قصة حياة محمد سالم ولد بشراي رحمه الله/ اسماعيل ولد الشيخ سيديا

قبل أسابيع قليلة أراد أن ترتقي روحه في عيون الساقية الحمراء؛ مدينة طفولته وصباه؛ وصلها بطائرة “طبية” معلومة الركاب والوجهة ومرخص لها. قادما من مدينة لانزاروتي الإسبانية؛ فردته سلطات الامر الواقع التي تسيطر على المدينة منذ اتفاقية مدريد؛ بحجة أنه لم يبصم وانه سيبصم ويعود. وهو على كرسي متحرك وقد أنهكه العمى والمرض.
ورغم رفض واحتجاج ذويه على إبعاده فقد عاد من حيث اتى. واستقبلته ابنة اخيه في مطار لاس بالماس.
كان يعلم أن ايامه معدودة وكنت اعلم انه يقرأ لي وانه من حين لآخر يسال مقربيه : ول افلان اشعاكب لو يكتب ؟ يقصدني.
لم أتشرف بلقائه من قبل لكني اعلم من امره انه أحد الشيوخ الصحراويين الذين غادروا ديارهم غداة اتفاقية مدريد وحملوا هم الشعب الصحراوي وانتظموا في صفوف جبهة البوليساريو.
توفي والده في معركة الدشيره ضد الاسبان سنة 1958؛ وبعد أن فقد بصره زار مدينة العيون التي بها شارع يحمل اسم والده (الشهيد بشرايا ولد سيدي يحيى) عدة مرات دون مضايقات.
لقب بالدكتور لمزاولته الطبابة في عهد الاسبان.
قدم البرنامج الإذاعي الشهير في الإذاعة الصحراوية “الصحرا ماتنباع” وقد ولد قرب اغوينيت الصحراوية وتحديدا في منطقة لعريگ غير بعيد من مدينة افديرك الموريتانية وذلك في حدود سنة 1948.
ماتت امه كمدا وباغتها السرطان بسبب تشتت العائلة؛ أخوه طبيب نفساني طريد في اسبانيا. واخته المكبوله في المعتقل المغربي سيء الصيت (قلعة مگونه) لعشر سنوات؛ وهو ينشط في صفوف البوليساريو منذ 1970 مع مفجري الثورة الصحراوية.
قاوم اليتم والانتقال القسري من أسبنة الربوع إلى مغربتها بصحروة قنوعة يصحب فيها الفعل القول؛ صبر على اللجوء وموت الرفاق وشتات العائلة والعمل التطوعي والمرض عشرات السنين؛ أقاله العمى والسقم لكن قلبه بقي متماسكا كبيرا مناضلا قنوعا.
قطع منحته الدراسية في إسبانيا بطلب من القائد الصحراوي الفذ الولي مصطفى السيد ليلتحق بالإذاعة الصحراوية مترجما ومعدا ومقدما ومحررا ومراسلا؛ وتخصص في الإعلام المقاوم (برنامج مع الصامدين الذي تحول نهاية الثمانينيات إلى برنامج الصحرا ماتنباع)
من المفارقات في حياته انه كان يسكن في شارع يسمى باربوس سانشيز وهو إسباني مات مع رفاقه الإسبان في نفس المعركة التي توفي فيها والده إلى صفوف المقاومة الصحراوية (معركة الدشيره سنة58)
قصة حياة محمد سالم ولد بشرايا ولد سيدي يحي (1948- الجمعة 16 دجمبر 2022) تتداخل في مفرداتها مع حيوات جيله من رجال الصحراء الغربية؛ وفاء وحب وتصميم وعزم.
تفاصيلها آسرة وأنفاسها طاهرة طويلة.
تقاسيمها الهجرة بالكرامة بحثا عن الكرامة؛ والقبض على الجمر في حب الارض والعرض مهما قست المواجع وطال ليل التجني.
ألبس الله محمد سالم بشرايه (الدكتور) كما كان يسميه الصحراويون ثوب الرضوان.