ظلت محظرة لمرابط محمد الأمين ولد سيد أحمد ولد البشير الغلاوي في مدينة أطار مصدر إشعاع ومركز استقطاب لتلاميذ شتى من مختلف مدن وقرى المنتبذ القصي ألف العلم بينهم، وكانت المحظرة رغم ضعف الإمكانيات جامعة للدراسات العليا، قل من فقهاء وأساتذة المنتبذ القصي الحاليين من لم يكن له عليها ممر.
زارتها سنة 1968 بعثة مجلة “العربي” الكويتية وكتبت عنها:
” .. على قارعة الطريق جلس التلاميذ يقرأون ويحفظون القرآن الكريم والأدب والسيرة والفقه، بمثل هذه المدارس حافظ أهل شنقيط “موريتانيا” على الإسلام “
أسس لمرابط محمد الأمين محظرته عام ١٩٤٤ في مدينة أطار، وظل يدرس بها طيلة ثلاثة وثلاثين عاما.
درس لمرابط محمد الأمين على آل محمد ولد محمد سالم المجلسيين، وتتلمذ على العلامة عبد القادر “قاري” بن حمد الله بن محمد بن محمد سالم، حتى تضلع من علم الشريعة، ثم رحل إلى سيبويه البلاد شيخ الشيوخ يحظيه بن عبد الودود (اباه) ، وألقي عصا التسيار في محظرته، مقبلا على الأخذ عنه، حتى أذن له في المسير والتصدر للتدريس.
مكث لمرابط مع العلامة يحظيه سبع سنين، وكان أخوه الدَّح يزوره خلالها طمعا في أن يعود معه ولا يحدث ذلك. وفي بعض زياراته تلك، وبعد أن جلس أيام الزيارة، مر على الشيخ يحظيه ليودعه، فأخذ بيده وقال: سلم لي على العزة (والدة لمرابط)، وقل لها: إنني آثرت نفسي بمحمد الأمين طوال هذه الفترة، لكنه سيأتيها وقد أصبح في مرحلة علماء “مشِّ”؛ إشارة إلى أنه قد أذِن له في مغادرة المحظرة والشروع في نشر ما علِمه بين الناس.
أخذ لمرابط ورد الطريقة الشاذلية عن شيخه العلامة يحظيه بن عبد الودود، فكان يعطيه لمن رغب فيه من خاصة طلبته، يقول العلامة ممو ولد عبد الحميد عن مسادير يحظيه:
وقد تصدر عليه جَمّ :: مثل أبي وابن فتى ومَمّو
و”ابن البشير” وأبي المعالي :: وكرماء من بني متالي
ويذكر أخونا النابه المعلوم المرابط أن لمرابط محمد لمين كان شديد التبجيل والتقدير لأبناء شيوخه، فهم مقدمون عنده في الدرس دائما. وأن الشيخ محمد المصطفى بن مباركو الإجيجبي التمس من المرابط مرة أن يسمح له بتنظيف ثوبه، فرفض ذلك متعذرا بأنه ما كان ينبغي له أن يستخدم من له صلة بأهل الصفراء والكحلاء في مثل هذا.
وأن لمرابط محمد الأمين لم يكن من المتشوفين لجمع المال، ولا من المتسابقين إلى كسب الحظوة عند أهله، تكرر مرات عديدة ـ كما روى العدول ـ أن يأتيه الرجل بالمال متوسلا إليه أن يقبله، فلا يزيد على أن ينادي على أحد الطلبة: افلانْ اسمعتْ ذاك، إيذانا بأن ذلك المال له.
كما أنه لم يكن من المسارعين إلى الفتوى، بل كان يتحرى ويتحرز فيها، ويحيل المستفتين عما فيه نزاع إلى القضاء.
ولا تذكر له تآليف، ورعا منه واقتداء بشيخه العلامة يحظيه وشيخ شيخه العلامة أحمد بن محمد سالم، فلا يذكر لأي من هؤلاء تصنيف، وإنما كان جهدهم منصبا على نشر العلم عن طريق التلقين.
توفي لمرابط محمد الأمين ١٩٧٧ بنواكشوط، وتولى الصلاة عليه الإمام الأكبر بداه بن البصيري، ودفن بمقبرة لكصر، لما قدم الشيخ بداه بن البوصيري للصلاة على المرابط محمد الأمين، وضع يده على جبينه وهو مسجى على نعشه، وقال: هذا آخر العقلاء.
يقول العلامة المؤرخ المختار ولد حامدٌ عن العلامة لمرابط محمد لمين ولد البشير:
عصيت اللواتي في الهوى جئن نٌصَّحَا :: وقلت لعـذالي لحا الله من لحا
ولج فـؤادي في الهـوى متماديا :: وظل وأمسى في الغرام وأصـبحا
فأكدَتْ لواحي اللـوا ضل كيــدهـــا :: وقد كِدن بين العود يدخلن واللحا
فأقصـرن مني عن صريع صبابة :: أخى كبد حرّا وقلب تقرحا
أطاشت سهام البيـض أعشار قلـبه :: فغادرنه أو كـدْن قيسا مُلوحا
سلا وصحا أهل الصبابة والهوى :: سواه ولما يسْل هو ولا صحا
فدعْ ذا وعد المدح في الحبر إنه :: جدير بأن يثنى علـيه ويمدحا
على أنه تمسي القرائح عن مدى :: مدائحه حسـرى لواغب رزحا
أما والليالي العشر والشفع والضحى :: ومن صام للمولى وصلى وسبحا
لقد فاز هذا القطر بابن سِـد أحمد :: سليل البشير الحبر فوزا وأفـلحا
على حين ليل الجهل أظلم والهوى :: وروض الهدى والعلم والبر صـوحا
فأما الهدى والعلم فاخضل روضـه :: وأما ظلام الجهل فانزاح وانتـحى
غدا يشرح العلم الصحيـح ولم تكن :: علوم الهدى لولاه يوما لتشـرحا
يدرس ما قد كان درس مالك :: ويحي الذي أحيا ويمحو الذي محا
فتبصر نورا من ثناياه خارجا :: إذا ما ضحا للدرس في رونق الضحى
أيا من بك المنان قد رأب الثئا :: ويا من بك الله المفاسـد أصلحا
تبجـح هذا القطر منذ حللتـه :: وحق له والله أن يتبجحا
ليهنئْك أنْك اليوم قطب رحى الهـدى :: تدور بك الطلاب والقطب للرحى
وكنت بحمد الله فينا (محمدا :: أمينا) بتقصار الكمال موشحا
كامل الود