الشيخ بتار بن الشيخ أحمد عثمان التنواجيوي
هو الشيخ سيدي محمد المختار المشهور بالشيخ بتار بن الشيخ أحمد بن عثمان بن محمد الملقب محم بن الحسن الملقب ينتت بن محمد عبد الله الملقب. اكدكنت بن علي الملقب الفاق بن الحسن بن علي الملقب آجّـه بن عبد الله بن ادبدهس بن سيدي يحي الذي اشتهر بلقب “تنواجيو:” الإدريسي.
ولد الشيخ بتار حوالي 1137 هـ – 1725 م في بلدة (ريوگ) قرب بلدية الدفعة بالحوض الغربي، وهي منطقة يوجد بها ضريح جده عثمان وتسكنها أغلب فروع قبيلته، وتربى في وسط محافظ على الأخلاق الكريمة والشيم النبيلة، في بيت يجمع بين تحصيل العلم والتحلي بالتقوى ومكارم الأخلاق، فوالده هو الشيخ أحمد بن عثمان، شيخ معروف من العارفين، وجده العلامة الصالح عثمان بن محمد الملقب “محم”، و ضريحه في (ريوگ) قرب بلدية الدفعة حاليا.
أما والدته فهي البتول بنت محمد بن عبد الله بن باب بن أبي محمد التنواجيويين.
وأم أبيه الشيخ أحمد، هي أم اسلامه بنت الطالب صديق الظامي الجماني الولي العالم العارف بالله.
نشأ الشيخ بتار على ما ينشأ عليه ناشئ الفتيان من قومه من اكتساب للعلم والتحلي بالتقوى.
أخذ زاده المعرفي الأول عن والده الذي اشتهر بالتقوى والولاية وهو شيخه الأول، وأخذ إجازة في القراءات السبع عن الشيخ سيد أحمد باب التنواحوي الذي أخذها بسند شيخ القراء الشيخ سيدي عبد الله بن أبي بكر التنواجوي.
وبعد أن حصل علوم ناحيته ارتحل إلى آدرار حوالي النصف الأخير من القرن الثاني عشر الهجري.
وأخذ في آدرار عن عدة شيوخ مثل الإمام الحضرامي في ودان، وهو غير الامام الحضرمي قاضي دولة لمرابطين، وقد أمضى معه في وادان عشرين سنة، وظهرت على يديه بعض الخوارق والكرامات من أشهرها قصة سائقي إبل شيخه.
ومن المشايخ الذين زارهم الشيخ سيدي عالي بن نجيب، وعنده التقى بالشيخ سيدي المحتار الكنتي، وتعرف كل منهما على الآخر.
ولما رجع الشيخ بتار إلى أرض الحوض بعد تضلعه من العلم ارتحل إلى الناحية الشرقية من مساكن قرابته من العشيرة ونزل أرض تادرت التابعة للحوض الغربي حيث مدفنه هو ووالده الشيخ أحمد بن عثمان.
أما الرحلة الثانية للشيخ بتار فهي تلك التي قادته إلى أژواد حيث يقيم الكنتيون وسبب هذا الرحلة أن الشيخ سيدي المختار الكنتي كان يراسل الشيخ بتار بوجوب الحج عليه ولما تكررت عليه رسائل الكنتي أخذ يستعد للسفر راغبا في لقائه ومناقشته في حكم الوجوب، وكان يرى عدم استكمال شروط الحج بالنسبة له مثل الأمن على النفس والمال وهو أمر مفقود في ظل انتشار اللصوص وقطاع الطرق في تلك المرحلة على الأقل.
ولما قارب الشيخ بتار أژواد أرض الكنتي، وكانت مجدبة إثر سنوات من الجفاف توالت عليها، طرأ عليها تحسن في الجو يبشر بنزول المطر، فقال الكنتي لتلاميذته أرضكم استقبلها شريف ولي وبنى له الخيام على الكثيب واستقلبله بحفاوة هو وجميع تلاميذته و مريديه، وبعد أن أقاموا صلاة الظهر سأل الكنتي ضيفه عن علامات نزول المطر فقال العلامات أن تظهر السحب في السماء وتجتمع ويسمع فيها صوت رعد فيبادر الناس إلى إصلاح خيامهم استعدادا لنزول المطر ثم سكت حتى حصل كل ذلك بإذن الله فقال الكنتي ماذا بعد إصلاح الخيام فأجابه الشيخ بعدها ينزل المطر، فانهمر المطر بغزارة وعندما أراد انقطاع المطر سأله عن علامات (السحو) فأجابه بها، وشاء الله حدوثه كل ما ذكره التنواجيوي.
