منذ استقلال موريتانيا سنة 1960م وإلى عهد قريب لم تشهد بلادنا أي تدخل خارجي في شؤون الدول الأجنبية، وينسحب ذلك على الدول الشقيقة منها والصديقة على حد سواء.
ذلك أن السياسة الخارجية الموريتانية كانت سياسة الثوابت التي لا تحيد الدولة عنها تحت أي ظرف مهما كانت الأسباب، وقد استقرت البلاد على هذه السياسة عدة سنوات بعد الاستقلال إلى أن فتحت فيها نافذة في عهد الرئيس السابق مند ثلاث سنوات، حيث قامت بعض دول الخليج بحصار دولة قطر الشقيقة، برا، بحرا، وجوا، دون أن يعرف أحد الأسباب الحقيقية لهذا الحصار الذي لم يسبق له مثيل في العلاقات العربية الخليجية بصفة خاصة.
وقد كانت دول الخليج العربية تشكل مثالا يحتذى به في التوحد والتضامن والتعاضد، فيما يسمى مجلس التعاون الخليجي العربي، إلا أن الظروف التي اكتنفت إجراءات حصار دولة قطر لم يجد أكثر المحللين المتابعين للشأن الخليجي تفسيرا مقنعا ومنطقيا لهذا الحصار.
ويرى بعض مثقفي دول الخليج العربي أن هذا الحصار ينطبق عليه المثل القائل رب ضارة نافعة بالنسبة لدولة قطر، ذلك أن معظم وارداتها كانت تأتيها عن طريق ميناء جدة الدولي.
وقد استطاعت دولة قطر اتخاذ سياسة صارمة باستغنائها كليا عن استيراد كثير من المواد من الخارج، معتمدة في ذلك على سياسة الاكتفاء الذاتي لإقامة المؤسسات والمنشئات التي تنتج من خلالها أكثر حاجاتها الاستهلاكية
المباشرة.
أما بالنسبة للموقف الموريتاني من هذا الحصار وهو الأكثر غرابة وبعدا عما دأبت عليه موريتانيا في منهج علاقاتها الخارجية من عدم التدخل في الشؤون الداخلية والخارجية لأية دولة كانت.
وقد كان ذلك من الثوابت المتفق عليها في سياسية الحكومة بصفة خاصة وموافق عليه من جميع الأطراف السياسية والثقافية الموريتانية.
لا شك أن الموقف الموريتاني من هذه القضية يثير كثيرا من التساؤلات من حيث الدوافع والأسباب الحقيقية التي أدت الى اتخاذ مثل هذا الإجراء الغريب على سياسة بلادنا الخارجية والذي لم يعرف مثله منذ استقلالها وحتى الوقت الحاضر.
إن بلادنا لم يسبق لها أن انحازت إلى ما يعرف بالتكتلات السياسية الخارجية والإقليمية أو الدولية على الإطلاق.
إن إقدام موريتانيا على قطع علاقاتها الديبلوماسية مع دولة قطر العضو في الجامعة العربية دون أن يعرف أحد من الرأي العام الموريتاني الأسباب التي جعلت الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز يتخذ مثل هذا الموقف الغريب على سياسة بلادنا الخارجية.
هذا في الوقت الذي كانت فيه دولة قطر تستعد لإقامة مشاريع اقتصادية وسياحية وصحية كما كانت مستعدة للمشاركة في تمويل كل المشاريع التي تقدمها الحكومة الموريتانية لجهات التمويل في دولة قطر.
إلا أن الرئيس السابق فضل إرضاء بعض أطراف دول الحصار على مصالح بلده الحيوية المباشرة.
ويرى بعض المتابعين للشأن العام الموريتاني إلى أن هذا الإجراء الغير مفهوم المقاصد والدوافع يخشى أن يؤسس لتغيرات في العلاقات الموريتانية الخارجية وبالتالي يكون سابقة لفتح أبواب موازية للنافذة الصغيرة التي تم فتحها في العلاقات الخارجية مع دولة قطر الشقيقة.
إنني لا أتهيب –في هذا المقام- بمطالبة فخامة الرئيس الموريتاني محمد ولد الغزواني ووزير خارجيته إعادة النظر في إمكانية إلغاء هذا الإجراء الذي لا يخدم المصلحة الوطنية من قريب ولا بعيد، بل ويخشى أن يكسر القواعد الدبلوماسية الراسخة لبلادنا المستقرة عليها منذ استقلالها الوطني.
وعليه فإن موقفنا إذا بقي على ما هو عليه من حصار دولة قطر فإنه من المحتمل وبقوة أن تعيد دول الحصار علاقاتها مع دولة قطر , وفي هذه الحالة فإن موريتانيا سيصبح موقفها محرجا للغاية ,إذا لم تقم بأخذ زمام المبادرة قبل تصالح الأخوة الأشقاء.
ذلك أن دول الحصار لم يتشاوروا في البداية معنا ومن المؤكد أن لا ينسقوا ولا يتشاوروا معنا إذا ما قرروا التصالح مع دولة قطر شقيقتهم الصغرى.
وفي هذا الإطار تجدر الإشارة إلى أن العلاقات الخارجية القائمة على احترام المصالح المشتركة بين الدول الصديقة والشقيقة هي المعيار الحقيقي للدبلوماسية
الناجحة بين جميع الأطراف الدولية على اختلاف مذاهبها السياسية والفكرية.
عبد الرحيم مسكه وزيرا مفوضا سابقا بالجامعة العربية