أخبار عاجلة
الرئيسية / آخر الأخبار / ترجمة العلامة أحمد الكريم بن زياد الحاجي الشنقيطي (236)

ترجمة العلامة أحمد الكريم بن زياد الحاجي الشنقيطي (236)

ترجمة العلامة أحمد الكريم بن زياد الحاجي

أطال الله بقاءه ومتع به الإسلام والمسلمين

مولده ونسبه

هو العلامة أحمد الكريم بن المختار بن زياد بن المختار بن عبد الله بن زياد بن الكريم بن أحمد بن الأمين بن ألفغ أوبك بن النجيب الحاجي، يتصل نسبه بالحاج عثمان الأنصاري الخزرجي، تلميذ القاضي عياض وأحد مؤسسي مدينة ودان سنة 536 هـ، دفين تيشيت.
وأمه خديجة الملقبة (الدتَّ) بنت يا مختارُ بن عبد الله بن المختار بن زياد .
ولد سنة 1937 للميلاد في موضع يسمى “انْفَرَاگَ” جنوب أيشايَ، يقع نحو 30 كيلومترا جنوب غربي المذرذرة.

نشأته وحياته العلمية

نشأ شيخنا أحمد الكريم بن زياد – حفظه الله – في بيت علم وفضل، وتوفي عنه والده القارئ الشاعر المختار بن زياد وهو صغير، فبدأ دراسته العلمية على يد عمَّتيه : فاطُمَّ والناصرة ابنتي زياد، فأخذ عليهما مرحلة التهجي، وكتَب عدة أحزاب .وكانت عمته الناصرة مشهورة بالإتقان، والحرص على القراءة بنطق سليم .
ثم ذهب عن ذلك الحي، فواصل دراسة القرآن على خديجة بنت أحمد بن المختار بن المصطفى.
وقد أخذ عن خاله فتى الشعراء وشاعر الفتيان محمد بن يا مختارُو بعض المبادئ في العلوم الإسلامية.
ثم تتلمذ على العلامة المختار بن ابلول، فمكث معه زمنا، ينهل من معينه العذب الزلال .
ثم صحب العلامة القطب بن السالك فترةً من الزمن، فقرأ عليه الكفاف وكتبا أخرى في الفقه والنحو.
وقد مارس التجارة لفترة لم تطل، فحج بيت الله الحرام منها وتفرغ بعد ذلك لطلب العلم …
فجاور العلامة، الرجل القرآني الشهير المختار بن باب بن حمدي الملقب “حِتَّا” فأخذ عنه ولازمه فترة طويلة حتى وفاته. فكان تلميذَه المقرب، يخصه ببعض المسائل، كنسخ الكتب والبحث فيها، ومقابلتها والقراءة منها عليه، ومراجعة ما يكتب منها .
وقد زكاه المختار في أكثر من مناسبة وكان يقول عنه إنه من أهل العلم والمعرفة.
وكانت العلاقة الروحية والعلمية بينهما قوية؛ إضافة إلى العلاقة النَّسبية ؛ فكان يقدمه لإمامة الصلاة؛ فلذلك قدمه أبناؤه للصلاة عليه بعد وفاته؛ وظل أحد أيمة مسجد دار البركة عند الكيلومتر 14 من روصو بعد وفاة شيخه المختار بن باب إلى أن غادرها إلى الفتح .
وكان يساعده في التدريس ويُدَرِّس أنظام شيخه “حِتَّا” كنظم العقيدة ونظم الردة…
ثم انتقل سنة 1994 إلى قرية الفتح الواقعة عند الكلومتر 23 شمال مدينة روصو، فكان موردا عذبا لمن يشْكون من ظمإ الجهل ونبراسا يَهدي من يسيرون في ظلماته.
وكان قبلةَ طلَبة العلم في الفتح والأحياء المجاورة له؛ كزمزم وبئر السعادة؛ وانتَفي، وكان إمامَ الجمعة في حي زمزم، ومُدَرِّسَ محظرته الرسمي ، وإمامَ الصلوات الخمس في الفتح إن كان حاضرا .
فأقبل عليه رجال الحي ونساؤه، صغارا وكبارا، فكان يدرس في زمزم بالنهار، وفي الفتح بالليل.
وكان يمتاز أسلوب تدريسه بالقدرة على التوصيل والإفهام؛ بطريقة سلسة وواضحة.
وقلَّ أن تجد شخصا بالغا في تلك الأحياء إلا ولأحمد الكريم عليه منةُ تعليم أو نصح أو إرشاد.
وكان هو المقدَّمَ لتغسيل الأموات، والصلاة عليهم وتلقينهم بعد دفنهم، وهو مبرم عقود النكاح الرسمي.
وفى العيدين كان يجتمع أهل الأحياء الثلاثة: الفتح وزمزم وبئر السعادة، على مسافة لائقة بالجميع، فيؤمهم الشيخ أحمد الكريم .
وفي الأضحى يُحضِر أضحيته لمكان الصلاة، فيذبحها بعد الصلاة مباشرة، فلا يذهب من ثَمَّ أحدٌ إلا وهو فى حِلٍّ من ذبح أضحيته، لأن الإمام ذبح أمامه.
ثم انتقل سنة 2004 إلى العاصمة انواكشوط، وظل باب منزله مفتوحا أمام طلبة العلم والباحثين عن الفوائد العلمية والمستفتين.
وظلت مكانته الرفيعة في مجتمعه محفوظةً؛ فلا يقدم لصلاة الجنائز – وهو حاضر- غيرُه، ولا لعقود النكاح سواه .

