في يوم من أيام الدنيا الجميلة التي اكتسى الكون فيها روعة و جمالا وبهاء وجلالا … و بالتحديد حوالي سنة 1909م أزدادت أحياء أهل ” أَبِيجَه التَّنْدَغِيِينَ ” بفَتًى رُزقت به أُسرة أهل المصطفى بن المختار بن بيعدل ولأمه الشريفة التَّندغية : مَيْمُونَتَّه بنت حَيْبُ اللَّه بن أَسْويلَم بن خَيْري فأسموه علي خال والدته العلامة عبد الرحمن بن المرابط محمذن فال بن متالي .
نشــأته :
نشأ ذلك الفتى المُسمى عبد الرحمن ـ والذي لَقّبه أبناء خالته أبناء الرُّوح فيما بعدُ بـ ” الدَّحْ ” ـ في بيئة علمية صرفة حيثُ يُعتبر والده المصطفى أحد العلماء المدرسين المعروفين في المنطقة وقد ذكر ذلك المختار ولد حامدٌ (1315 ـ 1414 هـ ) في الجزء المتعلق بتندغه من موسوعته .
ومن هنا بدأت الحياة العلمية لعبدالرحمن تتشكل مراحلها الأولى في محظرة والده .
فقد اختاره والده لدراسة القرآن وهو في سِن مبكرة من العمر صُحبة أخيه الأكبر أحمدُّ فدرسا القرآن علي يد المُقرِئ المعروف بتمكُّنه من ناصية القرآن الكريم وعلومه : أحمدسالم ولد عبدالرحمن التَّاگاطي وهو آنَئذ مقيم في أحياء بني مالك ، وعندما بلغ صاحبنا 7 سنوات ” طَرَّحهُ ” لصغر سنّه آنَذاك ليتابع فيما بعد بفترة وجيزة حتي حفظ عليه القرآن وهو في سِن مبكرة جدّا من العمر ثم درس عليه علوم القرآن من تجويد و رسم وضبط… ليبدأ مباشرة في دراسة الكتب الأُوّل كالأخضري ( 983 هـ 1575م ) و ابن عاشر (990هـ 1582م ـ 1040 هـ 1631م) وعبيد ربِّه … في محظرة والده المصطفى ،وبعد الانتهاء منها ذهب إلي محظرة تنيَخلَف صُحبة أخيه الأكبر أحمدو وشيخها العلامة بابه ولد عبدالرحمن فقضى معه فترة وجيزة ودرس عليه بعض الكتب لينتقل وقد حدَته رغبة شديدة لتحصيل العلم و توجيهات نيّرة من لدن الوالد للتّعمّق في طلب العلم فيمَّم وجهه شطر محظرة ” تَنْدَكْسَمِّ ” وشيخها العلامة محمدسالم بن المختار بن ألمَّـا اليدالي ( 1301 ـ 1383 هـ ) وهي محظرة معروفة بعلمها وورع أهلها و سلاسة تدريسها وكثرة تلاميذها وصَفَها يوما أحدُ تلاميذتها ألا وهو محمدلولي ولد مينوك اليَيجي التندغي ـ أطال الله بقاءه ـ بقوله :
ألاَ إنَّ تَنْدَكْسَمِّ مَكةُ أَرْضِنَـا
وَآَوَادِ أُحْدٍ والسُّبَيخاتُ طَابَةُ
فَأعْلاَمُ تِي أَعْلاَمُ تِلْكَ وَأَهْلُها
عَلَي مَالهم سَنَّ النَّبي والصَّحَابَةُ
وشيخها هو الذي يقول فيه تلميذه محمد بن ألفغ عبد الله ” بيِّبَّاه ” الأبهمي الديماني :
في النَّحوِ والفِقْه شَيْخِي لاَ نَظِيرَ لَهُ
وكُلُّ قِرْمٍ إلي إِقْرَائِه قَـــرِمُ
إِذَا أتَتْ طُرَّةُ الْمُخْتَارِ يُقْرِئُها
حَتي يَرى الحَاضِرُونَ النَّارَ تَضْطَرِمُ
“وإِنْ أتَاهُ خَلِيلٌ يَوْمَ مَسْألَةٍ
يَقُولُ : لاَ غَائِبٌ مَالِي وَلاَ حَرِمُ ”
أَنَا الذّي قَالَ هذا البَيتَ لابْنِ أَبِي
سُلْمَى وَشَيْخِي بِه المَعْنِيُّ لا هَرِمُ.
