الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى
أما بعد
فهذه حلقات توضح الحكمة من الصيام وفوائده وآدابه وأحكامه بذلت الجهد في جمعها وترتيبها وتأصيلها ، أرجو من القراء الكرام توزيعها وتوفيرها للأئمة والخطباء والدعاة ” والله أسأل أن ينفع به من كتبه أو قرأه أو حصله أو سعى في شيء منه . ”
وهذا أوان الشروع في المقصود فأقول وبالله التوفيق
الحكمة من الصيام
الحكمة من الصيام هي : التدريب على التقوى كما جاء ذلك في قول الله عز وجل ( كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون ) (سورة البقرة : 183 ) فنحن نصوم لنتدرب على” التقوى” ذلك لأن في الصيام طاعة منظمة ، مؤقتة توقيتا دقيقا، يلتزم به المسلم إيمانا واحتسابا والنبي صلى الله عليه وسلم يقول : “من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه . ” متفق عليه .
والصائم في إمساكه عن المفطرات لا يراقب إلا الله عز وجل فيمسك عنها في السر كما يمسك عنها في العلانية ، ويصوم عنها أمام الناس ،كما يصوم عنها وهو بعيد عنهم استشعارا لرقابة الله عز وجل ( إن الله كان عليكم رقيبا ) ( سورة النساء : 1)) .
واستشعار هذه الرقابة يحمل المسلم على التقوى والاستقامة في بقية حياته ، أليس سبب المعصية هو “الغفلة” عن الله عز وجل ؟ونقيض الغفلة إنما هو :” الذكر” و” اليقظة ” .والتقوى في حقيقتها يقظة إيمانية تقي المسلم وتنجيه ، أليست التقوى مشتقة من الوقاية ؟( وينجي الله الذين اتقوا بمفازتهم لا يمسهم السوء ولاهم يحزنون ) (سورة الزمر :61 ) ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم :” الصيام جُنّة” متفق عليه .
“والجُنّة” : أداة حربية يواجه بها المحارب أسلحة العدو فتتراجع من غير أن تحقق الهدف ، وكذلك الصيام يرد عنك سهام شياطين الإنس والجن الموجهة إلى كيانك المعنوي ، فتبقى مستقيما في حياتك ،مواليا لأولياء الله معاديا لأعدائه ، حافظا لحدود الله ، محفوظا بحفظ الله ، والصيام الذي يثمر التقوى هو الصيام الحقيقي كما أراده الله ، وكما سنه رسوله محمد صلى الله عليه وسلم ،
فعندما نقرأ الآيات المتعلقة بالصيام نجد شهر رمضان مرتبطا بالصيام والقرآن والدعاء:
1 . صيام في النهار عن الأكل والشرب وشهوات النفس ، وصيام عن المحرمات ، وصيام عن الأخلاق المذمومة .يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” قال الله كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به ، والصيام جنة ، وإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب فإن سابه أحد أو قاتله فليقل إني امرؤ صائم، والذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك للصائم فرحتان يفرحهما إذا أفطر فرح وإذا لقي ربه فرح بصومه . رواه البخاري ومسلم .
ويقول صلى الله عليه وسلم ” من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه ” رواه البخاري
فليس الصوم إمساكا عن الحلال ، وتضييعاً للوقت في المحرمات .
يقول البيضاوي : ” ليس المقصود من شرعية الصوم نفس الجوع والعطش يل ما يتبعه من كسر الشهوات وتطويع النفس الأمارة للنفس المطمئنة . ”
2 . وقراءة القرآن في ليالي رمضان وأيامه ، ولهذا كانت صلاة التراويح في ليالي رمضان وكان جمع الناس فيها على قارئ واحد يصلي بالناس فيلتقي سماع القرآن ودعاء الإيمان في جو من الخشوع والحضور،وتجيء ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر لتحظى بأكبر نصيب من الصلاة والقرآن والدعاء ( حتى مطلع الفجر )
3- ويجيء الدعاء آناء الليل وآناء النهار سمة بارزة من سمات هذا الشهر، تعبدا لله تعالى واستجابة لدعوته وإيمانا به واستشعارا لقربه ( وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون ) (سورة البقرة :186)
وللدعاءآداب ذكرها العلماء منها :
1- – أن يترصد لدعائه الأوقات الشريفة كيوم عرفة من السنة ، ورمضان من الأشهر ، ويوم الجمعة من الأسبوع ، ووقت السحر من ساعات الليل .
2- -أن يغتنم الأحوال الشريفة كحال السجود قال النبي صلى الله عليه وسلم : ” أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا فيه من الدعاء . “رواه مسلم .
استقبال القبلة كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم بعرفة رواه مسلم
-3-ورفع اليدين .
4- أن يكون الدعاء سرا في النفس لأن ذلك أبعد عن الرياء وأبلغ في التعظيم والتوقير كما قال الله عز وجل ( ادعوا ربكم تضرعا وخفية إنه لا يحب المعتدين ) ( سورة الأعراف : 55
قال الحسن البصري :” لقد أدركنا أقواما ما كان على الأرض عمل يقدرون على أن يكون سرا فيكون جهرا أبدا ، ولقد كان المسلمون يجتهدون في الدعاء فلا يسمع لهم صوت إن هو إلا الهمس بينهم وبين ربهم ، وذلك أن الله تعالى قال : ( ادعوا ربكم تضرعا وخفية ) وذكر عبدا صالحا رضي فعله فقال ( إذ نادى ربه نداء خفيا . ) ( سورة مريم : 3 )
وكما في حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال : كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفره فجعل الناس يجهرون بالتكبير فقال النبي صلى الله عليه وسلم أيها الناس اربعوا على أنفسكم إنكم ليس تدعون أصم ولا غائبا إنكم تدعون سميعا قريبا وهو معكم . رواه مسلم .