زهده وورعه وتواضعه

يتسم شيخنا أحمد الكريم بزهد وورع وتواضع قلَّ لها نظير، فلذلك ابتعد عن الوظائف الحكومية، فلم يطلب ولم يقبل أي منصب، ولم يدخل مقرا رسميا للحكومة، وابتعد عن الأضواء فلم يظهر على شاشة، ولم يتحدث في إذاعة، ولم يكتب في مجلة ولا جريدة .
وهو معروف بالورع الشديد، وخاصة في المسائل المستجدة، التي لم يتبين فيها الحق من الباطل.
إلا أنه بالرغم من ذلك كانت التوسعة واليسر يغلبان على فتواه؛ فكثيرا ما وسع على من ضاقت به السبل، وفتح على من أغلقت أمامه الأبواب .
وقد اتصف شيخنا بالمحافظة الشديدة على القيم والأخلاق الأصيلة، يمقت البدع ويكره المحدثات، ويرفض تقليد الموضة، وينكر المخالفات الشرعية بقلمه ولسانه.
وقد منَّ الله على شيخنا أحمد الكريم بنوع من الزهد والتواضع ربما تقرأ عنه في بطون الكتب، ولا تجده مجسدا ماثلا للعَيان، مبهرا للأذهان، إلا في أخلاقه هو وسلوكه، فتراه يسير مع من جاءه مستفتيا أو شاكيا؛ أو مستجديا، كيف شاء ومتى شاء، وقد رأيناه يخدم ضيوفه بنفسه، ويهيئ لزواره نعالهم .
ومن شيمه البارزة أنه وَصَّال للرحم، زَوَّار للمرضى، يواسى المكلوم، ويشارك الناس في أفراحهم وأتراحهم رغم انشغاله بالعلم وانقطاعه للعبادة.

محافظته على المنهج المحظري القديم

ورغم اختلاط المذاهب الفقهية في هذا العصر، نظرا لكثرة المفتين، ونقلِ ذلك في وسائل الإعلام، وظهور عدد من المدارس الإسلامية، وانتشار أنواع مختلفة من الأفكار المنحرفة، والمفاهيم المزيفة، التي تمور بها الساحات العلمية والفكرية والسياسية اليوم، بقي شيخنا متمسكا بالمنهج المحظري الأصيل، مالكيَّ المذهب، أشعريَّ العقيدة، محافظا، ثابتا على منهجه، سائرا في طريقه، نائيا بنفسه عن الخلافات والفتن .
ونشير هنا إلى أن للشيخ مكتبة ضخمة، تحوى كثيرا من نوادر كنوز المعرفة، مخطوطة ومطبوعة.

صِلاته بالعلماء

من شيم شيخنا أحمد الكريم الطبْعية حبه للعلم، وملازمته للعلماء، والبحث عنهم، وصلةُ ذلك الرحم، والمحافظة على ذلك الود، فالعلم رحِمٌ بين أهله.
فكثيرا ما كانت له زيارات وجوْلات بين العلماء وشيوخ المحاظر، ومباحثات معهم، وإطلاعهم على إنتاجه.
فكانت له صلة ومودة بالعالِمين الأمين بن العيدي ونافع بن حبيب التندغيَيْن ؛ وصلةٌ بأبناء ألما، وبالعلامة محنض باب بن امين، وبالعلامة گراي بن أحمد يوره، وبالعلامة محمد الحسن بن أحمدو الخديم، وبالعلامة الشريف الشيخ بن حمَّ الصعيدي، وبالعلامة محمد عبد الله بن محنض التاشدبيتي وابنيه العلامتين محمد مختار ومحمذن فال، وبالعلامة اطفيل بن الواثق المالكي .
ومن أدبه مع العلماء وغيرهم من أهل الفضل أنه لا يعتبر نفسه نظيرا لهم، بل طالب علم جاء متعلما.

