هو العلامة محنض باب بن اعبيد بن أحمد بن المختار بوي بن يعقوب بن باركل1
(ت:1277هـ/ 1860م ) : فقيه متميز ولغوي وأصولي من قبيلة أولاد ديمان (أولاد باركل). أخذ العلم عن عدة علماء منهم : أحمد بن المختار بن الطالب أجود الحاجي، والأمين بن الماح بن الماح بن الحسن أندوبك، ومحمد بن التاه التمكلاوي ، ومُحمَّد والد بن المصطفى بن خالنا، وعبد الله بن أتفغ المختار بن حيبلَّ بن الفالّي التمكلاوي. كما أخذ الطريقة التيجانية عن سيدي مولود فال بن محمذن فال اليعقوبي.
انتهت إليه الرئاسة في القضاء والفتوى واعتبره أغلب معاصريه محمذن فال بن متالي وغيره مجتهد ترجيح ، وإن قال ميلود بن المختارخي إنه جمع شروط مجتهد المذهب.
كان العلامة محنض باب يرى لنفسه وهو في البلاد السائبة ما للإمام الأعظم من تنفيذ الأحكام وأخذ الحق من الظُّلاَّم إن استطاع إلى ذلك سبيلا.
كما كان من دعاة نصب الإمام وإقامة رسم الخلافة في البلاد السائبة.
استقضاه أمير الترارزه مُحمَّد الحبيب بن أعمر(1245هـ / 1826م- 1277هـ/ 1860م ).
أسس العلامة محنض باب محظرة كبيرة انتشر إشعاعها في كل المناطق ، وظل يدرس بها قرابة سبعين سنة. وقد أخذ عنه فيها عدد وفير من الفقهاء بلغ المائة؛ من مثل أبنائه: محمذن ، وأحمد ، وحامد ، ومحمودن ، وعبد الله ، كما أخذ عنه أوفى بن ببكرالألفغي و مُحَمَّذِن بن الفاضل بن بدر الدين الحسني ، ومحمد (آدُّ) بن مُحَمَّذِن بن الأمين الجكني الرمظاني ، واباه الشريف بن الشريف محمد الصعيدي ، وأحمد بن آبله الحسني ، وأحمد محمود بن أتفغ خيري التندغي، و أمينو بن أحمد بن محمذن فال ، وابن حنبل بن البشير اليدمسي ، والحاج البشير بن عبد الحي البربوشي ، والحسن بن أحمد بن أحمدنا الله المجلسي ، والخرشي بن عبد الله ، والسعد بن الصبار، وسيدي أحمد بن البار حمادي ، وسيدي أحمد بن محم الأبييري ، وسيدي بن عبد الله بن محمذن فال الحاجي ، والشيخ المختار بن أحمد بن ازوين التنواجيوي ، وعبد الله بن البدوي المجلسي ، وعبد الله بن مختارنا الحاجي ، وغلام بن همرن التندغي ، وكاشف بن بيبيا التندغي ، ومحمد اغربط بن أحمد ميلود الحاجي ، ومحمد بن احمد بن احبيب اليدمسي ، ومحمد يوسف بن عبد الحي البربوشي ، محمذن بن الهاشمي بن الأمين بن أحمد بن ابهنض اليدمسي(الذي أخذ عنه الطريقة التيجانية) ، والمختار بن أبيَّ الجكني ، و المختار بن ألما اليدالي ، و المختار بن داداه بن المختار بن الهَيْبَ الأبييري ، والمختار بن محمدا (أبت) المجلسي ، والمصطفى بن أحمد محمود ، والمصطفى بن المازري التندغي ، ومحمد مولود بن اغشممت المجلسي ، ومولود بن داداه الأبييري ، ومحمذن بن الجمد اليدالي ، وإمام بن سعيد اليدالي(ت:1288هـ/ 1871م) الذي كان يؤم الصلاة في مسجده.
