العالِم المَنسي
مولود ولد أشفغ أعمر اليدامي اليعقوبي
يقول لبّيخيري ولد اجّه الشنابكي البافوري راعي البخاري ولد الفلالي الباركي:
ألا ليت شعري هل أبيتنَ ليلة :: بوشل الكدى فالمنحرين فمادس
وهل لي إلى جلوى مصيف ومربع :: وهل لي إلى سكانها من معرس
قال العلامة يحظيه بن عبد الودود (ابّاه) إنه أدرك “لبّيخيري ولد اجّه” شيخا كبارا، حيث لقيه زمن دراسته على أهل محمد سالم ، فلم ير أكثر تبحرا منه في لغة العرب وأراجيزهم.
بالجانب الغربي للتاجاط تقوم كدية عظيمة يقال لها مادس لدى نحرها عند «جلوى» يرقد العلامة النحرير مولود ولد أشفغ أعمر اليدامي اليعقوبي.
ويعد مادس من مرتفعات (آدرار سُطُفْ) أو الجبال السود، وهي مجموعة مرتفعات تقع على الحافة الغربية لمنطقة «تيرس» ، وتعد من المناطق الرعوية الجيدة عند الرحل من رعاة الإبل والماعز.
وتمتد تلك الجغرافيا حتى “دومس” قرب مدينة آوسرد، حيث يرقد العلامة محمد بن محمد سالم المجلسي.
قال تلميذه زياد بن أشفغ اليدوكي :
بدومسْ ضريح الشيخ شيخي محمد :: فيا ليتني أمسي بدومسَ ملحدي
ومرتفعات آدرار سطف أو جباله قصيرة متراكمة ضيقة المسالك يركب بعضها بعضا وفيها ملامح تشابه من جبال وأودية ولون الحجارة بأرض الحجاز. وبآدرار سطف يمر مدار السرطان، فهو والسلسلة الحجازية علي خط عرض واحد، ويقول سكان المنطقة إن واد البگرات الفاصل ما بين جبلي آگ رباز يسامت الكعبة الشريفة من جهة الغرب مباشرة.
توجد بهذه المنطقة مجموعة من أضرحة الأولياء والأعيان الذين طبعوا تاريخ المنطقة مثل: ضريح عالم تيرس وشاعرها امحمد بن الطلبة اليعقوبي عند «كدية أنتاجاط» ، وضريحي العالمين البخاري بن محمد بن سيدي عبد الله، وأحمد بن أماه بن عبدم وكلاهما من أهل الفاظل.
وعند «أرش أعمر» نجد من العلماء الصلحاء محمد بن عبد الله بن الشيخ المختار الدميسي السباعي، ومن «أهل بارك الله» الأمين بن بارك الله أول دفين، وأحمد بن عبد الله بن بارك الله، وسيد المختار وعلي ابني الفلالي، وأحمد بابا البخاري بن الفلالي، وعبد الله العتيق بن بارك الله بن أحمد خرشي، والزمراگي بن العتيق، وعبد العزيز بن الشيخ محمد المامي.
في الجانب الغربي للتاجاط تقوم كدية مادس ولدى نحرها عند «جلوى» نجد ضريح باب أحمد بن الأمين بن الشيخ سيدي المختار الكنتي، عند جلوى إمامها البخاري بن الفيلالي وبها أحمد دولة بدر المجلس، اليعقوبي اليدامي.
ويلي ذلك قبر العلامة مولود بن أشفغ أعمر اليدامي اليعقوبي أعلم علماء المنتبذ القصي العالم الشهير الشهيد الجليل ذي الفهم الذي لم يكن لغيره.
مولود بن أشفغ أعمر بن محمذن بن ابهنضام بن أحمد دوله الكبير بن المختار بن أعمر بن يَدَّامْ بن أعمر بن يدبهنض بن ابهنضام ( خامس الخمسة ) بن محمد بن يعقوب الجامع ، اليعقوبي اليدامي .
