أخبار عاجلة
الرئيسية / آخر الأخبار / العلامة محمدن بن ميمّيه بن المحبوبي اليدالي الشنقيطي (159)

العلامة محمدن بن ميمّيه بن المحبوبي اليدالي الشنقيطي (159)

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وبعد:

ترجمة لعالم موسوعي متمكن، ألا وهو العلامة محمدن بن ميمّيه بن المحبوبي اليدالي..

نسبه: هو محمدن بن محمد (مَيْمِّيهْ) بن المحبوبي (محمذن) بن المختار ابن محمذن بن امحمد الأمين بن الفقيه المختار بابو بن محمد الأمين ابن عمر بن علي بن يحيى بن يداج، الجد الجامع لقبيلة اليداليين وأحد الخمسة المكونين للحلف الشمشوي.

وأمه: مريم بنت محمذن بن إمام بن سعيد بن بباه بن الفقيه المختار بابو حيث يلتقي نسبها مع والده.

مولده ونشأته:

ولد المرابط “محمدن” سنة 1314هـ عند بئر “العارف” في منطقة “إيكيدي”،
ونشأ في بيت علم ومعرفة في كنف أسري أسدى بساحته المحد وألحم، وأناخ بحرمه الكرم وخيم، فأسرة آل المحبوبي من الأسر اليدالية المتميزة،
كما أن القبيلة اليدالية عموما ذات صيت وشهرة ذائعة في الجنوب الغربي من البلاد،
ويعتبر بطن “آل الفقيه المختار بابو” من أبرز بطون هذه القبيلة علما وورعا ومجدا.

طلبه للعلم:

اختلف الرجل الفاضل في بداية دراسته إلى الكتاتيب، فدرس على خالته الفاضلة “خديجة بنت محمذن بن إمام اليدالية”
كما اختلف قليلا إلى حلقة “محمدن بن حميني بن آداه اليدالي” القرآنية.
وقد لعبت عمته “ابنت بنت المحبوبي” دورا كبيرا في تثقيفه: فسمع منها:
نظم ابن عاشر، ومنثور ابن آجروم، ونظم عبيد ربه،
وبردة وهمزية البوصيري.
كما درس على والده مختصر الأخضري، والأربعين النووية، وكان يوقظه كل ليلة قبل صلاة الفجر هو وإخوته،
وقد تلقى على يديه: مبادئ الفقه المالكي، ومنطلقات العقد الأشعري،
وأسس التصوف الجنيدي السني، وأبجديات النحو البصري.
وكانت أمارات الذكاء والنبوغ لائحة عليه منذ الصغر،
وقد توفيت والدته وهو في السابعة من عمره
فعاش في أحضان جدته “سلمى بنت محمذن بن زين” المعروفة بالفضل والمجد.

دراسته وشيوخه:

رحل “محمدن” إلى شيخه “يحظيه بن عبد الودود”
فدرس عليه طرة “ابن بونه” واحمراره على ألفيه ابن مالك ثلاث مرات، وطرة الحسن بن زين على لامية الأفعال، وبعض أبواب مختصر خليل، وإضاءة الدجنة في اعتقاد أهل السنة للمقري.
وقد أجاز “يحظيه” صاحبنا، وقدمه للتعليم، وانتدبه للتدريس مرات؛ إذ كان يرسل إليه بعض الطلبة ليدرسهم حينا وليراجع لهم أحيانا.

بعد ذلك التحق بمحظرة الورع “محمد سالم بن ألما اليدالي” فأخذ عنه:
الطيبية في المنطق، وديوان الشعراء الستة الجاهليين،
وألفية السيوطي في البلاغة،
وصححها أيضا على العالم “أحمد محمود بن أمين المباركي”،
ثم تفرغ لمطالعة الكتب مدة سنتين.
ثم شد الرحال إلى “زين بن اجمد اليدالي” ليدرس عليه المتمات فكان مما درس عليه:
مراقي السعود في الأصول لسيدي عبد الله بن الحاج إبراهيم العلوي،
ومنهج الزقاق في القواعد الفقهية، وتكميل المنهج لميارة، ونظم ابن عاصم في القضاء،
ونظم زين ابن اجمد نفسه لنوازل الفاسي، ومؤلفات محمد مولود بن أحمد فال اليعقوبي في الفقه، وألفية العرافي في السيرة،
وطلعة الأنوار في الحديث،
ووسيلة ابن بونه، والكبرى والصغرى للسنوسي في العقيدة، ونظم ابن مقرع السوسي،
ونظم اللمطي في الفلك،
ومنية ابن غاري في الحساب،
والشاطبية في القراءات.
وأخذ عنه نظمه في القراءات السبع الذي كمل به نظم ابن بري، وغير ذلك،
وقد استفاد من مكتبة هذا الشيخ التي كانت تضم أمهات الكتب الشرعية واللغوية خلال إقامته معه.

