أخبار عاجلة
الرئيسية / آخر الأخبار / من ذكريات حرب الصحراء/ فياه ولد المعيوف رحمه الله

من ذكريات حرب الصحراء/ فياه ولد المعيوف رحمه الله

صورة نادرة تجمع المرحومين فياه وأحمدسالم

حدّث الإعلامي الشاعر بدر ولد موسى، قال:
كنت مع العقيد فياه ولد المعيوف رحمه الله، في بلدة (يغرف) بولاية آدرار، محل إقامته التقليدية بعد تقاعده.. و كانت معنا مجموعة ضيقة من أولاد آكشار (قبيلة فياه).
كان العقيد فياه يجيب على أسئلة ذويه المتعلقة بذكرياته عن حرب الصحراء.. ويرمي هؤلاء الأشخاص من وراء هذه الأسئلة المتباينة إلى تكوين فكرة عن الضباط القدامى الذي تميزوا ببسالتهم و شجاعتهم أثناء هذه الحرب تحت إمرة فياه عندما كان يقود المنطقة الشمالية.

سأل أحد الحاضرين عما كان يتردد لدى العامة من شجاعة الأمير العقيد أحمد سالم ولد سيدي؟
عند ذلك أشرق وجه فياه، الذي صمت برهة قبل أن يقول:
العقيد أحمد سالم ولد سيدي كان ضابطا عديم النظير.. كان يتمتع بخصلتين اثنتين: الهدوء التام في جميع المواقف والشجاعة في وقتها.
أتذكَر تنقلا جمعني به في الصحراء الغربية عندما التحق بي في مهمة عسكرية سرية.. كانت مهمتي تقتضي القيام على جناح السرعة بجولة تفتيشية للوحدات العسكرية في الصحراء.. وافق على مرافقتي واستقل معي سيارة القيادة.. جلس في المقعد الخلفي إلى جانب عنصر الاتصال.. و جلست في المقعد الأمامي إلى جانب السائق..
كانت الشمس تميل إلى المغيب.. و كنا نتحرك على أرضية مستوية تقطعها بين الفينة والأخرى تعرجات رملية صغيرة.. و أتذكر أن أحمد سالم كان يمسك بيده علبة بها بعض حبات الفول السوداني (گرْتَ)، كان يتلمظ حباتها بهدوء تام مصغيا بأذن واعية إلى حديثي على المخاطر التي نواجهها على هذا الطريق، وكان يقول إنه يفضل الفول السوداني على الأطعمة الرديئة التي نقدمها على مستوى جبهة القتال.
فجأة لعلع طلق ناري قوي فوق هاماتنا عبر الكثبان الواقعة سمتنا إلى الأمام.. إنه كمين..!
أخفى أحمد سالم علبة الفول في جيب بزته بكل هدوء و أخذ بندقيته وعلبا من الذخيرة الحية و بحركة واحدة قفز أرضا.. و ما كادت قدماه تلامسان الأرض حتى كان يتمترس خلف مرتفع صغير من الأرض و يرسل وابلا من الرصاص من فوهة بندقيته.
قلت في نفسي إنه يعرض نفسه لخطر كبير.. لقد كان عملاقا.. و كان جسمه مكشوفا للناظر من ألف جهة.. و كان يواجه رماة أفذاذا، كان يرفع إصبعه عن الزناد لمدة ثوان ليأخذ حبات من الفول يرميها في فمه قبل أن يتابع إطلاق ناره الشرسة..
كان إطلاق النار قويا من الجانب الآخر.. لدرجة أننا نحن في السيارة كدنا نهلك لولا أن قررنا أن نترجل..
كان يتلمظ حبات الفول ويتابع الرمي ببندقيته غير عابئ بالخطر.. كنت مشغول البال.. مركزا ناظري على هذا الضابط الذي لا أحب أن أفتقد مثله في البسالة والشجاعة.. لقد استغرقني المشهد لدرجة أنني لم أحرك ساكنا.. كانت بندقيتي بيدي.. و لكن لا جدوى من إطلاق النار.. فقد كفاني أحمد سالم مؤونة ذلك..
بدأ صوت بنادق المهاجمين يتراجع.. يخفُت.. يتباعد.. يؤشر إلى الضعف.. ثم تلاشى.
دامت المراماة حوالي عشر دقائق على الأكثر.. و عندها بدأ المهاجمون في الانسحاب.. نهض أحمد سالم و سار بخطى مطمئنة إلى السيارة.. وبنبرة لا تخلو من تهكم خاطبته قائلا: هل قدَرت الخطر الذي عرضت له نفسك بقضمك الفول السوداني وأنت في ميدان المعركة؟!
فأجابني بابتسامته البراقة قائلا: إن للفول السوداني، أيها العقيد، نكهة مثيرة..!!

كامل الود

من صف المدون x/y

صدقة جارية