وأمه هي السيدة فاطمة بنت الفاظل بن بارك الله فيه بن أحمد بزيد بن يوقب بن أبيال بن عامر بن أبيال بن ابهنضام ( خامس الخمسة ) بن محمد بن يعقوب الجامع ، اليعقوبية الباركية
عاش مولود ولد أشفغ أعمر في القرن الثاني عشر الهجري ، وتوفي في العقد الأول من القرن الثالث عشر الهجري 1208 ه – 1794م.
أخذ القرآن في صغره عن أبيه أشفغ أعمر ، وأخذ عنه بداياته في الفقه والعلم الشرعي ، وأخذ عن والدته فاطمة من الفاظل ول باركل ولد أحمد بزيد، بعض العلوم وكانت مضرب المثل في علوم السيرة والبلاغة، وهي دفينة آنتر في اتويفليلت مع لمرابط آبيه رحمهم الله جميعا.
كما أخذ مولود عن خاله فحل تيرس سيدي عبد الله بن الفاظل ، العالم المتقن المتبحر في العربية وعلومها ، ولم يُذكر أن مولود أخذ عن أشياخ محددين، وكان دولة مع العلامة محمذن لمجيدري ولد حبّله في دراستهما على العلامة الشيخ محمذن (آبَّ العَلَمْ) بن المختار بن أشفغ موسى.
وأخذ مولود الطريقة الشاذلية الناصرية عن تِربه محمذن لمجيدري عن أحمد محمود بن أشفغ الخطاط عن أبيه عن سيدي أحمد الحبيب السجلماسي عن أحمد بن عبد القادر عن محمد بن ناصر الدرعي.
وكان لمجيدري شديد الاعجاب بمولود ويقول عنه إنه أحاط بكل فن من القطبانية إلى اكرورْ (أمْ اديار).
قتل مولود مظلوما سنة 1208هـ – 1794م ، ويقول العلامة محمد عبد الله ولد الفلالي إنه شهيد وأنه كان له جمل فجاء رجل من لعويسيات من أحي بن عثمان ليركبه على عجل فدافع عنه فقتله رحمه الله.
كان رجل آدرار القوي حينها هو الأمير سيدي أحمد ولد عثمان ولد لفظيل ولد شنان ، وكان الصراع قد احتدم بينه وبين عمه إبراهيم لگرع سنة 1785م على خلافة عثمان وكان موقف بطون أولاد غيلان الثلاثة الكبرى حاسما في الصراع لصالح سيد أحمد.
وكان لعويسيات أهل منعة في حلف أهل أحي من عثمان ، فزوجة الأمير سيدي أحمد ولد عثمان منهم وهي أم ابنه القوي أحمد المعروف بـ( أحمد ول عيده) ، وكان حلفاؤهم من أولاد غيلان اظْهَرْ(أولاد سلمون ، أهل مانة الله ، وأهل تگدي).
اجتمع الزوايا وجاءوا وفدا إلى أحي من عثمان يطلبون القصاص ، فالقتيل كذلك عالم وذو منعة في أهله، فما كان من الأمير إلا أن أمسك بالقاتل وسلمه حيًا إلى وفد الزوايا.
تقاعس الزوايا عن القصاص و الأخذ بالثأر ، وظل القاتل عندهم لايجرؤون على قتله خوفا من نقمة أهله، فتصدى له سعيد بن المختار لحبيب العلوي وضربه من بين أضلعه ضربة قاضية فأرداه، فأشاد الشيخ العلامة حرمة بن عبد الجليل بذلك وأنشد:
أيعقوبُ يا كهفا لكل طريد :: ومأوًى لرحلَيْ مُجتدٍ ومريد
أتابَون ثأرا جئتمُ تطلبونه :: وقد نلتموه ؛ ذاك غيرُ سديد
لقد خفتمُ بغيَ البغاة ؛ ولم يخف :: سعيدٌ فلا شُلّت يمينُ سعيد
وقد هاجر سعيد عن آدرار ودخل في إيالة إمارة الترارزة، وسكن عند (تنْ محم) جنوب نواكشوط ، وتوفي هناك ودفن في المقبرة المعروفة الآن باسمه (مدفن سعيد) ، وهي مقبرة عظيمة وفيها الكثير من الأعيان والأفاضل.
