أخبار عاجلة
الرئيسية / آخر الأخبار / مجموعة أولاد بالسباع.. الفهم الحصيف لمتطلبات العصر/د.سيداحمد ولد الأمير

مجموعة أولاد بالسباع.. الفهم الحصيف لمتطلبات العصر/د.سيداحمد ولد الأمير

مجموعة أولاد بالسباع.. الفهم الحصيف لمتطلبات العصر

بخصوص مجموعة أولاد بالسباع فبين أيدينا اتفاقية وقعها محمد بن أعمر السباعي مع أرنو دو سان جيرمان، الوالي الفرنسي بالسنغال وملحقاتها بسان لويس (اندر)، في 7 نوفمبر 1831م. وهذا الزعيم السباعي الذي وقع هذه الاتفاقية هو محمد بن أعمر بن مينحنا بن بوبكر السباعي، وقد كان رئيسا قويا ذا علاقات واسعة، وبيته بيت الزعامة في العبيدات من أولاد بالسباع. ويذكر المختار بن حامدٌ أن بيته – أهل بوبكرالسباعي – كانت لهم وساطة بين امراء الترارزه والشراكات الأوربية وكان لهم جزء من الإتاوات.

وقد كان محمد بن أعمر، موقع هذه الوثيقة، مهيمنا على الشواطئ الأطلسية الموريتانية مدبرا للعلاقات المحلية مع الأوروبيين عبر المحيط؛ لذلك نجد الاتفاقية تنص في أحد بنودها على التزام الطرف الموريتاني أي محمد بن أعمر السباعي على أن يقوم بنجدة وحماية الأوروبيين الذين يغرقون قرب الشواطئ التي يسكنها محمد، وتوصيلهم إلى سان لويس أو جزيرة غوري، وألا يسمح بنهبهم.

ولمحمد بن أعمر هذا خمسة أولاد منهم: محمد سالم الذي كان سيدا هماما ممدحا أخذ بثأر أبيه لما قتله بنو عموته بممالأة من أمير الترارزة محمد الحبيب. وله أخ اختطفه بحارة من الإنجليز ثم رجع وقد تمهر في اللغة الانجليزية. ومحمد سالم تمهر هو الآخر في اللغة الفرنسية، وكان سنة 1861 مترجما من الدرجة الرابعة بمحكمة سان لويس “اندر” كما ورد في “دليل السنغال وملحقاته” (Annuaire du Sénégal et Dépendances) الصادر عن الإدارة الفرنسية بالسنغال.

ومن هنا فإن محمد سالم وأخاه ابني محمد بن أعمر بن مِينَّحْنَ كانوا من الموريتانيين القلائل إن لم نقل النوادر الذين يتقنون اللغتين الفرنسية والإنجليزية في أواسط القرن التاسع عشر.

وهذه ميزة جليلة وخصوصية نادرة لا نجدها إلا عند أفراد من أولاد بالسباع، وهو ما كان له دور هام – في نظري – في تذليل كثير من العقبات مع الأوربيين، وفي فهم طرق التعامل معهم.

ونشير هنا إلى سباعي آخر في القرن التاسع عشر كان نادرة وقته في الذكاء والمهارة في السياسة وإبرام العلاقات وإتقان اللغة الفرنسية وهو اخيارهم بن المختار بن سيدي بن عبد الوهاب السباعي الدميسي، وزير أمراء الترارزة وسليل وزرائهم، قد ذهب إلى باريس سنة 1853 وهو ابن عشرين سنة لتعلم اللغة الفرنسية. وقضى سنة بفرنسا، وربما يكون بذلك أول طالب موريتاني يذهب إلى أوروبا، وذلك في عهد الامبراطور نابوليون الثالث. وقد حضر اخيارهم دخول نابليون الثالث باريس وهو قادم من حرب القرم بشرق أوروبا، وظل يتذكر تلك الاستعراضات العسكرية الضاربة في الفخامة كما يقول فريرجان في كتابه عن موريتانيا.

وكما كان اخيارهم يتحدث اللغة الفرنسية بطلاقة فقد مر بعد إقامته بباريس بمدينة ليفربول بأنكلترا وأقام بها برهة، وفيها أخذ بعض مبادئ اللغة الإنجليزية. وكان اخيارهم مستشارا مقربا لسبعة من أمراء الترارزة، أربعة من أبناء محمد الحبيب وثلاثة من أحفاده وهم: الأمراء سيدي وأحمد سالم واعلي وأعمر سالم بنو محمد الحبيب.

والأمراء محمد فال بن سيدي وأحمد سالم بن اعلي وأحمد سالم بن إبراهيم السالم. وكان أبوه المختار بن سيدي السباعي مستشارا مقربا من أعمر بن المختار ومن ابنه الأمير محمد الحبيب. وبهذا تكون هذه الأسرة السباعية قد ساهمت في تقوية إمارة الترارزة أثناء مفاوضاتها التجارية مع الفرنسيين، وجعل الجانب الموريتاني مدركا لجميع التفاصيل وليس بحاجة إلى مترجم أجنبي في الغالب يكون سنغاليا ينقل كلام الفرنسيين بالولفية ومن الولفية ينقله بعض الموريتانيين الحاضرين إلى الأمير بالحسانية، فتمر المعلومة المترجمة بأكثر من نظام لغوي وتفقد بذلك كثيرا من حقيقتها. ولذلك كان لهذه الأسرة السباعية، بحكم إتقان أفرادها للغات الأوروبية، الفضل في تجنب الكثير من عوائق التفاهم مع الأوروبيين، بل وتحسين فرص التفاوض، وما يعنيه ذلك من فوائد للجانب الموريتاني.

فإتقان بعض أفراد أسرة أهل مِينَّحْنَ وأهل عبد الوهاب السباعيتين للغات الأجنبية في النصف الأول من القرن التاسع عشر أمر سابق لأوانه في التاريخ الموريتاني، ويدل على وعي أصيل وفهم متحضر لوسائل العصر، فلولا إتقان هؤلاء للغات الأوروبية لما استفاد الموريتانيون من فرص تجارية هامة، ولما استوعبوا جانبا من رهانات التعامل مع الأوروبيين.

ومن المفيد أن نشير إلى أن مكانة أسرتي أهل بوبكر وأهل بدَّه الهامة وتأثيرهم البالغ على الشواطئ الأطلسية الموريتانية جعل الفرنسيين حريصين على توقيع اتفاقيات معهم، خصوصا وأن الإدارة الفرنسية في سان لويس في القرن التاسع عشر ظل غرق سفينة لاميدوز وجنوحها قرب الشواطئ الموريتانية في 2 يوليو 1816م حاضرا في أذهانهم. وسأتعرض لجنوح هذه السفينة وكون الرسام الفرنسي الشهير تيودور جيريكو والمشهور بلوحته الذائعة الصيت “طوافة الميدوز” (Le Radeau de La Méduse) كان قد رسم لوحة رائعة لأمير الترارزة أعمر بن المختار لموقفه الشهم من بعض الركاب الفرنسيين الناجين من الغرق لما التجؤوا إلى محصر الترارزة سنة بعيد جنوح السفينة.
__
د.سيدي احمد الأمير

صدقة جارية