أخبار عاجلة
الرئيسية / آخر الأخبار / السلام المستحيل.. أفغانستان نموذجا

السلام المستحيل.. أفغانستان نموذجا

وصل مع بداية العدوان الإسرائيلي على غزة وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إلى عمان عاصمة الأردن للقاء بعض وزراء خارجية الدول العربية؛ مثل مصر والأردن والمملكة العربية السعودية. وفي مستهل حديثه عن الأحداث التي تحصل في غزة، يرفض بلينكن وقف إطلاق النار متذرعا ومحاججا أن مثل هذه الخطوة سوف تعطي حماس الفرصة كي تعيد ترتيب نفسها مجددا من أجل تنفيذ عمليات أخرى مشابهة للحدث الكبير الذي حصل في 7 أكتوبر، تشرين الأول 2023.

وقال الصفدي وزير الخارجية الأردني: إن هذه الحرب لن تجلب لإسرائيل أمنا ولن تحقق الاستقرار في المنطقة، وقد شدد على أهمية وضرورة إيقاف هذه المجازر المروعة. لقد كان نقاشا صريحا وواضحا وجلي التباين في الموقف بين العرب والأميركي.

 لقد سار الراحل ياسر عرفات ومنظمة التحرير أو السلطة الفلسطينية الحالية في عملية السلام مع إسرائيل من خلال اتفاقية أوسلو تحت الرعاية الأميركية. فماذا كانت نتيجة ذلك السلام الهش الذي ينقض ويخرق في كل لحظة؟

لا شك في أن المشاهد الدامية التي نشاهدها عبر شاشات التلفاز صادمة، ولا يكمن تصديقها؛ حيث غدت مشاهد أشلاء الأطفال الممزقة مع ألعابهم الملطخة بدمائهم جزءا من حياتنا اليومية، وصور الرجال الذين يبكون على أشلاء عوائلهم صاعقة بتفاصيل لحظاتنا الآنية. ولسوف تبقى تلك المشاهد المؤلمة حاضرة في الذاكرة الإنسانية والتاريخية، ومأساوية في وجدان كل حر.

لم تكن تلك المجازر بحق المدنيين ردا على ما فعلته حماس كما يصفه الإعلام الغربي، إنما هي سياسة متبعة منذ زمن غير قريب، والتصريحات الإسرائيلية خير دليل على هذه الحقيقة، لقد جاءت عملية طوفان الأقصى لتبرير الوحشية والإبادة والتهجير القسري الذي تمارسه إسرائيل بموافقة أميركية وأوروبية وقد تكون عربية.

لقد حولت الوحشية الإسرائيلية غزة إلى مكان لا يصلح للحياة التي أصبحت شبه معدومة، وفقدت كل أشكالها ومظاهرها. كل شيء مستهدف، الجماد والمتحرك يتم قصفهما: المستشفيات لم تسلم وكذلك سيارات الإسعاف وخزانات المياه وألواح الطاقة الشمسية..

وسط هذه الصورة كان لا بد لنا من التطرق للوضع الإنساني كي نستدرك طبيعة السلام المنشود والمطلوب. فالجميع يطالبون بتطبيق مبادرة القمة العربية للسلام التي انطلقت من بيروت سنة 2002 وطالبت بحل الدولتين والعودة إلى حدود 1967 شرطا أساسيا لتطبيع العلاقات مع إسرائيل؛ ولكن السؤال الأكثر أهمية، رغم أن طرح حل الدولتين هو تعبير واضح وصريح بتسليم جزء من الأراضي الفلسطينية للإسرائيليين والتنازل عنها. هل سوف توافق إسرائيل بعد أن حصلت على تلك الحدود الجديدة والأراضي الشاسعة من خلال حرب، دمرت فيها قدرات الجيوش العربية، وألحقت بهم هزيمة نكراء؟  تلك القرارات تعد منقوصة وغير منطقية لأنها من ناحية تطالب بتسليم أراض هم أنفسهم لا يملكونها وهي ملك الشعب الفلسطيني وحده، ومن ناحية ثانية تأتي مترافقة مع التفسير اللاهوتي الإسرائيلي الذي يقوم على بناء دولة من الفرات إلى النيل، مما يعني اقتطاع أجزاء كبيرة من الدول العربية لبناء دولتهم المزعومة.

والسؤال الثاني الذي يجب أن يطرح أيضا على من يطالب بالسلام، ما هي فائدة السلام مع ذلك الكيان ذي العقلية الاستعلائية مع الجميع، ومع اليهود أنفسهم؟ فعلى سبيل المثال، إن يهود أثيوبيا ذوو بشرة بنية وليسوا متساوين مع اليهود ذوي بشرة بيضاء.  فالشواهد التاريخية حاضرة بين أيدينا، وما زلنا نعيش نتائجها. لقد سار الراحل ياسر عرفات ومنظمة التحرير أو السلطة الفلسطينية الحالية في عملية السلام مع إسرائيل من خلال اتفاقية أوسلو تحت الرعاية الأميركية. فماذا كانت نتيجة ذلك السلام الهش الذي ينقض ويخرق في كل لحظة؟ كل يوم اشتباكات بين أهالي الضفة وقوات الاحتلال الإسرائيلية، وفي القدس الشرقية وحي الشيخ الجراح ومناطق كثيرة يسقط فيها العشرات من الشهداء والجرحى. هل تحقق السلام الذي يرفع لواءه بعضهم ممن يدرك أنه مستحيل؟