عاش الشيخ بتار التنواجوي في القرن الثاني عشر الهجري وهي فترة ازدهرت فيه المعارف والعلوم في المنتبذ القصي، وظهر فيه علماء أفذاذ وأعلام متصوفة، منهم من ربطته بالشيخ بتار علاقات وطيدة مثل الشيخ سيدي المختار الكنتي كما أسلفنا.
ومن معاصريه الشيخ محمد الأغظف بن حمى الله بن سالم الداودي، وكانت بينهما صلات عن طريق المراسلات، أو عن طريق بعض التلاميذ، وقامت علاقتهما على التقدير والاحترام، وهي علاقة امتدت بينهما وبين وبين أبنائهما حتى اليوم.
وذكر البرتلي في (فتح الشكور) أن الآخذين عن الشيخ بتار منهم الحاج عمر ولد الطالب صمب وسيدي محمد بن الطالب عبد الرحمن بن الطالب جودة بن الماميتس التنواجوي والطالب زيدان الجكني وغيرهم.
وفي (رحلة المنى والمنة) أن الطالب اعمر بن أحمد بن صمب العلوي كان قد تصوف في شنقيط على يد الشيخ القطب الولي العارف بالله الشيخ بن أحمد بن عثمان.
ومن معاصريه لمرابط سيدي محمود بن المختار الحاجي، ويروى أنه أغضبه بكلمة قالها في مجلسه آنذاك في حلة أهل سيد محمود. فكشف للشيخ بتار عما دار في ذالك المجلس وهو في ضواحي لعيون في قرية تسمي (تادرت).
فغضب من ذلك ونفض (اليويشه).وقال قولته المشهورة (مانظلمُو يغير مانرتكبو) فتطايرت منها مجموعة من الحصي ترشحت منها حصيتان لتعبر كل تلك المسافات النائية التي تفصل بين مجلس القطبين الجليلين لتستقرا في عيني لمرابط رحمه الله.
علم لمرابط أن ماحدث كان ردة فعل من الولي الشريف الشيخ بتار فذهب إليه معتذرا وأنشده:
ياقطب دارت رحاه يابن عثمانا :: ومن أقام لدين الله أركانا
ومن عليه يد الأسرار قد ضربت :: قصرا وأيدي المعالي شدن بنيانا
ومن عناية مولاه له سبقت :: فحاز أسني مقام زان مازانا
يا كاسي الجسم مع علم الحقيقة مع :: علم الشريعة أثوابا وأردانا
هذا مريد حزين حل أرضيكم :: بها يحط رحال السير حيرانا
وفي فناكم عصي تسياره وضعت :: يا غَوثٌ غَيثٌ فسر الحال قد بانا
ويابنيه الكرام الغر مالكم :: فالبدر عن زبرقان ناب أحيانا
والليث من قوته تقتات أشبله :: ونحن من مجدكم نقتات عرفانا
وأكرم الناس من يعطى على عجل :: فالله حسبي لدنيانا وأخرانا
سقاك ربي من رضوانه سحبا :: أيا ابن أحمد نجل الشيخ عثمانا
فتعانقا وتمازحا وقال لمرابط للشيخ بتار (انتوم الا الحجرة إلِّ طاح اعليه نعطب واللي طاحت اعليه إنعطَبْ).
وتتحدث بعض المصادر عن أخذ الشيخ محمد فاضل بن مامين عن الشيخ بتار ومنها ما أورده الشيخ محمد فاضل بن حبيب اليعقوبي الشمشوي في (الضياء المستبين في كرمات الشيخ محمد فاضل بن مامين) من أن الشيخ بتار نزل بآل الطالب مختار أثناء مدة رضاع الشيخ محمد فاضل وطلب أن يأتيه فلما أتاه أخذ بأذنه وعمله اسما من أسماء الله سرا بينه وبينه ثم قال خذ هذا الاسم اعطيتكه لتجعلني من أشياخك.
كان الشيخ بتار من كبار عباد الله الصالحين والأولياء المعروفين الكاملين ذا جِد واجتهاد وقد كثر الآخذون عنه وقد ظهرت بركته وكرامته.
