أخبار عاجلة
الرئيسية / آخر الأخبار / ليس الغرب فقط.. في الدول العربية أيضاً ممنوع نصرة فلسطين!

ليس الغرب فقط.. في الدول العربية أيضاً ممنوع نصرة فلسطين!

تورد المواقع العربية الكثير من الأخبار عن منع المظاهرات في الدول الغربية، أو تقييد التعاطف مع فلسطين دليلا على النفاق الغربي، والوقوف في صف القاتل على حساب الضحية. لكنه من قبيل الحق الذي يراد به باطل، وترحيل العجز وانعدام الإرادة العربية الرسمية تجاه الغرب؛ فليست الدول الغربية وحدها التي تقيّد التعاطف مع القضية الفلسطينية وتقف في صف القاتل أو تستهتر بالضحية؟ أو تمنع شعوبها أو مَن يريد منهم نصرةَ الشعب الفلسطيني من تقديم العون والمساعدة.

حصار غزة لا يقتصر على إسرائيل، فمعبر رفح شاهد على سنوات من الحصار على الغزاويين والتضييق عليهم في حياتهم اليومية المدنية.

نُصادف في الإعلام العربي عناوين مثل: “طوفان الأقصى تكشف نظرة الغرب العوراء لما يحدث في فلسطين”. أو “ما يجري في غزة نتيجة تخاذل المجتمع الدولي” ولكن هل يُسمح لنا أن نناقش في إعلامنا العربي ما هي نظرة العرب؟ أو نسأل عن مسؤولية العرب بوصفهم جزءا من المجتمع الدولي؟  وهنا نقصد المستوى الرسمي وأصحاب القرار طبعاً.

يُسمح للمواطن العربي أن يتظاهر في الدول العربية، ولكن بشرط أن يوجّه غضبه نحو الخارج! أياً كان هذا الخارج؛ إنْ إسرائيل أو الغرب أو الامبريالية. كما يستطيع أن يُسائل الغربَ عن أسباب وقوفه في صف إسرائيل ومطالبته بحماية المدنيين في غزة، لكنه ليس من المسموح له أن يُبدي أكثر من التعاطف مع الفلسطينيين.

وممنوع عليه أن يُسائل حكومته عن سبب تقصيرها في دعمها للفلسطينيين ووجوب حمايتهم من آلة القتل الإسرائيلية. ولا يسمح له أن يطالب حكومته بموقف واضح ورادع، كما يُمنع أن يُسائلها عن سبب مواقفها الضعيفة والمواربة بل والمخجلة تجاه إخوتنا في فلسطين، أو الخوض في تفاصيل سياسات حكوماته فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية. فعندما كتب موقع مدى مصر على سبيل المثال عن المحادثات الجارية بين الجانب المصري والجانبين الأمريكي والإسرائيلي والمتعلقة بتهجير عدد لا بأس به من سكان غزة وتوطنيهم في سيناء، تم استدعاء المحررين ومضايقتهم وتهديدهم أمنياً بعدم الخوض في مثل تلك المواضيع بتاتاً.

حصار غزة لا يقتصر على إسرائيل، فمعبر رفح شاهد على سنوات من الحصار على الغزاويين والتضييق عليهم في حياتهم اليومية المدنية. لا يقتصر الحصار على المعبر المدني، بل أيضاً تتوجه الكثير من الموارد العسكرية للبحث عن الأنفاق التي تستخدمها المقاومة الفلسطينية وتدميرها. كلنا نتذكر محاولات هدم أنفاق المقاومة وإغراقها بالمياه، وتمّ استقدام أجهزة تقنية أمريكية لاكتشاف الأنفاق وتدميرها. الحديث عن معبر رفح وما يدور فيه يعدّ من المحرمات التي يُمنع على المواطن المصري أن يخوض فيه أو يتحدث عنه ولو على سبيل الاستيضاح. إن ما يتم تهريبه لصالح المقاومة عبر أنفاق رفح، هو نتيجة فساد وحدات الجيش والمخابرات الموجودة هناك، وليس نتيجة التعاطف مع القضية الفلسطينية. وعلى طريقة النظام السوري، فإن المخابرات يمكن أن تغض الطرف عن العناصر التي تشارك أو تسهل عمليات التهريب من باب الفساد واقتسام الغنائم، ولكن لن تتساهل مع أي عنصر أمني يشارك في التهريب من باب التعاطف مع القضية الفلسطينية.

أول ما يتبادر إلى ذهن المتابع للقطات الأولى لعملية طوفان الأقصى، أن هذا ما فعلته فصائل مقاومة بقدرات بسيطة وبدائية مقارنة بالجيش الإسرائيلي، حيث علّق أحد المحللين العسكريين الأمريكيين أن حماس (استطاعت أن تصنع أشياء من العدم)

على الجانب الآخر شرقاً توجه المتظاهرون الأردنيون نحو الحدود مع إسرائيل. المنطق يقول إنها فرصة كبيرة للضغط على إسرائيل كي توقف مجازرها. التهديد بورقة الانفجار الشعبي هي ورقة ليست فقط مهمة وفاعلة، بل هي جوهر الخوف الإسرائيلي والأمريكي. وبدل أن يُسمح للمتظاهرين الاقتراب من الحدود، تم حصرهم في منطقة أمنية بعيدة عن النقاط الحدودية. وسائل الإعلام اختارت التعبير عن تلك الحالة بعبارات من قبيل: العلاقات المصرية الإسرائيلية وصلت إلى نقطة حرجة؛ أي أن النظام المصري أو الأردني يكابدان في ضبط الشارع، وربما لا يستطيعان أداء المهمة أكثر من ذلك، حيث إن الإجرام والعبث الإسرائيلي يُعرّيهم أكثر مما يحتملون. طبعاً تتدحرج الأسئلة هنا أيضاً نحو السلطة الفلسطينية التي انشغلت في ملاحقة المنتفضين في الضفة، بينما تغيب عند اقتحام قوات الاحتلال أو حتى المستوطنين لمناطق الضفة وقتل واعتقال الفلسطينيين، ثم نعرّج على باقي الدول العربية ذات الثقل الإقليمي الكبير.