5-عدم تكلف السجع فإن ذلك لا يناسب الضراعة قال بعض السلف : ادع بلسان الذلة والافتقار لا بلسان الفصاحة والانطلاق .
6-التضرع والخشوع والرغبة والرهبة قال الله تعالى ( إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبا ورهبا وكانوا لنا خاشعين . ) ( الأنبياء : 90) وقال عز وجل : ( ادعوا ربكم تضرعا وخفية . )( الأعراف: 55 )
– 7-أن يجزم الدعاء ويوقن بالإجابة ويصدق رجاءه فيه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :” لا يقل أحدكم إذا دعا اللهم اغفرلي إن شئت اللهم ارحمني إن شئت ليعزم المسألة فإنه لا مكره له . ” رواه البخاري ومسلم
وقال رسول الله صلى لله عليه وسلم : ” إذا دعا أحدكم فليعظم الرغبة فإن الله لا يتعاظمه شيء .” رواه ابن حبان في صحيحه
8-أن يلح الدعاء ويكرره ثلاثا ولا يستبطئ الإجابة قال ابن مسعود كان صلى الله عليه وسلم إذا دعا دعا ثلاثا . رواه مسلم وقال أبو هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” يستجاب لأحدكم ما لم يعجل فيقول قد دعوت ربي فلم يستجب لي . ” رواه مسلم .
9-أن يفتتح الدعاء بذكر الله عز وجل فلا يبدأ بالسؤال .
10-التوبة ورد المظالم والإقبال على الله عز وجل بكنه الهمة وهذا الأدب الباطن هو الأصل في الإجابة .
وبهذا يكون رمضان القرآن والصيام و الدعاء فترة تدريبية غالية يحصل بها الصائم على شرف التقوى التي هي مقياس الفضل عند الله عز وجل ( إن أكرمكم عند الله أتقاكم ) (سورة الحجرات :13 )
اللهم آت نفوسنا تقواها ، وزكها أنت خير من زكاها ، أنت وليها ومولاها ، اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع ، ومن فلب لا يخشع ومن نفس لا تشبع ، ومن دعوة لا يستجاب لها .
فوائد الصيام
أ ) من فوائد الصيام : أنه يربي في الإنسان “قوة الإرادة ” فلا يكون الإنسان أسير هواه يأتمر بأوامره ، ويقف عند حدوده ، ويعبده من دون الله ( اتخذ إلهه هواه ) تتحكم فيه نفسه فتملكه ولا يملكها وقد قيل :”السعادة كلها في أن يملك المسلم نفسه والشقاوة في أن تملكه نفسه .” وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ” ليس الشديد بالصرعة وإنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب ” متفق عليه . فهنا تكون القوة ، وهنا تكون الشجاعة ، وهنا تكون قوة الإرادة ، حين يضبط المسلم نفسه في ثورة الغضب ، ولا ينساق مع ما تمليه عليه فورة الدم ، ولهذا كان ” المجاهد من جاهد نفسه في طاعة الله عز وجل ” رواه الترمذي وصححه .
ولهذا كان فضل الصبر الثابت في الكتاب والسنة قال الله عز وجل : (إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب ) (سورة الزمر : 10 ) وقال النبي صلى الله عليه وسلم :” الصبر ضياء ” رواه مسلم
وقال صلى الله عليه وسلم ” .. وما أعطي أحد عطاء خيرا وأوسع من الصبر ” رواه البخاري . أليس الصبر هو : حبس النفس على ما تكره ؟ سواء أكان صبرا على طاعة الله عز وجل ، أم صبرا عن معصية الله عز وجل ، أم صبرا في السراء عما يدفع إليه الغنى من الطغيان والبغي ( كلا إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى ) ( سورة العلق :6-7 ) ( ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض ) ( سورة الشورى : 27 ) أ م صبرا في الضراء عما قد تدفع إليه الحاجة من التنازل عن أخلاق الإيمان ” إن الرجل إذا غرم حدث فكذب ووعد فأخلف ”
ولهذا كانت الإمامة في الدين إنما تنال بالصبر واليقين( وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون )(سورة السجدة: 24)وقد نبه على ذلك ابن قيم الجوزية .
فمن فوائد الصيام أنه يربي قوة الإرادة ، فإذا انضم إلى الصيام الجهاد كان الكمال . وفي هذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم : ” من صام يوما في سبيل الله باعد الله وجهه عن النار سبعين خريفا ” رواه البخاري.
ب) من فوائد الصيام أن فيه جوعا مفيدا ، يصفي القلب ويرققه ، ويزيل البطر والأشر والطغيان، وقد قيل : “لا تنكسر النفس ولا تذل بشيء كما تذل بالجوع فعنده تسكن لربها وتخشع له ، وتقف على عجزها وذلها .” والصيام يكسر شهوة المعاصي كلها ذلك ” أن منشأ المعاصي كلها – كما يقول أبو حامد الغزالي – الشهوات والقوى ، ومادة القوى والشهوات -لا محالة- الأطعمة، فتقليلها تضعيف كل شهوة وقوة .” وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم ” يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء ” متفق عليه.
