أخبار عاجلة
الرئيسية / آخر الأخبار / العلامة الشيخ المختار بن أحمد محمود الجكني الشنقيطي(155)

العلامة الشيخ المختار بن أحمد محمود الجكني الشنقيطي(155)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد

هذه حياة العلامة الشيخ المختار أحمد محمود رحمه الله

هو العلامة اللغوي والأديب الشاعر: المختار بن محمدُّ بن أحمد محمود بن محمذٍ بن عَيْدُ ابن الفغ محم الموساني الجكني الشنقيطي مولداً ومنشأً المدني مهاجراً،

ولد حوالي عام 1885 م، تبحر في جميع العلوم الإسلامية،

وبرز في اللغة والنحو والتصريف، حتى اشتهر بـ (القاموس المتجول)

عرف بالذكاء والنبوغ، وأنشأ غرر القصائد وهو ابن الرابعة عشرة من عمره،
فهو متوقد القريحة، واسع الدراية، كامل الفهم، حاضر البديهة عالي الهمة.

تعتبر أسرته – رحمه الله – أسرة علم وفقه وأدب وكرم، منهم الأديب (ابن عَيْدُ) الذي تتلمذ على العلامة (المختار بن بونه) الذي ترجم له صاحب كتاب (الوسيط في تراجم أدباء شنقيط) أحمد بن الأمين،

ومن هذه الأسرة علماء أجلاء وأدباء فضلاء، تخرج على أيديهم جيل كامل بل أجيال من أهل المنطقة .

ومما قاله جده مفاخراً :

لنا الشعر دأباً في الورى دون غيرنا … وقد كان شعر الغير في موضع الطرح

تـوارثـه الآبـاء منا تـوارثـاً … وحزناه مصحوباً بألسنة فُصْح

– وقد شارك الشيخ المختار مع هؤلاء في صولات وجولات ومساجلات أدبية رائعة ملأت الدواوين وشغلت الأدباء ردحاً من الزمن في بلاد شنقيط، كما كان له الكثير من الأشعار التي نشرتها صحف ومجلات مصر والأردن،

ومنها:
قصيدته الفريدة من نوعها التي تحدى بها شعراء العرب عندما كان في مصر في زمن أمراء الشعر وعصره الذهبي، تلك القصيدة التي أطلق عليها اسم (الزرقاء)
لاختلاط ألوانها، فقد نحت من شطرها الأول قصيدة أخرى في بحر آخر، ونحت من شطرها الثاني قصيدة أخرى في بحر آخر بشكل رائع بديع فريد ،
ولم يتقدم أحد من الشعراء حتى الآن ليقدم مثلها،
ولم يقدر لقصائده حتى الآن أن تجمع في ديوان.

نشأ المختار في بيئة علمية، فحفظ القرآن وهو في التاسعة من عمره،

ثم استكمل ما يتعلق به من علوم، وتدرج حسب منهج الدراسة في ذلك البلد فحفظ دواوين الأدب وأنساب العرب والنحو والصرف والعقائد والفقه وأصوله وعلم المنطق والسيرة النبوية، مما هيأ له قاعدة علمية صلبة انطلق منها إلى مجال أوسع.

حياته العلمية والعملية:

اتجه إلى مَحْضَرَة يحظيه بن عبد الودود (وهي تعتبر في تلك البلاد جامعة متخصصة في الفقه وعلوم العربية) وتخرج منها – كما تخرج منها علماء أجلاء دام عطاؤهم زمناً طويلاً ومنهم الشيخ محمد الأمين الشنقيطي صاحب (أضواء البيان).

هجرته:
طلب الفرنسيون من قومه أن يقدموا لهم اسم من يمثلهم لدى الفرنسيين، فقدموا لهم اسمه،
إلا أنهم ذكروا للفرنسيين أنه لن يوافق على ذلك، فكان رد الفرنسيين: لا عليكم المهم أن تقدموا لنا اسمه،
ولما علم الشيخ بذلك، اتخذ قراره بالهجرة من البلاد ،

فقرر البدء برحلته الشاقة التي سيقطع فيها الصحاري والمفاوز ،
فخرج قاطعاً كل ذلك ماراً بليبيا ثم مصر، حيث وجد فيها ابن عمه العالم الشيخ (محمد حبيب الله ما يابا) صاحب كتاب (زاد المسلم فيما اتفق عليه البخاري ومسلم) وغيره من المؤلفات، فذكر الشيخ المختار للشيخ محمد حبيب الله نيته التوجه لأداء فريضة الحج، فأوصاه بأداء الفريضة
ثم العودة إليه في مصر .

