أخبار عاجلة
الرئيسية / آخر الأخبار / البنوك التي تتحايل على الشريعة الإسلامية: بين الادعاء والممارسات الربوية || محمد محمود آبيه

البنوك التي تتحايل على الشريعة الإسلامية: بين الادعاء والممارسات الربوية || محمد محمود آبيه

تزايد الطلب على المنتجات المالية الإسلامية في السنوات الأخيرة، مما دفع العديد من المؤسسات المالية إلى تبني ما يسمى بـ”النوافذ الإسلامية”. إلا أن بعض هذه المؤسسات تقدم خدمات تدعي التوافق مع الشريعة الإسلامية، بينما تخفي خلف ستارها معاملات ربوية تتناقض مع أحكام الشريعة. في هذا البحث سأتناول هذه الظاهرة، مع تسليط الضوء على أشكال التحايل و أسبابها مع ذكر أمثلة عليها وكيفية معالجتها.

مفهوم البنوك الإسلامية
البنوك الإسلامية هي مؤسسات مالية تهدف إلى تقديم خدمات مصرفية تتوافق مع أحكام الشريعة الإسلامية. تعتمد هذه البنوك على مبادئ أساسية، مثل تحريم الربا، وتجنب الغرر، وتطبيق مبدأ المشاركة في الربح والخسارة، مع التركيز على العقود المشروعة مثل المرابحة والمضاربة والإجارة.

ظاهرة التحايل على الشريعة

  1. التحايل في العقود
    بعض البنوك تقدم عقودًا ظاهرها الالتزام بالشريعة، بينما جوهرها لا يختلف عن العقود الربوية. مثال ذلك:
    المرابحة الشكلية: تقدم بعض البنوك عقودًا تحت مسمى “المرابحة”، حيث تشتري السلعة نيابة عن العميل ثم تبيعها له بأرباح محددة. في الواقع، لا تتم أي عملية شراء أو نقل ملكية، بل يتم تقديم قرض بفائدة مستترة في صيغة عقد بيع.
    التورق المنظم: يتيح البنك للعميل شراء سلعة بالتقسيط وبيعها مباشرة لطرف ثالث يتم ترتيبه مسبقًا. هذه العملية تؤدي فعليًا إلى الحصول على قرض بفائدة مقنعة.
  2. التحايل في توزيع الأرباح
    بعض البنوك تعلن أنها تعمل وفق مبدأ “المضاربة”، حيث يتم توزيع الأرباح بين المودعين والبنك بناءً على نسبة محددة. ولكن في الواقع، تحدد الأرباح مسبقًا دون أي اعتبار للخسائر، مما يجعلها أشبه بعوائد الفائدة.
  3. الإقراض باستخدام الصكوك الإسلامية
    بعض البنوك تصدر صكوكًا إسلامية بموجبها يتم جمع الأموال لاستخدامها في مشاريع محددة. ومع ذلك، يتم في بعض الأحيان استثمار هذه الأموال في مشاريع أو أدوات مالية ربوية مثل السندات التقليدية.

أمثلة على البنوك المتحايلة

  1. البنوك التقليدية ذات النوافذ الإسلامية:
    العديد من البنوك التقليدية تقدم منتجات مالية تحت مسمى “إسلامي”، مثل بطاقات الائتمان الإسلامية، ولكنها تتضمن رسومًا مرتفعة للغاية تعادل الفائدة الربوية.
  2. قضية التورق في الخليج:
    في عام 2009، انتقدت مجامع الفقه الإسلامي بعض البنوك الخليجية لاستخدامها التورق المنظم، ووصفت هذا النوع من التورق بأنه حيلة للحصول على قروض بفائدة.
  3. بنوك دولية تتبنى “الشريعة” بشكل ظاهري:
    بعض البنوك العالمية، مثل “HSBC Amanah”، واجهت انتقادات شديدة بسبب تقديمها منتجات مالية إسلامية مزيفة تتضمن معاملات غير متوافقة مع الشريعة.

أسباب التحايل

  1. الطلب المتزايد على الخدمات الإسلامية:
    البنوك تسعى لتلبية الطلب دون تقديم حلول حقيقية، مما يؤدي إلى اللجوء للتحايل.
  2. ضعف الرقابة الشرعية:
    غياب الرقابة الفعالة من قبل الهيئات الشرعية يؤدي إلى السماح بممارسات غير متوافقة مع الشريعة.
  3. المنافسة المالية:
    ضغط المنافسة بين البنوك الإسلامية والتقليدية يدفع بعض البنوك الإسلامية إلى تقديم منتجات مشابهة لتلك التي تقدمها البنوك الربوية.

تأثير هذه الظاهرة

  1. فقدان الثقة في البنوك الإسلامية:
    يؤدي التحايل إلى تآكل ثقة العملاء في القطاع المصرفي الإسلامي.
  2. إضعاف مصداقية الشريعة الإسلامية:
    يساهم هذا السلوك في نشر صورة سلبية عن الشريعة وكأنها تبرر الربا بطرق ملتوية.
  3. تشويه السوق المالية الإسلامية:
    تتحول السوق إلى منافسة غير نزيهة، مما يضر بالبنوك الملتزمة فعليًا بالشريعة.

الحلول المقترحة

  1. تعزيز الرقابة الشرعية:
    يجب أن تكون الرقابة الشرعية مستقلة تمامًا، مع وجود خبراء موثوقين ومتخصصين في الفقه الإسلامي.
  2. الشفافية:
    ينبغي للبنوك الإفصاح الكامل عن طبيعة معاملاتها وآليات تطبيقها.
  3. التثقيف المالي الإسلامي:
    توعية العملاء حول المنتجات الإسلامية الحقيقية وكيفية التمييز بينها وبين المنتجات التي تتحايل على الشريعة.
  4. إنشاء مؤسسات رقابية دولية:
    مثل هيئة دولية تشرف على مدى التزام المؤسسات المالية بالشريعة.

وفي الأخير، علينا أن نعلم أن التحايل على الشريعة الإسلامية في البنوك ليس مجرد مخالفة مالية، بل هو انتهاك للقيم الأخلاقية والشرعية التي يقوم عليها النظام المالي الإسلامي. لذلك، يجب على الجهات الرقابية والهيئات الشرعية أن تتكاتف للتصدي لهذه الظاهرة. من خلال تعزيز الشفافية والرقابة، يمكن استعادة الثقة في البنوك الإسلامية وضمان توافقها الحقيقي مع الشريعة.
محمد محمود آبيه
cheabeih@yahoo.fr

صدقة جارية