أخبار عاجلة
الرئيسية / آخر الأخبار / الفيدرالية التنموية: موريتانيا بحاجة إلى نموذج جديد للتكامل الإداري|| محمدالأمين ولد لحويج

الفيدرالية التنموية: موريتانيا بحاجة إلى نموذج جديد للتكامل الإداري|| محمدالأمين ولد لحويج

حين نتحدث عن الفيدرالية، فإننا لا نعني فقط توزيع السلطات بين المركز والأقاليم، بل نعني أيضًا توزيع المسؤوليات بشكل يسمح بالتكامل والتعاون بين الجهات المختلفة. وتُعد ألمانيا نموذجًا حيًا للفيدرالية الناجحة، حيث تنقسم البلاد إلى 16 ولاية (Bundesländer)، لكل منها حكومة وبرلمان، لكنها تعمل ضمن إطار دستوري موحد يضمن التنسيق والتعاون بين الحكومة الفيدرالية والولايات، خصوصًا في مجالات مثل التعليم، الأمن، والصحة.

وقد ساهم هذا النظام في تحقيق تنمية متوازنة وتفعيل القدرات المحلية، دون الخروج عن الخطوط الكبرى للسياسات العامة للدولة. التعاون بين القطاعات والمؤسسات هناك ليس رفاهية، بل ضرورة مُنظمة ومؤطرة قانونيًا.

موريتانيا بحاجة إلى “فيدرالية تنموية”

أعتقد – وبكل قناعة – أن موريتانيا اليوم بحاجة إلى نمط مشابه، ولكن بطابع خاص أُسميه “الفيدرالية التنموية”. من يتابع المشاكل التنموية في موريتانيا، بغض النظر عن حجمها وتعقيدها، يدرك أن من أبرز العوائق هو تداخل المهام، وانعدام روح الشراكة المؤسسية بين القطاعات المختلفة.

فمن النادر – بل من المستحيل أحيانًا – أن نجد مشروعًا مشتركًا حقيقيًا بين الوزارات، أو استعدادًا لتبني فكرة عمل موحد يخدم أكثر من قطاع في آن واحد. وغالبًا ما تسير المشاريع بشكل انعزالي، ما يضعف فعاليتها ويضيع مواردها.

كما يقول أحد المغنين الشعبيين تباكيًا على ممتلكاته المهدورة:

يا الگوم الله ينسخ لغنم :: ماذ كالتْ من دهنْ إعل
وازرع عيشه و إلبن مريم :: يالگمح انت تسّمعْ لِ

وهنا تظهر الحاجة إلى استراتيجية جديدة، واضحة ومُفعّلة، يمكن أن نسميها “فيدرالية التنمية”. تقوم هذه الفكرة على إنشاء هيئة أو منسقية دائمة تكون رابطة بين القطاعات، بحيث يُعرض عليها أي مشروع قبل إطلاقه من طرف الجهة المعنية، لتقوم بالتنسيق مع الجهات الأخرى ذات الصلة.

فمثلًا، مشروع تقدمه وزارة الإسكان، يُعرض على وزارة الداخلية من أجل تأمينه، وعلى وزارة الشؤون الاجتماعية من أجل دمجه مع برامجها، دون أن يكون ذلك سببًا في تأخيره أو تعطيله.

بل وأكثر من ذلك، ينبغي إيجاد أرضية مؤسسية وثقافية تشجع على الشراكة بين القطاعات المختلفة، كخيار أول وليس كخيار بديل عند الضرورة.

“الفيدرالية التنموية” ليست مجرد تقسيم للسلطة، بل هي عقلية تنسيقية تتجاوز الحواجز البيروقراطية، وتنظر إلى التنمية بوصفها مشروعًا جماعيًا يتطلب تكاتف الجميع.

إن “الفيدرالية التنموية” ليست مجرد فكرة تنظيرية، بل هي استجابة واقعية لحاجة ملحة تفرضها طبيعة التحديات التي تواجهها موريتانيا اليوم. فالتنمية لم تعد ممكنة في ظل العمل الأحادي والانغلاق الإداري، بل تتطلب فكراً جديداً يؤمن بأن النجاح لا يتحقق إلا بالتكامل وتوزيع الأدوار بشكل واضح ومنسق.

تجارب العالم من حولنا، وخاصة النموذج الألماني، أثبتت أن التنسيق بين القطاعات لا ينتقص من صلاحيات أي جهة، بل يرفع من كفاءتها ويعزز أثرها. وإذا أردنا مستقبلًا تنموياً حقيقيًا لبلدنا، فلا بد أن نعيد النظر في طريقة تسيير مشاريعنا، وأن ننتقل من ثقافة الانفراد إلى ثقافة الشراكة.

و”الفيدرالية التنموية” قد تكون بداية هذا التحول، إذا توفرت الإرادة السياسية، والرؤية الواضحة، والآليات التنفيذية الفعالة.

يَلْگَمْحْ اسْمَعْلِي.

محمد الأمين لحويج

صدقة جارية