ليجد فيها ضالته ويضع عصا التسيار بها فبدأت الموهبة تتدفق وبدأت النصوص تتعمق .. فدرس عليه المُعلقات السبع ( معلقة أمرئ القيس بن حجر الكندي 501 ـ 565م و أبياتها 81 . و معلقة طرفة بن العبد 543 ـ 569م و أبياتها 104 . و معلقة زهير بن أبي سُلمى المزني 529 ـ 609 م و أبياتها 62 . و معلقة لبيد بن ربيعة العامري 560 ـ661م و أبياتها 88 . و معلقة عمرو بن كلثوم التغلبي 526 ـ 584 م و أبياتها 103 . ومعلقة عنترة بن شداد العبسي 525 ـ 608 م و أبياتها 74 . ومعلقة الحرث بن حلّزة البكري ت 580 و أبياتها 81 . ) في علم المفردات و لامية العرب لشنفرى ثابت بن أَوَّاس الأزديّ (525م ) في علم المفردات و مُثلث جمال الدين محمد بن مالك الطائي ( ت 672 هـ ) في علم المفردات و ألفية جمال الدين محمد بن مالك الطائي ( ت 672 ) في النحو والصرف و لامية الأفعال ( باكحلال محمد بن مالك واحمرار الحسن بن زين القناني 1225هـ ـ 1315م) في الصرف و المقصور والممدود لمحمد بن مالك في الصرف و احمرار المختار بن بونا الجكني ( ت 1230هـ ـ 1815م ) في النحو والصرف و ديوان الشعراء الستة الجاهليين ( أمرئ القيس بن حجر الكندي 501 ـ 565م و طرفة بن العبد من بني ضبيعة بن بكر بن وائل 543 ـ 569م و عنترة بن شدَّاد العبسي 525 ـ 608م و زهير بن أبي سُلمى المزني 520 ـ 609م والنابغة زياد بن معاوية الذبياني الغطفاني 535 ـ 604م وعلقمة بن عبدة التميمي ت 603 م ) في علم المفردات وديوان غيلان ذي الرمة بن عقبة التميمي 696 ـ 735م وديوان أبي الطَّيب أحمد بن الحسين المتنبئ الكندي 915 ـ 965م و حماسة أبي تمام حبيب بن أوس الطائي 188هـ 788م ـ 231هـ 845م و الشمقمقية لأحمد بن محمد الونان الحميري الفاسي ( ت : 1187م ) .… ودرس عليه كذلك إضاءة الدجنه في عقائد أهل السنة لأحمد المقري التلمساني (986هـ 1578م ـ 1041هـ 1631م ) في العقيدة و الكفاف لمحمدمولود بن أحمدفال اليعقوبي ( ت 1323هـ ) في الفقه و العاصمية لأبي بكر بن محمد بن عاصم الأندلسي الغرناطي ( 760 ـ 829 هـ ) في نُكت العقود والأحكام و أسهل المسالك لمحمد البشار في الفقه المالكي و ورقات إمام الحرمين الشريفين الجويني ( 419هـ ـ 478م) في الأصول ولامية الزقاق لأبي الحسن علي بن قاسم التجيبي الشهير بالزقاق (ت 912هـ ) في القضاء و مختصر خليل بن اسحاق بن موسى بن شعيب المالكي (ت 767هـ ـ 1374م) في الفقه و قرة الأبصار لعبد العزيز بن الواحد اللمطي المكناسي في السيرة النبوية و الغزوات لأحمد البدوي بن محمَّدا المجلسي ( 1158 ـ 1208 هـ ) في السيرة النبوية و عمود النسب لأحمدا البدوي بن محمَّدا ( 1158 ـ 1208 هـ ) في أنساب العرب و الكوكب الساطع لجلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي ( 849 ـ 911 هـ ) في الأصول و السلَّم لعبدالرحمن الأخضري ( ت 983 ـ 1575م ) في المنطق و الجواهر المعروفة بـ”الطَّيْبِيَّة ” لعبدالسلام بن الطيب القادري (1058هـ ـ1110هـ ) في المنطق و ألفية جلال الدين عبدالرحمن بن أبي بكرٍ السيوطي ( 849 ـ 911 هـ ) في علم البيان علي العلامة محمدن ولد مَيْمِّه اليدالي ( تــ 1398 ) كما درس عليه بعض المسائل المتعلقة بالحساب والفلك إلي غير ذلك من المتون المحظرية … ليشدّ الرحال بعد ذلك إلي محظرة ” تَنْدَغْمَاجَك ” وشيخها العلامة : أحمدُّ ولد محمذن فال الحسني ( ت : 1418 هـ ـ 1998م ) الذي سبق وأن ألتقي به ذاتَ مرّة في محظرة العلامة يحظيه ولد عبد الودود الجكني ( 1265هـ 1845م ـ 1359هـ 1939م) حين وجده يُراجع ” إكرَّرْ ” للتلاميذ ديوان الشعراء الستة الجاهليين فأُعجب به صاحبنا إعجابا لمهارته في هذا الفن فتعهّد له بزيارته ومرَّت السنين وتذكّر عبدالرحمن عهده فشدَّ الرحال ( وكان حينها قد أكمل الفنون المحظرية علي شيخه لمرابط محمدسالم بن ألما ) إلي أحمدُّ بن محمذن فال وهو حينها قد جلس للتدريس في محظرته فتبادلا التدريس فدَرَس عبدالرحمن ما أُعجب بتدريسه من طرف تِربه أحمدُّ بن محمذن فال وهو ديوان الشعراء الستة الجاهليين وكتب عليه تعليقا نفيسا ودرس أحمدُّ ورقات إمام الحرمين و إضاءة الدجنة للمقري في العقيدة علي عبدالرحمن وحينها أرسل له والده المصطفي بن بيعدل رسالة خطية يدعوه فيها للعودة إليه وكان الوالد آنَئذٍ فد أصيب بوعكة صحية ألمت به فلبي النداء وعاد إلي محظرة الوالد بعد رحلة علم مضنية دامت زهاء 35 سنة حصّل خلالها كل ما بحوزة شيخه العلامة محمدسالم بن ألما اليدالي و زاد عليه من علم العلامة محمدن بن ميمِّيه اليدالي وقد استفاد من زيارات كان يقوم بها لأخيه أحمدسالم بن المصطفى في محظرة العلامة يحظيه بن عبد الودود الجكني فيحضر التدريس ويُناقش التلاميذ كما استفاد من حضور مجلس تدريس العلامة زين بن الجمد اليدالي (1277هـ ـ 1358هـ ) وتذاكر مع العلامة محمدن ولد أحمدُّفال التندغي (1312هـ 1894م ـ 1400 هـ 1979م ) ليمكث مع الوالد سنة في محظرته قرب ” السَّبيخات ” حتى يُسلّم الوالد المصطفي النفس لبارئها بعد عُمْر زاد علي الثمانين كان حافلا بالعطاء العلمي و المعرفي و التدريس مُخلّفا أبناء علماء وهم : الابن الأكبر العالم أحمدُّ( خريج محظرة تَنْيَخَلف ودفين مقبرتها) والعالم عبدالرحمن ( خريج محظرة تندكسمِّ ودفين مقبرة السرتيف رفقة والده ) و العالم أحمدسالم( خريج محظرة يحظيه ولد عبد الودود ” أَبَّاهْ ” عَلَماً ودفين مقبرة المذرذرة رفقة والدته ).