هذا الجوع الذي يتضمنه الصيام يبعد المسلم عن آفات الشبع التي أجملها أبو سليمان الداراني في قوله : ” من شبع دخل عليه ست آفات (1) فقد حلاوة المناجاة (2) تعذر حفظ الحكمة (3) حرمان الشفقة على الخلق لأنه إذا شبع ظن أن الخلق كلهم شباع (4) ثقل العبادة (5) زيادة الشهوات (6) أن سائر المؤمنين يدورون حول المساجد والشباع يدورون حول المزابل .
ج ) من فوائد الصيام أنه يجعل المسلمين يتذكرون الجائعين ، والمحرومين ، واللاجئين ، والمشردين في أنحاء الأرض وتزكو في نفوسهم العواطف الخيرة فيكون التوادد والتراحم والتعاطف والتكافل ، ويكون شهر رمضان المبارك شهر جود وإنفاق وإيثار ، اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كان أجود الناس دائما ولكنه كان في رمضان أجود ما يكون .
د) ومن فوائد الصيام : ما ذكره الأطباء من أن فيه تخليصا للبدن من الشحوم المتراكمة ، وطرحا للفضلات والسموم ، وإراحة للكليتين وللجهاز البولي ، وتخفيفا لوارد الدسم على الشرايين .
إلى غير ذلك من الفوائد التي يشملها قول الله عز وجل : ( وأن تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون ) سورة البقرة : (184)
من آداب الصيام في شهر رمضان
أ . تعجيل الفطر بعد تحقق الغروب تطبيقا لقول الله عز وجل ( ثم أتموا الصيام إلى الليل ) ( سورة البقرة : 187) واتباعا لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم القولية والفعلية
فعن سهل بن سعد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :” لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر . ” رواه مالك في الموطإ والبخاري ومسلم .
.. وعن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر في شهر رمضان فلما غابت الشمس قال يا فلان انزل فاجدح لنا قال يا رسول الله إن عليك نهارا قال انزل فاجدح لنا قال فنزل فجدح فأتاه به فشرب النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال بيده : ” إذا غابت الشمس من هاهنا وجاء الليل من هاهنا فقد أفطر الصائم . رواه البخاري ومسلم .
قال النووي : ” في هذا الحديث جواز الصوم في السفر وتفضيله على الفطر لمن لا تلحقه بالصوم مشقة ظاهرة ، وفيه بيان انقضاء الصوم بمجرد غروب الشمس ، واستحباب تعجيل الفطر ، وتذكير العالم ما يخاف أن يكون نسيه ، وأن الفطر على التمر ليس بواجب وإنما هو مستحب لو تركه جاز ، وأن الأفضل بعده الفطر على الماء . ”
واتباعا لسنة الصحابة فقد روى عبد الرزاق بإسناد صحيح عن عمرو بن ميمون الأودي قال كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أسرع الناس إفطارا وأبطأهم سحورا .
وتنفيذا لنهيه صلى الله عليه وسلم عن الوصال ومعناه أن يصل الصائم صيام الليل بصيام النهار قصدا ولا يتناول أي مأكول أو مشروب وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يواصل كما في الصحيحين ولكنه بين لأصحابه أن ذلك خاص به و أنه ليس مثلهم فهو يبيت عند ربه يطعمه ويسقيه ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إياكم والوصال إياكم والوصال إياكم والوصال قالوا إنك تواصل يا رسول الله قال إني لست في ذلك مثلكم إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني .رواه البخاري ومسلم .
وقد رجح ابن القيم أن هذا الإطعام والسقي معنوي لامادي، والمراد به : ” ما يغذيه الله تعالى من معارفه ، وما يفيضه على قلبه من لذة مناجاته ، وقرة عينه بقربه ، وتنعمه بحبه ، والشوق إليه ، وتوابع ذلك من الأحوال التي هي غذاء القلوب ، ونعيم الأرواح ، وقرة العين ، وبهجة النفوس ، وللقلب والروح بها أعظم غذاء ، وأجوده وأنفعه ، وقد يقوى هذا الغذاء حتى يغني عن غذاء الأجسام برهة من الزمان . ” واستشهد بقول الشاعر :
لها أحاديث من ذكراك تشغلها عن الشراب وتلهيها عن الزاد
لها بوجهك نور يستضاء به ومن حديثك في أعقابها حـادي
إذا شكت من كلال السير أوعدها روح القدوم فتحيا عند ميعاد
وقد روي عن بعض السلف أنهم كانوا يواصلون ، ومن أمثلة ذلك : ما روي ابن أبي شيبة بإسناد صحيح أن ابن الزبير كان يواصل خمسة عشر يوما ،
وكان أبو الجوزاء يواصل سبعة أيام وسبع ليال ولو قبض على ذراع الرجل الشديد لحطمه
فإما أن النهي لم يبلغهم ، وإما أنهم واصلوا طلبا للخموصة على حد تعبير الطبري في تفسيره أي أنهم واصلوا تخفيفا للوزن لا تعبدا .
