يصل ولي العهد السعودي الأمير، محمد بن سلمان، إلى القاهرة، اليوم، في مُستهل جولة إقليمية تشمل أيضًا الأردن وتركيا.
تأتي جولة الحاكم الفعلي للمملكة في الوقت الذي تبذل فيه الرياض جهودًا لتعزيز تحالفاتها الإقليمية قبل زيارة الرئيس الأمريكي، جو بايدن، إلى السعودية الشهر المقبل، وهي الزيارة التي وصفها البيان الصحفي للبيت الأبيض بأنها جزء من ضغط أمريكي لبناء تحالف أمني-اقتصادي أوسع يضم الدول العربية وإسرائيل.
في هذا السياق، قال مصدر حكومي مطلع على الشؤون الثنائية للدولتين، إن ولي العهد السعودي والوفد المرافق له سيبحثون في القاهرة عددًا من القضايا مع الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، ومسؤولين مصريين.
وأضاف المصدر أنه سيتم أيضًا معالجة «ملفين غير تقليديين»، هما تسريع التقارب مع تركيا والإخوان المسلمين، مشيرًا إلى أن مصر تعمل على الجبهتين منذ عدة أشهر، لكن بوتيرة أبطأ مما تريده الرياض.
يسعى السعوديون بطموح إلى «قيادة إعادة هندسة التحالفات الإقليمية» في الشرق الأوسط بعد سنوات من التوترات بين القاهرة وأنقرة بسبب الإطاحة بالرئيس المصري السابق، محمد مرسي، والموقف الشخصي للرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، ضد نظيره المصري، حسب المصدر.
أضاف المصدر أن بن سلمان سيناقش شخصيًا المصالحة مع تركيا خلال لقائه مع السيسي، في حين ستتم مناقشة المحادثات حول الإخوان المسلمين في اجتماعات بين كبار المسؤولين في كلا البلدين.
وبحسب المصدر، يأمل ولي العهد أن يقدم نفسه للأمريكيين من خلال إرساء الأساس للتحالف الإقليمي للولايات المتحدة على أنه «صانع التوازن» في المنطقة، والقادر على توجيه دفة التحالفات الاستراتيجية الإقليمية. ويقول المصدر إن إنجاز التقارب المتعسر بين القاهرة وأنقرة، وهما من أكثر القوى الإسلامية السنية نفوذًا، سيخدم هذه الغاية.
بدأ التحسن التدريجي في العلاقات بين تركيا من جهة، والسعودية والإمارات ومصر من جهة أخرى، في النصف الثاني من 2021. وتبادلت الرياض وأبو ظبي الزيارات الرسمية مع أنقرة، بينما أطلقت القاهرة محادثات «استكشافية» لتطبيع العلاقات في يونيو 2021. ومع ذلك، سارت محادثات القاهرة وأنقرة بوتيرة بطيئة مقارنة بالتقارب التركي الخليجي.
يرجع «إلحاح» السعوديين، الذي أشار إليه المصدر، على التقارب المصري التركي والتنسيق الأوسع مع جماعة الإخوان، إلى القلق بشأن محاولة الإمارات الموازية لتحقيق تقدم مع واشنطن في خطتها الخاصة بأُسس سياسة إقليمية جديدة.
تبادلت السعودية ومصر مخاوفهما بشأن التحركات الإقليمية الأحادية للإماراتيين في السنوات الأخيرة، وكان أبرزها التطبيع الرسمي للعلاقات مع إسرائيل وتسهيل انضمام العديد من الدول إلى ما يسمى بـ«اتفاقيات إبراهيم».
وقال مصدران حكوميان مصريان آخران، تحدثا لـ«مدى مصر» قبل زيارة كانت مقررة إلى القاهرة من جانب بن سلمان في مايو الماضي تم تأجيلها، إن هناك رغبة لدى الجانبين في إعطاء دفعة للعلاقات الثنائية في ضوء تغيير الديناميكيات الإقليمية.
ووفقًا لأحد المصادر، فإن «القلق الذي تشعر به كل من القاهرة والرياض بشأن الخيارات السياسية لحاكم الإمارات المُعيّن حديثًا، محمد بن زايد، قد ساعد في التقارب بين مصر والسعودية على الرغم من بعض خيبات الأمل، التي لا يمكن تجاهلها لدى الجانبين».
وقال المصدر إن مصر «مستاءة» بشكل خاص من خيارات بن زايد في إثيوبيا وليبيا، ولا يزال السعوديون «غاضبين» من سياسات الإمارات بشأن اليمن.
في مارس الماضي، استقبل الرئيس المصري، رئيس الوزراء الإسرائيلي وولي عهد الإمارات (قبل توليه الرئاسة في مايو الماضي) في شرم الشيخ للتباحث بشأن مسعى تقوده أبوظبي وتل أبيب بشأن تنسيق أي عسكري إقليمي في مواجهة إيران. لكن مسؤولين مصريين قالوا لـ«مدى مصر» في ذلك الوقت إن القمة لم تسفر عن «شيء مهم»، إذ لا تشارك القاهرة نفس المشاعر المعادية لإيران.
