أخبار عاجلة
الرئيسية / الرئيسية الاخبار / العلامة اب ولد انّ المحجوبي الشنقيطي ( 174)

العلامة اب ولد انّ المحجوبي الشنقيطي ( 174)

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على نبيه الكريم

نتحفكم الليلة بترجمة عالم ووزير محنّك من الطراز الرفيع، اشتهر بعلمه وأدبه وظرافته، هو العلامة اب ولد انّ المحجوبي رحمه الله، وهذه الترجمة جُمعت من عدة مصادر، أغلبها نشره بعض الإخوة في الفيس بوك، وقد أفادوا وأجادوا جزاهم الله خيرا.
ونتمنى أن تنال إعجابكم ، آمين..

في وسط بدوي غير مستقر شكلت ولاتة استثناء بنموذجها الحضري ومدارسها الثابتة ومكتباتها ونظامها السياسي المتميز المتمثل في السلطة الجماعية في صورة مجلس أعيان يمثل فيه كل حي بنقيب ، وكانت في البدء تسمى ( بيرو ) وكانت خاضعة لامبراطورية غانا ، نزل بها ” السرغلات ” عند ما تفرقوا من غانا ثم عرفت بعد ذلك باسم ” إيوالاتن ” أو ” ولاتن ” ثم الاسم الحالي “ولاتة”، ازدهرت فأصبحت مركزا للتجارة الصحراوية ، واتخذتها القوافل مركز انطلاق لتجارة الذهب القادم من مالي الى سواحل المتوسط ، بحكم موقعها بين الاقاليم السودانية وبين سجلماسة والواحات المغربية ، ووصف ابن بطوطة رخاء معيشة أهلها بقوله ( ويجلب اليهم تمر درعة ، وسجلماسة ، وتأتيهم القوافل من بلاد السودان فيحملون الملح ويباع الحمل منه بولاتن بثمانية مثاقيل الى عشرة ويباع في مدينة مالي بعشرين مثقالا وربما يصل الى اربعين مثقالا وبالملح يتصارفون كما يتصارف بالذهب والفضة يقطعونه قطعا ويتبايعون به ، ووصف أهلها بأنهم محافظون على الصلوات وعلم الفقه وحفظ القرآن ، ونوه بدورها الثقافي والتجاري وكرم أهلها .
ومنذ مطلع القرن السادس عشر الميلادي عرفت مدينة ولاته بداية نهضة فكرية كبيرة ، واصبحت احد اهم مراكز الاشعاع الثقافي العربي الاسلامي ، وهاجر اليها عدد كبير من علماء مدينة تمبكتو التي عرفت قلاقل وفي نفس الظروف هاجر اليها علماء ومفكرون من فاس وتلمسان ومراكش ، كما استقر بها بعض اهالي توات بجنوب الجزائر ، وبعض العائدين من الاندلس التي سقطت نهائيا بيد الاسبان عام 1492. هذا الكم الهائل والمتنوع من المهاجرين رفد المدينة بمصادرها الثقافية التي بقيت وسمح لها بأن تتحول خلال القرون الخمسة الماضية الى منارة ثقافية وعلمية وعاصمة من عواصم الفقه المالكي ، كما نجد هذه الروافد المختلفة ماثلة في العمارة الولاتية البديعة ، وفي عادات سكان المدينة شديدة التحضر وسط عالم صحراء بدوي ، لا يعرف هذه العادات الحضرية التي استقدمها الوافدون معهم من فاس وتلمسان وغرناطة وغيرها من الحواضر العربية العريقة في العمران والمدنية .