وقد وصف رحلته من بلاد شنقيط ضمن قصيدة طويلة مدح فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:

فكم من حاجة لي في بلادي …
تركت لما أؤمل أن أناله

ومجهول أخي آل مبير ….
إليك قطعته وقطعت آله

كأن الآل والآكام فيه ….
بحارٌ وسطها سفن مُزاله

أجاوزه على يققٍ درفس ….
يُجنُّ سنامه السامي محاله

وطوراً في سفين البحر تهوي ….
بنا طوراً وتصعدنا جباله

أريد القرب بالمعنى تعالى ….
الإله عن أن تقرِّبه الجماله .

فحج ووقف أمام قبر الرسول صلى الله عليه وسلم
وأنشد في حضرته قصيدتين طويلتين يمدح بهما الرسول الكريم.

نأخذ من الأولى: بعد المقدمة الغزلية ووصف الرحلة :

دع تظنّيك في أمام فما يجدي ….
التظنيّ في بال حبل أماما.

ورم الملجأ الذي من يرمه ….
يرتق الهام في السنا والسناما

صفوة الرسل نكتة الكون طه ….
من به أكرم الإله الأناما

فاق فضلاً إذ ليس ظل له لا ….
بل هو النور نوره يتسامى

فاق فضلاً إذ كل شيء يراه ….
خلفه مثلما يراه أماما

قد بدى المصطفى فابدى المثاني …. وأباد الأوثان والأصناما

وتسامى على مقام عليٍّ ….
في علاه بقاب قوسين قاما

وأتانا بحق مهدي الأيادي ….
وأبان الحلال ثم الحراما .

– ومنها :

ليس في الخلق مثل طه جبيناً ….
لا ولا مثل طه ابتساما

لا ولا مثل طه جلوساً ….
لا ولا مثل طه قياما

لا ولا مثله بغير سلاح ….
لا ولا لابساً سيوفاً ولاما

ليتني في زمان طه أراه ….
أحتسي من حديث طه المداما

ليتني درعه أقيه الأعادي ….
ليتني نعله أقيه القثاما

ليتني زرته وقبلت فاه ….
يقظة كان ذا وكان مناما

رمت مدحاً في الهاشمي وكم ذي ….
لسَنٍ ما أرومه قبل راما

فيه قال الإله معنى ونزر ….
فيه ما قالت الأنام كلاما

وتطفلت نحو طه بنزري ….
رائماً روم من يروم الكراما

ثم يختمها بالدعاء لنفسه ولأهله ثم بالصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم .

– ونأخذ من الثانية : بعد تذكره لأماكن قضى فيها شبابه في بلاد شنقيط وبعد ذكر بعض الغزل ثم يقول :

عظيم ما يذكرني خيالي ….
ولكنني أفرُّ لذي الجلاله

ثم يتوجه إلى الله تعالى قائلاً :

إلى المحيي المميت الحي من قد ….
أرانا والفعالَ معاً فعاله

كمال العالمين أرى مجازاً ….
وحقاً في الكتاب أرى كماله

لو اجتمع العوالم ثم جدّوا ….
لما وصفوا الكمال ولا جماله

وهيهات الوصول لذا فمن لي ….
بمرقاةٍ تبلغ ذا طواله

تعالى الله جل الله ما لي ….
لوصف كماله الأسنى محاله

إليه ولا إلى أحدٍ سواه ….
لجأت ولا يرد من التجا له

– ثم يذكر الرسل الكرام وأفضلهم محمد صلى الله عليه وسلم، ثم يصف دعوته وما عانى وكيف انتصر:

