يترقب اللبنانيون الأربعاء الخطوات المقبلة التي سيتخذها رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري غداة عودته إلى بيروت، سواء لناحية اصراره على استقالته التي قدمها بشكل مفاجئ قبل نحو ثلاثة أسابيع من الرياض أو تراجعه عنها.
ووصل الحريري ليل الثلاثاء إلى مطار بيروت بعد توقف في القاهرة ولارنكا، وتوجه مباشرة إلى ضريح والده رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري الذي اغتيل في وسط بيروت في 14 فبراير 2005.
ورفض الحريري بعد وصوله الادلاء بأي تصريحات للصحفيين مكتفياً بتوجيه كلمة «شكراً» للبنانيين، في وقت نظم مناصروه مواكب سيارة في شوارع عدة في بيروت وأقاموا تجمعات احتفالية مرددين شعارات داعمة له.
وقال أحد مناصريه عبر قناة محلية «ليعرف الجميع، لا يمكن أن يأتي رئيس حكومة إلا سعد الحريري».
وأضاف آخر «سعد الحريري ليس رئيس حكومة لبنان فحسب، إنه زعيم».
ودعا تيار المستقبل الذي يرأسه الحريري، مناصريه إلى التجمع أمام منزله الذي يُعرف بـ«بيت الوسط» عند الساعة الواحدة (11،00 ت غ) من بعد ظهر الأربعاء ترحيباً بعودته.
ويحضر الحريري صباح الأربعاء احتفالات عيد الاستقلال في وسط بيروت، على أن يشارك ظهراً في استقبال رسمي للمناسبة ذاتها في القصر الرئاسي.
ومن باريس التي وصلها السبت بموجب وساطة فرنسية قادها الرئيس إيمانويل ماكرون بعد بقائه لأسبوعين في الرياض، انتقل الحريري الثلاثاء إلى القاهرة، حيث التقى الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، قبل أن ينتقل إلى لارنكا في طريقه إلى بيروت.
وكرر الحريري الثلاثاء أنه سيطلق من بيروت مواقفه السياسية بعد لقائه الرئيس اللبناني ميشال عون.
وقدم الحريري في الرابع من نوفمبر، في خطاب متلفز بثته قناة العربية السعودية استقالته من منصبه بشكل مفاجئ، موجهاً انتقادات لاذعة إلى كل من إيران وحزب الله اللبناني، أبرز مكونات حكومته.
وأثارت الاستقالة صدمة كبيرة لدى حلفائه وبيته الداخلي كما لدى خصومه، خصوصاً أنها تزامنت مع حملة اعتقالات غير مسبوقة في الرياض طاولت أكثر من مئتي شخصية سعودية بارزة.
خيارات الحريري
وتُعد استقالة الحريري المفاجئة من خارج لبنان سابقة في الحياة السياسية اللبنانية، إذ يقضي العرف بأن يتسلم رئيس الجمهورية الاستقالة خطياً من رئيس الحكومة خلال لقاء يجمع بينهما.
وتتوجه الأنظار في الساعات المقبلة إلى المواقف التي سيعلنها الحريري لناحية استمراره في الاستقالة أو تراجعه عنها.
في حال أصر على استقالته، لن يجد رئيس الجمهورية خياراً سوى القبول بها، لتنتقل الحكومة إلى مرحلة تصريف الأعمال، حيث تتابع تسيير الأمور الملحة والضرورية فقط.
ويبدأ عون إثر ذلك استشارات نيابية مع كافة الكتل النيابية، يختار بناء على نتائجها الشخصية التي سيكلفها تشكيل الحكومة.
في حال اختارت الغالبية الحريري مجدداً، يعيد رئيس الجمهورية تكليفه مرة أخرى تشكيل حكومة جديدة.
وقد يتيح هذا الخيار للفرقاء السياسيين الفرصة للتوصل إلى تسوية جديدة، من شأنها أن تبعد لبنان عن التوتر الإقليمي المتصاعد، على غرار التسوية التي أوصلت الحريري قبل عام إلى رئاسة الحكومة وأتت بعون رئيساً للبلاد.
وحمل الحريري خلال استقالته على إيران وحزب الله متهماً الأخير بفرض «الأمر الواقع» وعدم الالتزام بمبدأ «النأي بالنفس» عن النزاعات في المنطقة.
إلا أنه خلال مقابلة تلفزيونية في 12 نوفمبر، بدا الحريري أقل حدة في طرحه وربط تراجعه عن الاستقالة «باحترام النأي بالنفس والابتعاد عن التدخلات التي تحدث في المنطقة».
وأبدى الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله قبل يومين مرونة واستعداداً للتفاهم مع الحريري. وقال «بالتأكيد نحن جميعاً في لبنان ننتظر عودة رئيس الحكومة، وهو بالنسبة لنا ليس مستقيلاً» مضيفاً «عندما يأتي سنرى ونحن منفتحون على كل حوار وكل نقاش يجري في البلد».
وربط محللون هذه الاستقالة بالتوتر المتصاعد اقليمياً بين السعودية وإيران.
«اختبار صادم»
ويتلقى حزب الله دعماً سياسياً وعسكرياً كبيراً من إيران. ويساند الطرفان النظام السوري في النزاع المستمر منذ أكثر من ست سنوات.
ورفض الحريري وفريقه السياسي على الدوام مشاركة حزب الله عسكرياً في النزاع في سوريا. ولطالما كان الحريري حليفاً للرياض التي كانت تضخ أموالاً ومساعدات على نطاق واسع للبنان لدعم موقف حلفائها.
ورغم الانقسام بين القوى السياسية اللبنانية إزاء ملفات عدة داخلية وخارجية، تحولت عودة الحريري مطلباً جامعاً.
وصعد عون مواقفه تجاه السعودية، مؤكداً أن لبنان لن يقبل بأن يبقى رئيس حكومته «رهينة لا نعلم سبب احتجازه» في الرياض، على رغم نفي الأخيرة ذلك.
وخلال وجوده في السعودية، بقي الحريري بعيداً عن الأضواء، واكتفى ببضعة تغريدات ومقابلة تلفزيونية واحدة، أكد خلالها مراراً أنه «حر» في تنقلاته دحضاً للشائعات التي تناولت ظروف اقامته.
وأكد عون في كلمة وجهها الثلاثاء لمناسبة عيد الاستقلال، تعليقاً على الأزمة الحكومية «صحيح أنها عبرت، إلا أنها قطعاً لم تكن قضية عابرة، لأنها شكّلت للحكم وللشعب اللبناني اختباراً صادماً وتحدياً بحجم القضايا الوطنية الكبرى».
وأضاف «لن ينصاع إلى أي رأي أو نصيحة أو قرار يدفعه باتجاه فتنة داخلية» داعياً اللبنانيين للحفاظ على وحدتهم.
ولطالما شكل لبنان ساحة تجاذبات بين القوى الإقليمية وخصوصاً سوريا، السعودية وإيران.
ويقوم النظام اللبناني على تقاسم السلطة وفق حصص طائفية وعلى «ديمقراطية توافقية» تضمن منذ العام 1943 المشاركة في الحكم بين المسلمين والمسيحيين.