معاصروه :
درس معه في محظرة تندكسمِّ جمعٌ غفيرٌ من العلماء الأجلاّء منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدّلوا تبديلاً .
منهم علي سبيل المثال لا الحصر :
1 ـ أبّوبا بن ماهي بن الفاضلي الديماني ( تــ 1387هـ ) .
2 ـ المختار بن المحبوبي اليدالي (تــ 1391هـ ) .
3ـ الحسّن بن زين العابدين اليدالي ( تــ 1363هـ ) .
4 ـ محمديحظيه بن الشيخ عبدالله بن أوفى الألفغي ( تــ 1397هـ ) .
5 ـ محمد بن ألفغ عبدالله ” بَيِّبَّاهْ” الأبهمي الديماني ( 1335هـ ) .
6 ـ أحمدسالم بن ألفغ عبدالله ” بَيِّبَّاهْ ” الأبهمي الديمان1901م ـ 1400هـ ـ 1980م) .
7 ـ نافع بن حبيب بن الزائد الإدكفودي التندغي ( 1339هـ 1920م ـ 1416هـ 1995م ) .
8 ـ أحمدُّ بن حبيب بن الزائد الإدكفودي التندغي (1426هـ 1342هـ ـ 2006م ).
9 ـ محمدمحمود ولد احمد الواثق المالكي التندغي (تــ 1368 هـ ) .
10 ـ محمد بن البشير بن امبارگي البهناوي ( ت 1395 هـ ) .
11 ـ الشفيع بن المحبـوبي ( تــ 1407 هـ ) .
12 ـ محمدن بن المحبوبي اليدالي ( 1398 هـ ) .
13 ـ المختار السَّالم بن عليّ المُلقب الغطمطم المالكي التندغي ( تــ 1982 م ) .
14 ـ محمدسالم بن الگاري الأبيري ( تــ 1395 هـ ) .
15 ـ بَدَّاه بن البُصيري التندغي ( 1919 م ـ 2009 م )
16 ـ محمدسعد بوه الملقّب : أَنَّه بن الصَّفي الإدكفودي التندغي ( 1335هـ 1917م ـ 1430هـ 2011م ).
17ـ المختار بن بَوبَّه اليحيوي التندغي . ( معاصـر ) .
18 ـ محنض بابه بن امّيْن الباركلي الديماني ( معاصـر ) .
19 ـ محمدالحسّن بن أحمدُّ الخديم الجوادي اليعقوبي ( معاصـر ) .
20 ـ المصطفى بن ببانَه الملقّب : أبَّيْن القلقمي ( معاصـر ).
علمـــــه :
يشهد كل من عاصر عبد الرحمن بن المصطفى بالعلم والعمل والاجتهاد في التحصيل فكان من عبارتها الشهيرة ” هذا ماجاني وهبي جاني ألاَّ بالگرايَه ” وقد قال هو بفيه إنه لم يبق فنٌّ من الفنون التي تُدّرس في المحظرة إلا ودرسه ، ذات سمر من أسمار محظرة المراد الجميلة حدَّتني شيخي : محمدَّن بن محمد عبدالله بن الواثق الملقب : “أَطفيل ” ـ أطال اللهُ بقاء ـ قائلا : ” سافرتُ مع عبدالرحمن علي رحل واحد وأنا إذ ذاك تلميذ في محظرته عند بئر المنصور في يوم من أيام رمضان العصيبة واستغرق سفرنا أياما وفي يومنا الأول وعند غروب الشمس نزلنا بخيمة نائية عن حيها فضيّفونا وقدّموا لنا ما بوسعهم من زادٍ مشكورين فتناول الشيخ عبدالرحمن سبع تمرات وحسا حسوات قليلات من الماء وقام لأداء صلاة المغرب و أتبعها بنوافل استمرت حتي قُبيْل العِشاء فعاد إلي الخيمة وتناول مذْقا وما خفَّ من طعام وترك الباقي وشرع في صلاة العشاء ثم التراويح ثم النوافل وانتظرتُ انتهاءه علي أحر من جمر بغية تناول العَشاء متعجبا من صبره علي النوافل رغم السفر والتعب… ” وحدّثني عنه القاضي الشيخ أبَّين بن ببانَه ـ أطال الله بقاءه ـ في منزله بنواكشوط ذات ليلة قائلاً : ” عبد الرحمن حافظٌ، عالمٌ، ورعٌ، زاهدٌ، ناسكٌ، مَضرب المثَل في معرفة النصوص حفظا و فهما وتدريسا . عُرف بالاستقامة وعدم مخالطة السلاطين ، إلي جانب أنه لا يخاف في الله لومة لائــم ” .