مؤلفاته

لم يقتصر شيخنا – حفظه الله ورعاه – على طلب العلم وتدريسه للناس فحسب، بل كانت له مشاركة قوية في ميدان التأليف، منها:

  1. نظم “غارة الشريعة على زحوف البدع الشنيعة” وهو أول كتبه وأكثرها شهرة، ألفه في أواخر سبعينيات القرن الماضي، بعد ما وفدت إلى مجتمعنا بعض الأفكار الغرْبية، الغرِيبة على مجتمعنا المسلم، المحافظ، فأفسدت النفوس، وأضاعت الأخلاق، وحرَّفت الدين، وغيَّرت المفاهيم، فتأثر بذلك بعض أبنائنا الذين بهرتهم تلك الحضارة ببريقها الزائف، وحريتها المزورة، وثقافتها المدمرة.
    فظهر تقليد الغرب في الأزياء والحلاقة، والتسريحات والملابس، واشترك في ذلك الرجال والنساء.
    فانبرى لهم شيخنا وعلماء آخرون، ناصحين موجهين مرشدين، ذابين عن حمى الشريعة، رافضين كل دخيل عليها، فألف كتابه هذا ، وصاغه صياغة بديعة، وهو نظم طويل ولكنه مُحكم، تناهز أبياته خمسمائة بيت. فكان شهابا ثاقبا يرجم الضِّليل، وينير للمهتدي السبيل.
    وننوه هنا إلى أنه ربما ذكر من العوائد ما ليس محرما لذاته وإنما لعارض كالتشبه بالكفار وغيره.
    وقد سلم هذا الكتاب وقرظه جمهرة من كبار علماء البلد، منهم العلامة المختار بن باب، والعلامة المؤرخ المختار بن حامدن، والعلامة محمد الحسن بن أحمدو الخديم، والعلامة القاضي ابين بن ببانه والعلامة گراي بن أحمد يوره، وغيرُهم .
  2. شرح نظمه “غارة الشريعة على زحوف البدع الشنيعة”.
  3. رسالة في الحث على السنة والتحذير من البدع.
  4. نظم في أحكام الجمعة.
  5. نظم في حرمة الرضاع والنسب وغيرهما.
  6. شرحٌ موسع لنظم العلامة أحمد بن محمد الحاجي في النحو المسمى “عون الطالبين”، سماه “اللباب المبين لمعاني عون الطالبين”.
  7. طرفة المحتاج في ذكر بعض أخبار ومناقب إدولحاج، وهو كتاب نفيس يعتبر موسوعة في تاريخ قبيلة إدولحاج الگبله وحياتها الثقافية، اشتمل على تراجم كثير من علمائهم وصلحائهم وأعيانهم.
  8. مقدمة في النحو؛ وهي نظم قصير؛ يركز على ذكر مبادئ علم النحو، يشبه الآجرومية.
  9. أنظام وتقييدات لبعض الفوائد الفقهية واللغوية والنحوية.
  10. ديوان شعري حافل، يغلب عليه غرض الرثاء.

شعره ورثاؤه لأهل الخير والفضل

يعد شيخنا أحمد الكريم ممن لهم حظ وافر في اللغة والنحو والشعر، ويتجلى ذلك بوضوح لمن قرأ أشعاره ومراثيَه، فكان الشعر عليه سهلا؛ تأتيه القصيدة منقادة سلسلة؛ بناؤها محكم؛ ولغتها جزلة؛ ومعانيها واضحة.
ولم يكن يقُول الشعر عبثا، ولا لمدح حاكم، أو ربِّ مال، إذ كان في كل ذلك من الزاهدين، وإنما كانت له أغراض وأهداف محددة يسير وَفْقَها، نحو إرشاد أو توجيه أو تقييد فوائد أو رثاء.
رثى أشياخه وكثيرا من أهل الفضل من عشيرته وغيرهم، نختار لذلك نماذج من أربع قصائد رثى بها شيوخه:

مرثيته للعلامة المختار بن ابلول:
يقول في مطلعها:

تنكرت الأعلام والجو مظلمُ
كأن لذيذ الشهد عندك علقمُ
وذلك من خطب عظيم دهى الورى
يُطيش عقول السامعين ويؤلم
بنعي الإمام كعبة العلم والتقى
وكعبة دين الله والطود الاعظمُ
هو العيلمُ “اتاه” المنير لدهرنا
عماد العلى مِن فقده الدين أيِّمُ .. إلخ.