ب . والسنة الإفطار على التمر فعن سلمان بن عامر أن النبي صلى الله عليه مسلم قال : إذا كان أحدكم صائما فليفطر على التمر فإنه بركة فإن لم يجد فعلى الماء فإنه طهور . رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه وابن حبان في صحيحه وقال الترمذي : حسن صحيح .
وعن أنس رضي الله عنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفطر على رطبات قبل أن يصلي فإن لم تكن فعلى تمرات فإن لم تكن حسا حسوات من ماء . رواه أبوداود والترمذي وقال حسن غريب وصححه الدارقطني .
ولا يخفى ما في الإفطار على التمر الذي يعتبر من أغنى الأغذية بسكر الجلوكوز من تعويض سريع للنقص الحاصل في السكر في فترة الصيام ، وهو ما يوصي به الأطباء الآن . بينما لو بدأ الصائم عند فطره بتناول المواد البروتينية أو الدهنية لتطلب امتصاصها فترة طويلة .
جـ ومن السنة : الدعاء عند الإفطار فعن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أفطر قال : ” ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء الله تعالى . ” رواه أبو داود والنسائي في عمل اليوم والليلة والحاكم في المستدرك .
د- وقد ورد فضل عظيم في تفطير الصائمين فعن زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ” من فطر صائما كان له مثل أجره لا ينقص من أجر الصائم شيء . ” رواه الترمذي وقال : حسن صحيح وابن ماجه وصححه ابن خزيمة وابن حبان
هــ ومن السنة السحور فعن عمرو بن العاص رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ” فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحر . ” رواه مسلم
وعن أنس ر الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال تسحروا فإن في السحور بركة ” رواه البخاري ومسلم .
والبركة في السحور هي : ” أنه يقوى على الصيام وينشط له ، ويحصل بسببه الرغبة في الازدياد من الصيام لخفة المشقة على المتسحرين . ” ومن بركة السحور : الاستيقاظ في الثلث الأخير من الليل ، حيث استجابة الدعاء ، وقبول الاستغفار ، وإعطاء السائلين ، ومن بركته : تعويد الأطفال الصائمين على أداء صلاة الفجر في الجماعة .
وقد أجمل ابن حجر بركة السحور فيما يلي ” اتباع السنة ومخالفة أهل الكتاب ، والتقوي على العبادة ، والزيادة في النشاط ، ومدافعة سوء الخلق الذي يثيره الجوع ، والتسبب للصدقة … والتسبب للذكر ، والدعاء وقت مظنة الإجابة . ”
و – ومن السنة تأخير السحور ففي الصحيحين عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ” تسحروا فإن في السحور بركة . ” وقد دل على ذلك قول الله عز وجل ( فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ) ( سورة البقرة :187)
فقد بينت هذه الآية الكريمة أن المباشرة والأكل والشرب مسموح بها كلها حتى طلوع الفجر وقد ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ” إن بلالاً يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم ” قال الراوي وكان (ابن أم مكتوم) رجلا أعمى لا ينادي حتى يقال له أصبحت أصبحت. وهذه النصوص تدل على أنه لا يجب الإمساك قبل طلوع الفجر ، وأنه يجوز للمسلم أن يقلد في ذلك المؤذن العدل العارف ، الأمر الذي يجعل الموقتين والمؤذنين مطالبين بكثير من تحري الدقة .
ومن فوائد تأخير السحور : القوة على أداء عبادة الصيام ، فكأن الصائم قدم أكلة الصباح قبل طلوع الفجر وأخر غداءه ليتناوله بعد المغرب ، وهو تعديل في البرنامج اليومي سهل لا يجلب حرجا ولا مشقة ،
ومن أداب الصيام :
ز الإكثار من تلاوة القرآن ومدارسته كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل ، وخصوصا في شهر رمضان ، وقد أنزل القرآن في هذا الشهر فشكرا لله في هذه الذكرى علينا أن نقبل على القرآن تلاوة وتدبرا ومدارسة وتطبيقا ( إن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية يرجون تجارة لن تبور ) سورة فاطر : ( 29) ونلتزم بآداب التلاوة التي ذكرها العلماء ومنها :
1. الطهارة
2. الترتيل والتؤدة لأن ذلك أقرب إلى التوقير والاحترام وأشد تأثيرا وقد نعتت أم سلمة رضي الله عنها قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا هي تنعت قراءة مفسرة حرفا .رواه أبو داود والنسائي والترمذي وقال حسن صحيح .
ووصف حذيفة رضي الله عنه قراءته فأخبر أنه كان يقرأ مترسلا إذا مر بآية تسبيح سبح وإذا مر بسؤال سأل وإذامر بتعوذ تعوذ . رواه مسلم .
3. -البكاء قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :” اتلوا القرآن وابكوا فإن لم تبكوا فتباكوا . رواه ابن ماجه بإسناد جيد كما قال العراقي
4. تحسين القراءة وتزيينها بترديد الصوت من غير تمطيط مفرط قال النبي صلى الله عليه وسل : ” زينوا القرآن بأصواتكم رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه وصححه ابن حبان والحاكم . وقال رسول الله صلى الله له وسلم لأبي موسى : ” لو رأيتني وأنا أستمع لقراءتك البارحة لقد أوتيت مزمارا من مزامير آل داود . ” رواه البخاري ومسلم .