حدَّث عنه تلميذه النابه محمدن بن محمدعبدالله بن الواثق المالكي الملقب ” أطفيل ” في قصيدة طويلية يمدحه بها يقول فيهـا :
تجنَّب هوى البيض الحسانِ الكواعبِ
رقاقِ الثَّنايا مشرقات التَّرائبِ
رخيماتِ أقوالٍ سواحرِ أعيُـنٍ
حِسانِ التّثني حالكات الذائبِ
وذكرة أطلال تقادم عهـــــدُها
وغيَّرها مرُّ الصّبا والجنـــائـبِ
و ذكرة أيام قصار مضت بـها
لياليَ لا أخشي عتابَ المعاتبِ
وأيام إذْ كانت الأحبَّة جيـــرةً
فمن لي بأيام السُّـرور الذواهبِ
وسُق من بديع الشعر قافية إلي
إمامِ الورى الحبرِ الجزيلِ المواهبِ
أَخِ العلم والعلياء والحلم والتُّقى
وبدر الدّجى الجالي اسوداد الغياهِبِ
همامٍ كريم من همامٍ مُهــذّبٍ
أَديبٍ أريبٍ ماله من معائـبِ
تأزَّر بالعلياء ثم ارتدى بهــــا
وبلَّغ دينَ الله أعلى المـراتِبِ
ولا عيبَ فيه غير أنَّ فؤاده
تظاهر فيه العلم من كلّ جانِبِ
إذا اقتسم الناسُ المناقبَ والندى
فإنَّ له كلّ الندى والمناقِــبِ
تعوَّد حلَّ المُشكلات بفهمـــــه
وبذَّ لها عند اشداد النّــــوائبِ
فكم بذَل المال الجزيل لسائلٍ
وكم أظهر العلمَ الخفيّ لطـالبِ
وكم عبَد المولى وصلَّى لوجهه
عبادةَ أوَّابٍ إلي الله تــــــائبِ
فباركَ ربُّ العرشِ في كلِّ ما حوى
وجنّبه الرحمن كـلَّ المصــائبِ
أيا عابدَ الرحمن إني أتيتُــــكم
أغالب دهري وهو أغلب غالــبِ
إلي آخر القصيدة…
وحدَّث الشيخ يَابَّه بن محمادي السملالي ـ أطال الله بقاءه ـ إثر حادث سير سنة 1390هـ تعرض له عبدالرحمن فشُجَّ فيه فقال مُثنيا عليه :
بشَجّة هذَا الشَّيخِ شُجَّتْ أُصُولُ
وَ شُجَّتْ نُصوصٌ يالَها ونُقُــــولُ
وشُجَّتْ شُروحٌ كانَ يَعْلمُ نَصَّهـا
و يعلمُ ما تُومِي لهُ وَ تَقُــــــــولُ
و يا ربّ لُطْفاً بالجَمِيعِ فَعافِــــه
فَإنَّكَ أَهْلٌ للدُّعاء مَـــسُـــــــــولُ
وحدَّث عنه الشيخ أحمدُّ بن حبيب بن الزأيد المُلقّب : الدِّيهْ بعد وفاته والناس إذ ذاك عند الغسل فقال : ” سمعتُ لمرابط محمدسالم بن ألمَّـا يقول : عبدالرحمن عالمٌ عاملٌ عابدٌ ” .
مراسلاته :
وقد تبادل المراسلات والفتاوى مع بعض من العلماء والقضاة وشيوخ المحاظر ، منهم :
• ـ شيخه لمرابط محمدسالم بن ألمَّـا اليدالي . ( شيخ محظرة تندكسمِّ )
• ـ الشيخ أبَيْ بن الزائد الإدگفودي التندغي ( شيخ محظرة ) .
• ـ الشيخ التَّاهْ بن محمدسالم بن المَّا اليدالي ( شيخ محظرة تندكسمِّ ) .
• ـ محمذن فال بن محمدسالم بن ألما اليدالي ( شيخ محظرة تندكسمِّ ) .
• ـ الشيخ المختار بن أبلول الحاجي ( شيخ محظرة المبروك ) .
• ـ الشيخ نافع بن حبيب بن الزائد الإدكفودي التندغي ( شيخ محظرة ) .
• ـ الشيخ أحمدُّ بن حبيب بن الزائد الإدكفودي التندغي ( شيخ محظرة لحسَيْ ) .
• ـ الشيخ محمذن “أمَّيَيْ” بن محمدفال الأبهمي الديماني . ( قاضي المذرذرة ) .
• ـ الشيخ أحمدسالم بن سيدمحمد الأبهمي الديماني ( قاضي روصو ) .
• ـ الشيخ حامدٌ بن محمدفال الأبهمي الديماني ( قاضي المذرذرة ) .
• ـ الشيخ محمدسعدبوه ” أنَّه ” بن الصفّي الإدگفودي التندغي ( شيخ محظرة دار النعيم ) .
ورعه وتصــــوفه:
كان عبد الرحمن وَرِعا مُتصـوّفـا أخذ الورد الشاذلي عن شيخه لمرابط محمدسالم بن ألمّـا لا يخاف في الله لومة لائــم مُكـرِّسا أول حياته للدراسة ووسطـها للتدريس وآخرهـا للتخلي للعبادة الدائمة التي لايكلّ منها ولا يملّ ( فتبارك اللهُ أحسن الخالقين ) وفي آخر زمنه شغلته عن التدريس حيثُ إنه ظلَّ مراقبا حتي سلَّم النفس لبارئها .
فتـــاويه :
تعتبر فتاويه كثيرة و مُتنوعة ولضيق الوقت ـ عندي ـ سأكتفي بثلاثة منها علي تنوّع في الأبواب الفقهية ، رغم أنّ ما بقي أكثر وأجزل…
الزكـــاة :
الأولى : أفتى في مسألة تقول : ” من أعطى قيمة تبيعٍ لزمه في الزكاة هل تجزئه أم لا ؟ ”
فأجابَ : ‘ أنها لا تجزئه في مشهور المذهب طوعا ومن أراد النصوص علي ذلك فليرجع إلي شرّاح خليل عند قوله : أو بقِيمةٍ لم تُجْزِ .