حاول العلامة محنض باب تطبيق الحدود ، وله مؤلفات في شتى الفنون منها:”ميسر الجليل على مختصر خليل” وهو كبير في (أربعة مجلدات) وصغير في (مجلدين)، و”سلم الأصول إلى نيل الأصول” ، وطرة على ألفية ابن مالك ، ونظم في البيان ، و ” تسديد النظر” ( وهو شرح على مختصر السنوسي) ، و نظم محفوظات الجموع ، وطرة على الطيبية(المنطق) ، و”منية المتمني في نظم قواعد المغني”(النحو) ، والكثير من الفتاوى الفقهية التي جمعت في ثلاث مجموعات تعرف بالفتاوى الكبرى(وهي ستون مسألة في الرد على أسئلة العتيق الجكني)، والفتاوى الوسطى ، والفتاوى الصغرى ، ونظم في قواعد الفقه، وورقة في أحوال (أل) التعريفية ، ونظم صغرى السنوسي ، ونظم نسب الموجهات ، وورقة في المقولات العشر ، ونظم في البلاغة(200بيتا)، ونظم قوادح العدالة(48 بيتا)، وتأليف أبنية الأفعال ومعانيها ، ونظم جمع التكسير (100 بيتا)، ونظم في وفيات الأعيان.
دفن العلامة محنض باب ،رحمه الله، في مقبرة آمنيكير.
وفيما يلي نقدم لكم إحدى أشهر فتاويه في موضوع ( العدالة )2 :
سئل محنض بابه بن اعبيد الديماني، رحمه الله تعالى: هل قول الناظم وهو عبد الله بن الحاج حماه الله: واعتبرت عدالة الإنسان بحسب الزمان والمكان
مسلمٌ أم لا؟ فأجاب: الأصل أنه لا يقبل في الشهادة إلا العدل، وهو كما قال ابن عاصم:
العدل من يجتنب الكبائرا ويتقي في الغالب الصغارا، الخ…
وذكر ابن شاس في تفسير المروءة تجنب السخف والمجون والارتفاع عن خلق رديء يرى أن من تخلق به لا يحافظ معه على دينه، وإن لم يكن في نفسه جرحة.
وذكر أن العدل من كانت الطاعة أكثر حاله، وهو مجتنب للكبائر محافظ على ترك الصغار.
وليست العدالة أن لا تشوب طاعته معصية لتعذر ذلك إلا على الأولياء.
ولا يخفى أن أمور المروءة تختلف بحسب الزمان والمكان، قال ابن أبي زيد: “لا شك أن قضاة زماننا وشهودهم لو كانوا في العصر الأول ما ولوا ولا عرج عليهم”. نقله القرافي.
وذكر ميارة عن القوري أنه اختلف الشيوخ في شهادة غير العدول فقبلها بعضهم وقال يستكثر منهم وينظر الأمثل. وقال لكل قوم عدول ولكل زمان عدول. وبعضهم اتبع الأصل وقال لا يقبل إلا العدول.
وذكر ابن فرحون عن صاحب (الاستغناء) أنه إذا كان البلد لا عدول فيه فإنه يكتفى بالأمثل فالأمثل، وليستكثر منهم بحسب خطر الحقوق، وقال: “وظاهر ما قال محمد أنه لا يزاد منهم على النصاب”.
ولعل ما نسبه لأبي محمد هو ما نقله عن القرافي أنه إذا لم يوجد في جهة إلا غير العدول أقيم أصلحهم وأقلهم فجورا للشهادة عليهم.
ويلزم مثل ذلك في القضاة وغيرهم لئلا تضيع المصالح. قال: وما أظن أنه يخالف أحد في هذا فإن التكليف مشروط بالإمكان. وعلى التقييد بالكثرة جرى (غير) واحد. قال الزقاق في لاميته :”وكرن بغير عدول واجتهد وتأملا”.
وذكر ابن فرحون عن بعضهم أن أهل البادية إذا شهدوا في حق وليس فيهم عدول أن يستكثر منهم ويقضى بشهادتهم. وذكر أنه سئل بعض المفتين عن قرية بعيدة من المدن فيهم مشهور بالعدالة وفيهم مؤذنون وأئمة وقوم موسومون بالخير إلا أن القضاة لا يعرفونهم بعدالة ولا يجدون من يعرفهم ، يجتمعون على الشهادة، فكتب في الجواب:” لكل قوم عدولهم، ولا بد من معرفة القاضي لهم، يعني بذلك التوسم فيهم”، ونحو ذلك لابن إبراهيم صاحب (النصائح)، أن شهادة الأمثل فالأمثل جائزة ويستكثر منهم ما استطاع.