مرثيته لخاله محمد بن يامختارو:
يقول في مطلعها:

أَبدّلْتِ يا عيني مكان الكرى السهَر
وصرتَ من الأحزان يا قلبُ كالسكِر
ترى الموت يعتام الكرام ويصطفي
عقيلة مال الجاهل الفاحش الأشر
فنعي ابن يا مختار أدهش للورى
فكاد له أن يذهب السمع والبصر
هو الخطب قد عم البرية كلها
ويجمع أهل الدين في البدو والحضر
لك العذر إن لم تسل يوما لفقده
فما مثله يسلى ولا مثله اصطبر
نعيتم أخا العلم الذى سار في التقى
من الفقه للتوحيد للنحو للسير
منار علوم المصطفى وسراجها
به ازدانت الدنيا لدى كل من نظر
بنى بطريف المال مجدا وسؤددا
وبالتالد الموروث مجدا ومفتخر .. إلخ.

مرثيته للعلامة القطب بن السالك، يقول في مطلعها:
تكدر صفو العيش واغبرت الغبرا
وأظلمت الأيام بعد الضيا دهرا
وأدهاك ما طاشت عقول الورى به
وما إن أراك تستطيع له صبرا
رويدك إن الامر لله وحده
متى ما قضى أمرا ينفذه قسرا
ولم يبق إلا أن نسلم للقضا
فبارئنا إن أورد الامر لا عذرا
ففوض وسلم للذي قد قضى العلي
فصبر رزايا الدهر يكسبنا الأجرا
على أن قطب الدين عم مصابه
وخص وفى الأمرين غيبته أمرا
فتوديعنا للشيخ مر مذاقه
وآلمنا طرا وأكسبنا ذعرا
وخدر للأوصال منا وإنما
أليم مصاب القطب نحسبه جمرا
وديعة مولانا لحلو شمائل
وعيلم علم في العلوم غدا بحرا
تذكرنا بالله طلعة وجهه
ويوسعنا برا ويؤنسنا بشرى .. إلخ

مرثيته للعلامة المختار بن باب، وتقع في نحو 70 بيتا، يقول فيها مؤرخا لوفاة الفقيد وسِنِي عمره بحساب الجمل:
وسنةُ طهَ خامرَتْهُ فصانَها
وكان لها دِفْئاً ومَأوًى ومُسْتَظَلْ
وروَّى عِطَاشَ الْجاهلين بعلمه
فَبَذَّ شيوخَ العصر في نفعِ من جَهِلْ
فتاويه بالْمشهور ما رِيءَ مثلُها
وتَحصيلهُ للعلم أجدرُ إن يُقَلْ
وقد كان في ذات العَلِيِّ مُجَاهِدًا
فكمْ سُنَنٍ أحْيَا وكم بِدَعٍ قَتَلْ
وأموالُهُ للسائلين مُعَدَّةٌ
يُقَسِّمُها فيهم بقسمةِ مَنْ عَدَلْ
مآثرُ لا تُحصَى وإن طال عدُّها
وخير الكلام إن يُفِدْ شطرُه الأقلْ
وفي صفرٍ يوم الثلاثين حلَّ فِي
تكشكمبَ رَمْس النُّورِ مَنْ جانَبَ الْحَظَلْ
فَعُمْرُ ضياءِ الدينِ (عِزٌّ) وفقْدُهُ
(تَشَبَّهَ) فيه قاطنٌ بِمَنِ ارتَحَلْ
وإن ضَمَّ شبرُ الأرض ذا الجسمَ طيباً
فقد كان ملءَ الأُفْقِ بالعلم والعملْ
وما مات من أبقى ثناءً مُخَلَّداً
وحاصلَ علمٍ نافعٍ قُرَّةَ الْمُقَلْ .. إلخ

عائلته الكريمة

قال تعالى ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِّن قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّةً﴾ والعلماء ورثة الأنبياء، بهديهم يهتدون، وبهداهم يقتدون.
ومن هنا اتخذ شيخنا أحمد الكريم بنتَ عمه السيدة الفاضلة: الناجحة بنت سيدي بن عبيد الله – رحمها الله – ربَّةً لبيته، وأُمًّا لعياله، فرُزق ببنين وبنات، ورثوا من ذلك المنبع الطيب مجدا ونبلا وسؤددا.
حفظ الله ذلك البيت الكريم، وبارك فيه، وحفَّه بفضله وعنايته وجعله خير خلف لخير سلف. آمين.
الدعاء
بقلم: عبد الله حامد بن زياد



صدقة جارية