يبدو أن المسلمين اليوم يعيشون عصرهم الذهبي في العجائب والصدمات. فلا يكاد الشارع الإسلامي والعربي يخرج من صدمة مفزعة حتى يتلقى صدمة أخرى أعظم منها وأشد وطأة. آخر هذه الصدمات المدوية كانت رسالة موجهة إلى رئيس مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة وإلى المفوض السامي لحقوق الإنسان وقعت عليها عدد من الدول العربية والإسلامية على راسها السعودية وباكستان ومصر والإمارات والبحرين وقطر والجزائر وطاجكستان. أما موضوع هذه الرسالة فهو دعم الصين الشيوعية في إجراءاتها “لمحاربة الإرهاب” في إقليم شينغ يانغ الذي تتركز فيه العديد من الأقليات المسلمة وعلى رأسها أقلية الإيغور.
هذه الرسالة التي وقع عليها قادة عدد من الدول الإسلامية المحورية في العالم جاءت بالتوازي مع رسالة أخرى تحمل توقيع 22 دولة على رأسها بريطانيا واليابان وكندا وأستراليا ونيوزلاندا والتي تتهم الصين بارتكاب فضائع ممنهجة لحقوق الإنسان ضد الأقليات المسلمة في إقليم شينغ يانغ وتدعو بالتالي السلطات الصينية إلى إغلاق مراكز الاعتقال الضخمة هناك. حسنا، قبل أن نبحث عن أسباب هذا الموقف العربي والإسلامي المتضامن مع الصين، دعونا نلقي نظرة سريعة على أحوال الأقليات المسلمة في إقليم شانغ يانغ وعلى سياسة الحكومة الصينية المتبعة في التعامل مع هؤلاء “الإرهابيين”.
أولا: من هم الإيغور؟
الإيغور هم قبيلة مسلمة، سنية في غالبتها العظمى، يتحدثون اللغة التركية ويستخدمون الحروف العربية. تحولوا للإسلام ابتداء من أواخر القرن السابع الميلادي بعد أن كانوا يديونون بالهندوسية والزرادشتية وغيرها من الديانات المنتشرة في تلك المنطقة. شكلوا دولة قوية في تركستان الشرقية والتي بقيت جزءا من العالم الإسلامي حتى غزاها الصينيون عام 1759. قام الإيغور بعدها بعدة ثورات نجح بعضها في إقامة دولة مستقلة، إلا أنها لم تستطع الصمود أمام الصينين الذين استطاعوا في النهاية الحاق تركستان الشرقية بدولتهم عام 1949 وأطلقوا علها منذ ذلك الوقت إقليم شينغ يانغ، والتي تعني “الحدود الجديدة”.
يعتبر هذا الإقليم الذي يتمتع نظريا بحكم ذاتي ويمتد على حوالي سدس مساحة الصين، من أغنى أقاليم البلاد، ففيه يتركز حوالي 85 بالمئة من انتاج الصين من اليورانيوم إضافة لأكثر من سبعين بالمئة من إنتاجها النفطي. مع ذلك فإن غنى هذا الإقليم لم ينعكس على سكانه من الإيغور، بينما حظي السكان من عرقية الهان الصينية والذين يشكلون اليوم حوالي 40 بالمئة من سكان الإقليم على أكبر نصيب من الثروة والوظائف. الجدير بالذكر أن عرقية الهان لم تكن متواجدة في الإقليم إلا بنسبة قليلة جدا لا تتجاوز العشرة في المئة، إلا أن السلطات الصينية اتبعت سياسة ممنهجة لإغراق إقليم شينغ يانغ بعرقية الهان من أجل التغلغل بين الإيغوريين وتسهيل عملية إذابتهم في البوتقة الصينية الشيوعية.
منذ عام 1949، شهدت علاقة السلطات الصينية بشعب الإيغور مراحل من الشد والجذب تميز أغلبها بمحاولة القضاء على معالم الثقافة الإسلامية لشعب الإيغور وتذويبهم في المجتمع الشيوعي الصيني، خاصة خلال الفترة الممتدة بين عامي 1966 و1976 والتي شهدت حملة كبيرة شملت إحراق المصاحف وإغلاق المساجد وضرب رجال الدين والتضييق بشدة على المسلمين.
تصاعدت حملات القمع ضد الإيغور بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر في الولايات المتحدة الأمريكية والتي شكلت بيئة دولية متسامحة مع كل قمع ضد المسلمين. أما في السنوات الأخيرة، وخاصة بعد عام 2017 فبالإضافة إلى التضييق الشديد على مسلمي الإيغور ومنعهم حتى من أداء شعائرهم الدينية في الصوم والصلاة، فقد شيدت الصين عدة مراكز اعتقال ضخمة تحتجز داخلها اليوم ما يقارب المليون من شعب الإيغور حسب تقارير لمنطمات حقوقية على راسها هيومن رايس ووتش. وبينما انكرت الصين وجود مثل هذه المراكز ابتداء ثم اعترفت بها مدعية أنها مراكز لإعادة التأهيل، إلا أن الشهادات القادمة من داخل هذه المعتقلات أو من رجال أو نساء خرجوا منها بعد اعتقالهم فيها تشير إلى ممارسات فظيعة تتضمن بشكل خاص ممارسات لسلخ هويتهم الثقافية واجبارهم على تناول لحم الخنزير أو شرب الخمر أو ترديد شعارات مؤيدة للحزب الشيوعي الصيني.