منذ اللحظات الأولى لعملية الطوفان، خرجت معظم القيادات الإسرائيلية السياسية والعسكرية بخطاب يعتبر أن سحق حماس ضرورة وجودية لهم،  ولكن، وللأسف الأميركي قبل الإسرائيلي لم يقرأ التاريخ، ولم يستفد من تجاربه الخاصة، فلنبدأ من أفغانستان: لقد غزا الأميركي أفغانستان، سنة 2001 ،وخرج منها، سنة 2021، عشرون عاما من القتال والدمار؛ وفي نهاية الأمر خرج الأميركي وبقيت طالبان، لأن طالبان هي انعكاس للمجتمع الأفغاني وانعكاس  للتقاليد الأفغانية ومظاهر التدين والعقل الأفغاني الذي حارب الشيوعية، وانتصر عليها ، ثم جاء المحتل الأميركي وحداثته بشقها الثقافي ونمطه الليبرالي، فخرجت خائبة تاركة وراءها دمارا هائلا، فمحاولة التعنت الأميركي وفرض نموذجه على العالم الآخر هو أسلوب لم يحقق أي نجاح،  في فيتنام ولا في العراق ولا في أفغانستان، ولم تستطع الولايات المتحدة الأميركية بناء ستار بكس Starbucks  واحد في البلاد، ولم تستطع فرض طريقة لباسها، لأن أفغانستان هي طالبان والعكس صحيح.

يقاوم جسد الإنسان أي جسم غريب يدخل إليه، فيقوم بإنتاج أجسام مضادة من أجل مقاومته وطرده، وهذا تماما ما يحصل في فلسطين، لو افترضنا أن إسرائيل استطاعت أن تنهي حماس، فهل تنتهي المقاومة ويحل السلام؟

أما بالنسبة إلى الواقع الفلسطيني وتحديدا لغزة، فالتاريخ يعيد نفسه والنسخة الفلسطينية هي شبيهة بالنسخة الأفغانية رغم الاختلاف الكبير في الطبيعة الجغرافية والسياسية والمجتمعية بينهما وغيرها من عناصر مختلفة، رغم كل التهديدات الغربية والإسرائيلية، وكل الاتهامات تجاه حركة حماس على أنها حركة إرهابية، إلا أن كل الأساليب الأميركية القديمة التي تهدف إلى شيطنة الخصم والعدو قد فشلت فشلا ذريعا لأنها لم تتعلم من تجربتها الأفغانية، فطالبان قبل أن تكون حركة إرهابية كان أفرادها مجاهدين واستقبلهم الرئيس الأسبق رونالد ريغان في البيت الأبيض، ثم بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، تحولت طالبان إلى تنظيم إرهابي بحسب الرواية الأميركية، أما اليوم، فهي ممثل الشعب الأفغاني. وهكذا يعيد التاريخ نفسه وسوف تكون النتائج نفسها ولو طال الوقت.

على العالم أن يدرك حقيقة مفادها أن حماس هي غزة وغزة هي حماس، وهذه الحقيقة يجب أن يفهمها العالم العربي قبل العالم الغربي، فإن المقاومة بغض النظر عن اسمها أو انتمائها هي فكرة والفكرة لا تموت، لابل أصبحت هوية التي لا تنتزع ولا تموت، فعن أي سلام يتكلمون؟ الواقع صعب وأليم وفكرة تحرير كل الأراضي الفلسطينية قد تكون اليوم بعيدة المنال وصعبة التحقيق، ولكن أنظروا إلى الجزائر، 132 عاما من الاحتلال الفرنسي للبلاد، ولكن في نهاية الأمر خرجت فرنسا وبقيت الجزائر وبقي الجزائريون، سوف يسقط الاحتلال في فلسطين وسوف تعود الأرض إلى أصحابها لأنها سنة كونية وحقيقة تاريخية.

لم يدرك العقل الغربي والأميركي تحديدا أن لكل محتل مقاوم، وكل كيان غريب سوف يواجه مقاومة من أصحاب الأرض، يقاوم جسد الإنسان أي جسم غريب يدخل إليه، فيقوم بإنتاج أجسام مضادة من أجل مقاومته وطرده، وهذا تماما ما يحصل في فلسطين، لو افترضنا أن إسرائيل استطاعت أن تنهي حماس، فهل انتهت المقاومة وحل السلام؟ فهل المقاومة هي تنظيم وميلشيا مسلحة أم هي حالة طبيعية تطورت إلى أن أصبحت تنظيم من أجل تنظيم القتال والأفراد؟ هذا تماما الذي لم يدركه العقل الغربي والعربي على حد سواء.

لا يمكن تحقيق السلام على أشلاء دماء الأطفال والنساء، كيف لعاقل أن يطلب السلام ممن خسر كل شيء ولم يعد يملك أي مقومات للعيش الكريم والكرامة الإنسانية؟ كيف تطلبون السلام وأنتم تسلبون بيته وأغلى ما يملك؟ فهذا هو السلام المستحيل، ومسألة حل الدولتين هي مسألة مستحيلة غير قابلة للتحقيق، وعلى العرب أن يدركوا أن بناء السلام على الأشلاء لن يتحقق، فهو سلام هش لن يدوم، وأن مسألة تدمير حماس غير منطقية، فإن دمرت فسوف تخرج ألف حماس، لأن المقاومة ليست خيارا إنما واقع أليم ومفروض على ذلك الشعب الذي يتعرض إلى أبشع الجرائم الإنسانية

عامر زياد جلول

عامر زياد جلول

كاتب وناشط سياسي لبناني

صدقة جارية