الشيخ عبد الحميد كشك فارس المنابر الذي لقي ربه وهو ساجد يصلي، زهد في الدنيا ودعى إلى الله طول عمره، رغم فقدانه البصر لكن عوضه الله ينور البصيرة، هو الشيخ عبد الحميد كشك رحمه الله تعالى، من أبرز علماء ودعاة مصر والعالم الإسلامي خلال القرن العشرين، لا شك أنك سبق وسمعت جملته الشهيرة العظيمة “هنا مدرسة محمد صلى الله عليه وسلم مكتوب على بابها “وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين”.
عبد الحميد عبد العزيز محمد كشك، ولد في العاشر من مارس عام 1933 في قرية تدعى شبراخيت تابعة لمحافظة البحيرة، نشأ كشك في أسرة على ال رغم من فقرها إلا أنها تميزت بالطيبة والاحترام فحرصت على تربيته تربية صالحه، وتعليمه تعليما دينيا صحيحا، تعرض كشك لمحنة مرضية شديدة نتج عنها فقدانه للبصر، ولكن لم ينل ذلك من عزيمته وجهوده بالنسبة للدعوة وطريقه الذي سلكه لخدمة الإسلام والمسلمين.
أبرز الملامح التي ميزت خطبه
انتمى الشيخ كشك لأبرز مدارس الخطابة في عصرنا الحالي، وقد أثر في الخطباء الذين جاءوا بعده وذلك بأسلوبه الخطابي ومنهجه، حيث كان له أسلوب يشد المستمع إليه ويجذبه بقوة، فكان دائما يفتتح خطبه بحمد الله تعالى حمداً يليق بجلاله وعظيم سلطانه، ثم يورد بعض الدعوات المتتالية التي يرفع بها صوته عالياً، وكأنه يهيئ المستمعين من خلالها ويستحضر انتباههم، ثم يصلي ويسلم على نبينا محمد ويقول: “سيدي أبا القاسم، يا رسول الله، صلى عليك الله يا علم الهدى ما هبت النسائم، وما ناحت على الأيك الحمائم”.
الشيخ كشك ونظام عبد الناصر
بالرغم من أن الرئيس الراحل جمال عبد الناصر كرمه في إحدى الاحتفالات إلا أن الشيخ كشك انتقد سياساته ووقف بشهامة على المنبر لينتقد اعداماته في حق قيادات جماعة الإخوان المسلمين، وكذا اعدام عبد الناصر المفكر الإسلامي سيد قطب حيث قال الشيخ كشك: “يشنقون الرقاب التي قالت لا إله إلا الله، وعبد الوهاب يغني له تسلم يا غالي”. كما أن المشير عبد الحكيم عامر أرسل إلي الشيخ كشك من أجل تحليل اعدام سيد قطب فرفض واعتقل حينها.
الشيخ كشك وتعرضه للتعذيب
يحكي أنه عند اعتقاله مورست عليه أشد أنواع التعذيب حيث حكى في إحدى خطبه أن كثير من القيادات الإسلامية تم تعذيبها يتركها مع كلاب متوحشة، فضلا عن سوء المعاملة وعن مدير السجن حينها “حمزة البسيوني” الذي تطاول على الله فكانت نهايته ميتة في حادث سيارة حيث دخلت حديدة إلى عنقه ولم يتم إخراجها إلا بفصل الرأس عن الجسد كما قال الشيخ كشك.
علق كشك على وفاة عبد الناصر قائلاً: “يوم وفاة جمال عبد الناصر يوم لا ينسى، كان يعتقد أن ملك الموت لا يجرؤ أن يقتحم الأسوار المنيعة ويدخل على عبد الناصر، ويوم مات طرق بابي طارق، وقال لقد مات فلان، فأعد نفسك لأنك ستعتقل الليلة، وقلت سبحان الله أشقى به حياً وميتاً، وأعددت نفسي وملابسي، وكلما طرق الباب خرجت بنفسي لأفتح له، إنه رعب حتى بعد الممات، لكنه مات، فسبحان الحي الذي لا يموت” وبالرغم من إطلاق سراحه ومنعه من الخطابة عاد ليواصل انتقاداته للنظام الجديد الذي ترأسه أنور السادات.
