حملت زيارة الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون لنواكشوط دلائل على قوة التوجه الجزائري لتوطيد العلاقات مع موريتانيا، كما أظهرت من خلال ما خصص للرئيس الجزائري من حفاوة كبيرة أن الرئيس الغزواني الذي زار الجزائر مرتين، يشاطر نظيره الجزائري الحرص على دفع العلاقات الموريتانية الجزائرية بقوة لتصل إلى أعلى ما يمكن أن تصل إليه.
ذلك ما رآه مدونون وساسة موريتانيون رحبوا بزيارة الرئيس تبون واعتبروها “خطوة مهمة نحو تعاضد الجارتين المغاربيتين لإرساء تعاون متكامل تلتقي فيه المصالح وتتحقق فيه الأهداف المشتركة”.
وتضمنت هذه الزيارة التي جعلها الرئيس الجزائري أول زيارة له بعد إعادة انتخابه، رسائل عدة: فمع أن الرئيس تبون جاء إلى نواكشوط مشاركاً في المؤتمر القاري حول التعليم والشباب والتأهيل للتشغيل، فإن زيارته لنواكشوط كانت، في الوقت نفسه، مؤازرة قوية للرئيس ولد الغزواني في رئاسته للاتحاد الإفريقي الجهة المنظمة للمؤتمر المذكور.
وتحرص موريتانيا على التحكم الدقيق في مقود حيادها إزاء علاقاتها مع جارتيها الكبيرتين المغرب والجزائر، ولذا فقد تم ترتيب زيارة رئيس البرلمان الموريتاني محمد ولد مكت للمغرب لتتوازى مع زيارة الرئيس تبون لنواكشوط؛ وقد ظل توازي الزيارات والمشاركة في المؤتمرات يرتب بصورة دائمة تحقيقاً للتوازن في العلاقات.
وعن الزيارة ، يقول الإعلامي الموريتاني الكبير محمد محمود بكار مدير ورئيس تحرير صحيفة “العلم” الموريتانية المستقلة: “ليست زيارة رئيس الجزائر لنا كزيارة أي رئيس، إنها دولة شقيقة ولدينا معها حدود عريضة ومصالح مطردة وتنسيق أمني سميك، مع تاريخها المشرف في دعمنا”.
وقال: “لقد ظلت الجزائر تقف معنا في جميع الظروف خاصة ظروف النشأة، حيث تبنت جملة من المواقف الجوهرية التي ساعدتنا في الوقوف على أقدامنا أثناء تصفية الجزء الحالك من الاستعمار حينما كنا في أمس الحاجة لتلك المؤازرة، كما أنها تعبر باستمرار عن الروابط التي تشهد توكيداً يوماً بعد يوم”.
وعن وضعية العلاقات، يقول ولد بكار: “علاقتنا بالجزائر تشهد اليوم تطوراً كبيراً وانفتاحاً على مستويات عدة، تجارية وسياسية وأمنية؛ وقد كان الرئيس تبون من الرؤساء الذين يقدرون أهمية العلاقة بنا ويعتبروننا قنطرة إلى إفريقيا، إنه يقوم بمشاريع مهمة في هذا الصدد وانفتاح عريض علينا؛ فقد تقاطر المستثمرون الجزائريون على بلدنا بتوجيهات منه، كما أن الطريق التجاري والاقتصادي الكبير الرابط بين تندوف والزويرات، في نهايته إلى المعبر الموريتاني، وهكذا يمكننا أن نستفيد من الصناعات الجزائرية العديدة”.
وأضاف: “أربعة أيام فقط تكفي لوصول المنتوج الجزائري لموريتانيا، إنه عامل تطوير كبير للصناعة الجزائرية، أن تصلنا وتتجاوزنا لأسواق إفريقيا؛ هذا ولن يكون تبون خاوي الوفاض وهو يزورنا الآن، لا بد أن هناك خطة لتطوير هذا التعاون ورفع مستوى هذه العلاقات؛ إنها علاقة بحاجة للتطوير وفي ضوء الخط التقليدي الثابت للسياسية الخارجية الموريتانية”.