وذكر أنه سئل اللخمي إذا رأى الهلال جماعة لا ترجى لهم تزكية في الوقت: كم قدر العدد الذي يحكم بشهادتهم؟ فأجاب: ليس لعدد من يصام بشهادته إذا كان غير عدل أمر محصور لا يتعدى. إلا أنه متى وقع العلم بصدقهم صام الناس ما لم يكونوا دون خمسة.
وذكر نحوه عبد الحميد الصائغ. وذكر عن اللخمي أن الذي عليه أهل العلم من القاضي أبي بكر بن الطيب وغيره أنه إن وقع العلم من المخبرين لا تراعى عدالتهم.
وذكر أن السيوري سئل عن أهل قرية لا عدول فيهم وشهدوا في أمر لا يعرفه غيرهم؟ فأجاب: ” إذا لم تكن تهمة تلحقهم فيما شهدوا فيه وكانوا جماعة فيحضرون جماعتهم لمن يحضر كلامهم من أهل العلم والعدل، فإن حصل لهم العلم بصدقهم والقطع به فكأنهم يرون ذلك ويشاهدونه، فإن حصل ذلك في قلوب رجلين أو أكثر حكم بذلك إذا كان الذي سمع منه خمسة فأكثر، وإن لم يتفق ذلك أي لم يحصل فعسى أن يكثروا ممن يشهد بذلك وأقل ذلك ثلاثون عندي إذا لم تكن عندهم تهمة فيما شهدوا به”.
وذكر أن المازري مخالف لهذا، وأنه سئل عن عشرة رجال من العوام أو خمسة عشر شهدوا عند عدلين في الأموال والحدود فيقول العدول تحقق عندنا من قول هؤلاء صحة الشهادات؟ فقال:”إن الحكم بذلك ينقض وأن السيوري كان يشير إلى أن النظر يقتضي قبول مثل هذا في بعض المواضع. ولكن إذا كان الشاهدون السامعون يعرفون طرق العلم الضروري،
قال:” والذي عندنا أن هذه الشهادة لا تقبل من عارف بطرق العلوم الضرورية ولا من غير عارف بها”.
وذكر شارح عمليات فاس:” ابن رشد ، سئل عن شهادة الكافة غير الموسومين بالعدالة؟ فقال: إنه ما لم يبلغ عدد الشهود حد التواتر الذي يوجب العلم فلهم حكم الشهادة على وجهها”. وقال:” إن الذي لا تتوسم فيه جرحة ولا عدالة لا تجوز شهادته في موضع من المواضع، ولا أدري من أجاز شهادة الكافة منهم في المذهب على سبيل الشهادة، وإنما تجوز إذا وقع لهم الخبر من جهة التواتر، والله أعلم”.
وفي شرح العمليات أيضا: ” أن شهادة اللفيف لم يذكرها المتقدمون وإنما اصطلح عليها المتأخرون حفظا للأموال لعدم تيسر العدول في كل وقت وفي كل موضع. وإنما يعتبر فيه ما يحصل غلبة الظن بالصدق في الشهادة بأي عدد. وذلك موكل إلى اجتهاد القاضي بحسب ما يظهر له من القرائن الدالة على الصدق. والذي جرى به عمل أهل فاس أنه لا بد في شهود اللفيف من ستر الحال والسلامة من الكذب وإظهار الستر وعدم التهمة فيما شهدوا به من قرابة وصداقة حاصلة مع المشهود له، أو عداوة للمشهود عليه”.
وستر الحال جهل الظاهر والباطن من حاله، وقيل عدم اشتهاره بالقوادح، قال ناظم العمل:
لا بد في الشهود في اللفيــف من ستر حالهم على المعروف
وقدره في الغالب اثنا عشـرا وزده كالــرشد وضــد أكثـــرا
وربـما تساهلــوا فيــما يقـــل للعشر والثمان فيمــا يشتمـــــل
وحلف ابن السودة الشهــودا من اللفيــــف لفجـــــور زيــــدا.
أي لقولهم : ” تحدث للناس أقضية بحسب ما أحدثوا من الفجور”.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- نقلا عن:”المجموعة الكبرى”، د. يحيى ولد البراء، مج2،ص:283- 288،ط1 /1430هـ ـ 2009م ، مكتبة المنار- انواكشوط.
2- المرجع نفسه، مج11، الفتوى رقم :5863 ، ص:5849-5851
كلمات مفتاحية: محنض شناقطة علماء مالكيون موريتانيون تاريخ المغرب العربي الشعر ادباء فقه شريعة