الطـــلاق :
الثانية : أفتى في مسألة تقول : ” المريض مرضا مخوفا يُطلّق زوجته ثم يموت بعد ذلك بزمن طويلٍ ”
فأجابَ : ‘ نقل محنض بابه بن أعبيد في بعض أجوبته أن في إرثها خلافا ـ هذا معنى كلامه ، لكن ما وقفتُ عليه في الميسّر علي أن اللخميّ رجّح قول ابن الماجشون بأن المرض المُتطاول كالسُّلّ ونحوه جارٍ مجرَى الصحة ‘ .
البيــع :
الثالثة : أفتى في مسألة تقول : ” هل يجوز صرف فضة دولة بفضة دولة أخرى كما يقع اليوم في روصو (.كما هو الحالُ بين سَيْفَّا و عملة موريتانيا ) ؟ ” .
أجابَ : ‘ فإن كان التعامل واقعا يداً بيد بنيْنا أنّ الفلوس و مافي حكمها في حكم العين فالمنعُ ، وإن بنيْنا أنها في حكم العرض فالجوازُ ، ولو بزيادة قال ابن عاصمٍ :
بيع العُروض بالعروض إنْ قُصدْ
تعاوضٌ وحكمه بعدُ يَــــــــــــردْ
فإنْ يكنْ مبيعها يــــداً بيَـــــــدْ
فإنَّ ذاكَ جــائــزٌ كيف انعقـــــدْ .
وأما إذا كان ذاكَ ليس يدا بيد كما يقع في قرية ” روصو ” اليوم فالظاهر أنّه إذا كان مقصود المتعاملين القرض فالمنع و الجواز إذا قصد البيعَ أو المبادلةَ لقول الكفاف ممزوجا بشرحه :
والقرضُ إن كان لنفْع من دفَعْ
فقط. فبالإجماع منهم امتنعْ
كسلف ذبيحة علي دفع رطليْن كلّ يوم منها و كمتاع يشقّ حمله أو يخاف في الطريق .. وجوّزه ابن عبد الحَكَم لخوف الطريق ، و عن مالكٍ الكراهةُ قال التَّتائي : و محل الأقوال إن قصد السلف لا بيعا أو مُبادلة و في المُيسر جوزته الأمُّ ( المدونة ) إن فعلته رفقا به ليسلم في الطريق . وفي الرهوني آخر الوصايا عن الموَّاق فإن القرض يُمنع إن نفع لا إنْ دفعَ ضَـرّاً . والمقصود قوله إن قصد لا بيعا أو مبادلة فإنّه يُفيد الجواز مقصودهم البيع والظاهر أنَّ الناس مقصودهم التجارة لا القرض لإنّ ثَمّ من نصبوا أنفسهم اليوم لذلك ، وليس عندهم من العمل سواهُ ‘ .
مــــــؤلفــــاته :
لــه :
√ ـ تأليف في التصوف ( مخطوط ) .
√ ـ تأليف في النية ( مخطوط ) .
√ ـ تأليف في العتق ( مخطوط ) .
√ ¯ تأليف في البسملة ( مخطوط ) .
√ ـ رسالة في حكم انصراف الإمام بعد الصلاة ( مخطوط ) .
√ ـ نُقلة في مصطلح الحديث ( مخطوط ) .
شعـــــره :
لم يشتغل عبد الرحمن بالشعر كثيرا لأنّه فضَّل جانب التَّصوف والانخراط الكليّ في الدراسة والتدريس والعبادة والابتعاد كليا عن الثلاثة التي يرى ابنُ قتيبة أنها تُهيّج خاطره…
إلا أنَّه لم يتركه نهائيا ، بل له قطَع شعرية متنوعة البحور والأغراض نحاول سرد ماتحصلنا عليه منها مع أنَّ ما ضاع منها أكثـر .
قصيدة تتواتر قافيتها علي بحر الطويل أرسلها إلي أشياخه بعد وفاة لمرابط محمدسالم بن ألمَّـا يحُـثّهم فيها علي التثُّبت والصبر والسير علي خطى الأشياخ ، ولا يخفي ما فيها من عفوية وانسيابية ينمّان عن صدق عاطفة و رِقّة شوق وخالص وِدٍّ ..
قال :
علي حَضْرةٍ حلَّت بذاتِ المَقاسِمِ
سَلامُ مُحِبٍّ ثابتِ الودِّ هـَــــائِــمِ
لذكرةِ أيـامٍ تولَّتْ عُهـــــــودهـــا
و يشفي مهيض القَرح من أمِّ سَالمِ
وتَقفوهُ من غُرِّ التّحايا تَحيــةٌ
تذُمّ ذوات الريط حُوّ المبَاسِمِ
بها نفقت سوق العلوم وأيْنعتْ
بُعيْد تلاشي رسمِها المُتَقَــادِمِ
فأبدَتْ لنا مطْموسَ مَذهبِ مالكٍ
و مَازَتْه عن سَفسافه المُتَــراكمِ
فما مُشكل إلا و أصبح هَجْهَجــاً
