بينما كان الدكتور والأديب الشيخ ولد دومان في أحد مقاهي حلب «الشهباء»، رفقة عدد من كبار الشعراء السوريين، إذ طلب منه بعضهم إلقاء نماذج من الشعر الموريتاني، فلم يستحضر ساعتها إلا أبيات المدروم للعلامة محمد ولد أحمد يوره :
على الربعِ بالمدرومِ أيِّـهْ وحيِّهِ = = وإن كان لا يدري جواب المؤيِّهِ
وقفتُ به جذلانَ نفس كأنما = = وقفت على ليلاهُ فيهِ وميِّـه
وقلت لخلٍّ طالما قد صحبتُه = = وأفردته من بين فتيان حيِّهِ
أعنّي بصوبِ الدمع من بعد صونِهِ = = ونشرِ سرير السرِّ من بعد طيِّهِ
فما أنتُ خلُّ المرءِ في حال رشدهِ = = إذا أنتَ لستَ الخلَّ في حالِ غَيِهِ
فما كان من الجميع إلا أن وقفوا منبهرين من شدة جمال الأبيات وروعتها، وكان منهم الشاعر المخضرم محمد هلال فخرو.. وفي صبيحة اليوم التالي اتصل شاعر الشهباء «هلال فخرو» على الدكتور الشيخ، ليخبره أنه لم يذق طعم النوم من ليلة البارحة، لشدة جمال الأبيات، وبأنه عارضه بهذه الأبيات:
تحاملتُ عصراً نحو أطراف حيِّهِ = = أسائلُ عن ليلاه فيه ومَيِّهِ
لقد كانتا ترباً لمن قد فقدتُـهُ = = لعلَّ لدى إحداهما علمَ حيِّهِ
فقال لي الصبيانُ : ليلى تُوفيتْ = = ومَيَّةُ في قاع الرشاد وغَّيِّهِ
فما تبتغي ..؟ قلتُ السلامةَ والهدى = = وسِرتُ شجيَّ الحلقِ من بعد ريِّهِ
يكاد يرى الراؤون وقعَ جوابهم = = فقد بانَ فوق الوجه آثارُ كَـيِّهِ
يحقُّ لمثلي أن يدلِّـهَهُ الهوى= = ويعرِضَ عن أزياءَ ليستْ كزِيِّهِ
فيا شاعرَ المدرومِ شعرُكَ قاتلي = = فأيِّهْ .. فما أسمعتَ غيرَ المؤيِّهِ
فقام الدكتور الشيخ بدوره فعارض أبيات المدروم بالأبيات الأخرى التالية الجميلة :
رويتُ حمى المدروم مثلَ أُخيِّهِ = = بدمعي فما أوفيته حقَّ رَيِّهِ
فخاطبني طيفٌ لحسناءَ قائلاً = = أتبكي على المدروم يا ابنِ أُبَيِّـهِ
فقلتُ لها من أنتِ؟ هل تعرفينه؟ = = ولم تدر عن ليلاه شيئاً ومّيِّهِ
فقالتْ: أنا من أبرؤ العشقَ والهوى = = وأثني ذراعَ الشوق من بعدِ لّيِّهِ
فقلتُ: وجرحُ القلب بالأيِّ نازفاً = = كجرحِ فتى المدروم في يوم غّيِّهِ
فقالت : إذن فالكيُّ .. قلتُ : لربما = = فليس يرجَّى البرءُ إلا بكيِّهِ
فقالتْ: لأنت الخلُّ في الرُّشدِ والغوى = = فأيِّهِ على المدروم يا شيخ أيِّهِ
وأخذت هذه القصة مساحة كبيرة على الصفحات الثقافية والأدبية للصحف السورية وقتها، وعارض العديد من الشعراء أبيات العلامة ولد أحمد يوره.
لكن أبيات المدروم كانت موضوعاً لقصة دبية وأكاديمية أخرى لا تقل جمالا وإثارة، وذلك حين أصبحت نصاً تطبيقياً لأول درس جامعي في تاريخ الأدب الموريتاني، سنورد خلاصته في منشور قادم بحول الله وقوته.
من صفحة Mohed Elmona