العلامة محمدو بن حنبل الحسني الشنقيـــــطي

هو الإمام العالم العلامة “الشيخ محمدو” ابن حنبل, ابن الفاضل ابن محم الفك ابن أحمد ابن ألفغ اعمر,
وأهل ألفغ اعمر: فخذ من أولاد أعمر اكداش الذين هم من قبيلة الحسنيين (إداب لحسن)
وهو ينحدر من أسرة, عرفت في وسطها الاجتماعي بالعلم والعمل به, والصلاح, والعز, والكرم, والقيادة في القبيلة.
وقد اشتهر من هذه الأسرة علماء وشعراء, من أمثال “ببات ابن حيلاه” ت1247هـ
وإحميدي ابن عبد الله ابن محم الفك, ت1320هـ , والأحول, الشاعر المعروف, ت1250هـ
وعبد الكريم ابن محمذن ابن حنبل,ت1323هـ.

وإذا ما استنطقنا نماذج من بعض النصوص الأدبية التي مدح بها بعض الأجلاء هذه الأسرة,
أدركنا بجلاء صدق ما حكمنا به عليها – مثـلا – يقول فيها شاعر العلماء وعالم الشعراء محمدو النان ابن المعلى:
لا يبعد الله آل الفك إنهم = كانوا الصدور وكان الناس أعجازا
قوم خيار كرام خولوا شرفا = والله لم يألهم نصرا وإعزازا

وقد أجاز هذه الأبيات ابنه الأبر, وخليفته الأغر, الأستاذ
عبد الله السالم, بقوله:

أجزت ما قال آل الفك والدنا = إن كان ذالك لي في أمركم جازا
هذا وإن جاز ما قد قاله فلقد = أجزت ما قاله فيكم وإن جازا
ويقول فيهم الشيخ محمدو بن أحمذي:
بنو الفك من يلفى عزيزا من اعتنوا = بإعزازه يوما ومن ذللوه ذل

(نشأته ومولده):

ولد رحمه الله سنة 1240هـ ,عند بلدة تسمى “شوبك” في منطقة
تسمى العقل تقع في وسط ولاية اترارزة وكانت من أحب
أوطانه لديه, ولذالك نراه كثيرا ما يذكر هذه الربوع في شعره,
فيقول:

أعني على برح من الهم بارح = وبرق على وعساء شوبك لائح
ويقول:
إلى جانب الغراء من عاصم = ديار كباقي وشمها في المعاصم
ويقول:
فرنا العقل إليها مثل ما = نظر الصب إلى الخود الوصب

ويقول:

تولي الفضوض وأرض العقل كلكلها = فتستهل وتستدعي فورقها

نشأ الشيخ رحمه الله في بيئة لا فضل عندها إلا في العلم والتعلم والتشبث بذويه,
فنراه يقول :

كل فتى شب بلا إعراب = فهو عندي مثل الغراب
وإن رأيته لخود عاشقا = فقل لها اتقي الغراب الناعقا
ماللغراب وشذى الحسان = شأن الغراب جيف الغربان

ويقول في قصيدته المشهورة في الحض على العلم والتعلم:

إن تقولوا منعتنا درسه = أزم الدهر و الأعوام الشهب
قلت هل يحتال في دفع العصا = من أظلته الحسامات القضب
فكأني بذوي العلم غدا = في نعيم وحبور وطرب
يحمدون الله أن عنهم جلا = كل حزن وعناء وتعب

(دراسته وأشياخه):

بدأ الشيخ محمدو رحمه الله دراسته في سن مبكرة من العمر,
فقد كان يوليه والده حنبل رحمه الله عناية خاصة,
فقد ثبت أنه حفظ القرآن وهو بن سبع سنين,
وبعد أن حفظ القرآن بدأ في قراءة اللغة العربية كما هي عادة أمثاله,
ثم اتخذ لوحه صاحبا له وأنيسا, يخاطبه بأبيات يقول فيها:

عم صباحا أفلحت كل فلا ح = فيك يا لوح لم أطع ألف لاح
بك لا بالثرى كلفت قديما = ومحياك لا وجوه الملاح
أنت يا لوح صاحبي وأنيسي = وشفائي من غلتي و لواح
فانتصاح امرئ يرم اعتياضي = طلب الوفر منك شر انتصاح

ويروى أنه أقام سبع سنين في إحدى المحاظر لم يزر خلالها أهله
بالرغم من قربهم منه.

