أفرجت سلطات الاحتلال الإسرائيلي فجر اليوم الخميس عن الأسير الفلسطيني كريم يونس، بعد اعتقال دام 40 عاما. وفي حين أعرب يونس عن فرحته برؤيته للشمس أول مرة بعد عقود، لكنه أكد أن فرحته منقوصة لوجود 4500 أسير في السجون الإسرائيلية.
وقالت مراسلة الجزيرة جيفارا البديري إن عميد الأسرى الفلسطينيين كريم يونس (66 عاما) تنسّم الحرية بعد أن أنهى فترة حكمه البالغة 40 عاما في سجون الاحتلال.
وأضافت المراسلة أن سلطات الاحتلال تعمّدت نقله بسيارة للشرطة من سجن هداريم إلى محطة للحافلات في مدينة رعنانا شمالي تل أبيب.
ووفقا للمراسلة، فقد تمكّن الأسير المفرج عنه من الاتصال بعائلته من هاتف أحد المارة الذين ساعدوه في التعرف على المكان، قبل أن يتوجه إلى مسقط رأسه في قرية عارة في منطقة المثلث داخل الخط الأخضر.
رسالة للجزيرة
وفي أولى كلماته بعد الحرية، قال يونس “أحيي أبناء شعبنا الفلسطيني العظيم الذي يناضل منذ 100 عام دون أن يرفع الراية البيضاء”.
وأضاف -في تصريح خاص لقناة الجزيرة- أن قوة من الشرطة الإسرائيلية اقتحمت زنزانته فجر اليوم واصطحبته إلى خارج السجن، مؤكدا أنه تنقل بين 4 سيارات تابعة للمخابرات الإسرائيلية في عملية سرية، قبل تركه في موقع حافلات بمدينة رعنانا.
وكشف يونس أن المخابرات الإسرائيلية هددته هو وعائلته بعقوبات في حال أقامت احتفالات بالإفراج عنه أو رفعت الأعلام الفلسطينية أمام منزله، مشيرا إلى أن “المخابرات هددت كذلك أصحاب القاعات في البلدات العربية داخل الخط الأخضر ومنعتهم من استقبال أي احتفال بمناسبة الإفراج عني”.
وعبّر عن سعادته بأول يوم من الحرية، قائلا “لأول مرة أرى الشجر والشمس والسيارات بعد 40 سنة من رؤية القضبان والأسمنت وجدران السجن”.
وأكد يونس أن فرحته بالإفراج عنه منقوصة بسبب بقاء آلاف الأسرى في سجون الاحتلال، لكنه أكد أن ما يعزيه هو أنه ترك الأسرى موحدين في وجه تهديدات وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير، داعيا الفصائل الفلسطينية للاقتداء بهم والعمل على تحقيق الوحدة الوطنية.
وختم حديثه بتوجيه التحية لمراسلة الجزيرة شيرين أبو عاقلة التي اغتالتها قوات الاحتلال العام الماضي، مؤكدا أنها كانت سفيرة فلسطينية وصوتا في كل مكان، وأن اغتيالها كان استهدافا لحرية الصحافة وصوت المقاومة الفلسطينية في وجه الاحتلال.
بدوره، قال الناطق باسم مكتب إعلام الأسرى حازم حسنين إن طريقة الإفراج عن يونس تؤكد أن الاحتلال يخشى حتى فرحة شعبنا واستقباله لأبطاله.
وأضاف حسنين أن استخدام الاحتلال لهذه الطريقة في الإفراج لن تمنع الفرحة من الدخول لقلب كل فلسطيني بتحرر الأسير كريم يونس بعد 4 عقود من الاعتقال.
مطالب إسرائيلية
في المقابل، طلب وزير الداخلية الإسرائيلية أرييه درعي من المستشارة القانونية للحكومة المصادقة على قراره بمصادرة حق المواطنة من الأسيرين المحررين حديثا: كريم يونس وابن عمه ماهر يونس، وهو ما من شأنه أن يحرمهما حق الإقامة في مسقط رأسيهما وسط عائلتيهما في قرية عارة بمنطقة المثلث داخل الخط الأخضر.
وكان درعي -المدان بالسرقة والتهرب الضريبي- قد أصدر قرارا ينتظر مصادقة المستشارة القانونية للحكومة الإسرائيلية عليه، يقضي بسحب الجنسية منهما.
كما ينوي نواب من تحالف اليمين المتطرف الحاكم في إسرائيل سنّ قانون يجيز مصادرة حق الإقامة والمواطنة من كل فلسطيني داخل الخط الأخضر يدان بتهم أمنية.