و لا مُجْمَلٌ إلاَّ غَدَا غيْرَ طاسـمِ
تحلَّت بسَمْتٍ رائقٍ ورَزانَــــــةٍ
ومونق أحلام كرام دعــــائمِ
وصَبرٍ جميلٍ ثابتٍ مُتــــوارثٍ
من آبائها الغُـرِّ السُّراةِ المعالِمِ
أَ أبناءَ شيخي بارَك اللهُ فيكمُ
و بوَّأَكم فوقَ السّهَى و النّعائمِ
سما صيتُكم في النّاس شرقا و مغربا
و لاحَتْ بكم شمسُ الهُدَى والمَكَارمِ
أقمتمْ أَسَاسَ الدِّين مُذ مَالَ رُكنُه
وأضْحَى مَنيعا لم يخَفْ هدمَ هادمِ
فلا عَقدَ يُلفَى لازماً دون عَقدكـــم
و لا حَلّ إلا منكمُ في اللّوازمِ
لعمْري لقد طِبتُمْ وطابَتْ أُصُولُكم
و لاَ غَروَ إنْ طابَتْ فُروعُ الأَكَارِمِ
فَإِنسانُ عيْن الدَّهر انتمْ وتاجُــه
وعُرْوتُه الوُثقَى وسيب الغمــائـمِ
مناقِبُكمْ أعيَى المهارقَ حصرُها
و مِنْ دونِها كلَّت أنَامِلُ راقِــــمِ
فلازلتُمُ غَيْثَ العُفَاةِ و كَهفَهــــا
لكلِّ مُهـمٍّ حلَّ بالناسِ دَاهِـــــمِ
ورِثتُمْ مَزَايا الشَّيْخ إِرثاً مُسلَّما
وكانَتْ مَزايَا الشَّيخِ أقْصَى السّلالِمِ
تضلَّعتُمُ من سِـرِّه وعُلـــــومِه
وخُضتُمْ عميقَ موجِه المُتَلاطِمِ
واحرزتُمُ أخلاقَه وطِبَاعَـــــــه
بِأخْلاَقِ صِدْقٍ خَالِدَاتٍ كَـرَائِــمِ
ولاَ زَالت الطُّلابُ دَهْراً تُحيطكمْ
ويَخْدمكم بين الوَرَى كلُّ خَـادِمِ
ولا بَلغَ المَقْصُودُ فِيكُم لِشَامِتٍ
و لا ضرّ كيد من حَسودٍ و ظَالِمِ
وأمَّتْكمُ مِنْ رَحْمَة الله ديمـــــةٌ
تَدُومُ عَلي مَرِّ الــزَّمَانِ المُسَـالِمِ
وإنِّي بِجَاهِ الشَّيْخِ أَرجُو وآلِـــه
وجَاهِ إِمَامِ الرُّسْل أَفْضلِ هَاشِمِ
مِنَ الله جَلَّ الصَّفحَ عَنْ كلّ زَلَّةٍ
وستْراً جَمِيلاً عَنْ جَميعِ الجَرَائِمِ
وَأَمْناً من الرَّوْعَاتِ في كلّ موقفٍ
وأن يتحف الحُسنَى بحُسن الخَوَاتِمِ
صَلاَةٌ وتَسْلِيمٌ عَلَي خَيْرِ خَاتمِِ
مَعَ الآلِ والصَّحْبِ البُحورِ الخَضَارِمِ
ومن شعره أبيات تتناسق علي بحر الكامل أرسلها إلي قطب زمانه إسماعيل بن بابَه بن سيدمحمد ” سيدنا ” بن الشيخ سيديا بن المختار بن الهيبه يطلب فيها إعارة كتاب المُرشديّ وهو شرح نفيس علي ألفية جلال الدين السيوطي في البيان ، في زمن قلّت فيه الكُتب وقلّ من يقبل إعارتها فكتب إليه و الغرض ـ لعمري ـ مليح :
منِّي إلي القَاضِي الأَدِيبِ الأَرْوَعِ
أَلسَّيِّدِ السَّمْحِ البَليغِ المِصْفَـــــــعِ
أَلْمُرْتَضَى مِصْباحِ كلّ عَويصَــــةٍ
ومِحَكِّها الثَّبْتِ الحَكـِــيمِ الأَوْرَعِ
أَزْكَى سَلامٍ من مُحبٍّ لائِــــــــقٍ
بِجَنَابِه السَّامِ الكَرِيمِ الأَرْفَـــــــعِ
أَعْنِي سَليلَ الشَّيْخِ إسْماعيلَ مَنْ
لِلنَّاسِ قَد أبْدَا قَوِيمَ المِهْيَـــــــعِ
و تَهابُ صَولتَه الجَحَاجِحُ في الوَغَى
بطَلٍ كَميٍّ في الكَرِيهةِ سَلْفَـــــعِ
مَالِي عَلَي استقصَى خصالك طاقةٌ
كَـلاَّ وليْسَتْ للمُجِيدِ اللَّـــوْذَعِ
لكِن بشَرْح “المُرْشِديِّ” النفسُ قَدْ
عُنِيتْ فهلْ في نيْلِه مِنْ مَطْمَعِ ؟
بِإعَارَةٍ مَحْمُودَةٍ مَــــــــــــردُودَةٍ
تصطَان أوْ مَوْهوبَةٍ لَمْ تُنْــــــزَعِ
وجَزَاكَ ربُّ العَالـمين بفَضـلِــــــه
وَو قاكَ كيدَ الحاسِد المُتَنطِّــــعِ
أوْفَى الصَّلاةِ مَعَ السَّلاَمِ عَلَي النَّبِي
خَيْرِ الوَرَى و شَفِيعِ يوم المفْزعِ .
وقد سلَّم له الكتاب بموهوبة .