وبالرغم من شدة الزمن وشح الموارد فإنه لم يزل ينتقل من محظرة إلى محظرة,
فنراه في محظرة (الشيخ بلا) بن مكبد الشقروي ونراه يخاطبه بأبيات
عندما زار هذا الشيخ تلاميذته في عريشهم يقول فيها:

ألا زار هذا البيت أيمن زائر = وصار به وكرا لأيمن طائر
بنيناه أعوادا قصار كأنه = مشيدة أركانه با لجواهر
ألم بنا من لايلم ببلدة = من الأرض إلا جللت بالمواطر
ومن إن رمى الإشكال بالرين دفترا = جلا الرين عما في بطون الدفاتر
أرجي من الله المراد بحبه = وأن أقتني علم الشيوخ الأكابر

ونراه في محظرة محمد بن لحظانه الملقب (ديدة) ونرى هذا الشيخ هو أيضا يفاكهه
بيتين هو وزميله “محمد يحظيه” بن المعلى فيقول:

خليلي كيف الحال والحال تنبئ = عن السر مهما السر في الصر يخبأ
لئن نسأت عنكم ظواهر ودنا = لما كان عنكم باطن الود ينسأ

فأجابه الشيخ محمدو بن حنبل فقال:

أيسأل عن أحوال قوم تبوأوا = جداول عد جاره ليس يظمأ
يرويهم من بحر جود وحكمة = تلاشى لمبهاها نضار و لؤلؤ

حتى تمكن من نوصي شوارد العلم فدان له قاصيها, ولان له عاصيها,
وأجازه أشياخه في العلم والطريقة, وممن أجازه الشيخ محمدو ابن محمد محمود بن الرباني التندغي,
في الوقت الذي ماز ال الشيخ محمدو لا يرى لنفسه هذه المرتبة, فقال مخاطبا شيخه:

لاترسل اليد مني منتهى أملي = فا جعل لها شغلا في دائب العمل
فإنها إن تكن في غير خدمتكم = تكن عن الله في الأغيار في شغل
فتستحيل بأوداء الدنى كرة = يرمي بها رجل رميا إلى رجل

فأجابه ابن الرباني

أبشر ببرء من الأدواء والعلل = بشربة الوصل والعرفان عن غلل
أنت الخديم الرضى المخدوم جانبه = بالأمن واليمن والتوفيق في العمل
فسر سعيدا إلى الأوطان معتمدا = بأخمصيك على اليافوخ من زحل
ما كنت أرسل يوما للمريد يدا = إلا إذا نال حقا منتهى الأمل
فقد نصبتك جزما للرورى وتدا = فارفع وجر الذي تهواه في العقل

وممن صحب كذالك الشيخ سيدي بن الهيب, فقد أخذ عنه الطريقة,
وقد مدحه بقصائد من روائع الشعر, سنوردها في ديوانه إن شاء الله

وقد أسس محظرة درس فيها شتى فنون العلم, فطبقت شهرته الآفاق,
فصار منهلا من مناهل العلم ترده طلابه من كل حدب وصوب,
وقد بلغ في علمي القرآن واللغة العربية مبلغا فاق فيه كثيرا من المتقدمين,
ولا أبالغ حين أقول وجميع المتأخرين,
فله استنباطات فريدة يذكر أنه لم يسبق إليها,
منها ما ذكره في كتابه (تسهيل الوصول..) في قصة ذي القرنين
عند قوله تعالى {فما اسطاعوا أن يظهروه وما استطاعوا له نقبا}
حين يقول :
لما أوقع الفعل أولا على أن وصلتها حذف التاء من استطاع لطول الكلام بالموصول وصلته,
ولما أوقعه على المصدر الصريح أثبتها لقصر الكلام,
فتأملها فإنها نكتة بديعة ابتكرتها من قبل نفسي ولا أعلم أحدا سبقني إليها.

مراسلات جرت بينه وبين بعض معاصريه

مما اشتهر عنه أنه كان لا يلقى العلامة(عبد الله بن محمذن
بن محمودن الحسني) إلا سأل أحدهما الآخر في القرآن,
فمنه قوله:

أيا كاشفا جلباب كل عويصة = إذا حجبت عنها الفهوم البراقع
أبن لي في الذكر المنزل كلمة = تجاذبها اسم فاعل ومضارع
وفاعلة فيه وأفعلة أتي = للفظيهما خطا ولفظا تضارع
فأجابه الشيخ عبد الله بقوله:
على لفظ آتيك المضاهي اسم فاعل = وآنية تحبير لغزك واقع

وقد ألغز الشيخ رحمه الله أيضا فقال :

مؤنث ألف التأنيث مصروف = ما سالم الجمع قدما فيه معروف
ولا يثنى وحتم خفض عامله = وجمعهم فيه ذو التكسير مألوف

فأجابه الشيخ عبد الله بقوله:
يا من له المجد بين الناس معروف = ومن عليه التقى والعلم موقوف
خبأت في لغزك الدنيا وزخرفها = وأن عاملها بالذل موصوف