وعُرف الوليّ الصالح سعيد بن المختار لحبيب العلوي بالعلم والحلم والشجاعة، وهو أخو الشيخ محمد الحافظ، وترجم له العلامة بدي بن سيدينا في “نزهة المستمع واللافظ في مناقب الشيخ محمد الحافظ” فقال:
“سعيد بن المختار أدركته ولله الحمد وصحبته وأخذت عنه ، كان هو وشيخنا (الشيخ محمد الحافظ) رضيعي لبان ثدي أم المكرمات وشقيقين في جميع الكمالات، وكان أسن من شيخنا، وهو في العلم والمعرفة والعبادة من شيخنا بمنزلة المصلي من السابق”.
ويقال إنه كان يوتر بالقرآن في ركعة، وهي مسألة معروفة مكتوبة عند قبره.
توفي سنة 1236 هـ – 1820 م، وأرّخ لموته العلامة بابَ ولد أحمد بيبَ العلوي:
واللوذعي العالم الرباني :: وترجمان الذكر والقرآن
أعني سعيد اللغوي الأثري :: تالي كتاب الله بالتدبر
بعام ست قد مضى سعيدا :: وعاش طول عمره حميدا
ربّاه شيخه وصنوه أبو :: عبد الإله الحافظ المهذب
فصار ذا زهد وذا عرفان :: كم مرة أوتر بالقرآن
فرحمة الرحمن ذي الجلال :: على سعيد آخر الليالي
وعوة إلى صاحب الترجمة مولود ولد أشفغ أعمر يذكر العلامة محمدي (بدّي) ولد سيدينا في ( نزهة المستمع واللافظ) أن مولودا قدم في أحد أسفاره على إدوعل فوجد كتابا في أيدي الناس في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، والناس منكبون عليه، وكان مما فيه مشاجرة بين النبي صلى الله عليه وسلم وأبي جهل في الصغر وأن صبيان مكة فرقتان عليهما، إلى غير ذلك، فأبطل ذلك كله بصحيح علمه.
وقال لم تكن بين النبي صلى الله عليه وسلم وأبي جهل مشاجرة معروفة إلا ماكان من مصارعته معه على مائدة عبد الله بن جدعان كما في الحديث، جحش منها أبوجهل في ركبته فعرف بها يوم بدر.
ويقول بدي راويا عن الشيخ محمد الحافظ عن قوة وفتوة وعلم مولود:
يقف الرجلان الطويلان ويجعلان عمودا على رؤوس أصابعهما فيثب فيأتي فوقه، وكان لايفتر عن ذكر الله.
وأنه لم يرَ مثل مولود في العلم في ذلك الزمان إلا ماكان من ولي الله تعالى محمذن بن حب الله (لمجيدري)، فقد رأى مولودا يجلس من لمجيدري مجلس المتعلم ورأى حرمة ولد عبد الجليل يجلس من مولود مجلس المتعلم، وقال حرمة في مرثيته لمولود:
إذا جال في مضمار فنٍ حسبته :: لإتقانه ما جال في غيره فكرا
ويضيف العلامة بدي في ( نزهة المستمع واللافظ)، متحدثا عن ذكاء مولود، قصته مع رسالة لمجيدري إلى أهله مع قادم عليهم لا يأمنه وقد سلمه معها سلهاما وزربية.
وقد انتهج لمجيدري في رسالته تلك أسلوبا عجيبا ومنزعا غريبا ينبئ عن قريحة وقادة وذكاء عزيز النظير، وهذا نصها:
“من الملتمس في طرسه صالح الدعاء إلى سميه وابن خالته المجدد سلام بزيادة لام ماء إلى لامه، وإحدى خبر كأن من قوله: ترديت … إلى آخر كلامه.
