الحمد لله رب العالمين ناصر النبيين وأتباعهم من المؤمنين، والصلاة والسلام على أكرم الأنبياء وأشرف المرسلين وعلى آله وأزواجه وصحابته والتابعين والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين
وبعد فإن الله عز وجل أوجب نصرة نبيه على المؤمنين، فقال جل من قائل :
﴿وإذ أخذ الله ميثاق النبيئين لما آتيناكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه﴾، ففي الآية وفي غيرها من آي القرآن الكريم أخذ الله الميثاق من النبيين بنصرة محمد صلى الله عليه وسلم وتبعا لهم المؤمنين، قال النبي صلى الله عليه وسلم : [إن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين] ”مسلم”، ثم إن نصرة النبي صلى الله عليه وسلم كغيرها من أعمال الإيمان تحتاج إلى صبر ويقين وإلى ثبات على الطريق حتى يأتي المرء اليقين، إذ سنن الله عز وجل أن يزلزل أهل الإيمان ليميزهم عن غيرهم من أهل النفاق والكفر والطغيان، قال جل من قائل : ﴿أم حسبتم أن تتركوا ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين﴾، فسيمة أهل الإيمان اليقين والصبر حتى يأتي نصر الله وهو قريب، ولما كانت حكمة المولى عز وجل أن نزل القرآن مرتلا ليثبت به فؤاد نبيه الأمين، قال تعالى : ﴿وقال الذين كفروا لولا نُزَّل عليه القرآن جملة واحدة كذلك لنبت به فؤادك ورتلناه ترتيلا﴾، فإني أسهم في هذه الكلمة بآيات من الذكر الحكيم تذكيرا لإخواننا من أصحاب النصرة لتكون تذكيرا لهم وتثبيتا.
فالأولى : أقول لعل إخواننا أعجبتهم كثرتهم، قال تعالى : ﴿ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا﴾، فالله عز وجل امتحن المؤمنين يوم حنين ثم أنزل هذه الآية لما قالوا : لن نهزم اليوم من قلة، فلعل إخواننا من أصحاب النصرة استشعروا من خلال الحشد الكبير أن النصر يكون بالكثرة دون التوكل على العزيز القدير، فجاء ما كان من اختلاف فظهر للعيان من كان يريد النصرة ممن كان يريد أمور الدنيا من الظهور والجاه والسلطان، ولكن ليعلم إخواننا أصحاب النصرة أن ذلك لا يضير أهل الحق بشرط تصحيح الخطإ وما كان من تقصير ثم الإيمان بأن النصرة لوجه الله الكريم وللدفاع عن عرض نبيه سيد الأولين والآخرين.
والثانية : ليعلم إخواننا أصحاب النصرة أن الزلزال وقت الشدة قد يكون من مبشرات النصر كما كان من حال المؤمنين، ﴿إذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر﴾، ولكن مع ذلك كان النصر والتمكين، وما كان إلا باليقين بوعد الله القوي المتين ﴿إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويم يقوم الأشهاد﴾، ولكن متى كان النصر؟ كان بعد أن تميز الخبيث من الطيب وأهل الحق من أهل الكذب ﴿ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتي يميز الخبيث من الطيب﴾.
ثم الثالثة : أقول لأصحاب النصرة تبشيرا لهم ونصرة، قال ربنا عز وجل : ﴿فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم﴾، وقال : ﴿ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم﴾، فعليكم بالإصلاح، إصلاح ذات البين قبل رجاء النجاح إذ فيه قوتكم والفلاح، ثم اخلصوا العمل لربكم وارجوا الثواب منه وحده لا من غيره، ولتعلموا أن الأعداء يفرحون باختلافكم لتتفرقوا وتتركوا نصرة دينكم ونبيكم فلا تقروا لهم عينا ولا يكون لهم فيكم ولا منكم معينا.
فالله أسأل أن يجعلني ويجعلكم ممن ينصر دينه ويرفع ذكر نبيه كما رفع الله ذكره فالعمل من أجل أنفسنا ليرى الله المخلص منا لأن الله تكفل بنصرة نبيه وهو ناصره وكافيه ووليه، قال جل من قائل : ﴿إلا تنصروه فقد نصره الله﴾، وقال : ﴿إنا كفيناك المستهزئين﴾ وصلى اللهم وسلم على نبينا محمد سيد الأولين والآخرين وعلى آله وصحبه والتابعين والحمد لله رب العالمين