تشتهر ولاتة بجمال العمارة العربية الاسلامية فيها خاصة منها الاندلسية والمغربية ، والبيت الولاتي يضمن نوعا من التهوية الطبيعية وذلك بتقليله من الابواب ، فلكل منزل بابان لا أكثر أحدهما مخصص للرجال والضيوف ، والآخر للنساء والحريم عامة ، كما أن في كل بيت مجلسا يسمى محليا “درب” وهي إشارة الى موقعه كأقرب مكان من باب الشارع حتى لا تقع عين الزائر على الحريم ، وللحريم ايضا مجلس يكون بابه داخليا اي متفرعا من احدى الغرف فقط ويسمى “السقفة” ولا يخلو بيت من دور علوي يسمى “القرب” والسلم الصاعد إليه يكون متسعا لحد يسمح بفناء تحته توضع فيها قدور الماء لتبقى باردة .
و أول من سكنها من أهلها قبيلة “لمحاجيب” وكانت لهم الرئاسة فيها حتى دخول الاستعمار الفرنسي لها سنة 1912 م .
والمحاجيب ينتسبون لجدهم يحيى الكامل بن شعيب المحجوب ، الذي وصل ولاته في القرن السادس الهجري رفقة جماعة منها ابنه محمد ومؤذن وطالب علم وحداد ، وكان متخفيا في طريقه فسمي بالمحجوب، ويقال إنه شريف حسيني جاهد في سبيل الله لإعلاء كلمة الله ، وكان تقيا ورعا عالما جليلا مجاب الدعوة اجتمعت الجماعة تحت لوائه لحذاقته ووفور عقله وأن الله سبحانه وتعالى مده بالكمال والرزانة وحسن الخلق ولهذا سمي بالكامل وهو حسب ما يقال قدم من العراق مباشرة إلى مدينة ولاته .
وفي ولاته ولد العلامة الجليل أبّ ولد أنَّ سنة 1919 لوالده إنّ ولد محمد المصطفي المحجوبي، نبغ صبيا ونشأ على ما كان علمه أبوه من مكارم الأخلاف وقيم النبل والرجولة وتلقى عليه القران حفظا ودراية وأخذ العلم عن كوكبة من علماء ولاته، ودرس العلوم الشرعية واللغوية دراسة معمقة.
حفظ القرآن على والِده انَّ بن أحمد المصطفى ثم أعاده على محمد عبد الله بن داهي الوسري الولاتي، ثم تنقل بين محاظر المدينة فدرس العقيدة والفقه واللغة، ومن مشائخه: العلامة ابَّ بن محمدِ المحجوبي، وابَّ بن جوتي ووالده انَّ بن أحمد المصطفى، وقد اشتُهر بالشغف بالعلم والأدب وكثرة المطالعة ومجالسة العلماء والأدباء وطلبة العلم. اختاره المستعمر سنة 1941م ليكون معلما للغة العربية بمدرسة أبناء الشيوخ بتمبدغه، وفي هذه المدرسة تعلم مبادئ اللغة الفرنسية على يد معلم زنجي.
تم تعيينه سنة 1947م مديرا لمدرسة تامشكط ثم أعيد تعيينه معلما للعربية في مدينة النعمه، وهناك عمق معرفته باللغة الفرنسية وشارك في امتحان المترجمين سنة 1952م وتم اختيارُه مترجما للإدارة الفرنسية. ومما يروى متداولا بين ذويه أنه عندما أصبح مترجما في النعمة قدِم أحد التجار إلى منزله في غيابه وقدم هدية عبارة عن كمية من القمح، فأعطت ربة المنزل للعاملة بعض ذلك القمح واحتفظت بالباقي، فلما جاء ابَّ وأخبرته الخبر استدعى العاملة واشترى منها ما أخذت من القمح وذهب إلى صاحبه ورده إليه، فامتنع الأخير من أخذه وأقسم أنه ليس رشوة وإنما هدية فقط، فاعترض ابَّ قائلا أنه عمل لسنوات معلما في المدينة ولم يقدم له أحد قط هدية والعمل مع النصارى لا يجدي صلاحا يستوجب الهدية! ونظرا لصدقه وإخلاصه فلم يرق للمستعمر ولا للوجهاء التقليديين فتم تحويله إلى اندر حيثُ عمِل مفتشا عاما للتعليم العربي.