الأول لك والثانية لخالتك أم المومنين .. والسلام».
وصل إلى الحي الذي به أهل لمجيدري وسلمها لهم فأشكلت عليهم ، فقال لهم مولود بن أحمد الجواد: هذه الرسالة لن يفهما إلا من كان له انتساب إلى فاطمة بنت الفاظل بن باركللَّ، فلم يزل أمرها مشكلا حتى قدم مولود بن أشفغ أعمر الذي هو من أبناء فاطمة بنت الفاظل فعرضوها عليه فبقي يتأملها يوما أو أكثر حتى فتح عليه بفهمها فقال لحاملها: أين السلهام الذي بعث به ابن حبللَّ مع الزربية؟
فخجل الرجل خجلا شديدا، وأقر بالسلهام فتركوه له، فتحير الناس من أسلوب لمجيدري، ومن فراسة مولود بن أحمد الجواد، ومن فهم مولود بن أشفغ أعمر.
ولما قال بعض الحاضرين لمولود بن أشفغ أعمر: كيف علمت ذلك؟
رد عليهم بأن “لام ماء” هي الهاء لأنه يجمع على مياه، وإن زيد الهاء إلى لام سلام صار “سلهاما”، وأن “إحدى خبر كأن” يشير به إلى قول غيلان:
تَرَدَيتَ من أَلوانِ نورٍ كَأَنَّها :: زَرابِيُّ وَاِنهَلَّت عَلَيكَ الرَواعِدُ
بمقتل العلامة مولود ولد أشفغ أعمر، مضى كثير من العلم والفضل وهو ما عبر عنه العلامة الشيخ حرمة ولد عبد الجليل بكثير من الأسى والحزن في رثائه له:
ألا فامسكوا عنا حديثكم المُرّا :: قذفتم به لا كان في كبدي جمرا
تقصون ما لو كنت في لجج الكرى :: أراه مُلمًا لا نتبهت له ذعرا
أتنعون مولودا وما انقض كوكب :: ولا فارق النور الغزالة والبدرا
ولا زلزلت زلزالها الأرض يومه :: وما أبدت الأشراط آياتها الكبرى
وما شغل الناس البكا عن أمورهم :: كأن صروف الدهر ما أحدثت أمرا
بلى أحدثت ما لو تجسّم فانجلى :: لعينيك سدّ الافق والبر والبحرا
لقد غيبت من غاب عند مغيبه :: فواضل شتى لا تطيق لها حصرا
حوى جيبه ما لو توزّع في الورى :: من الفضل ما أبقى بليدا ولا غُمرا
تواضع فازداد ارتفاعا وسعيه :: لما يقتني من نيله الأجر لا الوَفرا
وأن يشتري الأحرار من كل معشر :: بمعروفه والعرف قد يشتري الحرا
يسلى عن الميت الشقيق شقيقه :: فلو عاشر الخنساء ما ندبت صخرا
إذا جال في مضمار فنٍ حسبته :: لإتقانه ما جال في غيره فكرا
له بسطةٌ في العلم والحلم قصرت :: خطا القوم عنها لا يجارونه فترا
يعلّلُ من صوب العلوم جليسه :: ويقطف من أكمام آدابه زهرا
ليندُبْه من أعياه حلّ عويصة :: وملتمس الذكر المنزّل والذكرى
أصيب به يا قرحه كلّ مسلم :: يذبّ عن الاسلام يبغى له النصرا
مضى عمره فاعتاض منه شهادةً :: ينالُ بها في حضرة الشهدا عُمرا
فطوبى لقبر أو دعوه عظامه :: فياليت أني كان صدري له قبرا
سقاه من العفو المهيمن ديمة :: تسحّ ومن رضوانه ديمَةً أخرى
مولود عالم جليل منسي ، بحثت عن ترجمة له فلم يسعفني مرجع ولا محرك بحث ، فطفت أبحث حتى لملمت هذه العجالة لعلها تكون حجر أساس لبناء سيرة للرجل.
كامل الود