عبد الله بن سيد محمود بن المختار بن عبد الله بن باب هندي بن أبْجَ الحاجي نسبة لجده الحاج يحيى بن عمر عرف بلقب ” النهاه ” قائد سياسي لامع فقيه ضليع وشاعر مجيد موصوف بالعبادة والصلاح والشجاعة وبعد الهمة ، اشتهر بالرئيس لأنه كان يقود رئاسة اتحادية تضم عدة قبائل محاربة . أبوه لمرابط سيد محمود المتوفى سنة 1786 م دفين ” كنديكه ” فى مزارة معروفة ولد لمرابط سيد محمود فى آدرار فى أحضان قبيلة اديشلي وأمه منهم ، ونشأ فى وادان ولازم فى شبابه الصوفي الوداني حم ختار الحاجي ثم تتلمذ للفقيه المتمكن جدو بن نختيرو بن الطالب مصطفى الغلاوي المعروف بالوداني وعنه تلقى الورد الشاذلي
كان صوفيا ورعا وزاهدا متقشفا عرف بالعبادة والتواضع انتقل من وادان إلى اركيبه تحت ضغط التفاعلات التى نتجت عن الحروب فى آدرار ، نزل فى بلاد الركيبة وتزوج فى الجكنيين بالفاضلة خديجة بنت سيد الأمين بن حبيب الجكني ورزق منها بولده عبد الله الملقب “النهاه” ، اشتغل عبد الله فى أول أمره بالعلم وانكب عليه وكان لاينام لشدة جده واجتهاده كما ذكر بن الأمين فى الوسيط ، انتقل ليدرس على أحمد محمود بن آبيه أشفغ الخطاط عند أشفار الشهير لدى وادي الحمام المعروف بــ” المداح ” ثم اعمل الرحلة طلبا للعلم والتبرك بأهل الصلاح حتى قيل إنه تلاشت تحته أربعون جملا فى زياراته وفد على ولي الله الشيخ سيد المختار على خلاف بين صاحب الوسيط وصاحب الغلاوية ، يرى أحمد بن الأمين صاحب الوسيط أن النهاه مرعلى الشيخ سيد المختار الكنتي وأنه اختبره بثلاثة أشياء جاءت كماهي فعلم ولايته إلا أنه لم يأخذ عنه لوصاة أبيه لمرابط سيدي محمود الذى أوصاه بعدم الأخذ عن الشيخ الكنتي لشدة موجدته على كنته . ويروى سيد محمد الخليفة الكنتي فى كتابه الرسالة الغلاوية أنه أخذ الأوراد القادرية عن الكنتي وأنه كتب إليه مكتوبا من جملته قوله :
”قصدت شيخ الورى المختار لا أربي***فى فضة أبتغـي منـه ولا ذهـب
وإنما أربي فى نفض مـا نسجـت***أيدي الخطايا على قلبي من الحجب
”
وأن الشيخ لقنه الأوراد ، درس النهاه فى محظرة آل أب أحمد المجلسيين ثم يمم علامة العصر المختار ولد بون ودرس عليه فنونا شتى ثم ثم درس على العلامة سيدي عبد الله ولد الحاج ابراهيم والذى تربطه به علاقة اجتماعية وعليمية راسخة تعود إلى عهد أبيه لمرابط سيدي محمود فحين أحكم تحالف أولاد امبارك وأولاد الناصر ولبراكنه حصارهم على ادوعيش فى ” احنيكات بغداده ” سنة 1778 م وطلبوا منهم أحد أمرين :
إما دفع مغرم على شكل جزية سنوية وإما الخروج من تكانت رأى رؤساء ادوعيش محمد شين واعل انبكَه ول اسويد وغيرهم أن يأتوا إلى لمرابط سيدي محمود وكان شيخا فى آخر أيامه يطلبون منه شد الأزر بالدعاء بالنصر فدلهم لمرابط على سيد عبد الله ولد الحاج ابراهيم الذى ناصرهم بشروط معروفة ، تزوج سيدي عبد الله بأخت النهاه رقية بنت لمرابط سيدي محمود رزق منها بولديه محمد محمود وسيد محمد وتزوج ابنة أختها اخديجه بنت اشفغ الحاجية .
ثم أعمل النهاه الرحلة بهمة مثل الحسام الماضي لحج بيت الله الحرام وزيارة قبر نبيه عليه أفضل الصلاة والسلام وعند عودته من الحج للمنتبذ القصي قام بناء مشروعه السياسي والعسكري وحبك تحالفاته بعناية ليقود حربا ضروسا ضد الإتحادية الكنتية ، ويعرف ذلك الحلف بأهل سيد محمود ويضم :الصميم و تغده و السواكر و سارة و الرعيان و لعيايطه و ازبيراتْ و …. ، ومما يروى عنه دعائه المأثور : ” يامُحول لحوال حول فيّ ادوعيش ولغلال ”
وبعد وفاة الشيخ سيد المختار الكنتي سنة 1826 الذى كان مهابا بحكم جلالة منصبه ، و انقسام إمارة ادوعيش بعد وفاة أميرها القوي محمد بن امحمد شين سنة 1821 إلى قسمين متصارعين هما
إمارة ” اشراتيت ” وهم شيعة المختار واخوته فى بلاد ارقيبه – لعصابه
إمارة ” أبكاك ” وهم شيعة اسويد أحمد بن محمد شين وظلو فى تكانت
بدأ النهاه فى تنفيذ مشروعه الحربي مستفيدا من هذه المعطيات إضافة لزواجه باخديجه بنت محمد شين فتحالف مع المختار ولد امحمد شين للإغارة على كنته الذين لجأ إليهم اسويد أحمد الهارب من أعمامه و الذى آواه أحمد بن سيد امحمد زعيم بطن أولاد سيد حبيب الله من كنته ليتكون حلف أبكاك وكنته مقابل حلف اشراتيت وأهل سيد محمود فدارت بين الفريقين حرب طحون .
كان النهاه رجلا صالحا عالما جليلا ووليا عارفا وشاعرا مفلقا وزعيما سياسيا وقائدا عسكريا ، سئل عنه الحامد ولد امينوه فقال إعجابا به : ” كان كافر علماء وأولياء ” ، ويروى عنه الكثير من الخوارق من ذلك أنه كان حاجا ولما هوى إلى الحجر الأسعد ليقبله رأى خيالا بينه وبين الحجر فقال من تكون فرد عليه أنا روح لم يبرز جسمه إلى الدنيا بعد ، ولكنني سأولد يوم كذا من شهر كذا من أرض القبلة وسيكون اسمي محمذن فال بن متالي وأمي اسمها جليت بنت حيمده وأهلي من قبيلة تندغه فلما عاد للمنتبذ القصي ذهب إلى أرض القبلة يسابق الزمن ليحضر الحدث وحتى لايولد الطفل قبله فوصل قبل يومين من مولد الطفل ونزل عند أهل المسماة جليت ولما أجائها المخاض وخرج الطفل من بطنها أنشد النهاه :
”لما برى الوجد قلبي وانضوى حال***يواشتد من كبـر الهمـوم بلبالـي
أنخت نضو همومي أشتكي حالـي***إلـى الولـي التقـي محمـذ فـال
بالله عفر لوجـه الله وجهـك لـي***جنح الدياجى لحاجي يا ابن متالي
إن العليـل إذا ماحـام حومتـكـم***يشفى سريعا بإذن الخالق العالـي
”
ثم عاد أدراجه إلى اركيبه ، توفي النهاه فى تكانت سنة 1255 هــ ودفن بالقبة عند ظهر شيخه سيد عبد الله ولد الحاج ابراهيم .”’