وأفضلهم محمد من قد أسرى ….
به ليلاً وفضله وآله

ومن ثم استمر فما حواه ….
سوى برٍ أمين ذي أصالة

وجا بتجارة فمن اقتناها ….
ينل حسنى العلي ويزد جماله

ومن يترك لشقوته اقتناها ….
ينل تتبيرة وينل نكاله

لقد وافى الأنام وقام يدعو ….
عشيرته فما قبلوا مقاله

لقد غضبوا وجاؤوا يوم بدر ….
بمُجرٍ لم يطق أحد مصاله

دعا طه الإله يريد وعداً ….
بإحدى الفرقتين إذاً وساله

فأنجز وعده لهموا سريعاً ….
ووعد الله ينجز لا محاله

رموه بكل قسورة هزبر ….
بأمر الحرب يركب كل آله

فقابلهم بكل أغرَّ ندب ….
كمثل البدر غرته مُطاله

أخي كرم أشمّ أخي وفاء ….
شرى لله مهجته وماله

فليس يفر من ألفي كمي ….
يخاف على المبايعة الإقاله

فيلبس درعه ويجول فيهم ….
ويلبس من دمائهم غلاله

يميل يمينه فتبيد قوماً ….
وآونه يميل لهم شماله

ومن مثل النبي في الحرب بأساً ….
ومن ذا يستطيع بها سجاله

ومن يحكي جمائله ومن ذا ….
يستطيع بها سجاله

ولو أفنيت عمري ثم فكري ….
وأقلامي لما جمعت خصاله

– وفي الحجاز التقى أيضاً بمن سبقه إلى الهجرة من أبناء عمومته وقضى هناك فترة جميلة من عمره حقق فيها هدفه الأساسي من رحلته؛ ألا وهو الحج والزيارة .

– ثم عاد إلى مصر حيث كان بجانب ابن عمه وشيخه الشيخ محمد حبيب الله الشنقيطي، ذلك العالم الجليل فبدأ ينهل من علمه حتى حصل منه على الإجازة في كثير من علوم الدين .

وفي مصر، شارك في النهضة الأدبية التي كانت في أوجها في ذلك الوقت بالكثير من القصائد في المناسبات الخاصة بالأزهرالشريف وغيره، وتهنئة الملوك وكبار ضيوف مصر، كسمو الأمير عبد الله بن الحسين أمير الأردن في ذلك الوقت، وكبار رجالات الدولة والوزراء بمناسباتهم، وكذلك رثاء بعضهم.

كما قال أيضاً عندما كان في مصر تلك القصيدة الفريدة من نوعها التي تحدى بها شعراء العرب والتي سبق أن تحدثنا عنها في بداية الترجمة له والتي أطلق عليها اسم (الزرقاء) لاختلاط ألوانها.

ومن أمثلة هذه القصائد :

1- ملك مصر.

2- سمو الأمير عبد الله عندما زار مصر.

3- الأزهر.

4- قصائد الرثاء.

– انتقاله إلى الأردن: بقي في مصر إلى ما بعد وفاة شيخه الشيخ محمد حبيب الله رحمه الله، فغادر مصر ملبياً الدعوة التي وجهها له سمو الأمير عبد الله بن الحسين الملك المؤسس، فحل في الأردن في شهر أيلول عام 1944م ، ويروى أن سمو الأمير عندما كان يصلي في المسجد الحسيني يوم الجمعة لاحظ عمامة جديدة ؛ وفي المساء سأل الشيخ حمزة العربي عن صاحب العمامة؟ فقال له: هذا هو الشيخ: المختارالشنقيطي.

فسأل سمو الأمير: أين ينزل الشيخ؟ فأخبر أنه في بيت الشيخ محمد السالك الشنقيطي، في حي المعانية في محطة عمان،
فأرسل من أحضره وسمع منه بعض أشعاره،
وطلب منه أن يكتبها له بخطه،
ثم سكن في بيت غربي المدرج الروماني في سفح جبل الجوفة مما يلي مكتبة أمانة عمان الآن،

وذلك قبل أن ينتقل إلى السكنى في جبل الهاشمي عام 1947م .