وتوقف الكاتب الموريتاني والمدون حبيب الله ولد أحمد عند زيارة تبون ليقول: “مرحبا بالرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، فنحن نستقبل فيه وفاء لقيم الأخوة والتعايش؛ فالجزائر بلد عزيز علينا؛ وقد وقف معنا في أوقات صعبة وحرجة؛ ونحن فخورون اليوم بتطور علاقاتنا، فخورون بالجزائريين، ومن دون شك فإن طريق تندوف الزويرات ستشكل إضافة نوعية لعلاقات بلدينا وشعبينا”.
وزاد: “إن زيارة تبون لبلادنا مقدرة ومعتبرة، وهي دلالة على عمق التعاون وتجذر علاقات الدين والحضارة والتاريخ والجغرافيا بين بلدينا”.
أما المحلل محمد سالم اليعقوبي الباحث الموريتاني المتخصص في قضايا الساحل والصحراء، فيرى “أن زيارة الرئيس الجزائري لموريتانيا ومشاركته في قمة التعليم الإفريقية، تعتبر معلماً بارزاً في العلاقات المتميزة بين موريتانيا وجارها الكبير، وهي علاقات تاريخية تعود إلى بداية عهد استقلال الدولتين، والشواهد على ذلك عديدة ومحسوسة وقائمة”، حسب تعبيره.
وأضاف: “هكذا في سنة 1963، رفض قادة الجيش الشعبي الوطني الجزائري طلباً للمغرب يتعلق بتمكينه من استخدام معبر مدينة تندوف من أجل احتلال موريتانيا مقابل ترسيم الحدود مع الجزائر، لكن الجزائر الثورة، يضيف اليعقوبي، رفضت ذلك رفضاً حاسماً، وهذه النقطة ذكرها هواري أبو مدين في عدة مقاطع موجودة على “اليوتيوب” وذكرها من حيث التأصيل عبد اللطيف الفيلالي، وقد ذكرتها في مقالي المعنون “الجزائر هي الخيار أو لا خيار”.
وقال: “وفي ظل هذه الوضعية المريبة والمربكة، وبما أن الجزائر تنظر إلى علاقاتها مع موريتانيا نظرة خاصة لا تحظى بها أي دولة في المنطقة، فإن موريتانيا في الظرفية الحالية المتميزة دولياً وإقليمياً، لا خيار لها من الناحية الاستراتيجية سوى التنسيق مع الجزائر لمواجهة متطلبات الاستقرار، والتصدي للإرهاب العابر للحدود، ومن هذا المنظور فإن الجزائر بالنسبة لموريتانيا هي الخيار أو لا خيار”.
وتعززت العلاقة بين موريتانيا والجزائر خلال السنوات الأخيرة، حيث افتتحتا عام 2018 أول معبر حدودي بري بينهما، عند مدينتي تندوف والزويرات، بهدف زيادة التبادل التجاري وتسهيل تنقل الأشخاص وتعزيز التعاون الأمني لمكافحة الإرهاب.
وترتبط الحكومتان الجزائرية والموريتانية منذ أيلول/سبتمبر 2022 بست وعشرين اتفاقية تعاون تغطي مجالات العدل، والداخلية، والخارجية، والشؤون الإسلامية، والطاقة، والتحول الرقمي، والصيد البحري، والزراعة، والتنمية الحيوانية، والتكوين المهني، والتجارة، والصناعة، والتجهيز والنقل، والتعليم العالي، والعمل الاجتماعي، والثقافة، والشباب والرياضة، والاستثمار.
الرئيسية / آخر الأخبار / القدس العربي : زيارة الرئيس تبون لنواكشوط أظهرت قوة التوجه الجزائري لتوطيد العلاقات مع موريتانيا