أخبار عاجلة
الرئيسية / آخر الأخبار / الغاز الموريتاني: هل يحقق آمال النهضة الاقتصادية؟

الغاز الموريتاني: هل يحقق آمال النهضة الاقتصادية؟

أثار الإعلان عن الاكتشافات الغازية الوفيرة في موريتانيا آمالاً لدى المواطنين الموريتانيين بنهضة اقتصادية وتغيّر ملموس في أحوالهم، حيث يرزح نحو 31 في المئة من السكان البالغ عددهم 4 ملايين نسمة تحت خط الفقر. يصنف البنك الدولي موريتانيا ضمن “الدول الأقل تطوراً”، حيث تحتل المرتبة 160 من أصل 189 دولة حسب الترتيب العام المعتمِد على مؤشر النمو.. وهذا على الرغم مما تحتضنه أرض موريتانيا ومياهها من ثروات. 

الغاز الموريتاني في أرقام

تمتلك موريتانيا حسب المؤشرات الأولية احتياطات تصل إلى أكثر من 100 تريليون قدم مكعب من الغاز، ما يجعلها في المرتبة الثالثة إفريقياً بعد نيجيريا والجزائر. ينبه بعض الخبراء إلى كون هذه الاحتياطيات الكبيرة قد لا تكون قابلة للاستخراج كلها، وبحسب خبير في الصناعات الاستخراجية “فقد حبا الله موريتانيا بمساحة شاسعة مميزة جيولوجياً بوجود حوضين رسوبيين تشير المؤشرات إلى أنهما غنيان بالنفط والغاز، وهما حوض “تاودني”، الذي يعتبر أكبر حوض رسوبي في غرب إفريقيا، وتبلغ مساحة حصة موريتانيا منه حوالي 500 ألف كلم مربع، والحوض الساحلي الموريتاني الذي تصل مساحته إلى حوالي 184 ألف كلم مربع، وهو أيضاً جزء من حوض كبير تتقاسمه موريتانيا والسنغال وغامبيا وغينيا بيساو وغينيا كوناكري. 

مقالات ذات صلة

 أرض غنية وشعب فقير.. كيف تدار ثروات موريتانيا؟

وتشير الدراسات الجيولوجية إلى أن مياه الأطلسي قد تخفي قبالة سواحل الغرب الإفريقي أكبر حقول الغاز الطبيعي في العالم، ولا تتجاوز الاكتشافات التي تمت حتى الآن 10 في المئة فقط من مساحة الحوض الساحلي الموريتاني”. كما يضيف هذا الخبير أنه يوجد حتى الآن ثلاثة حقول موريتانية في طور التطوير، وهي حقل “باندا” وحقل “بئر الله” وحقل “أحميم”. تم اكتشاف حقل باندا في العام 2002 وهو يقع على بعد نحو 60 كيلومتراً من العاصمة نواكشوط، وتقدر احتياطاته بـ 1.2 تريليون قدم مكعب من الغاز. وقد تم توقيع مذكرة تفاهم مع شركة “نيو فورتريس انرجي”، في كانون الأول / ديسمبر 2021 لتطوير إنتاج الكهرباء منه، عن طريق تزويد محطة الطاقة المزدوجة بقدرة 180 ميغاوات بالغاز، وإنشاء محطة جديدة لإنتاج الكهرباء بقدرة 120 ميغاوات في أفق 2024.

تمتلك موريتانيا حسب المؤشرات الأولية احتياطات تصل إلى أكثر من 100 تريليون قدم مكعب من الغاز، ما يجعلها في المرتبة الثالثة إفريقياً بعد نيجيريا والجزائر.

أما حقل بئر الله”، الذي تقدر احتياطاته بحوالي 80 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي، فقد وقعت موريتانيا وشركة “بي بي” في تشرين الأول / أكتوبر 2022 على عقد استكشاف وتقاسم الإنتاج للحقل لمدة 30 شهراً من أجل استكمال الدراسات الهندسية والجيوفيزيائية، ودراسات الجدوى، والوقوف على مدى إمكانية استخدام ميناء “انجاكو”، مما سيسمح باتخاذ القرار الرسمي للاستثمار بعد ذلك في أفق 2025.

وحسب الخبير ” تحمل تلك الخطوة نوعاً من الالتفاف على قانون مدونة المحروقات للاحتفاظ بمنطقة الامتياز، وهي استثمار في أزمة الطاقة الأوروبية بكل ما تحمله الكلمة من مخاطر أو مزايا اقتصادية وجيوسياسية وأمنية”.

وبخصوص حقل “أحمييم” المشترك مع السنغال، فهو الحقل الوحيد حتى الآن الذي اتخذ بحقه قرار نهائي بالاستثمار للمرحلة الأولى منه العام 2018. بلغت نسبة إنجاز الأشغال فيه أكثر من 85 في المئة، ومن المتوقع أن يبدأ إنتاج الغاز المسال وتصديره نهاية العام الجاري 2023 أو في مطلع العام القادم.