ثم كانت مجموعة من التجار في عمان قد قامت بتأليف لجنة أسست مدرسة لتدريس علوم الدين للكبار، كان مقرها وسط البلد شارع السعادة،
فأمر سمو الأمير عبد الله هذه اللجنة بالاستفادة من علوم الشيخ،
وتعيينه مدرساً براتب قدره خمسة وعشرون جنيهاً فلسطينياً، استجابت هذه اللجنة في الشهر الأول لسمو الأمير وأعطت الشيخ 25 جنيها، أما في الشهر الثاني، فاعتذرت اللجنة للشيخ بأنها لم تستطع جمع المبلغ، وستعطيه عشرين فقط، أما في الشهر الثالث فاعتذرت أيضاً بنفس العذر، وأنها لن تستطيع دفع أكثر من خمسة عشر، هنا نقل الشيخ هذه الصورة لمسامع سمو الأمير مداعباً له في هذه الأبيات الجميلة:

سيدي لا برحت للعرب رأساً ….. تترقى وفي المعارف شمساً

كعبةً للأنام منهلها العَذْب ….. تسوس الأنام جنساً فجنساً

إن لي مع لجان مدرسة ….. الدينِ لشأناً منه التألم مسَّا

فهمو قادة وقوم كرام …. فضلهم في الأنام يلمس لمساً

بكموا في حب العلوم تأسوا …. وهنيئاً لمن بكم قد تأسى

رتبوا لي كما أمرتم معاشاً …. جعلوه خمساً وعشرين أسا

وانتظرت ارتفاعه فإذا هم …. ينقصون الأساس خمساً فخمساً

نظراً للغلاء لم أتحمل ….. ما جرى لي منهم وقد ضقت نفساً

إن طعم الممات عندي لأحلى ….. من سؤالي مما لدى الناس فلساً

وزري الفخم أنتم لا سواكم …… وملاذاً وملجأً لي ومرساً

عشت عبد الله المظفر فينا …… تغرس العلم والمكارم غرساً

فنالت هذه الأبيات استحسان سمو الأمير .

إلا أن البداية الحقيقية لمشاركة الشيخ في نهضة هذا البلد العلمية والأدبية والدينية، كانت بمشاركته في معهد العلوم الإسلامية بجبل اللويبدة مؤسساً ومدرساً ومربياً في مقره الأول بجانب دوار جبل اللويبدة قرب بيت رئيس الحكومة في ذلك الوقت دولة سمير الرفاعي،
ثم عندما افتتح مبناه الحالي عام 1951 م جلالة الملك عبد الله بن الحسين طيب الله ثراه، حيث أنشيء قسم دعي (قسم التخصص الديني) هذا القسم الذي كان الطلاب يدرسون فيه ويتقاضون راتباً شهرياً،
وقد أكمل الكثير من خريجي هذا القسم دراستهم في الأزهر الشريف وغيره من كليات الشريعة في جامعات البلاد الإسلامية وحصلوا على الشهادات العليا. نذكر منهم:

1- د.عزت العزيزي.

2- د.رامز العزيزي.

3- الأستاذ عبد الله شبيب.

4- الأستاذ أحمد محمود العجلوني.

5- الأستاذ سليمان العجلوني، وغيرهم.

كما استمر الشيخ رحمه الله ينشر علمه كذلك في المجالات الكثيرة في الأردن، فقد كان بيته منارة علم يتردد عليه الكثير من أبناء هذا البلد الذين أصبحوا فيما بعد من العلماء.

ومن تلاميذه :

1- فضيلة الشيخ عبد الله العزب، مفتي القوات المسلحة الاردنية.

2- فضيلة الشيخ داود محمد العبادي – والد معالي د.عبد السلام العبادي، وزير الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية بالأردن -.

3- فضيلة الشيخ محمد هليل – والد سماحة د. أحمد هليل قاضي القضاة .

4- فضيلة الشيخ أحمد محمد السالك، وغيرهم رحمهم الله جميعاً.

حيث كانوا يترددون عليه في بيته في وسط عمان أو في بيته في جبل الهاشمي وكان الأكثر ملازمة له فضيلة الشيخ محمد هليل الذي أصبح مرجعاً في اللغة العربية وعلوم الشريعة والمذهب المالكي خصوصاً على مستوى المملكة، أما الشيخ أحمد محمد السالك، فكان ما تلقاه من الشيخ المختار أساساً قوياً جعله يقبل في كليات الأزهر مباشرة بعد الاختبار الذي أجروه له، مع العلم أنه لم يكن في ذلك الوقت قد تعلم في أي مدرسة.

كذلك كان يجتمع في بيته قاضي القضاة وكبار رجال الإفتاء، عندما يتلقون الأسئلة من بعض البلاد الإسلامية وخصوصاً الأسئلة المتعلقة بمسائل المذهب المالكي،
فما كان منهم إلا أن يجتمعوا ويقصدوا الشيخ المختار مستفيدين من استنباطاته وفهمه ومكتبته، فيقومون بالإجابة عن تلك الأسئلة والاستفتاءات.

