أخبار عاجلة
الرئيسية / آخر الأخبار / ترجمة العلامة محمد يحيى الولاتي الشنقيطي ورحلته الحجازية 017

ترجمة العلامة محمد يحيى الولاتي الشنقيطي ورحلته الحجازية 017

 

1 – الشيخ محمد يحيى:
=============
في عام 1259هـ – 1834م ولد بمدينة ولاتة، وبها نشأ يتيما تحت رعاية أمه: عزيزة بنت الحاج، وعن علمائها – وهم يومئذ من الوفرة بمكان – أخذ؛ فنبغ وهو حدث نبوغا خارقا، ساعدته عليه همة عالية ترى “أن ضوء النهار أغلى من أن يضيع في غير المطالعة”، وبيئة علمية ملأ صيتها الآفاق شرقا وغربا.
إنه الفقيه محمد يحيى بن محمد المختار الداودي، الولاتي، المالكي، الأشعري، التيجاني، الذي لا تذكر ولاتة إلا وذكر، ولا يذكر إلا وذكرت؛ فقد عرفته طالبا مثابرا، وشيخا مميزا، وقاضيا عدلا (خلافا لقول محقق الرحلة في ص9: “لم يتول خطة شرعية، ولا مدنية”)؛ من ما جعلها حين شد رحله للحج سابع رجب من العام 1311هـ تفتقده وتحن إليه، يقول العلامة المختار بن انْبَالَّهْ:
لئن غاب عن ولاته يحيى فإنها == تغيَّب عنها نورها وشبابها
وغيب عنها نحوها وبيانها == وغيب عنها فقهها وصوابها
حلاه في شجرة النور الزكية بـ” خاتمة المحققين، وعمدة العلماء العاملين، وحيد عصره حفظا وعلما وأدبا، جامع لصفات العلوم موهوبا ومكتسبا، بقية السلف وقدوة الخلف”.
بدأ الشيخ مسيرته التأليفية في مقتبل عمره؛ حيث نظم معاني الحروف من “مغني اللبيب” وهو لما يتجاوز السابعة عشرة من عمره، وفي سن الثامنة عشرة كان قد شرح ألفية السيوطي في البيان، كما شرح وهو في الخامسة والعشرين “مراقي السعود”، وناهيك بمن برّز في المتمات وهو ما يزال في تلك المرحلة من العمر.
من تآليفه:
– شرح صحيح البخاري.
– شرح منظومة ورقات إمام الحرمين للشيخ سيدي محمد الخليفة.
– المجاز الواضح، وشرحه الدليل الناصح، في القواعد.
– شرح تكميل ميارة للمنهج، في القواعد أيضا.
– منبع الحق والتقوى.
– شرح مرتقى الوصول في علم الأصول لابن عاصم.
– الرحلة الحجازية.
– مجموعة فتاوى وردود.
وغير هذا من المؤلفات، في شتى فنون المعرفة.
ومن شعره قوله لما قارب المدينة المنورة في زيارة المصطفى – صلى الله عليه وسلم – والتوسل به إلى الله – عز وجل – في قبول عمله وقضاء مآربه كلها:
يا نبي الهدى أتاك فقير == أوثقتْه الذنوب فهْو أسيرُ
يبتغي شرح صدره لمتاب == من ذنوب بها الفؤاد كسير
وأمانا ومأمنا ومفازا == ولقاء به الحساب يسير
وبلوغا لمقصدي ونجاحا == ورباحا به النماء كثير
قاصدا نحو بابكمْ مستغيثا == للخطايا وأن يهون عسير
ما له سوى جاهكم ملاذ == والمحتمي بجاهكم لا يضير
يا غياث الغياث أنت غياثي == وملاذي بغيثكم أستجير
فأغثني بالأمان دنيا وأخرى == يا شفيعا للمذنبين يجير
أخذ عنه جماعة، منهم: محمد بن أحمد الصغير، ومحمد بن انباله، ومحمد المختار بن انباله، والمرواني ابن احماد، وآخرون غيرهم كأبنائه، وكالذين ذكر في رحلته من المشارقة.
توفي محمد يحيى عام 1330هـ – 1912م عن عمر ناهز 71 عاما، كانت كلها مليئة بالعطاء العلمي المميز، الذي شهد له به القاصي والداني، يقول تلميذه الفقيه سيداتي مشيرا لتاريخ وفاته في مرثيته له، ومتحدثا عن مبلغه من العلم:
محمد يحيى شيخنا حييت به == علوم وماتت حينما كان مقبرا
فـ”بشرك حق” كان تاريخ موته == تأمل تجد سرا هناك مجذرا
بكى الفقه والأصلان والنحو فقده == وتفسير آي والحديث وما جرى
وما للبيان من بيان وراءه == وعلم المعاني معْه معناه أقبرا