على الصعيد العسكري فإن أول ما يتبادر إلى ذهن المتابع للقطات الأولى لعملية طوفان الأقصى، أن هذا ما فعلته فصائل مقاومة بقدرات بسيطة وبدائية مقارنة بالجيش الإسرائيلي، حيث علّق أحد المحللين العسكريين الأمريكيين أن حماس “استطاعت أن تصنع أشياء من العدم”، فماذا ستستطيع الجيوش العربية فعله لو أنها أرادت مواجهة إسرائيل حقاً؟ طبعاً هنا لن نتجاوز الواقعية السياسية، فالحديث يدور عن إرادة حقيقية للدعم، فالأنظمة العربية التي بلغ إنفاقها العسكري السنوي أكثر من 100 مليار دولار، لن تعدم الوسيلة عن تقديم دعم حقيقي للفصائل الفلسطينية لو أنها أرادت. إيران مثال واضح وواقعي بلا أدنى شك.  هل يستطيع المواطن العربي أن يسأل من خلال وسائل إعلامه التي تهاجم الغرب عن سبب تقاعس حكوماته عن توفير مقومات المقاومة والصمود للفلسطينيين؟

على الصعيد السياسي فإن زعماءنا الذين طالما تحدّثوا عن القوة والكرامة وجيوشهم العظيمة، أصبحوا أقرب إلى ناشطين منهم إلى رؤساء دول. واقتصرت تصريحاتهم على الدعوة لضبط النفس والسلام والحزن على المدنيين الأبرياء، بينما كانت دعوات إسرائيل الرسمية على لسان مسؤوليها هي الدعوة لإبادة الفلسطينيين في قطاع غزة.

لقد شاهدنا كيف قابل النواب الإسرائيليون في الكنيست دعوة النائب العربي إلى السلام بالدعوة إلى الحرب والقتل. لقد وصف وزير الدفاع الإسرائيلي الفلسطينيين (وهو يصفنا نحن العرب طبعاً) بأنهم حيوانات، ويجب إبادتهم.

المنطق يقول: إن المسؤولين العرب سيدينون تصريحاته، وإن لم يحركوا جيوشهم لوقف الغطرسة الإسرائيلية، فسيحركون الدعاوى القانونية بحقهم. بدلاً من ذلك نقلت عدد من الصحف الغربية والإسرائيلية شكوى المسؤولين العرب لوزير الخارجية الأمريكية بلينكن في جولته الأخيرة من أن تلك التصريحات غير المسؤولة تحرجهم أمام شعوبهم! فهل يستطيع المواطن العربي أن يسأل: وما الفرق في هذه الحالة بين الدلال الأمريكي والدلال العربي لإسرائيل؟

كانت المقابلة مع خالد مشعل على قناة العربية أقرب إلى الاستجواب والتوبيخ، منه إلى الاستماع إلى صوت المقاومة والفلسطينيين وحججهم ومبرراتهم لتلك العملية العسكرية، سواء اقتنعنا بها أم لم نقتنع.

أما على الصعيد الإعلامي فإن تشويه بعض القنوات والصحف العربية للمقاومة وتحيّزها لإسرائيل لا يقل عن نظيرتها الغربية. فالعديد منها وصف أسرى الحرب الإسرائيليين بالرهائن! كما نقلت أحداث الصراع وكأنها معركة بين طرفين متكافئين. وتجاهلت السردية الفلسطينية على حساب الحياد الإعلامي المزعوم.

لقد كانت المقابلة مع خالد مشعل على قناة العربية أقرب إلى الاستجواب والتوبيخ، منه إلى الاستماع إلى صوت المقاومة والفلسطينيين وحججهم ومبرراتهم لتلك العملية العسكرية، سواء اقتنعنا بها أم لم نقتنع. كما اشتد الغمز واللمز على المقاومة لارتباطها بإيران، وتجاهلوا السؤالَ عن سبب رفض الأنظمة العربية دعم المقاومة الفلسطينية كي لا تقع في حضن إيران على غرار الدعاية التي تبناها نفس الإعلام عن أسباب دعم نظام بشار الأسد! ألم يكن السبب هو سحبه من الحضن الإيراني؟!

تقول النكتة العربية أن الرئيس الفرنسي عاير الرئيس السوري بأن بلده فرنسا ديمقراطي، حيث يستطيع أي مواطن أن يتظاهر ضد الرئيس الفرنسي بل ويشتمه. فردّ عليه الأسد قائلاً: ونحن أيضاً بلد ديمقراطي، حيث يستطيع أي مواطن سوري أن يتظاهر ويشتم الرئيس الفرنسي! على هذا المنوال انتشرت الكثير من التحليلات ومقالات الرأي في “الصحف العربية الرسمية وأخواتها التابعة” عن صانع القرار الأمريكي والأوروبي من قبيل “ما لم يقله بايدن أبلغ مما قاله”، وكان الأحرى بهم ـ لو يستطيعون ـ أن يكتبوا عن زعمائنا، فما قالوه أبلغ وأوضح مما لم يقولوه!

صدقة جارية