5. التدبر التدبر وهو وراء حضور القلب فإنه قد لا يتفكر في غير القرآن ولكنه يقتصر على سماع القرآن من نفسه وهو لا يتدبره والمقصود من القراءة التدبر
6. -التعظيم للمتكلم فالقارئ في البداية ينبغي أن يحضر قلبه عظمة المتكلم ويعلم أن ما يقرؤه كلام الله لا كلام البشر .
7. – التخلي عن موانع الفهم ومن أخطرها أن يكون مصرا على ذنب أو متصفا بكبر أو مبتلى في الجملة بهوى مطاع فإن ذلك سبب ظلمة القلب وصدئه وقد شرط الله عز وجل الإنابة في الفهم والتذكر فقال تعالى ( تبصرة وذكرى لكل عبد منيب )( سورة ق : 8) وقال عز وجل ( وما يتذكر إلا من ينيب ) (سورة غافر : 13)
ح . الجود والإنفاق وهو أمر مطلوب في كل زمان ، فالمال مال الله والمسلم مستخلف فيما تحت يده فعليه أن يتصرف طبقا لأوامر ربه وتوجيهات رسوله صلى الله عليه وسلم ( وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه) (سورة الحديد : 7) ومن صفات المؤمنين الأساسية : الإنفاق ( ومما رزقناهم ينفقون ) (سورة البقرة : 3)
وكان النبي صلى الله عليه وسلم أجود الناس وصح عنه أنه ” ما سئل شيئا قط فقال : لا. ” وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في حديث عدي بن حاتم الثابت في الصحيحين : ” .. فاتقوا النار ولو بشق تمرة ”
ولكن الجود والإنفاق في رمضان أفضل لفضل الشهر . وكلما عظم الزمان أو المكان عظمت الطاعة وعظمت المعصية ، ( ومن يعظم حرمات الله فهو خير له عند ربه ) (سورة الحج (30)( ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم ) سورة الحج :(25)
ومن آداب الإنفاق :
1 . الإخلاص وابتغاء مرضاة الله لا مرضاة الناس والحذر من الرياء والسمعة فإنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى .
2 . الإسرار فإن ذلك أبعد عن الرياء والسمعة ، وأحد السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله : رجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه . متفق عليه .
وكان بعض السلف يبالغون في الإخفاء حرصا على الإخلاص فمنهم من كان يصر الصدقة في ثوب الفقير وهو نائم ، أو يقدمها في ظلام الليل ، إلى غير ذلك من وسائل الإخفاء . نعم إذا كان في إظهار الصدقة ترغيب للناس في الاقتداء بعيدا عن الرياء فقد قال الله عز وجل ( إن تبدو الصدقات فنعما هي وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم ) (سورة البقرة : 271) .
3 . عدم المن والأذى قال الله عز وجل (يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى ) ( سورة البقرة : 264) ومن مظاهر المن بالصدقة : ” التحدث بها وإظهارها ، وطلب المكافأة منه بالشكر والدعاء والخدمة والتوقير والتعظيم والقيام بالحقوق والتقدم في المجالس والمتابعة في الأمور. ” ومن مظاهر الأذى : ” التوبيخ والتعيير ، وتخشين الكلام ، وتقطيب الوجه ، وهتك الستر بالإظهار وفنون الاستخفاف. ”
4 . أن لا يستعظم ما أعطى ولا يعجب بما أنفق فالعجب محبط للأعمال والمطلوب أن يستصغر المسلم – دائما – ما يعطي فالمال كله لله عز وجل والعبد مستخلف فيه ، والمعطي في كثير من الأحيان لا يعطي إلا نسبة قليلة من ماله فعليه أن يخجل لا أن يعجب .
5 . اختيار الأجود والأطيب والأحب كما قال الله عز وجل ( لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون) (سورة آل عمران 92) ولا ينبغي للمسلم أن يختار الأردأ من ماله ليتقرب به إلى الله عز وجل قال الله سبحانه وتعالى : ( ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ) (سورة البقرة : 267) .
6 . تقديم المستحقين من الأقارب وذوي الأرحام فالصدقة عليهم صدقة وصلة .
7. اختيار النوعية المذكورة في قوله تعالى ( للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله لا يستطيعون ضربا في الأرض يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف تعرفهم بسيمـاهم لا يسألون النــاس إلحافـا) ( سورة البقرة : 273)
ط. ومن آداب الصيام غض البصر وحفظ اللسان عن الكذب والغيبة والنميمة والفحش والخصومة والمراء وغير ذلك من “آفات اللسان ” وإلزامه السكوت وشغله بذكر الله عز وجل قال النبي صلى الله عليه وسلم : ” من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت ” وكذلك كف السمع عن الإصغاء إلى المحرمات فكل ما حرم قوله حرم الإصغاء إليه ( وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذا مثلهم ) ( سورة النساء :140) وكذلك كف بقية الجوارح عن الآثام ، فالحكمة من الصيام هي : تحصيل ملكة التقوى فإذا خاض الصائم في الآثام أفسد ما أصلحه الصيام .