و من شعره كذلك أبيات طويلية قالها إبّان حفر بئر لمجموعته ” أَهْل أَبِيجَه ” سُميَّ السَّلام عام 1984 فتمنَّى له الخير والمسرات و شكر الساعين إلي ذلك وكانت هذه البئر هي آخر محطَّات حياة و محظرة عبدالرحمن فهلهَل قائلاً :
عَلَى بئرنا دَارِ السَّلامِ تحيـــــةٌ
بها نَرتجِي بُشْرَى وَنيْلَ المَقَاصِدِ
و نَرجُو مِنَ الرَّحْمَنِ أنْ يلحقَ المُنَى
ويَجْزِي به البَادي جَزِيلَ المَحَامِدِ
وأنْ يَجمعَ الشَّمْلَ الشَّتِيتَ تَفضُّلاً
ومَنّاً بها للخَيْر والرُّشْدِ فـــــائِــــدِ
وأن يَمنَحَ التَّوفِيقَ والأَمْنَ والمُنَى
ويَدفعَ عنّا كلّ باغٍ وحاسِـــــــــدِ
و عِزّاً وتيْسيراً ونَصْراً مُــؤَبَّـــــداً
يَدومُ علي رغْمِ الحَسودِ المُعَـانِدِ
وعَوْناً عَلَي الطَّاعَاتِ فِي كلّ هَفْوةٍ
ويصْفِح عَنْه الحَالُ بيْنَ المَشَـاهِدِ
بِجَاهِ سِرَاجِ الكَائِنَاتِ مُحَمَّــــــــدٍ
و أَصْحَابِه الغُرِّ الهُدَاةِ الأَمَاجِـــدِ
عَلَيْه صَلاةُ الله ثـُمَّ سَلاَمُـــــــــه
مَدَى الدَّهْرِ والآَلِ الكِــرَامِ المحامدِ
محظـــرته :
بعد تضلُّعه من العلوم الشرعية واللغوية بهمة وعزم لايلينان وضبط وتحقيق ومصاحبة كبار العلماء العارفين الورعين أسَّس عبدالرحمن محظرته في مكان والده فكانت بدايتها قُرب ” أسْبَيْخَاتْ ” ليتنقل بها بعد ذلك إلي ” تنوْبَكْ ” وبعدها شدّ الرحال إلي ” تَنْتَرِدَلْ ” ( أم القرى حاليا ) وبعد إلي بئر ” المنصور ” الذي مكثت عنده المحظرة ردحا من الزمن و توافد عليها الطلاَّب من كل حدَب وصوب فتنوعت الكتب و المجالات واختلفت الأهداف و المستويات … واستمرت به حتى سنة 1978 م حيثُ اتّجه الشيخ شطر ” الگبلة ” ومن ثَمّ أُسِّس بئر السلام سنة 1984 فكان آخر محطّات محظرة الشيخ التي استمرت به حتى قُبيل وفاته بسنة لتكون ختاما مسكا لمحظرة دامت لأكثر من خمسين سنة تُدرّس فيها أنواع العلوم المحظرية بإتقان فائق ، ودرس فيها تلاميذ تنوعت انتماءاتهم القبلية والجهوية ووحَّدهم حبُّ العلم و إرادة التحصيل ..
فكان من تلاميذتها مثالاً لا حصراً :
1 ـ محمدن بن محمدعبدالله بن الواثق المالكي التندغي المُلقّب : أَطفيْل ( شيخ محظرة المُراد ) .
2 ـ أحمدُّ الواثق المالكي التندغي( قاضي الصُّلح في تگند ).
3 ـ ميمِ بن البُخـاري البزيدي ( شيخ محظرة زار ).
4 ـ ألحَمد بن أحمد المختار الخواوي ( شيخ محظرة ذي السبطين ) .
5 ـ عَيْنِــيَّه بن قاضينَ الأبيجي التندغي .
6 ـ محمدَّن بن حبيب الأبيجي التندغي .
7 ـ المصطفى بن قاضينَ الأبيجي التندغي.
8 ـ محمديحظيه بن المختار بن الحسَّن بن حمادي ( قاضي ) .
9 ـ أَبَّاهْ بن نافع الإدكفودي التندغي ( شيخ محظرة لحسيْ ).
10 ـ محمدنوح بن أحمدُّ بن أبيَّه الإدكفودي التندغي ( مفتش تعليم )
11 المصطفى بن أحمدُّ بن أَبيَّه الإدگفودي التندغي ( معلم ) .
وفــــــاتـــه :
لم تكن الموت مفاجئة لعبدالرحمن بل كان وكأنه علي موعد معها حيثُ إنَّه قبل وفاته نادى والدتهم عزيزة بنت محمدلولي ( رحمها الله ) فألقى عليها تعزية في نفسه وأوصاها علي العيال مع تثبّتٍ لايُضاهى وتركيز لا يُباهى وفي اليوم الموالي أي يوم الإثنين : 13 / يناير / 1992 سَلَّــم عبدالرحمن النفس إلي بارئهــا ، وقد أرَّخ لوفاته الشيخ نافع بن حَبِيب بن الزائد في نظمه وفاة الأعيان قائلاً :
وعابدُ الرحمنِ عَالِي الجَــــــــــاهِ
عالمنا الذي به نُبـَــــــاهِـــــــــــي
أَعْني به ابنَ المُصطَفى البُيَعْدَلِي
مَنْ مِثلُه فِي عِلمِه لم يَعــــــــدل
وبعد رحيل هذا العالم العلامة والحبر الفهامة شرع الشعراء في تدوين الحادثة الشنعاء والثلمة العظيمة فها هو محمدن بن محمدعبدالله بن الواثق ” أطفيل ” يختار من بحر البسيط مجالا لذكر الخصال الحميدة للراحل ، يقولُ :