تصوفه وعبادته:

تلقى “محمدن” الورد الشاذلي عن شيوخ جلة منهم:
“يحظيه بن عبد الودود” الذي صدره، و”أحمد بن اجمد”، و”محمد سالم بن ألما”.
كان تقيا ورعا حذرا من الشبهات معتزلا الخلائق منفردا بنفسه مجانبا للجدل والمراء مقبلا على عبادة الخالق معرضا عن الخلائق وزخرف الدنيا… هاربا من القضاء والفتوى فارا بنفسه من الفتن…”.
عرض عليه أهل الحل والعقد من قومه الرئاسة، فرفض لكنهم لم يكونوا يقررون أمرا ذا بال دون استشارته،
وكان متحليا بمحاسن الأخلاق والتواضع مع الهيبة،

يقول “كراي بن أحمد يوره” في مرثيته
(البسيط):

قـَدْ كانَ فِي الْغايَةِ الْقُصْوَى تَوَاضُعُهَ=
وَمَجْدُهُ جاوَزَ الْجَوْزاءَ أَوْ زُحَـلَا
تَـــراهُ لِلْقَوْمِ يُصْغِي وَهْوَ أَعْلَمُهُـــــمْ=
حَتَّى يَقُولَ غَبِيٌّ ذَا مِن الْجُهَلَا

وكان قليل الكلام، وإذا تكلم أفاد السامع وأسكت الخصم، لا يتكلم إلا بما يعنيه، صبورا في السراء والضراء، لا يشتكي من شيء من حاجة أو مرض عرض له.
ويصعب تحديد كيفية عبادته؛ لشدة تكتمه وبعده عن الرياء وخموله إلا أن من لازمه من أهله يقول إنه كان كثير القيام والصيام والتلاوة وخاصة في رمضان، حيث كان يقوم الليل بالقرآن،
وأحيانا يصبح وقد بقي عليه منه أحزاب فيقرؤها بعد صلاة الفجر.
ولم يكن ممن يعتذرعن استخدام الماء في فصل الشتاء، إذ كان له كن ومنشفة، وكان بصيرا بأمور دينه وبما يفعله في عبادته… محافظا على اتباع السنة؛ إذ لم يتجاوز لباسه أنصاف ساقيه.
وللشيخ أنظام في التصوف،
منها أبيات تبين مراتب التقوى ومقاماتها، يقول:

خَمْسُ مَراتِبَ أَتَى التَّقْوَى لَــــهَا=
بَـيَّـنـتُ بِالنُّظَـــــــيْمِ ذَا أَحْــــوَالَهَا
أَفادَناهَا ابْــــنُ جُزَيٍّ جـــــــازَا=
هُ رَبُّــهُ خَيْــــرَ الْجَــــــزَا إِنجَازَا
الُاولَى اتِّـقاءُ الْكُفْرِ وَالإِسْــــلامُ=
لَهَا مَقـــــامٌ قالَـــهُ الأَعْــــــــــلامُ
ثــُــــمَّ اتِّقاءُ فِعْلِ كُلِّ حُـوبَـــــــةِ=
مَقــامُهُ يُـــــــدْعَى مَقَــــامَ التَّوْبَةِ
ثُــــــمَّ اتِّقاءُ الشُّبُهَـــــاتِ الْوَرَعُ=
مَقامُـــــهُ وَذَا الْمَقَـامَ شَـــــــرَعُوا
ثُمَّ اتِّقاءُ بَعْضِ ما قَـــــدْ حَـــــلَّهْ =
مَقامٌ الزُّهْـــــــــدُ غـَـدَا مَحَلَّــــــهْ
ثُمَّ اتِّقـــاءُ شُغْـــلِ قَلْبِ الْمُرْتَـقِي=
عَن رَبِّــــهِ أَسْـــنَى مَقامِ الْمُــتَّقِي
فَنَسْـــــأَلُ اللهَ الَّذِي أَحْصَـــــاهَا=
طُراًّ بِطَهَ الْمُصْـــطَفَى أَقْصَاهَا
عَلَيْهِ أَكْمَــــلُ الصَّلاةِ وَالسَّــــلا =
مِ مَا اسْتُجيبَ مَنْ بِهِ تَوَسَّـــلا