– مشاركاته العلمية والأدبية:

مؤلفاته:

1- كتاب (الترجمان والدليل لآيات التنزيل): هذ الكتاب الذي أكمله رحمه الله قبل وفاته بأربعين يوماً، وكان يدعو الله ليل نهار ألا يأتيه الأجل حتى يكمله، فكان أن استجاب الله له هذا الدعاء، وهو معجم لألفاظ القرآن الكريم مرتب حسب ترتيب حروف الهجاء، يتناول الكلمة من القرآن ويبين أصلها ومصدرها وبابها إذا كانت فعلاً ومعانيها، والمعاني التي وردت في القرآن بها، ومكان ذلك من الآية القرآنية و السورة، فهو كتاب لغة وتفسير ودليل للكلمات القرآنية.

2- (منظومة ألفية في علمي النحو والصرف)، ولم يقدر لها أن تصل إلى النشر.

نشاطاته:

كما شارك في تأسيس نادي الفضائل الإسلامية الذي افتتحه جلالة الملك عبد الله بن الحسين المؤسس، وقال فيه الشيخ المختار قصيدة حيا فيها جلالته، وهذه القصيدة هي:

باسم الإله افتتحنا اليوم نادينا لنحيي العلم والأخلاق والدينا

هذا النادي الذي خرجت منه مجموعة من المناضلين بقيادة الحاج عربي جميل (لواء أسامة) وذلك للدفاع عن فلسطين عام 1948، وقد أبلوا البلاء الحسن في القتال حول القدس الشريف واستشهد منهم من استشهد، وقد ذكرهم القائد عبد الله التل في كتابه، كما ذكرهم اللواء حكمت مهيار في مذكراته.

كما شارك مع الأستاذ تيسير ظبيان ومجموعة من العلماء في تأسيس رابطة العلوم الإسلامية.

وقد تعرض له بعض المنتسبين إلى العلم، قائلين إنه معلم صبيان، فكان رده عليه إنه معلم للرجال الكبار أيضاً، وهم الذين يعلمهم العلم مجاناً وكما هي عادته وفي منزله، وروى له ما ورد في الآثار من أن تعليم الصغار لكتاب الله يطفئ غضب الرب، كما قال له إنه بحاجة لما يتقاضاه من راتب لسد حاجته حتى لايحتاج لسؤال أحد كما قال الإمام الشافعي:

فلا ذا يراني جالساً بطريقه ….
ولا ذا يراني واقفاً عند بابه

ثم وجه الشيخ المختار لهذا الذي تعرض له، مائة سؤال في فروع علوم الدين بعد أن علم الشيخ بأن ذلك الشخص الذي تعرض له يسأل الله أن تُلقى عليه مسائل علمية أمام أناس يفهمون العلم، ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حيي عن بينة، وقال له : لقد استجاب الله لك دعاءك، فها هي أسئلة علمية بحتة لا لغز فيها ولا مكرر، وقد قدم هذه الأسئلة لهذا الشخص رجل كان يعمل في الديوان الملكي اسمه (مخلد مطلق الذيابي) وطلب الشيخ المختار من ذلك الشخص الإجابة عن هذه الأسئلة المائة فوقف حماره في العقبة ولم يحر جواباً.

وقد علق سمو الأمير عبد الله بن الحسين على هذه الأسئلة عندما اطلع عليها وهو من هو في العلم قائلاً (يا شيخ إنني أنا لا أستطيع الجواب عن الكثير منها)

وقد أجاب عنها أخيراً، الدكتور محمد بن سيدي الحبيب الشنقيطي وهو أستاذ في جامعة أم القرى في السعودية، وقد طبعت الأسئلة والأجوبة وخرجت في كتاب نشرته دار عالم الكتب للطباعة والنشر في بيروت لبنان عام 1428 – 2007. تحت اسم: (الأسئلة العلمية لفضيلة الشيخ المختار أحمد محمود الجكني الشنقيطي) وقال عنها الدكتور محمد بن سيدي الحبيب: «والحق إنها أسئلة دقيقة علمية برهنت على أن واضعها له اليد الطولى في العلم» إنها ذات فائدة لطلبة العلم المبتدئين والمنتهين، وذلك لأنها شملت الكثير من العلوم «ولا غرابة في ذلك فقد كان الشيخ المختار موسوعياً في علمه أحاط بالكثير من العلوم الشرعية إحاطة كبيرة.