اللهُ يَرْحَمُ ذَا الشَّيْخَ الرَّضَى الكَرَمَا
العالمَ الحافِظَ العلاَّمةَ العَلَمَـــا
شَيْخَ الهُدَى عابدَ الرحمنِ من حُمِدَتْ
أَخْلاقُه وعَلاَ من عِلمِه العُلَمَـــا
ويُلهِم الصّبرَ عنه قـومه وبني
ــه والتّلاميذَ والاتباعَ والحَشَمَا
وذا مُصابٌ لأفراد القبيلة شـــا
مِلٌ فما خصَّ زيدٌ لا ولا قُثَمَـــا
وعمّ كلّ الوَرَى من بعدُ فالعلما
فقدَانهم ثَلمةٌ في الدِّين لا جَرَمَا
وَلَّى الإمامُ وولَّى الدِّينُ يَتْبعها
وأدبَرَ الدِّينُ بعدَ العِلمِ وَانهَزَمَا
قد سَارَ عالمُنا الأَتْقَى و قدوتُنا
وَ مَنْ به قَدْ عَلِمْنَـا الحِلّ والحَرمَا
و مَنْ لهُ بعُلومِ الشَّرعِ مَعْرِفَةٌ
عَنْها تقَاصَرَ أهلُ اليَوْمِ والقُدَمَا
من عاشَ مُجْتَنِبَ المنْهيّ مُمتثِلَ الْـ
ـمَأْمورِ لا واضِعاً في باطِلٍ قَدَمَا
سَلِ الطَّهارةَ عنهُ والصَّلاةَ وسَلْ
بِه المسَاجدَ و الأسْحَارَ والظُّلمَا
وَ سَلْ بِه الذِّكْرَ تَجْويداً و معرِفَةً
بِعِلْمِ أَلْفاظِه نُطْقـاً وَ مُرتَسَـمَـــا
وَسَلْ تِلاَوتَهُ وَ سَلْ تَهَجُّــــــــدَهُ
بِه فمَا مَلَّـه كَــلاَّ وَ لاَ سَئِــمَــــا
والحِلْمُ وَ البَذْلُ قَدْ كَانا سَجيتَه
لِذَاكَ سَادَ وَ قَادَ القادةَ العُـظَـمَا
وَ سَلْ بِه الضَّيْفَ إِذْ طَالتْ إِقامتُه
سَلِ القَبيلَ إِذَا مَا دَاهِمٌ دَهَـــمَا
سَلِ التَّلاميذَ أَيامَ المُحُــــولِ بِه
فَكمْ بِه قَدْ تَلَقوا وَابلاً رَذِمَـــا
يُخْبِرْكَ كلّ بما قد كان يَعْــلمُه
منهُ وَ ما جَاهِلٌ شيْئاً كمَن عَلِمَا
إلَى سِوَى ذَاكَ مِمَّا لا أُحيطُ به
لَوْ كُنتُ أَتْعَبْتُ فيها الفِكرَ و القَلَمَا
أَوْلاَهُ مَوْلاهُ رِضْوَاناً وَ مَغْفِــــرةً
عُظْمَى وأَسْقَى ضَرِيحاً ضَمَّه الدِّيَمَا
وَ نَالَ في جنَّةِ الفِرْدَوسِ مَنْزِلَةً
مَنْ حلَّها استكملَ المأمُولَ والنِّعَمَا
واللَّهُ يَجزيهِ عنّي كلَّ صَالِحَــةٍ
فَكمْ تَلقّيتُ منهُ العِلمَ وَ الحِكَمَا
وكم لهُ من عُهودٍ لا أخيسُ بها
مادَامَ عُمْري فَحِفْظُ العَهْدِ قدْ لَزِمَا
و الحمدُ لِلَّه إذْ أَبْقَى لَنَـا خَلَفـاً
من شَيْخِنا المُرتَضَى فَرْعَيْه لاَ عُدِمَا
وبَاركنَّ إِلَهِ فِي البَنَــــــاتِ وَ فِي
كُلِّ القَبيلِ وَ عَاشَ الكُـلُّ مُحْتَرَمَا
إنِّي أُعَزِّيهُمُ من بعد تَعْــــزِيتــي
عَنِ المُصَابِ الذي قَد أَدْهَشَ الحُكَـمَا
بِفَقد أَفْضَلِ رُسْلِ الله خاتمِـها
صَلَّى عليْه العَلِى بَدْءاً وَ مُخْتَتَمَا
كما اختار المصطفى بن أبَّيه هو الآخر بحر البسيط ربما لموسيقاهُ الممزوجة وتفعلته المربعة فطفق يبسط في الخصال الحميدة :
الموتُ بحرٌ علينا وردُه حُتِمَـــا
وَ سَهْمُ رامٍ مُصيبٍ ليسِ منه حِمَى
لوْ كانَ في الخَلْقِ باقٍ لم يمُت أبداً
خيرُ الورَى من لرُسْل الله قد خَتَمَا
رُزْءٌ جَليلٌ أَصَابَ العلْمَ أجمعَـه
فَرْضاً و نَدباً ومَنْثوراً وَ مُنْتَظَمَـا
فالفَرضُ يَندبه والندبُ يندبــــه
كلاهُما صارَ منْهُ الرُّكنُ مُنْهَـدِمَا
أَعْنِي به عابدَ الرحمن وا أسَفِي
من للمزاحم في شأوِ العُلى عُدِمَا
صَبْراً أَحبَّتَنا فالأجـــرُ مُقتَـــرِنٌ
بصبرٍ يَعظُمُ حيثُ الرُّزْءُ قد عَظُمَا
واللهُ يسْقِي ضريحَ الشيخِ عابدِه
منَ الرّضى الواكِفِ الهَطَّالِ والدِّيَمَا
وحلَّ في جَنَّةِ الفردَوسِ مَنـزِلَةً
مَنْ حلَّها لمْ يَخَفْ حُزْناً وَ لاَ سَقَمَا
ونَحْمَدُ اللهَ إذْ أَبْقَى لَنــا خَـلَفــــاً
مِنْ بعْد ماصدَّ عنَّا عيْلمُ العُـلَمَــا
فذا الفتَى المُنْتَقَى فينَا “خَليفَته”
……………… .. المُرتَضَى شِيّمَا
سارا علَى نَهْجِ خيرِ الرُّسلِ قاطِبةً
وَ نهجِ أَصْحَابِه الأَخْيَارِ وَ الكُــرَمَا
صَلَّى عليْه الذي بالحَقِّ أَرْسَـــلَه
مَا لاَحَ برْقٌ بِليْلٍ يَكشِفُ الظُّلَمَـا .
الرحمةَ والغفرانَ