أخبار عاجلة
الرئيسية / آخر الأخبار / المغرب وفرنسا.. أزمة حادة

المغرب وفرنسا.. أزمة حادة

شهدت العلاقات بين المغرب وفرنسا خلال العامين الماضيين، فترات توتر عدة، زادت حدتها بعد اتهامات وجهت إلى الرباط بالتجسس على مسؤولين فرنسيين، بمن فيهم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، بالإضافة إلى مسألة الصحراء، التي تعد من أبرز الخلافات بين البلدين.

وتناولت تقارير عدة في البلدين أسباب الخلاف بين المغرب وفرنسا، القوة الاستعمارية السابقة التي تضم جالية مغربية كبيرة، فالبعض يرى أن الخلاف سببه سياسة التقارب التي انتهجها ماكرون مع الجزائر، التي قطعت العلاقات مع المغرب في 2021، ويربطها آخرون باتهامات التجسس، التي تنفيها الحكومة المغربية.

الكاتب الفرنسي من أصول مغربية الطاهر بنجلون، تحدث عن ما سماها “الأسباب الحقيقية” للخلاف بين البلدين، إذ قال في مقابلة صحافية في يونيو الماضي، إن “ماكرون أظهر عدم الاحترام لملك المغرب” محمد السادس.

 وأضاف نقلاً عن ما وصفه بـ”مصادر موثوقة”، أن “ماكرون اشتكى للملك محمد السادس بشأن قضيّة بيجاسوس للتجسّس، وأعطى الملك كلمة الشرف للرئيس الفرنسي بأنه لم يجر التنصت على هاتفه”، مستطرداً: “ولكن ماكرون رد بطريقة غير لبقة جدّاً، وهو الأمر الذي لم يستسغه الملك”.

الصحراء.. غضب من موقف فرنسا

أحد أبرز الملفات الشائكة بين الرباط وباريس يتمثل في قضية الصحراء، فمنذ أن أعلن الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب اعتراف واشنطن بسيادة المغرب على الصحراء في مارس 2021، ضمن “اتفاق ثلاثي” مع إسرائيل، دعت الرباط وبشكل مباشر شركاءها في أوروبا إلى الحذو حذو الولايات المتحدة، وإعلان موقف واضح من النزاع.

وفي خطاب ألقاه خلال أغسطس 2022، قال الملك محمد السادس إن “ملف الصحراء هو النظارة التي ينظر بها المغرب إلى العالم”، معتبراً في السياق نفسه أنه “المعيار الواضح والبسيط الذي يقيس به صدق الصداقات ونجاعة الشراكات”.

واتسم الخطاب الرسمي المغربي بالحدّة تجاه حكومات الدول الأوروبية، كاشفاً عن تحول جذري في استراتيجية الرباط.

وخلال مؤتمر صحافي مع نائب الوزير الفيدرالي للشؤون الأوروبية والدولية للنمسا بيتر لونسكي في نهاية فبراير الماضي، قال وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة “يجب على أوروبا أن تخرج من منطقة الراحة، وتبحث عن حل لهذا النزاع”، وانتقد في الوقت نفسه عدم انخراط العواصم الأوروبية في ما وصفه بـ”الدينامية” التي يشهدها ملف الصحراء.

وأضاف: “لا يجب الاكتفاء بدعم مسلسل طويل يُمكن أن يمتد لسنوات”.

وفي ضوء هذا الموقف المغربي بشأن الصحراء، أعلنت ألمانيا وإسبانيا وبلجيكا وهولندا والنمسا، إضافة إلى دول مجموعة “فيشجراد” التي تضم المجر وبولندا وجمهورية التشيك وسلوفاكيا، دعمها للمقترح المغربي للحكم الذاتي الذي قدمه في 2007.

لكن كل هذه المواقف، لم ترقَ إلى مستوى الاعتراف الصريح بسيادة المغرب على الصحراء، على غرار ما أعلنته إدارة ترمب، ثم حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في يوليو 2023.

وانتظرت الرباط أن تُبادر باريس إلى تأييد الموقف الأميركي، والإعلان بشكل صريح اعترافها بمغربية الصحراء، لكن توقعاتها اصطدمت بحسابات دبلوماسية غير منتظرة، مع إبداء الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون رغبته في إنهاء صفحة الخلافات مع الجزائر، الداعم الرئيسي لجبهة “البوليساريو”، وإرساء أسس علاقات متوازنة معها.

وفي حديث لـ”الشرق”، رأى نيكولا دوبون إينيون، المرشح السابق للرئاسة الفرنسية ورئيس حزب “Debout la France”، أن كل المؤشرات تؤكد أن “سُخط المغرب تجاه فرنسا نابع من الموقف الغامض الذي اتخذه ماكرون فيما يتعلق بالصحراء الغربية”.

ملك المغرب محمد السادس والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خلال تدشين خط جديد في محطة قطارات طنجة المغرب - 15 نوفمبر 2018 - REUTERS
ملك المغرب محمد السادس والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خلال تدشين خط جديد في محطة قطارات طنجة المغرب – 15 نوفمبر 2018 – REUTERS

وانتقد إينيون، وهو أيضاً عضو لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان الفرنسي، الموقف الرسمي لبلاده قائلاً “على عكس إسبانيا والولايات المتحدة، اللتين أعلنتا بوضوح أن الصحراء يجب أن تكون مرتبطة بالمغرب، رفضت فرنسا ذلك من أجل عدم إثارة غضب الجزائر، وهو ما يُمثل بالنسبة للسلطات المغربية حالة من الخذلان”.

وألقى شارل سان برو، مدير مرصد الدراسات الجيوسياسية الفرنسي في باريس في تصريح لـ”الشرق”، باللوم على ماكرون و “سياسته الخارجية”، التي قال إنها “تسببت في تأزيم العلاقة مع الرباط”، مضيفاً “فرنسا ليست ماكرون.. وفرنسا ستكون دائماً حاضرة إلى جانب المغرب خلال اللحظات العصيبة”.

وذهب إلى الرأي نفسه عضو البرلمان الأوروبي عن “التجمع الوطني اليميني” (حزب فرنسي من أقصى اليمين) تيري مارياني، الذي قال لـ”الشرق” إن ماكرون “أضاع فرصة تاريخية للمضي قدماً في قضية الصحراء، من خلال الاعتراف بسيادة المغرب، كما فعلت إسرائيل والولايات المتحدة”.

وتتبنى فرنسا موقفاً وسطاً من النزاع، وذلك عبر دعمها لمقترح الحكم الذاتي كحل “جدي وذي مصداقية”، وتأكيدها في المقابل ضرورة احترام المسار الأممي من أجل التوصل إلى تسوية تُرضي جميع الأطراف.

وخلال مؤتمر صحافي مع نظيرها المغربي ناصر بوريطة في ديسمبر 2022، قالت وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا: “فيما يخص مخطط الحكم الذاتي، فإن موقفنا يدعم المغرب، وأظهرنا ذلك في الأمم المتحدة، حتى في وقت كنا الوحيدين الذين لديهم الإرادة لتطوير بعض الأفكار”.

وتتوجس الرباط من خطوات التقارب الفرنسي الجزائري، الذي تعتبره “إخلالاً بمبدأ التوازن” بين بلدان المنطقة المغاربية، ما من شأنه أن يخلق وضعاً جديداً لا يتماشى ومصالحها.

وانخرط ماكرون في مصالحة مع الجزائر، بهدف وضع حد لعقود من المد والجزر التي وسَمت العلاقات بين البلدين، وخاصة فيما يتعلق بملف الذاكرة وفترة الاستعمار.

صدقة جارية