قالوا عن الشيخ:

– قال عنه الشيخ محمد إبراهيم شقرة: عرفت الشيخ العلامة المختار بحكم الجوار لسنوات وأشهر وأيام، فعرفت فيه كما عرف عنه كل من جالسه ورافقه وتتلمذ عليه العلامة الأديب واللغوي الأريب والشاعر اللبيب، تبحر في جميع العلوم الإسلامية وبرز في علم النحو والتصريف، عرف بالذكاء وحضور البديهة، قال الشعر وهو في الرابعة عشر من عمره فكان مجدداً ومن يقرأ قصيدته (الزرقاء) يرى بأنه يحق أن يقال فيه أنه تحدى الشعراء قديماً وحديثاً، وهذا التحدي ليس غريباً على الشيخ.

فبيئته العلمية جعلته يتدرج في العلوم: فحفظ القرآن الكريم وهو في التاسعة من عمره ثم تدرج إلى علم العقيدة والفقه والسيرة النبوية ثم النحو وأنساب العرب ودواوين الأدب مما جعل للشيخ المختار قاعدة علمية انطلق منها إلى مختلف مجالات العلوم، فاستحق ما وصفه به كبار أهل العلم ممن عاصروه بأنه حجة لا تسامى في كل علم من العلوم التي شُهر بها.

فرحم الله ذلك العالم الفذ والجار الصالح الذي خلده علمه على صفحات السير والتاريخ .

– وقال عنه سماحة أ.د.أحمد هليل – قاضي القضاة -: الشيخ المختار كان عالماً جليلاُ ومربياً ومؤدباً، وكان أستاذاً لوالدي، وكنت أدرج مع والدي في كثير من الأحايين لحضور ذاك المجلس، وكان يقرأ عليه كتباً في اللغة وفي التفسير وفي الحديث وفي السيرة، فقد كان من العلماء الأجلاء، وكان يختم تلك الكتب ختماً ويحفظ الألفيات عن ظهر قلب، وأذكر أن والدي لم يكن يأخذ الكتاب من مكانه إلا بعد أن يستأذن الشيخ المختار، وقد استفاد الوالد عليه رحمات الله من الشيخ المختار وأخذ عنه العلم كله – رحمه الله رحمة واسعة.

وفاته: قصد منزل الشيخ مساء يوم الخميس ليلة الجمعة 19/ 1/ 1959م مجموعة من أصدقائه منهم الحاج عربي جميّل والحاج مصطفى البواب ومحمد عدنان جميّل وآخرون، ودار الحديث حول ما كان يجري من أحداث في تلك الفترة ومما تطرق الحديث إليه ما تفوه به أحد رؤساء الدول العربية من كلام اعتبره الشيخ ماساً بالرسول صلى الله عليه وسلم، مما أدى إلى ارتفاع ضغطه وغليان الدم في عروقه ثم انفجار شريان في الدماغ مسبباً جلطة دماغية أدت إلى إغماءة استمرت وتواصلت ولم يفق منها خلال يومي الجمعة والسبت، وبعد صلاة مغرب يوم السبت 21/ 11/ 1959م وكان الإمام تلميذه الوفي الشيخ محمد هليل الرشاوين رحمه الله، بعد هذه الصلاة فاضت روحه الطاهرة إلى بارئها ولفظ آخر أنفاسه – عليه رحمة الله ، وفي صباح اليوم التالي تم تغسيله وتكفينه في بيته في جبل الهاشمي الشمالي وصلي عليه ثم دفن في مقبرة الهاشمي الشمالي وسط حشود كبيرة من تلاميذه وإخوانه وأصدقائه الذين كانوا في أشد الألم والمفاجأة بفقده رحمه الله تعالى.

المصدر:
صفحةعلماء بلاد شنقيط بقلم الأستاذ عمر مختار الشنقيطي/ رئيس قسم القراءات والدراسات القرآنية بجامعة العلوم الإسلامية العالمية.

والله الموفق للجميع والهادي إلى سواء السبيل آمين الدعاء

صدقة جارية