أحاديث الغاز وترقّبه تفرض تَذكر الماضي وعلاقة السلطة في موريتانيا مع إدارة الثروات الطبيعية، وتجعل التخوفات من حدوث فساد معوِّق لأحلام الموريتانيين مشروعة جداً، إذ تستحضر خيبات الموريتانيين مع الاكتشافات النفطية وإدارة ما استخرج منه.

 يعاني الحقل المشترك من منافسة دولية شرسة، وعائدات متواضعة خلال المرحلة الأولى، مع محتوى محلي شبه معدوم، ومخاطر بيئية مهدِّدة، ومخاوف أمنية وجيوسياسية، خاصة في ظل الكشف عن الخطة الأوروبية للتخلي تدريجياً عن الغاز الروسي، وهو ما بات يعيد إلى الأذهان الحديث عن النسخة الإفريقية من حرب أنابيب الغاز العابرة للحدود، التي قد تساهم في إعادة رسم الخارطة الجيوسياسية للمنطقة، بل قد يصل الأمر إلى إعادة رسم الحدود البحرية، حيث حقول النفط والغاز الكبيرة. ويقول الخبير أنه “جاري التفاوض على المرحلة الثانية من المشروع، ومن المتوقع أن يتخذ القرار النهائي قبل نهاية العام الجاري، وقد تتطلب استثمارات تصل إلى حوالي 5 مليار دولار”.

حديث عن إدارة الملف وضرورات النهضة الغازية    

أحاديث الغاز وترقّبه تفرض تَذكر الماضي وعلاقة السلطة في موريتانيا مع إدارة الثروات الطبيعية، وتجعل التخوفات من حدوث  فساد معوِّق لأحلام الموريتانيين  مشروعة جداً، إذ تستحضر خيبات الموريتانيين مع الاكتشافات النفطية وإدارة ما استخرج منه، خاصة أن البلد لم يتغير حاله كثيراً في مجال الفساد ومكافحته على الرغم من الشعارات التي ترفعها السلطة الحاكمة. حلت موريتانيا في المرتبة 140 من أصل 180 دولة حول العالم في مؤشر مدركات الفساد الذي تصدره (2) عن الفساد في العالم. 

مقالات ذات صلة

 ذهبُ موريتانيا بين المتبطّلين وشركات النهب الدولية

على الرغم من ذلك، يأمل الموريتانيون في أن يكون حال غازهم أفضل من النفط والذهب والحديد والثروة السمكية! موريتانيا قادرة على أن تكون من ضمن دول العالم الغنية خلال عقدين على الأكثر، إذا تمّ الاستثمار بشكلٍ صحيح، وذلك لأن مقدرات الغاز والهيدروجين هائلة. أما الطريقة الأمثل لجني مداخيل قادرة على تغيير حالة الاقتصاد الموريتاني فهي خلق شركات وطنية قادرة فنياً ومالياً على استغلال الموارد، بحيث تتحول الدولة من شريك يتم تمويله إلى شريك فعلي، ويتحول هذا الغاز والأموال المتأتية منه إلى نهضة في مجال الصحة والتعليم والزراعة والتشغيل والصناعة والبنى التحتية وغير ذلك من المجالات.

حلت موريتانيا في المرتبة 140 من أصل 180 دولة حول العالم في مؤشر مدركات الفساد الذي تصدره منظمة الشفافية الدولية. على الرغم من ذلك، يأمل الموريتانيون بأن يكون مصير غازهم أفضل من النفط والذهب والحديد والثروة السمكية! 

ويقول الخبير الخراشي أن “أبرز ما يميّز مسيرة الغاز الموريتاني هو توالي اكتشافاته في مرحلة حاسمة من تاريخ الطاقة في العالم، وكذلك الاستفادة من التجربة المبكرة في مجال النفط، حيث اعتمدت موريتانيا سنة 2010 “مدونة المحروقات الخام”، وهي الإطار القانوني والضريبي لعقد الاستكشاف وتقاسم الإنتاج الذي ينظم العلاقة بين الشركات العاملة في استغلال الغاز والدولة الموريتانية. الجدير بالذكر أنّ أسوأ ما ميز مسيرة الغاز الموريتاني هو الغموض وعدم شفافية المعلومات المتعلقة بالملف، وإدارته بشكل منفرد، كما أنّ أهم الحلقات المفقودة في ملف الغاز هي ندرة الدراسات والبحوث التحليلية الوطنية الاقتصادية والاجتماعية.

أحمد ولد جدو

كاتب ومدون من موريتانيا

صدقة جارية