ويحمل سكان المدن والقرى الفلسطينية داخل الخط الأخضر الجنسية الإسرائيلية، ويشكلون نحو 20% من عدد المواطنين في إسرائيل (1.8 مليون شخص)، وينحدرون من سلالة نحو 154 ألف فلسطيني بقوا في أراضيهم عقب إعلان تأسيس إسرائيل عام 1948.
فرحة فلسطينية
بدوره، أكد الرئيس محمود عباس أن المناضل كريم يونس “يمثل رمزا من رموز شعبنا الفلسطيني وأحرار العالم في الصمود، قائلا إن قضية الأسرى هي قضية الشعب الفلسطيني بأسره، وسنبذل كل جهد ممكن لإطلاق سراحهم من معتقلات الاحتلال الإسرائيلي”.
كما هنأ رئيس الوزراء محمد اشتية، الأسير بالإفراج عنه، وقال إن جميع الأسرى والأسيرات في معتقلات الاحتلال سينالون حريتهم.
ودعا اشتية المنظمات الحقوقية الدولية إلى التدخل للإفراج عن جميع الأسرى، خاصة الأسيرات والأطفال والمرضى.
كما قالت اللجنة المركزية لحركة التحرير الوطني الفلسطيني “فتح” إن يونس -وهو عضو باللجنة- شكل عنوانا أصيلا لكل أحرار العالم مِمَّن عقدوا العزم على رفض الظلم والاضطهاد والعنصرية.
من جانبها أعربت حركة المبادرة الوطنية الفلسطينية عن الفرحة والسعادة العارمة التي عمت فلسطين بإطلاق سراح يونس.
وقالت حركة المقاومة الإسلامية “حماس” في بيان إن يونس جسد خلال مدة اعتقاله أبهى صور التحدّي والصمود والصبر، ودعت إلى تواصل الفعاليات وحشد كل الطاقات تضامنا مع الأسرى حتى نيلهم الحرية وتنسّمهم عبقها في أرجاء الوطن بإذن الله.
ومن جانبها اعتبرت حركة الجهاد الإسلامي أن فرحة الشعب الفلسطيني بحرية يونس تجسد الأمل بتحرير جميع الأسرى.
وتابعت “الجهاد الإسلامي” عبر بيان، أن “هذا العرس الوطني يبعث عزيمة في نفوس المقاومين الأبطال الذين يعملون بكل جد وإصرار” من أجل حرية الأسرى.
أما الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، فأكدت أن اعتقال ايونس هذه المدة، التي تعتبر من فترات الأسر الأطول على مستوى العالم، ستظل جرحا غائرا وتدلل على فاشية وإجرامية الاحتلال.
4 عقود من الأسر
ولد كريم يونس فضل يونس -الملقب بعميد الأسرى الفلسطينيين- يوم 24 ديسمبر/كانون الأول 1956، في قرية عارة الواقعة في المثلث الشمالي بالداخل الفلسطيني.
وفي 6 يناير/كانون الثاني 1983، اعتقلته قوات الاحتلال من مقاعد الدراسة في جامعة بن غوريون، وهو في الـ23 من عمره حينذاك، بعد أن اقتحمت منزل عائلته في قرية عارة للبحث عنه قبل ليلة من اعتقاله.
لم يعرف أهله في البداية مكان اعتقاله، وبحثوا عنه لأشهر في سجون الاحتلال إلى أن استطاع المحامي العثور عليه في سجن عسقلان، وقد تنقل في كافة السجون الإسرائيلية.
وكان اعتقال يونس بتهم عدة، إذ اتهم بالانتماء إلى حركة فتح المحظورة حينها، والانخراط في المقاومة المسلحة، وقتل جندي إسرائيلي، وحكم عليه بالإعدام شنقا، ثم خفف الحكم إلى المؤبد المفتوح، وفي عام 2015 حددت سلطات الاحتلال المؤبد بالسجن 40 سنة.
وكان من المفترض أن يتم الإفراج عنه ضمن اتفاقية وقعت في يوليو/تموز 2013 بين السلطة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي، تقتضي الإفراج عن كافة الأسرى القدامى المعتقلين قبل اتفاقية أوسلو، لكن سلطات الاحتلال تراجعت بعد إفراجها عن الدفعة الرابعة التي تضمنت 30 أسيرا، منهم 14 أسيرا من الداخل الفلسطيني.
وكانت والدته الحاجة صبحية يوسف تحصي الأيام انتظارا لحريته، كما كانت دائمة الظهور على وسائل الإعلام للحديث عنه والمطالبة بالإفراج عنه، وروت رحلة انتظارها الطويلة، إذ عاشت 39 عاما و4 أشهر تتنقل بين سجون الاحتلال آملة أن ترى ابنها الأكبر، لكنها توفيت قبل أشهر من الإفراج عنه.