أطالبَها ألق العصا والزم الأسى == فإن الذي تبغيه غيّب في الثرى
“حلولو” و”سعد الدين” يركب لجة == من البحر ذاك العلم فيها تحيرا
ولو أن تاج الدين أبصر نوره == لصيره تاجا على الرأس مزهرا
وأنى لفخر الدين فخر كفخره؟ == ومن رام إمساك الثريا تعذرا
كطفل لقبض البدر قد مد راحة == “وإنا لنرجو فوق ذلك مظهرا”
وأسنى صلاة الله ثم سلامه == على المصطفى سر الوجود لمن درى
دفن – رحمه الله تعالى – بمقبرة ولاتة، ونقش على قبره:
هذا ضريح من به == علم الشريعة انتشر
ألف في حياته == مائة سفر وعشر
2 ـ الرحلة الحجازية:
===========
خرج الشيخ محمد يحيى من ولاتة قاصدا الحج لسبع ليال خلون من رجب الفرد من العام الحادي عشر بعد ثلاثمائة وألف [1311ه- = 1894م]، ولم يرجع إلا بعد ست سنوات وثلاثة أشهر؛ حيث ألقى عصا التسيار بأروان لستة من شوال من العام السابع عشر بعد ثلاثمائة وألف [1317هـ = 1900م].
ست سنوات وثلاثة أشهر قطع فيها الشيخ مسافات طويلة، وتعرف فيها على ثقافات مختلفة، ودخل خلالها نقاشات علمية (تستحق تلك اللقاءات العلمية التي أشار لها الولاتي في رحلته دراسة مستقلة، تسبر أغوارها؛ فتميط اللثام عنها، مجلية قيمتها العلمية)، كالتي دخل مع مفتي أهل إيليغ محمد بن العربي الأدوزي وغيره، كما درّس فيها، وتلقى الإجازات وأجاز، وألف المؤلفات وشرحها، وزار الأماكن المقدسة، واقتنى الكتب النفيسة، وتعرف على السلاطين.
لقد سجل محمد يحيى أحداث رحلته ومراحلها تسجيلا دقيقا؛ فتوقف عند ذكر الطرق والمنازل، وذكر بالاسم أغلب من لاقى من السلاطين والعلماء وما قدموا له من هدايا، كما استطرد خلالها بعض أشعاره، وضمنها فتاواه وردوده، واستفاض في الوصف الدقيق لمعالم الحرم الشريف حين كان يؤدي مناسكه، الأمر الذي جعل الدكتور محمد حجي محقق الرحلة ينبه إلى أن القسم المتعلق منها بالحرمين الشريفين هو أهم محتوياتها؛ بل يقترح أن “يطبع على حدة كدليل للحج السني”.
هذا وقد صدرت الطبعة الأولى للجزء الأول من هذه الرحلة عام 1990م، بالاشتراك بين معهد الدراسات الإفريقية بالرباط ودار الغرب الإسلامي، تولى التعليق عليها الدكتور محمد حجي، وقد قام بتقسيمها إلى:
– القسم الأول (15 – 73): بدء الرحلة من ولاتة في 7 رجب 1311ه- (14 يناير1894م).
– القسم الثاني (75 – 100): الخروج إلى شنقيط فاجليميم.
– القسم الثالث (101 – 164): الرحيل إلى تزروالت فالصويرة ثم الرباط.
– القسم الرابع (165 – 210): إبحار المؤلف إلى الحجاز، ومكثه في البقاع المقدسة ستة أشهر.
– القسم الخامس (211 – 270): ذهاب المؤلف إلى مصر.
– القسم السادس (271 – 312): وصول المؤلف إلى تونس، وإقامته بها ثمانين ليلة.
– القسم السابع (313 – 403): عودة المؤلف إلى المغرب.
ولعل الله يمن بتحقيق جديد لهذه الرحلة، يتدارك بعض الأخطاء والنواقص – وهي ملازمة للعمل البشري – التي وقعت في الطبعة الأولى للتحقيق الأول؛ فمن النواقص ما وقع في ترجمة المؤلف من نقص في التعريف به، ومن الأخطاء المطبعية نذكر على سبيل المثال لا الحصر:
**ـ ص387: الخطأ: (ففضه، وقرأه، وقتله، وقال على الرأس). الصواب: (وقبَّله).
**ـ ص188: الخطأ: (وعليك من الإله صلاة “شطر بيت”). الصواب: (وعليكم ……..).
**ـ ص388: (معنت في الباطل،….، وحصتها). (متعنت في الباطن .. وصحتها).
**ـ ص171- 172- 175- 186: الخطأ: (استداد – المعشر – صاحبة – الحنيفة ..). الصواب: (اشتداد – المشعر – صاحبه – الحنفية).

صدقة جارية