وفي سنة 1959م أصبح نائبا عن مدينة ولاته في البرلمان الوليد، ثم عُين في ثاني حكومة موريتانية سنة 1961 وزيرا للتهذيب ثم للعدل، ويعود إليه الفضل في تشييد قطاع العدل في هذا البلد بجعله القانون يتماشى مع المحددات الإسلامية الكبرى وعصرنته لنظرة الفتوى، وقد دعى لمؤتمر القضاء الذي ترأسه العالمان القاضيان محمذن بن محمدفال الديماني الملقب اميي والمحفوظ ول بيّ المسومي في أواخر 1962 ونوقشت فيه مجمل القوانين وملاءمتها للشريعة الإسلامية. ولما استقال رئيس البرلمان السيد سليمان بن الشيخ سيديَّ سنة 1963م عُين مكانه، ثم عين سنة 1966م رئيسا للمحكمة العليا ثم عاد إلى البرلمان سنة 1975م وبقي فيه إلى سنة 1978 حيث عين وزيرا للعدل في حكومة ابن محمد السالك. وبُعيد ذلك بسنوات قليلة أحيل إلى التقاعد، فتفرغ للدرس والمطالعة إلى وفاته.
والرجل أحد أصدقاء مؤسس موريتانيا الأستاذ المختار بن داداه المخلصين، كان كلاهما محل احترام الآخر وثقته.
وكان منكبا طوال مسيرته على العطاء تأليفا وتدريسا، ومن آثاره: -نظم إتحاف أهل الفكر بتفسير بعض مفردات الذكر، يقول في بدايته:
يقول بادئا بشُكر المولى … على أياد جمَّهن أولى
مُظاهر الراح مع الرجوب … نجلُ انَّ بـ”ابّ” يعرف المحجوبي
من اسمُه الحقُّ بحمد الله … محمدٌ من قبلِ عبد الله
الحمد لله الكريم الوالي … حمدا مُضاعفا على التوالي
صلى وسلم على السراج … خير الأنام صاحب المعراج
وآله الكرام سادة العرب … وكلِّ من بصُحبة نال الأرب
هذا وذا نظمٌ لطالما أهم … لمّا رأيتُ مثله من الأهم
مستهدفا إيضاح مفردات … في الآي قد أتت مفرّدات
وفهمُ غامض كتاب الله … مما له يهشُّ غيرُ اللاهي
أدليتُ في الغريب منه دلوي … أبينه لمن بذاك يلوي
من بعد ما جزمتُ كل الجزم … متكلا من بعد عقدِ العزم
-نظم في الناسخ والمنسوخ.
–نظمٌ في أسماء القرآن الكريم.
-نظم بعض مختار الصحاح
-نظم أسماء الله الحسنى
-نظم مصطلح الحديث للبركوي
-شرح على نظم الآجرومية
-نظم لقواعد الونشريسي الفقهية مجردة من الفروع تحت القواعد.
-الحل الراقي في توضيح معقود المراقي نثر فيه مراقي السعود.
-نظم بعض أقرب المسالك لمذهب الإمام مالك.
-نُقلة في خبر يحيى المحجوب جد المحاجيب.
ونظم بعض الفوائد الأخرى المتنوعة.
ومن شعره بمناسبة تأميم مفرما: ألا مرحى فقد دوى قرارُ … أمام دويه فر الصغار إليه السمعَ ألقينا نشاوى … فكاد يصمنا منه انفجار قرارٌ جاء بالتأميم ضربا … لميفرما ألا نعم القرار نشاوى ما بنا سُكرٌ ولكن … زهوٌ بالمقرر وافتخار قراركمُ له الأعناق منا اشــــــــرأبت حيث قد طال انتظار قرار كلُّه خيرٌ فما إن … يرى شرا به إلا الشرار قرار غير الأوضاعَ توا … وكنا من تناقضنا نحار نرى الأموال وافرة لدينا … على أن لم يبارحنا افتقار فيا لك من قرار كان نصرا … فميفرما به منا تدار به عادت معادننا إلينا … فلا تهريب بعدُ ولا احتكار كما عاد المطار وكل قصر … ومنقول المكاسب والعقار وما قد كان أُودع كل بنك … وميناء المعادن والقطار ليالٍ أظلمت دهرا ولكن … عليها كوِّر الآن النهار.

توفي رحمه الله سنة 1423هـ موافق 7/05/2002م.

رحمه الله وغفر له وأسكنه فسيح جناته..

آمين.. الدعاء

صدقة جارية