبوبي وابين ولد ببانة الذين كانا يعملان في سلك القضاء حينها حيث كانا يطلبان دائما منه الانضمام إليهما في المهنة وكان يرفض قائلا بأن شيخه محمد سالم بن الما أوصاه وهو يدرسه باب القضاء في مختصر خليل ان لا يكون قاضيا وانه ماكان ليخالف وصية شيخه.

خلقه وعمله في ميادين البر:

كان رحمه الله كيسا فطنا دمث الأخلاق وعرف عنه تحلِّيه بالورع, ورحابة الصدر، والقوة والشجاعة في قول الحق, والعمل لمصلحة المسلمين, والنصح لخاصتهم وعامتهم.- كان أول ما قام به بعد إجازته من قبل شيخه محمد سالم بن ألما في الستينات هو أداء فريضة الحج والتي كان أداؤها في ذلك الزمن من شبه المستحيل ولكن الله حقق له ما أراد فحج من دكار سنة 1966 –
استثمر مكانته كمرجع للحل والعقد في عشيرته للعمل على محاربة العديد من الظواهر الاجتماعية المتوارثة والتي لم تكن تتفق مع قواعد الشرع سواء تعلق الأمر بالعبادات كغياب الطهارة المائية الذي كان منتشرا في المنطقة أو بعادات تخص بعض القضايا الاجتماعية كالزواج والتعامل بين الأصهار وغيره, ويتفق العارفون بأنه أحدث ثورة حقيقية في محيطه الاجتماعي من خلال تغيير تلك العادات التي ترسخت على مدار قرون.

-للشيخ رحمه الله أعمال عديدة في ميادين الخير وأبواب البرّ ومجالات الإحسان إلى الناس, والسعي في حوائجهم, وإسداء النصيحة لهم بصدق وإخلاص.
-حضر العديد من المؤتمرات الإسلامية التي عقدت خارج موريتانيا في السعودية والمغرب.
-كان رحمه لله يتبع أسلوبا خاصا في الدعوة إلى الله يتمثل في تقديم درس أسبوعي عادة ما يكون بعد صلاة العصر يتحدث فيه عن أهمية أركان الدين وكان يركز كثيرا علي الصلاة باعتبارها عماد الدين والصلة بين العبد وربه وضرورة ادائها في الجماعة بطهارة مائية مشيرا إلى الطرق المعينة على ذلك.

وفاته :

تُوفي – رحمه الله – في مدينة انواكشوط صباح يوم السبت ودفن في مقبرة انوعمرت المشهورة..

المصدر: صفحة علماء ومشائخ شنقيط.

وفقنا الله جميعا لما يحبه ويرضاه اللهم آمين الدعاء

صدقة جارية