ي . أن لا يستكثر من الطعام الحلال وقت الإفطار فإن مقصود الصوم كسر الهوى لتقوى النفس على التقوى و”روح الصوم وسره تضعيف القوى التي هي وسائل الشيطان في العود إلى الشرور ، ولن يحصل ذلك إلا بالتقليل وهو أن يأكل أكلته التي كان يأكلها كل ليلة لو لم يصم فأما إذا جمع ما كان يأكل ليلا فلم ينتفع بصومه ” كما يقول أبو حامد الغزالي رحمه الله تعالى .
وما ذكره الغزالي هو ما ينصح به الأطباء .
ك . الاجتهاد في العشر الأواخر من رمضان وتحري ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا دخل العشر الأواخر من رمضان شد مئزره ، وأحيا ليله وأيقظ أهله . رواه البخاري ومسلم . وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه أمر بتحري ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان ، وفي السبع الأواخر منه فعن ابن عمر رضيالله عنهما قال قال رسول الله صلىالله عليه وسلم : ” التمسوها في العشرالأواخر ( يعني ليلة القدر ) فإن ضعف أحدكم أو عجز فلا يغلبن على السبع البواقي . ” رواه مسلم .
وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رجالا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أروا ليلة القدرفي المنام في السبع الأواخر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” أرى رؤياكم قد تواطأت في السبع الأواخر فمن كان متحريها فليتحرها في السبع الأواخر . ”
ل . الاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان اتباعا لسنة النبي صلى الله عليه وسلم الثابتة عنه ، فقد كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله عز وجل ثم اعتكف أزواجه بعده . رواه البخاري ومسلم
وروح الاعتكاف ومقصوده كما يقول ابن القيم : ” عكوف القلب على الله تعالى وجمعيَّته عليه ، والخلوة به ، والانقطاع عن الاشتغال بالخلق والاشتغال به وحده سبحانه ، حيث يصير ذكره وحبه ، والإقبال عليه في محل هموم القلب وخطراته ، فيستولي عليه بدلها ، ويصير الهم كله به ، والخطرات كلها بذكره ، والتفكر في تحصيل مراضيه وما يقرب منه ، فيصير أنسه بالله بدلا عن أنسه بالخلق ، فيعده بذلك لأنسه به يوم الوحشة في القبور حين لا أنيس له ، ولا ما يفرح به سواه فهذا مقصود الاعتكاف الأعظم . ”
من أحكام الصيام
حكم صوم رمضان :
صوم رمضان ركن من أركان الإسلام كما يدل على ذلك حديث عبد الله بن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وحج البيت وصوم رمضان . ” رواه البخاري ومسلم .
ومُنكِر وجوبه يعتبر مرتدا عن الإسلام لأنه أنكر معلوما من الدين بالضرورة . وتارك الصوم عمدا هادم لركن من أركان الإسلام ، ويؤدب باجتهاد الحاكم .
على من يجب الصيام :
يجب الصيام على المسلم ، العاقل ، البالغ ، القادر ، المقيم ،
ويشترط في وجوبه على المرأة : أ ن تكون طاهرا من دم الحيض والنفاس .
ولا يجب الصوم على المجنون لأن العقل هو مناط التكليف ، وقد رفع القلم عن المجنون حتى يفيق فعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ” رفع القلم عن ثلاثة عن الصبي حتى يبلغ ، وعن النائم حتى يستيقظ ، وعن المجنون حتى يفيق .” رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه وحسن النووي إسناده .
ولا يجب الصوم على الطفل الصغير، ولكن الأطفال ينبغي تدريبهم على الصيام،كما يدربون على الصلاة وعلى الحج ويمرنون على مختلف الطاعات والدليل على ذلك : حديث الربيع بنت معوذ قالت أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم غداة عاشوراء إلى قرى الأنصار التي حول المدينة من كان أصبح صائما فليتم صومه ومن كان أصبح مفطرا فليتم بقية يومه فكنا بعد ذلك نصومه ونصوم صبياننا الصغار منهم إن شاء الله ونذهب إلى المسجد فنجعل لهم اللعبة من العهن فإذا بكى أحدهم على الطعام أعطيناها إياه حتى يكون عند الإفطار. رواه البخاري ومسلم .
ولا يجب الصوم على المريض الذي يخشى بالصوم زيادة المرض أو تأخر البرء اعتمادا على التجربة أو على إخبار الطبيب العدل ، بل يجب عليه الفطر إذاخاف هلاكا أو شديد أذى ومن السلف من يرى الفطر بكل مرض اعتمادا على إطلاق الآية ( فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر) ( سورة البقرة:184)
قال البخاري : اعتللت بنيسابور علة خفيفة وذلك في شهررمضان فعادني إسحاق بن راهويه في نفر من أصحابه فقال أفطرت يا أبا عبد الله فقلت نعم فقال خشيت أن تضعف عن الرخصة قلت حدثنا عبدان عن ابن المبارك عن ابن جريج قال قلت لعطاء من أي المرض أفطر؟ قال من أي مرض كان كما قال الله تعالى ( ( فمن كان منكم مريضا ) قال البخاري وهذا الحديث لم يكن عند إسحاق . ”
الصوم في السفر
ولا يجب الصوم على المسافر بنص الآية
ويجوز الصوم والفطر في السفر كما دلت على ذلك سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم
فعن عائشة رضي الله عنها أمها قالت سأل حمزة بن عمرو الأسلمي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصيام في السفر فقال : ” إن شئت فصم وإن شئت فأفطر . ” رواه البخاري ومسلم .