تلامذته:

بدأ “محمدن” التدريس وهو لا يزال طالبا بأمر من شيخه “يحظيه بن عبد الودود” الذي كان يرسل إليه الطلبة ليدرسهم؛ نظرا لما رأى فيه من الأهلية والذكاء والعلم،
فكان ممن درس عليه في هذه المرحلة إخوته:
زين، والشفيع، وإسحاق،
والتاه بن يحظيه بن عبد الودود،
ومحمد بن أبي مدينه الديماني، وغيرهم.
إلا أن المحظرة لم تلتئم عليه إلا بعد عودته من الدراسة على “زين ابن اجمد”، وقد استمر عطاء هذه المحظرة قرابة نصف قرن من الزمان، وتميز شيخها في تدريسه بالجمع بين الوضوح والدقة والشمولية في التعبير، ومن أبرز الذين نهلوا من معينه:

  • ابنه: ابوه
  • بداه بن البوصيري التندغي
  • محمد الحسن بن أحمدوالخديم اليعقوبي
  • نافع بن حبيب بن الزايد التندغي
  • اطفيل بن الواثق المالكي
  • ابين بن ببانا الشريف
  • بزيد بن آبناه بن اغشممت المجلسي
  • محمد سالم بن المختار بن المحبوبي اليدالي
  • محمدن بن محمد بن حمينه اليدالي
  • التاه بن محمد سالم بن ألما اليدالي
  • الحسن بن السيد اليدالي
  • محمد بن اجدود اليدالي
  • عبد الحي بن التاب الانتابي، وغير هؤلاء كثير.

آثاره :

  • طرة على صحيح البخاري
  • الجزء الأول من نظم ترجيحات خليل، حققه الأستاذ محمد محمود في (م. ع. د. ب. إ.) سنة 2001 – 2002 م.
  • توشيح نظم محمد العاقب بن مايابى الجكني في رسم القرآن .
  • جمع أذكار صحيح البخاري، وقد حققه الأستاذ عبد الله بن المحبوبي (مرقون)
  • احمرار على نظم زين بن اجمد لفتاوي عبد القادر الفاسي .
  • رسالة في ” وشبه ذين “.
  • أنظام تعليمية كثيرة جدا تتناول الفقه والنحو واللغة والعقيدة والسيرة وأنساب العرب وعلوم القرآن والحديث والآداب والأخلاق العامة.
  • فتاوي نحوية
  • فتاوي فقهية

وفاته:

توفي المرابط “محمدن” ـ رحمه الله تعالى ـ يوم الأربعاء السابع عشر من ربيع الأول سنة 1399هـ، ودفن بمقبرة “انْبَنْبَه” في جنوب منطقة “إيكيدي” بولاية الترارزة، وقد أرخ لوفاته تلميذه “عبد الحي بن التاب الأنتابي” في نظمه لوفيات الأعيان فقال:

في حوادث هذا العام: (الرجز):

قَضَى بِــهِ مُحَمَّـــدٌ سَليلُ مَيْمـ=
مــيهَ الرِّضَى أَوْلاهُ رَبُّهُ النَّعِيــمْ
أَعْنِي بِــــهِ سُـــلالَة َالْمَحْبُوبِ=
بَـيْـتِ الْعُلَى وَصَـــــفْـوَةِ الْقُلُوبِ
وَالْعِلْمِ وَالتَّقْــوَى وَخَــوْفِ اللهِ=
وَزَجْرِ كُـــــلِّ عابِـــــــــثٍ وَلاهِ
لِفَقْــــدِهِ يِبـْـــــــكِي وَلا تَلُومَـهْ=
لِـــمَ تَلُومُ ضَــــارِعَ الْخُصُومَهْ؟
للهِ مَا مِــنْ مُعْـــضِلٍ قَدْ أَحْكَمَا=
مَعْناهُ نَثْراً وَفَــــشَا مُنتَظِــــــــمَا
وَلَسْـــــتُ أَدْرِي مَا أَقُـــولُ إِلَّا=
أَنَّ مُصــابَ الْعِلْمِ فيهِ جَـــلَّا

رحمه الله وغفر له وأسكنه فسيح جناته آمين الدعاء

بقلم: احمدو بن آكاه
جزاه الله خيرا

صدقة جارية