وبحسب المصدر الحكومي الأول، فإن إضفاء الطابع الرسمي على العلاقات مع جماعة الإخوان، أصبح أيضًا ساحة للتنافس بين الأطراف الإقليمية والدولية.
يقول المصدر إن كلًا من السعودية والإمارات «لديهما اتصالات قائمة مع قادة الإخوان المسلمين الدوليين»، مضيفًا أن جهود السعوديين الحثيثة لإيجاد حل للصراع مع النظام المصري تأتي كمحاولة لتجنب المنافسة مع الإمارات، وكذلك لاستباق «أحدث الجهود الأمريكية والبريطانية لبناء قنوات اتصال مع الجماعة». ويضيف المصدر أن السعوديين «نجحوا في دعمهم لمرشد الإخوان المسلمين المؤقت المقيم في لندن، إبراهيم منير، في مواجهته مع محمود حسين المقيم في اسطنبول».
جرى الاحتفاء بولي العهد سلمان من قبل لنجاحه في تحجيم التيارات السلفية التي كانت قوية الحضور في السابق، والتي كانت جزءًا من القوة الناعمة للمملكة، إلا أنه بدأ في الأشهر الأخيرة في تخفيف الضغط على هذه الجماعات. «تعمل المملكة العربية السعودية الآن على استعادة نفوذها على الجماعات السُنية لتحقيق توازن ضد إيران التي تنشط مجموعاتها الشيعية من العراق، وعبر دول الخليج، إلى اليمن وسوريا ولبنان»، يقول المصدر.
ومع ذلك، وفقًا لدبلوماسي أوروبي مقيم في القاهرة، قد يتسبب ذلك في بعض التوتر في مصر، جرّاء التنافس السعودي المصري في إدارة ملف السلفيين.
تأتي مُغازلة بن سلمان للنفوذ الأمريكي ورغبته في العودة إلى إدارة الشؤون السنية بشكل عام في الوقت الذي يحاول فيه ولي العهد حاليًا تنظيم نقل السلطة بسلاسة قبل وفاة الملك، سلمان بن عبد العزيز، الذي تسببت مشكلاته الصحية في تكهنات واسعة النطاق، وفقًا لما ذكره مصدر سياسي مقيم في الخليج. قال المصدر إن بعض تفاصيل «مؤامرة القصر» تلك قد اتضحت، بسبب إلغاء العديد من المسؤولين السعوديين، الذين كانوا يخططون لزيارة واشنطن في مايو الماضي، رحلاتهم بسبب الوضع الداخلي في المملكة.
إن تقبل القاهرة للمبادرة السعودية مشروط بحقيقة أنها في خضم أزمة اقتصادية حادة، ناجمة عن تأثير الغزو الروسي لأوكرانيا على الاقتصاد العالمي. في الأيام الأخيرة، أشارت الحكومة إلى أن الوضع الاقتصادي قد يزداد سوءًا بنهاية العام الحالي. للحد من الآثار السلبية، بدأت مصر محادثات مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرض جديد وسعت إلى جذب الاستثمار الخليجي إلى القطاعات الرئيسية للاقتصاد، التي تمتد من البنوك والعقارات إلى قطاع الصحة.
نهاية مارس الماضي، أودعت السعودية خمسة مليارات دولار أمريكي في البنك المركزي المصري، الذي شهد تآكلًا في احتياطي العملة الأجنبية، بسبب اضطرار مصر إلى سداد مدفوعات ديونها الخارجية الضخمة، وفزع المستثمرين عقب غزو أوكرانيا، وفرارهم من سوق السندات المصري سعيًا للحصول على حيازات أكثر أمانًا.
ووفقًا للمصدرين الحكوميين اللذين تحدثا لـ«مدى مصر» في مايو الماضي، سيناقش ولي العهد أيضًا في القاهرة خططًا لشراء أسهم في بعض الكيانات الاقتصادية المصرية الرائدة في مختلف القطاعات، حيث بدأت بالفعل محادثات من قبل الجهات الحكومية المختصة.
شقت التسريبات حول بيع «البنك المتحد» المملوك للدولة طريقها إلى الصحافة المصرية في الأشهر الأخيرة، وأفادت صحيفة «الشروق»، نقلًا عن مصادر مطلعة، السبت الماضي، أن شركة «أبو ظبي القابضة» على وشك الاستحواذ على «البنك المصري المتحد» بعد أن أعربت عن رغبتها في الاستحواذ على جميع أسهم البنك. لكن، في الشهر الماضي، قدم صندوق الثروة السيادية السعودي عرضًا للاستحواذ على البنك، مع تقديم شركة «سي آي كابيتال» خدمات استشارية للمشتري، حسبما ذكرت صحيفة «هابي جورنال».