وعن حمزة بن عمرو الأسلمي رضي الله عنه أنه قال يا رسول الله أجد بي قوة على الصيام في السفر فهل علي جناح ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هي رخصة من الله فمن أخذ بها فحسن ومن أحب أن يصوم فلا جناح عليه . رواه مسلم
وعن أنس رضي الله قال سافرنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان فلم يعب الصائم على المفطر ولا المفطر على الصائم .رواه البخاري ومسلم .
وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في شهر رمضان في حر شديد حتى إن كان أحدنا ليضع يده على رأسه من شدة الحر وما فينا صائم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعبد الله بن رواحة . رواه البخاري ومسلم .
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لست عشرة مضت من رمضان فمنا من صام ومنا من أفطر فلم يعب الصائم على المفطر ولا المفطر على الصائم . رواه مسلم .
وعن أنس رضي الله عنه قال كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في السفر فمنا الصائم ومنا المفطر قال فنزلنا منزلا في يوم حار أكثرنا ظلا صاحب الكساء ومنا من يتقي الشمس بيده قال فسقط الصوام وقام المفطرون فضربوا الأبنية وسقوا الركاب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” ذهب المفطرون بالأجر . ” رواه البخاري ومسلم
فهذه النصوص كلها دالة على جواز الصوم والفطر في السفر .
ولكن أيهما أفضل ؟
قال مالك وأبو حنيفة والشافعي والأكثرون الصوم أفضل لمن أطاقه بلا مشقة ظاهرة ولا ضرر فإن تضرر به فالفطر أفضل ، وعلى هذا يحمل حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فرأى رجلا قد اجتمع الناس عليه فقال : ماله ؟ قالوا رجل صائم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس من البر الصوم في السفر: ” قال النووي : ” معناه اذا شق عليكم وخفتم الضرر وسياق الحديث يقتضى هذا التأويل وهذه الرواية مبينة للروايات المطلقة ليس من البر الصيام في السفر ومعنى الجميع فيمن تضرر بالصوم ” ”
ويؤيد هذا حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : كنا نغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان فمنا الصائم ومنا المفطر فلا يجد الصائم على المفطر ولاالمفطر على الصائم ،يرون أن من وجد قوة فصام فإن ذلك حسن ويرون أن من وجد ضعفا فأفطر فإن ذلك حسن . رواه مسلم .
وقال أحمد وإسحاق وغيرهم الفطر أفضل .
وكذلك إذا كان المسلمون في مواجهة العدو والفطر أقوى لهم فلا ينبغي لهم أن يصوموا
فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال سافرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة ونحن صيام قال فنزلنا منزلا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنكم قد دنوتم من عدوكم والفطر أقوى لكم فكانت رخصة فمنا من صام ومنا من أفطر ثم نزلنا منزلا آخر فقال إنكم مصبحو عدوكم والفطر أقوى لكم فافطروا وكانت عزمة فأفطرنا ثم قال لقد رأيتنا نصوم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك في السفر . رواه مسلم .
بل أفتى ابن تيمية الجيش الإسلامي –وهو قريب من دمشق غير مسافر – بالفطر وذلك في معركة ” شقحب ” المشهورة وقد اعتمد على الحديث المذكور الذي يفهم منه أن كون الفطر أقوى للجيش سبب مستقل عن السفر مبيح للفطر .
قال ابن القيم : ” فتنبيه الشارع وحكمته يقتضي أن الفطر لأجل الجهاد أولى منه لمجرد السفر فكيف وقد أشار إلى العلة ، ونبه عليها ، وصرح بحكمها وعزم عليهم بأن يفطروا لأجلها ”
والسفر المبيح للفطر والقصر عند الإمام مالك والشافعي أربعة برد والبريد أربعة فراسخ والفرسخ ثلاثة أميال ومن السلف من يبيح الفطر والقصر في قليل السفر وكثيره محتجين بظواهر النصوص المطلقة .
وكذلك لا يجب الصيام على الشيخ الكبير والمرأة الكبيرة اللذان لا يستطيعان الصيام فروى البخاري عن عطاء أنه سمع ابن عباس رضي الله عنهما يقرأ( وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين ) قال ابن عباس : ليست بمنسوخة هي للشيخ الكبير ، والمرأة الكبيرة لا يستطيعان أن يصوما فيطعمان مكان كل يوم مسكينا .
وكذلك لايجب الصوم على الحبلى والمرضع إذا خافتا على أنفسهما أو أولادهما لعدم قدرتهما على الصيام .
وكذلك لا يجب الصوم على الحائض والنفساء بل يحرم عليهما ، وعليهما قضاء ما فاتهما .
أركان الصيام
1 . نية الصيام قبل طلوع الفجر .
2. الإمساك عن المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس .
مبطلات الصيام :
مادام الصوم إمساكا عن الأكل والشرب وسائر المفطرات فإن الصوم يبطل بما يلي :
1. الأكل والشرب عمدا لا نسيانا فقد ثبت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه . متفق عليه . فلا يبطل صوم الناسي عند جمهور علماء الأمة .
ويبطل الصوم بالأكل ولو كان ما يتناوله لا يتغذى به .
2 . الجماع والاستمناء .
3 . القيء عمدا أما من غلبه القي ء فلا حرج عليه .