وقد جرت مراسلا ت بينه وبين العلامة الشيخ محمد فال بن العاقل في ألغاز القرآن
تنبأ عن مهارتهما في شتى علوم القرآن, ومن ضمن هذه المراسلة قصيدة
الشيخ محمدو بن حنبل التي مازالت مستعصية ,إلى يومنا هذا,

وهي التي يقول فيها:
سلام كما مزن بصهباء سلسل = إلى علم الأعلام ذي المنصب العلي
أجب عن أمور في الكتاب قد اشكلت = فأنت اسمك الكشاف عن كل مشكل

إلى أن يقول:

فدونكها عوصاء ترمي ذوي النهى بجلمود صخر حطه السيل من عل
متى يرقها حاشاك راق تزله كما زلت الصفواء بالمتنزل

ويقول الشيخ محمد فال بن العاقل:

أيا محكم التصريف والنحو عجل = جوابا لأشيا في الكتاب المنزل
إلى أن يقول:
وإن رامها غير الإمام بن حنبل = ومن كابن إحداها الإمام بن حنبل
رمته إلى أرجاء زيزاء مجهل = بأغفالها أرجاء زيزاء مجهل

(مؤ لفاته):

–كتاب سماه: ري الظمآن إلى تفسير القرآن, وهو مازال مخطوطا.
–تسهيل الوصول إلى ما جاء في الذكر من نبي ورسول, وقد طبع الجزء الأول منه.
–شرح قصيدته ( جالبة المرغوب ودافعة المرهوب) مخطوط.
–شرح المقصورة, مطبوع.
–الناموس في شرح ترجمة القاموس, مخطوط.

وله أنظام, في النحو والصرف وعادات العرب في الجاهلية مثل:
–مراتب حلبة الخيل,
–عدد سهام الميسر وترتيبهم
–مآسد العرب
–أنواع الرياح ومسمياتها
– أسماء الملائكة الذين ورد ذكرهم في القرآن الكريم

(شعره):

شعره غزير، يتميز بطول النفس، فأكثر قصائده مطولات تنهض على قافية واحدة
وتلتزم وحدة البيت. نظم في كل أغراض الشعر تقريبًا، وأكثرها في المدح، وتتميز
لغته بالفخامة والرصانة، فيحرص على تعريب الأسماء الأعجمية وتفصيح المفردات العامية،
كما تتسم تراكيبه بالقوة وحسن السبك والإفادة من فنون البديع ولا سيما
التصريع.

استطاع أن يجمع بين مدرستي الأدب القائمتين آن ذاك في البلاد,
فبفضل فحولة شعره وفصاحته والبيئة البدوية التي يعيش فيها
وتأثره بشعراء الطبقة الأولى من شعراء الجاهلية وصدر الإسلام,
أصبح معدودا من هذه الطبقة, وقد تأثر كثيرا بذي الرمة, وبصفة
خاصة حينما ينكب في وصف ناقته وطيفه الزائر واعتسافه الموامي
ووروده الماء الآجن ووقوفه على الأطلال, فمثلا نراه يقول:

يريح بها الركبان أين مطيهم = إذا قطعوا بيداء أوسربخا معقا
وترى ذاالرمة يقول:

قذوف بأعناق المراسيل خلفها = إذ السربخ المعق ارتمى بالنجائب

ويقول الشيخ:

فلما حدا النجم هادي الصباح = وآنفهن نصال السفى

ويقول ذو الرمة:

أقام بها حتى ذوى العود في الثرى = وساق الثريا في ملاءته الفجر
ويقول أيضا:
رعت بارض البهما جميما وبسرة = وصمعاء حتى آنفتها نصالها

كما أنه معدود كذالك من أبرز شعراء المدرسة البلاغية,
وذالك واضح في سلاسة شعره وقرب المأخذ وحسن التصوير وبلاغة التشبيه وحسن الإبداع,
فقد ياتي بمعنى أو تشبيه يذكر أنه لم يسبق إليه,
فهو الذي يقول هو عن نفسه:
لاأبالي بمن يذم قريضي = من ذكي الحجا وكل مريض
فعلى الأحول البيغ المجلي = في الملا فضل “الكمال” قريض

ويقول الشيخ محمدو النانه بن المعلى: – حكاية عن الشيخ بابا بن الشيخ سيديه –

فقد قال لي شيخ الفضائل بابها = ستقضى لك الحاجات ما دمت تقدم
فأجود شعر عندنا ما تحوكه = وما حاكه أيضا أبوك المقدم
وما حاكه الشيخ المجيد بن حنبل = فقط قد نقدت الشعر والله أعلم
ولست بمغلوب فأكذب عامدا = على الله إن الله أعلا وأعظم

منقول من منتديات الوطن

رحمه الله رحمة واسعة