وكانت رياضته لأصحابه بالصوم وأكل الحلال.
كما كان متصوفا زاهداً ومن ذلك ما تحكيه الرواية أن أحد تلامذته قرأ ذات يوم آيات في لوح من أجل حفظها، ومنها قوله تعالى: ﴿ لَن تَنَالُواْ ٱلۡبِرَّ حَتَّىٰ تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَۚ … ﴾
فأطرقَ الشيخ طويلاً وانقطع حديثه مع الجالسين ففطنت زوجته لذلك وأخذت اللوح بلطف من التلميذ واسندته في مكانه فرفع بصره
وقال لها لو لم تفعلي لما راح على ذمتكم شيء فلم يبقَ عن المساكين إلا القليل فقد نويت لكلٍّ نصيبه.
وقد أجمعت المصادر على أنه من كبار رجالات التصوف في عصره وكان مع قادريته له سند في الطريقة الشاذلية.
وفي أثناء رحلته إلى أژواد مر الشيخ بتار على أولاد بو حمد وكانوا قد قرروا الرحيل فبقيت في انتظاره أسرة أهل الشين عندما وصل إليهم بنوا له خيمة وأكرموه فدعا لهم فكانت فيهم الإمارة والقيادة في أولاد بوحمد
ومن الذين زارو الشيخ بتار واستجاب الله دعوته لهم الطالب أحمد بن محمد راره والتحميد والد فخذ أهل تحميت التنواجيويين.
ومن الذين زاروا الشيخ بتار واستفادوا منه سيدي اشريف جد شرفاء أهل امبود وهو شريف قادم من أرض التوات بالمغرب، ولما دخل أرض شنقيط استقر به المقام أولا بالحوض في تمبدغة، بمكان يقال له (اغويرگه) وفيها رأي رؤيا في المنام لم يفهمها فسأل عن صالح مشهور فذكر له الشيخ بتار فذهب إليه فقص عليه رؤياه فقال له إن المكان الذي سيفتح الله عليك فيه ليس في الحوض وإنما في أرض غالبية سكانها السود.
فاذهب حتى تصل إلى أرض مقامك، فارتحل حتى وصل إلى أرض مقامه فقال هذا مقامي فسميت بذلك.
ومن القصص الدالة على سعة علمه قصته مع أهل أروان والتي مؤداها أنه عندما كان في طريقه إلى أژواد أتى إلى أهل أروان فطلبوا منه أن يسجل لهم بعض العلوم فبقي عندهم ستة أشهر منكبا على الكتابة حتى سجل لهم كثيرا من العلوم من حفظه فسألوه قائلين اذا ضاعت هذه العلوم فمن ترشدنا إلى إعادتها فقال لهم اذا وجد ولد أحمد بوبكر يقصد الشيخ سيدي المختار الكنتي الأقلام والمواد فهو قادر على إعادتها.
ويقال إن تلك االمخطوطات لا يزال بعضها موجودا بخطه حتى الآن عند أهل اروان.
ويذكر العلامة المؤرخ المختار بن حامدٌ أنه أخبرَه من يثق به أن محمد المختار بن محمد يحي الولاتي قال لأحد أبناء الشيخ بتار قد كان في مجلسه:
“كنت أظن أن جدكم كان وليًا فقط حتى وقفت علي مخطوطاته في أروان فعلمت انه كان من أكبر العلماء”
ترك الشيخ بتار أربعة أبناء وهم على التوالى
جدو الملقب أبوه بن الشيخ بتار، وأمه آسية بنت الحبيب بن محمد بن عبدالله بن بابا بن ابي محمد التنواجيوية، تزوجها الشيخ قبل ذهابه إلى ادرار.
وابراهبم الملقب ابّهاه
و سيدي الملقب ايّه
والصغير بن الشيخ
وأم هؤلاء الأبناء الثلاثة هي مريامَه بنت سيدي بن الحاج الأمين الغلاوية الموساويه تزوجها الشيخ بعد عودته من وادان.
توفي الشيخ بتار رحمه الله بموضع تادرت التابع للحوض الغربي، في الليلة التاسعة أوالعاشرة من ربيع من العام الثاني عشر بعد المائتين والألف، حسب ما أورده البرتيلي في فتح الشكور.
رحم الله السلف وبارك في الخلف.
كامل الود