على الرغم من الحاجة إلى تدفق الأموال، فقد أعرب مسؤولون بارزون في القاهرة عن مخاوف جدية من أن الاعتماد على الخليج قد يؤدي إلى «فرض وجهات نظر أو سياسات تتعارض مع سياسات النظام الحالية تجاه العديد من قضايا السياسة الداخلية والخارجية»، يقول المصدر الحكومي الأول.
تشهد تركيا أيضًا أزمة اقتصادية ومالية منذ عدة سنوات، إذ انخفضت قيمة الليرة التركية وارتفع معدل التضخم إلى أكثر من 70%. وتسعى أنقرة أيضًا للحصول على تمويل سعودي للتخفيف من حدة الأزمة التي تُعد التحدي الأكبر الذي يواجه أردوغان قبل الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقرر إجراؤها منتصف 2023.
زار أردوغان المملكة في 28 أبريل الماضي للمرة الأولى منذ اغتيال الصحفي السعودي، جمال خاشقجي، في اسطنبول عام 2018، الأمر الذي أدى إلى تصعيد التوترات بين القوتين الإقليميتين اللتين كانتا بالفعل على خلاف بعد التغيرات السياسية في مصر عام 2013، ومحاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا عام 2016، والحصار المفروض على قطر عام 2017.
استضافت تركيا العديد من الشخصيات الإخوانية الرئيسية التي فرت من مصر في أعقاب الإطاحة بمرسي عام 2013. لكن مع تغير الديناميكيات الإقليمية في العام الماضي والمحادثات الاستكشافية المصرية والتركية، سعى العديد من تلك الشخصيات البارزة في الجماعة إلى ملاذات أكثر أمانًا، بحسب ما قالته عدة مصادر مقربة من الجماعة لـ«مدى مصر».
في الآونة الأخيرة، أشارت الرواية الرسمية للدولة ووسائل الإعلام، من حين لآخر، إلى المصالحة بين النظام المصري وجماعة الإخوان. هناك تلميحات حول هذا الملف من جانب النظام ومحلليه السياسيين، مع نفي في الوقت نفسه لأي جهود في هذا الاتجاه. إلا أن اهتمام السعودية بهذا الموضوع قد يدفع به إلى الواجهة.
وقبل يومين، أعرب رئيس حزب المحافظين، أكمل قرطام، في ظهور تليفزيوني عن دعمه للمصالحة مع الإخوان المسلمين بشرط أن يسبقها حوار موسع مع السلطات. وأشار قرطام إلى أن ممثلي الدولة يجرون بالفعل حوارًا مع الإخوان، وأنه في حال توصل الطرفان إلى توافق، يجب طرحه على الجمهور. وقال قرطام إن المصالحة ستكون موضع ترحيب، وأنه لا يعارض إدراج شخصيات معارضة في المنفى، مثل أيمن نور، في الحوار الوطني الذي دعا إليه السيسي نهاية شهر رمضان.
وردًا على سؤال حول تصريحات قرطام، قال المصدر الحكومي الأول إن قرطام قد حصل على الأرجح على معلوماته من الإماراتيين، حيث تربطه علاقات عائلية بشخصيات في دوائر صنع القرار في أبو ظبي.
قال مصدر سياسي مطلع في القاهرة له حضور في دوائر صنع القرار، إن المحادثات قد بدأت بالفعل على المستوى الإقليمي بين مصر وقطر وتركيا بشأن الإخوان.
«لقد وافق القطريون والأتراك على أنهم من الآن فصاعدًا لن يسمحوا بأي نشاط للإخوان على أراضيهم. واستجابت مصر من حيث المبدأ لمطالب تحسين ظروف قادة وأعضاء الإخوان في السجن، والنظر في الإفراج عن بعضهم في المستقبل». وأضاف المصدر أنه «من الصعب القول إن هذا الموضوع يحوز رضا الأجهزة الأمنية، لكن الأمور تتغير إلى حد ما».
وكان البيت الأبيض قد أعلن في 14 يونيو الجاري أن بايدن سيعقد قمة لمدة ثلاثة أيام في جَدة، تبدأ في 13 يوليو المقبل بدعوة من الملك، سلمان بن عبد العزيز، «لتعزيز التزام الولايات المتحدة الحديدي بأمن إسرائيل وازدهارها، وحضور اجتماع قمة مجلس التعاون الخليجي، بالإضافة إلى مصر والعراق والأردن [المعروفة باسم دول مجلس التعاون الخليجي + 3]. كما سيلتقي مع نظرائه من جميع أنحاء المنطقة لتعزيز الأمن والمصالح الاقتصادية والدبلوماسية للولايات المتحدة».
موقع مدي مضر