4 . نية الفطر في أثناء النهار ولو لم يأكل ولم يشرب .
5. من أفطر ظانا غروب الشمس ثم تبين له عدم غروبها فقد بطل صومه ، وعليه القضاء عند جمهور العلماء ، وذهب داود وإسحاق إلى عدم وجوب القضاء في هذه الحالة، ورجح ذلك ابن تيمية مستدلا بحديث البخاري عن هشام بن عروة عن فاطمة عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت أفطرنا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم يوم غيم ثم طلعت الشمس قيل لهشام فأمروا بالقضاء قال : لا بد من قضاء وقال معمر سمعت هشاما : لا أدري أقضوا أم لا ؟
قال ابن تيمية : هذا يدل على عدم وجوب القضاء فإن النبي صلى الله عليه وسلم لو أمرهم بالقضاء لشاع ذلك كما نقل فطرهم فلما لم ينقل دل على أنه لم يأمرهم به . ”
على من تجب الكفارة ؟
تجب الكفارة على من أكل أو شرب أو جامع أو استمنى متعمدا في نهار رمضان عند المالكية أما عند الجمهور فإن الكفارة لا تجب إلا فيما ورد فيه النص وهو: الجماع .
ما الكفارة ؟
كفارة رمضان عبارة عن : عتق رقبة فإن لم يجد صام شهرين متتا بعين فإن لم يستطع أطعم ستين مسكينا كما دل على ذلك حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال هلكت يا رسول الله قال وما أهلكك ؟ قال وقعت على امرأتي في رمضان قال هل تجد ما تعتق رقبة؟ قال : لا قال فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين قال :لا قال فهل تجد ماتطعم ستين مسكينا قال : لا قال ثم جلس فأتي النبي صلى الله عليه وسلم بعرق فيه تمر فقال : تصدق بهذا قال : أفقر منا فما بين لابتيها أهل بيت أحوج إليه منا فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت أنيابه ثم قال : ” اذهب فأطعمه أهلك . ” رواه البخاري ومسلم .
ويجب أن نلاحظ هنا أن المسلم ليس مخيرا بين الصوم والكفارة بل الكفارة جاءت لحل مشكلة التائبين النادمين .
والكفارة مرتبة عند جمهور العلماء فلا ينتقل إلى الصوم حتى يعجز عن العتق ولا ينتقل إلى الإطعام حتى يعجز عن الصيام.
لا حرج على الصائم فيما يلي
1. الإصباح بجنابة
فمن طلع عليه الفجر وهو جنب فصومه صحيح كما دل على ذلك القرآن والسنة.
أما القرآن فقول الله عز وجل ( وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل ) ( سورة البقرة : 187 )
فأباح الله عز وجل للمسلم الأكل والشرب والمباشرة إلى طلوع الفجر فبالضرورة يعلم أن الفجر سيطلع عليه وهو جنب .
وأما السنة فعن عائشة رضي الله عنها وأم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصبح جنبا من جماع غير احتلام ثم يصوم . رواه البخاري ومسلم .
2- القبلة والمباشرة إذا أمن ما سوى ذلك
فعن عائشة رضي الله عنها قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل وهو صائم ويباشر وهو صائم ولكنه أملككم لإربه . رواه البخاري ومسلم .
تأخير قضاء رمضان
يجوز تأخير قضاء رمضان لقول الله عز وجل( فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر ) ( سورة البقرة : 184) فقد دلت الآية على وجوب القضاء من غير تعيين لزمان ،
ولحديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت إن كانت إحدانا لتفطر في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم فما تقدر على أن تقضيه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يأتي شعبان . رواه البخاري ومسلم .
وكن يصمن في شعبان لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكثر الصيام في هذا الشهر فعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم حتى نقول :لا يفطر ويفطر حتى نقول لا يصوم وما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استكمل صيام شهر قط إلا رمضان وما رأيته في شهر أكثر منه صياما في شعبان. رواه البخاري ومسلم .
2.الاغتسال والتبرد فمادام يجوز للصائم أن يصبح جنبا فقد وجب عليه الاغتسال ، وهو أمر نفهم منه أنه لا حرج في الاغتسال والتبرد.
3. الأكل حتى يتحقق طلوع الفجر قال الله تعالى ( وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ..)
4. السفر في رمضان ولو أدى إلى الفطر فقد سافر النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في رمضان.
5.المضمضة والاستنشاق بلا مبالغة ، وذلك مفهوم من وجوب الوضوء للصلوات ، أما عدم المبالغة في الاستنشاق فقد دل عليها حديث لقيط بن صبرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ” أسبغ الوضوء وخلل بين الأصابع وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون ضائما . ” رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وصححه الترمذي وابن خزيمة وابن حبان والحاكم .
6. استعمال الحقنة الدوائية في رمضان لأنها ليست أكلا ولا شربا ، ولا هي في معنى الأكل والشرب ، أما حقنة التغذية فهي في معنى الأكل والشرب ولذلك ينبغي للصائم تجنبها.
7. شم الطيب لعدم الدليل المانع وللأمر بمس الطيب لصلاة الجمعة ولم يقيد بغير رمضان .
8. غلبة القيء أما من استقاء عمدا فعليه القضاء .
9. بلع الريق .
10. غبار الطريق.
11. الاحتلام لأن القلم مرفوع عن النائم.