هل طرح رئيس الجمهورية ومستشاروه الاحتمال الكبير لفشل خطة الإقلاع الاقتصادي للأسباب التالية؟
بصراحة أثق في رئيس الجمهورية لكن كما يقال فإن تصحيح البدايات شرط في كمال النهايات، والبدايات لم تصحح بعد، فما يزال المفسدون الذين تعودوا على الرشوة والزبونية هم من يتحكمون في أغلب المناصب، وكان من الأولى على الأقل تعيين كفاءات مستقيمة ووطنية في المناصب الحساسة الضرورية لنجاح المأمورية الحالية..
وما تزال الأنظمة الإدارية والتسييرية المتخلفة التي هي سبب أغلب ما وقع في العشرية الماضية من الاختلاس وسوء التسيير هي السائدة، وكان الأولى أن تجد كفاءات محترفة تغيرها وتعصرنها وتبعدها عن التلاعب.
وما تزال عقلية صرف الأموال العمومية هي ذاتها بلا إبداع ولا تطوير ولا حتى فهم لميكانيزمات الدول وعوائق التنمية فيها.. نفس الصفقات والمشاريع والأشخاص والأسلوب الذي يؤدي دائما إلى إغناء حفنة من المسؤولين والتجار وإفقار الشعب.
إن أخشى ما أخشاه أن تصرف الحكومة هذه المائتين وأربعين مليارا على برنامج الإقلاع الاقتصادي بنفس الطريقة التي تصرف بها حاليا أكثر من مائتي مليار على برنامج تآزر وأكثر من أربعين مليارا على برنامج كورونا دون تحقيق أي مردودية ملموسة للشعب الموريتاني..
إن الاقتصاد الموريتاني مكبل بعوائق كثيرة يضيق المقام عن سردها جميعا لكن سأذكر منها الآن سبعة عوائق كبرى ما لم تحل فكل ما سيصرف سيكون مجرد هدر للأموال العمومية ولن يفيد البلد في التنمية:
العائق الأول: غياب وغلاء وسائل الإنتاج وفي مقدمتها الكهرباء والماء والانترنت التي لا يمكن لأي تنمية أن تنطلق ما لم تتوفر بكثرة وبأسعار رخيصة، ولا سبيل إلى ذلك إلا بحل شركة صوملك التي هي إحدى أفسد الشركات الوطنية وتأسيس شركة جديدة على أنقاضها تدير الكهرباء بأفكار مختلفة. وما يقال عن الكهرباء يقال عن الماء، وعن إنشاء شركة وطنية للاتصالات الجيل الخامس، وكل هذه المشاريع الثلاثة تحتاج إلى توفير الحكومة لعشرات المليارات لدعمها حتى تنطلق انطلاقة سليمة.
العائق الثاني: غلاء السلع والخدمات الذي جعل تكلفة المعيشة في موريتانيا أغلى من تكلفتها في جميع دول إفريقيا والعالم العربي وأغلى من بعض الدول الأوروبية، بسبب غلاء الضريبة التي أصبحت – وهذا مكمن خطر آخر- هي أساس مصادر ميزانية الدولة، وما لم تراجع الفلسفة الاقتصادية للدولة حتى تصبح الضرائب وسيلة لتنظيم توزيع الثروة أكثر مما هي وسيلة لتمويل الحكومة فلا أمل في انطلاقة اقتصادية سليمة.
العائق الثالث: ضعف رواتب الطبقتين الفقيرة والمتوسطة (الأساتذة والمعلمين والأطباء فمن دونهم، ورواتب تقاعدهم وهذا لا تنمية اقتصادية معه ولا استقرار اجتماعي.
العائق الرابع: هيمنة رجال الأعمال على السلطة فلا يوجد وزير ولا مدير ولا مسؤول ولا عسكري ولا رجل أمن ولا صحفي مؤثر إلا وهو أسير لرشاوى رجال الأعمال وتوجيهاتهم، فهم من يحدد من وراء ستار سياسات الحكومة وأحيانا تعييناتها في جميع القطاعات المدرة الصيد والزراعة والتجارة والمعادن والمالية والصحة والتجهيز والنقل…إلخ، وهذا مدمر ولا يمكن أن تقع معه تنمية.
العائق الخامس: البنوك التي لم تقم في بلدنا لخدمة الزبون الأساسي الذي هو المواطن، بل لخدمة الحكومة وشركات الدولة والمجموعات التجارية التي يملكها ملاك البنوك ولا يمكن أن تتم تنمية ما لم يتم إصلاح هذا الوضع.
العائق السادس: انعدام إدارة في خدمة المواطن والتنمية وذيوع الوساطة والجهل والمحسوبية فيها..
العائق السابع: انعدام قضاء مستقل ونزيه قادر على حماية الاستثمارات الوطنية والأجنبية..
إن لتسيير الدول أصولا دقيقة قليل من يعرفها فلا بد لها من كفاءات حقيقية تفهمها وتملك من الضمير الوطني ما يجعلها تحرص على تطبيقها، وهذا ما لم نشاهد بوادره مع الأسف خلال حكومة ولد الشيخ سيديا وأخشى ألا نشاهده خلال حكومة ولد بلال.. والوقت يا فخامة الرئيس يجري ولا يرحم.. اللهم هل بلغت.. اللهم فاشهد…