الشيخ كشك ومعارضته لنظام السادات
عقب توقيع اتفاقية كامب ديفيد عام 1978، قال الشيخ كشك: “الحكومة خائنة للإسلام والسادات في ضلال مبين”، فهاجمه الرئيس السادات بنفسه في خطاب 5 سبتمبر 1981 الشهير، ولم يسلم كشك من حملة الاعتقالات عام 1981، التي شنها السادات، فيما يعرف بقرارات سبتمبر، ولم يخرج كشك من السجن إلا عام 1982 بعد اغتيال السادات وتقولي حسني مبارك الرئاسة، وكان خروجه إلى البيت، وتم منعه من الدعوة والخطابة، وقال الشيخ كشك في السادات: “كان امتدادا لسلفه إذ كان سلفه يجاهر بالظلم بينما السادات قام بتقنين الظلم”.
الشيخ كشك ونظام مبارك
في ظل حكم مبارك تم منع الشيخ كشك من الخطابة، وعاش تحت الإقامة الجبرية في منزله، لكن كان له خطبة واحدة، حين وقع الزلزال في مصر، فاحتشد المصلون أمام منزله وصلى بهم الجمعة وخطب خطبته الوحيدة في عهد مبارك، وفي عزاء مرشد الإخوان المسلمين عمر التلمساني عام 1986، تحدث الشيخ كشك عن الحاكم الظالم، وكان جليل أن مبارك هو المقصود. غير أن الشيخ عبد الحميد كشك لم ينتقد فقط آل السياسة بل سخر أيضا من بعض الممثلين حيث قال عن عادل إمام “كنا ننتظر إماما عادلا فجاءنا عادل إمام”.
وفاته
كانت وفاة الشيخ عبد الحميد كشك رحمه الله تعالى كرامة من عند الله ودليلا على حسن الخاتمة، فقبل وفاته حكى على زوجته وأولاده رؤيا وهي رؤية النبي محمد صلى الله عليه وسلم وعمر بن الخطاب رضي الله عنه بالمنام حيث رأى رسول الله الذي قال له: “سلم على عمر”، فسلم عليه، ثم وقع على الأرض ميتا فغسله رسول الله بيديه، فقالت له زوجته: وهي التي قصت هذه الرؤيا علمتنا حديث النبي أنه من رأى رؤيا يكرهها فلا يقصصها، فقال الشيخ كشك: ومن قال لك أنني أكره هذه الرؤيا والله إنني لأرجو أن يكون الأمر كما كان، ثم ذهب وتوضأ في بيته لصلاة الجمعة وكعادته، بدأ يتنفل بركعات قبل الذهاب إلى المسجد، فدخل الصلاة وصلى ركعة، وفي الركعة الثانية، سجد السجدة الأولى ورفع منها ثم سجد السجدة الثانية وفيها توفي رحمه الله تعالى، توفي وكان ذلك يوم الجمعة 25 رجب 1417 للهجرة الموافق لـ 6 دجنبر 1996، وكان يدعو الله من قبل أن يتوفاه ساجدا فكان له ما أراد.
كان الشيخ عبد الحميد كشك رحمه الله تعالى عالما وخطيبا عظيما خطب أكثر من 2000 خطبة دون أن يخطئ مرة واحدة في اللغة العربية، لم يكن يخشى في الله لومة لائم، دافع عن الحق ضد الفساد وكان زاهدا في الدنيا، ليس كمثل بعض مشايخ السلطان الذين زينوا الباطل من أجل الحكام والسعودية خير مثال على ذلك، الشيخ كشك حظي بشعبية واسعة في العالم العربي والإسلامي، بل كان أعظم العلماء والخطباء في القرن العشرين حيث كان هو الإمام الوحيد الذي وقف في وجه ظلم السلطة والعسكر في مصر إحدى عبد الناصر والسادات دون خوف ولم يسجل عليه التاريخ أنه ركع لأحد غير ركوعه لله وحده.